تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تطلعات أمراء المناطق وبيروقراطية الوزارات


إبداعات
15-10-08, 12:22 pm
د. عبدالله بن مرعي بن محفوظ‏

وجهت لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى الأسبوع الماضي انتقادا حادا ‏للجهات التنفيذية لتباطئها في تنفيذ مخططات البنى التحتية وبالأخص خدمات الكهرباء والماء ‏والصرف الصحي، خاصة وان نسبة تغطية مدن السعودية من خدمات الصرف الصحي لا ‏تتجاوز 31 في المائة فقط، وهذا الموضوع يذكرنا بحديث أمير منطقة حائل سعود بن ‏عبدالمحسن حين قرع جرس التنمية والتطوير الإداري للمناطق في حديثه لجريدة الشرق ‏الأوسط قبل خمس سنوات، وصراحة الأمير إعلامياً أحدثت ضجيجاً واقعياً حول مهام أمراء ‏المناطق وعملهم بعيداً عن كلمة (التنسيق) مع الوزراء وهي مدلول بيروقراطي للعمل الحكومي‏‏.‏
ومنذ ذلك الوقت لا زال أمراء المناطق يحاولون التوفيق من نص المادة الأولى لنظام المناطق ‏للدور الأساسي لأمير المنطقة، حيث نص النظام في المادة الأولى: بان أمير المنطقة مسؤول ‏عن رفع المستوى الإداري والتنموي للمنطقة والمحافظة على الأمن والنظام.‏
وعند المتابعة والتدقيق في الواقع الحالي نجد أنة فُعِّل الجزء الثاني من نص المادة الأولى وهو ‏المحافظة على الأمن والنظام وسيرها ضمن وقائع المادة الخامسة بالعمل المباشر مع وزارة ‏الداخلية، وهذا يرجع لالتزام الداخلية بالنظام وكذلك جهود وكيل وزارة الداخلية لشؤون المناطق‏‏.‏
أما بخصوص الجزء الأول من النظام وهو تفعيل التنمية ورفع المستوى الإداري للمنشآت ‏الحكومية والذي لم يُفعل كما يجب، مع أن النظام الملكي الصادر حدد ذلك في المادة السابعة ‏فقرة (د - هـ - ح) بإلزام معالي الوزراء بالمشاركة والتنسيق المباشر مع أمراء المناطق في ‏تطوير المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً، وكذلك تنمية الخدمات العامة ورفع كفاءتها.‏
هنا مع التقدير لمعالي الوزراء الكرام، أجد أن لدى البعض منهم مشكلة (الأنا) في تطبيق ‏المادة (14) من نظام المناطق، والتي تنص: بان على رؤساء القطاعات الحكومية العمل ‏المباشر مع أمير المنطقة في الاحتياجات التي تتطلبها المنطقة للرفع للوزارة حتى يتم اعتمادها ‏في مشاريع الوزارة والتي ترفع بعد ذلك إلى وزارة المالية لاعتمادها في الميزانية العامة للدولة‏، وهنا نجد إن نص النظام يسير في اتجاه اليمين وواقع عمل بعض الوزراء مع المدراء العامين ‏يسير في الاتجاه الآخر.‏
إن كل مدير عام حكومي مرجعة الأساسي الوزير، وهو ما نراه في اجتماعاتنا في الغرف ‏التجارية والصناعية معهم، فحين يتم مناقشة مشروع أو محاولة معالجة مشكلة في المنطقة ‏حسب توجيه أمير المنطقة، يأتي جوابهم المعروف (أراجع الرياض) ويعني بها معالي الوزير ‏! ولتوضيح الصورة للقارئ، فان المتعارف عليه أن المدراء العامين في القطاعات الحكومية ‏الخدمية يرفعون احتياجات المنطقة حسب تصوراتهم إلى وكيل الوزارة المختص، والتي يعاد ‏دراستها مرة أخرى في الوزارة، وهنا تدخل (شخصنة) المسؤول الحكومي في تحديد أوليات ‏كل منطقة للرفع النهائي إلى معالي الوزير، ثم يُكوّن معالي الوزير لجنة لترفع هذه المشاريع ‏وتناقش الجهة المختصة في وزارة المالية، ثم تحدد أوليات المشاريع على مستوى الدولة ‏لتوضع في الميزانية العامة واعتمادها بعد ذلك من مجلس الوزراء، وهنا اسأل معالي الوزراء ‏أين موقع مجلس الشورى وأمراء المناطق والغرف التجارية والصناعية ومجالس المنطقة ‏والبلدية من هذا العمل الوطني، باعتبار أن ميزانية الدولة جهد وطني مشترك. ‏
على كل حال، لا أريد في الوقت الحالي أن ادخل في نقاش مع الوزراء، أو مع وزارة المالية‏، فالحديث عن أمراء المناطق والمحافظين أيسر، حيث يستطيع المواطن والتاجر أن يتكلم ‏ويناقش دون أن يتلعثم، إيماناً أن أبواب الحاكم مفتوحة والصدر لديهم رحب. ‏
ومن واقع معايشتي لإمارات المناطق من خلال مجلس الغرف السعودية، أرى أنها تحتاج إلى ‏إعادة هيكلة ونظام إداري واضح المعالم يمكن إمارات المناطق من القدرة التنافسية، ويمنحها ‏الاستقلال الإداري والمالي على المنطقة التابعة لها، لان ما يعوق أداء عمل (الإمارة) هو ‏المركزية الشديدة للوزارات على مشاريع المنطقة، رغم حجم المدن وعدد السكان والتحديات ‏الاقتصادية.‏
وهذا التطلع يأتي من واقع الأمر الملكي الذي أصدر نظام المناطق وإنشاء مجالسها، ووضع ‏المجالس المحلية والمجالس البلدية، وكذلك ينصب من واقع التكليف من ولي الأمر إلى أمراء ‏المناطق الذين يعدون على نفس مستوى الوزراء علماً وإدارة إن لم يكونوا أكثر بعداً للنظر ‏والحزم والحرص على ما ينفع الناس لانجاز المهمات رغم التحديات والصعوبات البيروقراطية ‏من الوزارات الحكومية. ‏
واقع الأمراء مع الوزراء فيه من الغرابة والطرافة معاً، فمنطقة نجران فرض أميرها الأمر ‏الواقع على الوزراء واستطاع توفير الاعتمادات المالية لبناء البنى التحتية ونفذها ولكن بجهد ‏جهيد مع الشركات المنفذة، وفي منطقة جازان والتي تغرق سنوياً من الأمطار يعمل أميرها في ‏صمت ولا يريد أن يقول أن مدينة جازان الاقتصادية والتي لا تحظى بالوهج الإعلامي سوف ‏تنتهي قبل أخواتها، وإلى (مدينة) رسول الله موطن النور والعلم، سار أميرها على قاعدة ‏الحزم لمعلم الأمة الإسلامية الإدارة، الخليفة عمر بن الخطاب صاحب القول الشهير: «والله أن ‏لم تحسنوا في أعمالكم لأخرجنكم منها»، ولم يتراجع عن تنفيذ جدول أعمال المشاريع رغم ‏شكاوى المدراء الحكوميين بان مرجعهم الوزراء، وأخيرا لمن اخذ من والده الحكمة والخلق ‏الحسن محافظ جدة، أقول لك الله ياسيدي وأنت تعمل بميزانية وعدد موظفين اقل من إدارة ‏الصحة في منطقة مكة، لمحافظة سكانها أكثر من 4 ملايين ومشاريعها أكثر من 300 مليار ‏ريال ! ‏
ختاماً: هذه النجاحات لأمراء المناطق تتطلب تخصيص ميزانيات مستقلة من وزارة المالية ‏تجعلها أكثر مسؤولية واستجابة لمتطلبات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.‏

* نقلاً عن صحيفة "المدينة"، الأربعاء 15 أكتوبر 2008م.
رابط المقال:
http://www.al-madina.com/node/61468