راعـــي بريدة
31-10-08, 03:53 pm
ماجعلني أسجل إسم مستخدم في هذا المنتدى هو هذا المقال
وأردت من خلال هذا النقل أن أرى الأصداء عند أبناء بريدة لما كتب لكي تتضح أمامي الصورة أكثر فأكثر
وخاصة أنني أعرف أن بريدة هي المدينة المقدسة لدى أهلها
وتجدونه في هذا الرابط :
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2954&id=8005&Rname=213
[align=center].
http://www.alwatan.com.sa/news/images/alwatan_logo.gif
.الجمعة 2 ذو القعدة 1429هـ الموافق 31 أكتوبر 2008م العدد (2954) السنة التاسعة
عبد الرحمن الوابلي
راعي بريدة كله خير لو ما صلى
المدن كالأشخاص، لكل منها ميزة تميزها عن غيرها, وقد تكون ميزة بعض المدن، غير واضحة إلا لسكانها والقريبين منها، أما بعض المدن فتكون ميزتها صارخة، ولافتة للأنظار للقريبين منها وللبعيدين عنها. ومدينة بريدة هي من النوع الثاني، حيث تعلو من داخلها أصوات، مطالبةً بقيم المحافظة الاجتماعية والدينية والتشديد عليها، وبنفس الوقت، أصوت أخرى نقيضة لها مطالبةً بالانفتاح الاجتماعي والتسريع به. وهذان الصوتان المتناقضان، والصادران من نفس المدينة، أربكا الكثيرين من المراقبين وأصابا الكثيرين منهم بالدوار؛ لغرابة هذه الظاهرة الاجتماعية التي تميزت بها هذه المدينة دون غيرها من المدن النجدية. وعلو وقوة هذين الصوتين الصادرين من مدينة بريدة، لم يكونا ليلفتا انتباه باقي سكان مدن المملكة، لو كان الأمر يخص المدينة وحدها، ولكنه ينطلق منها بالحدة والقوة التي تؤثر عليهم هم أيضاً، سواء بالسلب أو الإيجاب. وعليه أخذت الأنظار تنصب على المدينة، حيث أصبحت مؤشر بورصة للتغيرات الاجتماعية بالمملكة.
وظاهرة اجتماعية بهذه القوة والغرابة، من التبسيط والسذاجة، تفسيرها بظروفها الحالية، أو نسبتها لشخص أو أشخاص، حيث هي مزاج اجتماعي عام للمدينة. ولفهم هذا المزاج الاجتماعي العام للمدينة واستيعابه، والحكم عليه، يحتاج الأمر إلى قراءة دقيقة وتفصيلية لتاريخ المدينة الاجتماع - اقتصاد - سياسي، والذي أدى لتشكيل هذه الظاهرة الغريبة وديمومتها بالمدينة، لتشكل جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها. ولن تسمح مساحة المقال الصحفي بتناول المسببات لظهور ونمو هذا المزاج الاجتماعي العام الذي شكل هذه الظاهرة، التي اتسمت بها بريدة دون غيرها من المدن النجدية، إلا بشكل مقتضب.
فمدينة بريدة نشأت كبلدة نجدية بعد تأسيس ونشوء البلدات النجدية الأخرى، سواء في منطقتها القصيم، أو مناطق العارض والحريق والوشم وسدير، بحوالي قرن ونصف أو أكثر؛ إذاً فهي بلدة حديثة نسبة للبلدات النجدية الأخرى. حيث تأسست معظم البلدات النجدية كإقطاعيات قبلية، تحولت بعدها لإقطاعيات عائلية، تسيطر عليها أسر حاكمة، تتحكم بها وتدعي ملكيتها دون غيرها. وتم تشكيل بلدة بريدة، كمشروع نجدي جاذب للعوائل والأسر النجدية المتضايقة من الضغط والاحتراب الداخلي داخل بلداتها؛ بسبب تحكم وسيطرة أسر البلدات الحاكمة. إذاً فبريدة نشأت كمشروع بلدة على طراز جديد، يختلف عن طراز باقي البلدات النجدية. والتي تهافت لسكناها عوائل وأسر نجدية تجارية، أتت للبحث عن الرزق وفرص العيش المفتوحة بعد أن أغلقت في وجهها في بلداتها الأصلية.
وكان موقع المدينة جداً موفقاً، من ناحية إحاطتها، بأراض خصبة وصالحة للزراعة بين هضاب وكثبان رملية، يسمى كل موقع منها " خب " وجمعها " خبوب." كما أن السكان الذين أسسوها وبنوها، هم من التجار الذين تمت إعاقة مشاريعهم التجارية في بلداتهم الأصلية. وعليه اتفقوا بينهم ضمنياً، ولعدم تكرار مأساتهم السابقة بأن المدينة ليست ملكاً لأحد، وإنما هي مكان للتجارة والعيش المشترك. وأصبح يديرها مجموعة من التجار، والأمير ينفذ قراراتهم. وسمي مجلس إدارة المدينة، بمجلس "الجماعة." وينضم لهذا المجلس كل شخص يتفوق بتجارته، بغض النظر عن أصله أو فصله، أو حداثة أو قدم وجوده بها.
وهكذا تم الاستثمار بزراعة الحبوب من قبل تجار المدينة، الذين أخذوا يسوقون منتجهم الزراعي الوفير نسبياً على البلدات المجاورة والقبائل البدوية المحيطة بها. ولما توفر لديهم فائض من رأس مال تجارتهم بالزراعة، وسعوا مجال تجارتهم، بجلب بضائع أخرى مثل القماش والقهوة والهيل والأواني والمصنوعات الخشبية، من الحجاز والأحساء، إلى سوق بلدتهم، وأخذوا يسوقونها كذلك على البلدات والقبائل المحيطة للبلدة. وكانوا يؤمنون بنظريات تسويقية أثبتت نجاحها مثل " اكسب قليلاً بسعر السلعة وبع منها الكثير." و" مكسب الزبون، مقدم على مكسب السلعة." وهكذا انتشرت سمعة البلدة التجارية وتخطت حدودها النجدية.
ولثقة القبائل بتجار بلدة بريدة وتنامي سوق المدينة السريع، جعلوا من سوقها سوقاً لتسويق مواشيهم من الخيل والإبل والأغنام. ولذلك وسع بعض التجار مجال تجارتهم، ليشمل، تجارة شراء المواشي من البدو، وتسويقها خارج الجزيرة العربية، مصر والأردن وفلسطين وسوريا والعراق. وشراء بضائع من هناك وتسويقها في نجد. وقد مارس هذه المهنة الكثير من التجارٍ؛ والذين أطلق عليهم مسمى" العقيلات."
وهكذا أصبحت البلدة خلية نحل من العمل التجاري الدؤوب. وكان مجلس إدارة المدينة " الجماعة" يحرص على عدم الدخول في الحروب والخلافات السياسية التي كانت تنتشر في بلدات نجد آنذاك، ولو أدى ذلك لدفع أموال من أجل تجنيب المدينة آفة الحروب والنزاعات. وهذا خلق فيها مناخ استثماري مستقر وجاذب للمزيد منه. وكان التاجر يعتمد في تنمية تجارته على أبناءه، وإعدادهم للتجارة لا للحروب.
وهكذا وزع التاجر أبناءه على إدارة تجارته المحلية بالسوق، وتجارته الخارجية. وعليه قام بتوزيع أبنائه لإدارة هذين الفرعين من تجارته. وحيث هو متواجد بالسوق، فقد اختار من أبنائه الذين يتمتعون بجرأة متواضعة للبقاء معه في إدارة تجارته في سوق البلدة. أما أبناؤه الذين يلمس فيهم الجرأة إضافة إلى الذكاء والنجابة، فهو يرسلهم لإدارة تجارته الخارجية. وأصبح يدير البلدة تاجران، تاجر " ثابت" في السوق وآخر " جوال" يتحرك بين مصر والأردن وفلسطين والشام والعراق.
وكان الأب التاجر يغرس في أبنائه الجوالين، قيم الانفتاح والتسامح، حيث هم سوف يتعاملون مع تجار ومجتمعات من جميع الإثنيات والأديان والحلل والملل. وهكذا مع احتكاكهم بالخارج أصبحوا يؤمنون بقيم الانفتاح والتسامح، حيث جربوها وخدمتهم في تجارتهم. وقد كسبوا شهرة كبيرة في أسواق مصر وفلسطين وسوريا والعراق. وتم الطلب من بعضهم بالاستقرار في تلك البلدان، وتكوين أسر لهم، ليقوموا بدور السفراء المستقرين لخدمة ورعاية تجارة بريدة هناك.
أما أبناء التاجر " الثوابت "، الذين تواجدوا معه في السوق، والذين هم أقل جرأة من أشقائهم " الجوالين،" فقد غرس فيهم قيم البلدات المحافظة، التي كانت تطبق بالبلدات النجدية آنذاك؛ لكي ينضبطوا في تواجدهم في المتجر من أول النهار حتى آخره. ومن هذه القيم، عدم السهر واللهو والتدخين، والمحافظة على الصلوات جماعة، والتمسك بمظاهر التدين الخارجية. وإمعاناً في ضبط سلوك أبنائه في السوق؛ قام بتمويل فرق المطاوعة، الذين أخذوا يجوبون شوارع البلدة الخلفية ومحيطها الخارجي؛ للتأكد من أنهم لا يخرجون عن النسق السلوكي المحافظ للبلدات النجدية. وقد أثمر هذان النمطان من التربية في خدمة تجارة الأب الخارجية منها والداخلية وبشكل منقطع النظير.
وكان التاجر البريداوي، يغرس في كلتا الفئتين من أبنائه الاستقلالية والثقة بالنفس. وهكذا خلق في بيته، جيبين واحد محافظ منغلق وآخر ليبرالي منفتح، وكل منهما قد جرب نجاح طريقة سلوكه في حياته؛ ولذلك تمسك بها، وأخذ يدافع عنها، ويربي أبناءه عليها. ولكي لا يصطدم النمطان السلوكيان المتناقضان في بيت التاجر، زرع فيهم الولاء الشديد للعائلة، بشكل خاص، وللمدينة بشكل عام. حيث روج بينهم المثل القائل " مجازياً"، "راعي بريدة كله خير لو ما صلى".
ولهذا فليس بالمستغرب، بأن يكون في المدينة منبران عاليا الصوت، واحد يطالب بقيم المحافظة الاجتماعية، وآخر ينادي بقيم الانفتاح والتسامح الاجتماعي، وبنفس الوقت متعايشان. ودخول سكانها في معارك ثقافية وتمويلية وتنظيمية من أجل ذلك. والسؤال، هو أي النسقين الذي يعبر عن روح بريدة وثقافتها الحقيقية؟
* كاتب سعودي
وأردت من خلال هذا النقل أن أرى الأصداء عند أبناء بريدة لما كتب لكي تتضح أمامي الصورة أكثر فأكثر
وخاصة أنني أعرف أن بريدة هي المدينة المقدسة لدى أهلها
وتجدونه في هذا الرابط :
http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2954&id=8005&Rname=213
[align=center].
http://www.alwatan.com.sa/news/images/alwatan_logo.gif
.الجمعة 2 ذو القعدة 1429هـ الموافق 31 أكتوبر 2008م العدد (2954) السنة التاسعة
عبد الرحمن الوابلي
راعي بريدة كله خير لو ما صلى
المدن كالأشخاص، لكل منها ميزة تميزها عن غيرها, وقد تكون ميزة بعض المدن، غير واضحة إلا لسكانها والقريبين منها، أما بعض المدن فتكون ميزتها صارخة، ولافتة للأنظار للقريبين منها وللبعيدين عنها. ومدينة بريدة هي من النوع الثاني، حيث تعلو من داخلها أصوات، مطالبةً بقيم المحافظة الاجتماعية والدينية والتشديد عليها، وبنفس الوقت، أصوت أخرى نقيضة لها مطالبةً بالانفتاح الاجتماعي والتسريع به. وهذان الصوتان المتناقضان، والصادران من نفس المدينة، أربكا الكثيرين من المراقبين وأصابا الكثيرين منهم بالدوار؛ لغرابة هذه الظاهرة الاجتماعية التي تميزت بها هذه المدينة دون غيرها من المدن النجدية. وعلو وقوة هذين الصوتين الصادرين من مدينة بريدة، لم يكونا ليلفتا انتباه باقي سكان مدن المملكة، لو كان الأمر يخص المدينة وحدها، ولكنه ينطلق منها بالحدة والقوة التي تؤثر عليهم هم أيضاً، سواء بالسلب أو الإيجاب. وعليه أخذت الأنظار تنصب على المدينة، حيث أصبحت مؤشر بورصة للتغيرات الاجتماعية بالمملكة.
وظاهرة اجتماعية بهذه القوة والغرابة، من التبسيط والسذاجة، تفسيرها بظروفها الحالية، أو نسبتها لشخص أو أشخاص، حيث هي مزاج اجتماعي عام للمدينة. ولفهم هذا المزاج الاجتماعي العام للمدينة واستيعابه، والحكم عليه، يحتاج الأمر إلى قراءة دقيقة وتفصيلية لتاريخ المدينة الاجتماع - اقتصاد - سياسي، والذي أدى لتشكيل هذه الظاهرة الغريبة وديمومتها بالمدينة، لتشكل جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها. ولن تسمح مساحة المقال الصحفي بتناول المسببات لظهور ونمو هذا المزاج الاجتماعي العام الذي شكل هذه الظاهرة، التي اتسمت بها بريدة دون غيرها من المدن النجدية، إلا بشكل مقتضب.
فمدينة بريدة نشأت كبلدة نجدية بعد تأسيس ونشوء البلدات النجدية الأخرى، سواء في منطقتها القصيم، أو مناطق العارض والحريق والوشم وسدير، بحوالي قرن ونصف أو أكثر؛ إذاً فهي بلدة حديثة نسبة للبلدات النجدية الأخرى. حيث تأسست معظم البلدات النجدية كإقطاعيات قبلية، تحولت بعدها لإقطاعيات عائلية، تسيطر عليها أسر حاكمة، تتحكم بها وتدعي ملكيتها دون غيرها. وتم تشكيل بلدة بريدة، كمشروع نجدي جاذب للعوائل والأسر النجدية المتضايقة من الضغط والاحتراب الداخلي داخل بلداتها؛ بسبب تحكم وسيطرة أسر البلدات الحاكمة. إذاً فبريدة نشأت كمشروع بلدة على طراز جديد، يختلف عن طراز باقي البلدات النجدية. والتي تهافت لسكناها عوائل وأسر نجدية تجارية، أتت للبحث عن الرزق وفرص العيش المفتوحة بعد أن أغلقت في وجهها في بلداتها الأصلية.
وكان موقع المدينة جداً موفقاً، من ناحية إحاطتها، بأراض خصبة وصالحة للزراعة بين هضاب وكثبان رملية، يسمى كل موقع منها " خب " وجمعها " خبوب." كما أن السكان الذين أسسوها وبنوها، هم من التجار الذين تمت إعاقة مشاريعهم التجارية في بلداتهم الأصلية. وعليه اتفقوا بينهم ضمنياً، ولعدم تكرار مأساتهم السابقة بأن المدينة ليست ملكاً لأحد، وإنما هي مكان للتجارة والعيش المشترك. وأصبح يديرها مجموعة من التجار، والأمير ينفذ قراراتهم. وسمي مجلس إدارة المدينة، بمجلس "الجماعة." وينضم لهذا المجلس كل شخص يتفوق بتجارته، بغض النظر عن أصله أو فصله، أو حداثة أو قدم وجوده بها.
وهكذا تم الاستثمار بزراعة الحبوب من قبل تجار المدينة، الذين أخذوا يسوقون منتجهم الزراعي الوفير نسبياً على البلدات المجاورة والقبائل البدوية المحيطة بها. ولما توفر لديهم فائض من رأس مال تجارتهم بالزراعة، وسعوا مجال تجارتهم، بجلب بضائع أخرى مثل القماش والقهوة والهيل والأواني والمصنوعات الخشبية، من الحجاز والأحساء، إلى سوق بلدتهم، وأخذوا يسوقونها كذلك على البلدات والقبائل المحيطة للبلدة. وكانوا يؤمنون بنظريات تسويقية أثبتت نجاحها مثل " اكسب قليلاً بسعر السلعة وبع منها الكثير." و" مكسب الزبون، مقدم على مكسب السلعة." وهكذا انتشرت سمعة البلدة التجارية وتخطت حدودها النجدية.
ولثقة القبائل بتجار بلدة بريدة وتنامي سوق المدينة السريع، جعلوا من سوقها سوقاً لتسويق مواشيهم من الخيل والإبل والأغنام. ولذلك وسع بعض التجار مجال تجارتهم، ليشمل، تجارة شراء المواشي من البدو، وتسويقها خارج الجزيرة العربية، مصر والأردن وفلسطين وسوريا والعراق. وشراء بضائع من هناك وتسويقها في نجد. وقد مارس هذه المهنة الكثير من التجارٍ؛ والذين أطلق عليهم مسمى" العقيلات."
وهكذا أصبحت البلدة خلية نحل من العمل التجاري الدؤوب. وكان مجلس إدارة المدينة " الجماعة" يحرص على عدم الدخول في الحروب والخلافات السياسية التي كانت تنتشر في بلدات نجد آنذاك، ولو أدى ذلك لدفع أموال من أجل تجنيب المدينة آفة الحروب والنزاعات. وهذا خلق فيها مناخ استثماري مستقر وجاذب للمزيد منه. وكان التاجر يعتمد في تنمية تجارته على أبناءه، وإعدادهم للتجارة لا للحروب.
وهكذا وزع التاجر أبناءه على إدارة تجارته المحلية بالسوق، وتجارته الخارجية. وعليه قام بتوزيع أبنائه لإدارة هذين الفرعين من تجارته. وحيث هو متواجد بالسوق، فقد اختار من أبنائه الذين يتمتعون بجرأة متواضعة للبقاء معه في إدارة تجارته في سوق البلدة. أما أبناؤه الذين يلمس فيهم الجرأة إضافة إلى الذكاء والنجابة، فهو يرسلهم لإدارة تجارته الخارجية. وأصبح يدير البلدة تاجران، تاجر " ثابت" في السوق وآخر " جوال" يتحرك بين مصر والأردن وفلسطين والشام والعراق.
وكان الأب التاجر يغرس في أبنائه الجوالين، قيم الانفتاح والتسامح، حيث هم سوف يتعاملون مع تجار ومجتمعات من جميع الإثنيات والأديان والحلل والملل. وهكذا مع احتكاكهم بالخارج أصبحوا يؤمنون بقيم الانفتاح والتسامح، حيث جربوها وخدمتهم في تجارتهم. وقد كسبوا شهرة كبيرة في أسواق مصر وفلسطين وسوريا والعراق. وتم الطلب من بعضهم بالاستقرار في تلك البلدان، وتكوين أسر لهم، ليقوموا بدور السفراء المستقرين لخدمة ورعاية تجارة بريدة هناك.
أما أبناء التاجر " الثوابت "، الذين تواجدوا معه في السوق، والذين هم أقل جرأة من أشقائهم " الجوالين،" فقد غرس فيهم قيم البلدات المحافظة، التي كانت تطبق بالبلدات النجدية آنذاك؛ لكي ينضبطوا في تواجدهم في المتجر من أول النهار حتى آخره. ومن هذه القيم، عدم السهر واللهو والتدخين، والمحافظة على الصلوات جماعة، والتمسك بمظاهر التدين الخارجية. وإمعاناً في ضبط سلوك أبنائه في السوق؛ قام بتمويل فرق المطاوعة، الذين أخذوا يجوبون شوارع البلدة الخلفية ومحيطها الخارجي؛ للتأكد من أنهم لا يخرجون عن النسق السلوكي المحافظ للبلدات النجدية. وقد أثمر هذان النمطان من التربية في خدمة تجارة الأب الخارجية منها والداخلية وبشكل منقطع النظير.
وكان التاجر البريداوي، يغرس في كلتا الفئتين من أبنائه الاستقلالية والثقة بالنفس. وهكذا خلق في بيته، جيبين واحد محافظ منغلق وآخر ليبرالي منفتح، وكل منهما قد جرب نجاح طريقة سلوكه في حياته؛ ولذلك تمسك بها، وأخذ يدافع عنها، ويربي أبناءه عليها. ولكي لا يصطدم النمطان السلوكيان المتناقضان في بيت التاجر، زرع فيهم الولاء الشديد للعائلة، بشكل خاص، وللمدينة بشكل عام. حيث روج بينهم المثل القائل " مجازياً"، "راعي بريدة كله خير لو ما صلى".
ولهذا فليس بالمستغرب، بأن يكون في المدينة منبران عاليا الصوت، واحد يطالب بقيم المحافظة الاجتماعية، وآخر ينادي بقيم الانفتاح والتسامح الاجتماعي، وبنفس الوقت متعايشان. ودخول سكانها في معارك ثقافية وتمويلية وتنظيمية من أجل ذلك. والسؤال، هو أي النسقين الذي يعبر عن روح بريدة وثقافتها الحقيقية؟
* كاتب سعودي