إبداعات
08-10-08, 06:09 pm
د. عبدالله بن مرعي بن محفوظ
في يوم الجمعة 26/9 وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان، دعا إمام الحرم الشيخ عبدالرحمن السديس حفظه الله تعالى بالمصلين وجلجل أركان الحرم المكي بصوته الجهوري العظيم، سائلا الله عز وجل أن يحقق النصر للمسلمين ويكرمنا بالصلاة في المسجد الأقصى فائزين منتصرين، عندها هلل الطائفون بالبيت العتيق بالتكبير، وأطلقت حناجر المصلين مرددين آمين.. آمين.. آمين، وهذا المشهد الكريم الذي نقل عبر الأقمار الصناعية إلى كافة أرجاء العالم، هو نفس المشهد الذي نقله «الشهيد» فيصل بن عبدالعزيز رحمة الله عليه عبر أثير الإذاعة إلى كافة الدول الإسلامية قبل 36 عاماً.
للتاريخ فان كلمة «الفيصل» في قاموس الصراع السياسي والعسكري مع إسرائيل تعني تحرير (القدس)، وكلمة الفيصل كذلك تعني بطلاً من أبطال تحرير (أكتوبر) المجيدة للأمة المصرية، وهو ما سجله برقية الشهيد أنور السادات رحمة الله عليه حين قال: “الملك فيصل هو بطل معركة العبور، وسوف يحتل اسمه الصفحات الأولى من تاريخ جهاد العرب، وتحويلهم من الجمود إلى الحركة، ومن الانتظار إلى الهجوم، وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت، وهو الذي تقدم الصفوف وأصر على استعمال هذا السلاح الخطير، والعالم ونحن مندهشون لجسارته، وهو الذي فتح خزائن بلاده للدول العربية المحاربة، تأخذ منها ما تشاء لمعركة العبور والكرامة، وتسحب ما تشاء بلا حدود”.
لقد عاصر الفيصل جيل العمالقة من القادة والرؤساء والزعماء، وعاش في الزمن الرائع للأمة العربية ونجماً ساطعاً في السياسة الإسلامية، وقمراً منيراً في محراب الجهاد والتحرير، وأمام هذا التاريخ الثابت سوف يأتيك اليقين، انك أمام «قائد» رفض الذل والخنوع للسياسة الغربية طبقاً لمبادئه الإسلامية، وكذلك استمدت الشعوب العربية القوة والعناد ضد الظلم من مبادئه الشخصية.
وللتاريخ هناك فرق بين قائد جمع الأمة الإسلامية وبين «حزب» حسن نصر الله الذي فرق بين الدول العربية، وخير «شاهد وشهيد» هو مؤتمر القمة العربية الرابع عام 1967م، حين سجل الملك فيصل في الخرطوم اللاءات الثلاث (لا تفاوض - لا صلح - لا سلام ) مع إسرائيل إلى حين تحرير القدس الشريف والأراضي العربية، وفي الخرطوم وهي العاصمة العربية الوحيدة التي تفاعلت مع نبض الشارع العربي بكل حزم وثبات، سجلنا عهداً مجيداً مع زعماء التحرير الملك فيصل والزعيم جمال عبدالناصر والزعيم إسماعيل الأزهري بإعلان توحيد الصفوف وجمع الكلمة ضد عدو واحد وهو إسرائيل.
وللتاريخ استشعر معكم هذا المحطات، فقد نبغ في بني أمية الإمام العادل الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وفي تاريخ بني العباس نبغ القائد الهمام هارون الرشيد، وفي تاريخ الأيوبيين نبغ القائد الإسلامي صلاح الدين الذي جمع راية المسلمين وحرر القدس الشريف، وفي تاريخ جزيرة العرب المعاصر نبغ الإمام القائد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لينطلق من وسط الرياض هو أبناؤه وأبناء الجزيرة العربية طلباً في توحيد الأمة والأراضي المقدسة تحت راية واحدة، وهي راية التوحيد الخضراء (لا اله إلا الله محمد رسول الله) وفي كيان سياسي واحد اسمه المملكة العربية السعودية.
وبعد وفاة الموحد عبدالعزيز آل سعود، أكمل مسيرة (التجمع الإسلامي) القائد الشهيد فيصل بن عبدالعزيز الذي جمع راية المسلمين طلباً لتحرير القدس والأراضي العربية المحتلة من براثن الصهاينة المغتصبين، وهنا سجل التاريخ المعاصر بان الملك القائد عبدالعزيز آل سعود رحمه الله هو موحد اغلب أجزاء الجزيرة العربية وابنه الشهيد فيصل كان احد أهم قادة تحرير القدس الشريف، ليكون عبدالعزيز آل سعود وابنه فيصل ممن رفعوا راية التوحيد الإسلامية لجمع شمل المسلمين، وتوحيد صفوف المجاهدين، ليكونوا منهم وفيهم ولهم.
نعم... إن جهاد الشهيد فيصل ماهو إلا «حسنة من حسنات عبدالعزيز آل سعود» بهذا العبارة سجل مئات المؤرخين ممن كتبوا عن تاريخ الملوك والحكام في جزيرة العرب، ولكنهم في تاريخ الفيصل قالوا انه كان «ملكاً وحاكماً وقائداً» وهذا هو النادر، وصفاته كانت خارج نطاق القواعد المألوفة في التاريخ السياسي للقادة العرب، فقد كان ممن يصنعون الحدث، وإن سبقته أسرع وأمسك بزمامها يوجهها، وفق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفاء العقيدة من التفرقة والنزاع وفكر الإرهاب والتفجير بين أبناء المسلمين.
هذا هو تاريخ الملك فيصل، حيث كان جوهر أعماله هو توحيد الصفوف العربية والإسلامية وتحرير الأراضي العربية، وهذا التاريخ كان مرتبطاً عسكرياً في شخصيته من واقع حروب التوحيد في جزيرة العرب التي عاش فيها مع والده وهزها بأعماله الخالدة، إضافة إلى معاركه المعلنة مع إسرائيل، فكلما قرأت ما كتبه المؤرخون عن الشهيد فيصل بن عبدالعزيز، وسمعت ما روى الرواة عن معاركه السياسية، ازددت يقينًا بأن هناك الكثير من الأسرار سوف يستعرضها معرض «شاهد وشهيد» الذي سوف يقام في مركز المعارض بجدة الأسبوع المقبل، وهناك سوف نجد عمقا آخر وهو (منهجه ضد الظلم) الذي جعل من الفيصل ظاهرة تاريخية وإنسانية مميزة نفتخر بها ونسعى إلى تجديدها.
* نشرت بصحيفة "المدينة" السعودية، 8 أكتوبر 2008م.
رابط المقال:
http://www.al-madina.com/node/59378
في يوم الجمعة 26/9 وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان، دعا إمام الحرم الشيخ عبدالرحمن السديس حفظه الله تعالى بالمصلين وجلجل أركان الحرم المكي بصوته الجهوري العظيم، سائلا الله عز وجل أن يحقق النصر للمسلمين ويكرمنا بالصلاة في المسجد الأقصى فائزين منتصرين، عندها هلل الطائفون بالبيت العتيق بالتكبير، وأطلقت حناجر المصلين مرددين آمين.. آمين.. آمين، وهذا المشهد الكريم الذي نقل عبر الأقمار الصناعية إلى كافة أرجاء العالم، هو نفس المشهد الذي نقله «الشهيد» فيصل بن عبدالعزيز رحمة الله عليه عبر أثير الإذاعة إلى كافة الدول الإسلامية قبل 36 عاماً.
للتاريخ فان كلمة «الفيصل» في قاموس الصراع السياسي والعسكري مع إسرائيل تعني تحرير (القدس)، وكلمة الفيصل كذلك تعني بطلاً من أبطال تحرير (أكتوبر) المجيدة للأمة المصرية، وهو ما سجله برقية الشهيد أنور السادات رحمة الله عليه حين قال: “الملك فيصل هو بطل معركة العبور، وسوف يحتل اسمه الصفحات الأولى من تاريخ جهاد العرب، وتحويلهم من الجمود إلى الحركة، ومن الانتظار إلى الهجوم، وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت، وهو الذي تقدم الصفوف وأصر على استعمال هذا السلاح الخطير، والعالم ونحن مندهشون لجسارته، وهو الذي فتح خزائن بلاده للدول العربية المحاربة، تأخذ منها ما تشاء لمعركة العبور والكرامة، وتسحب ما تشاء بلا حدود”.
لقد عاصر الفيصل جيل العمالقة من القادة والرؤساء والزعماء، وعاش في الزمن الرائع للأمة العربية ونجماً ساطعاً في السياسة الإسلامية، وقمراً منيراً في محراب الجهاد والتحرير، وأمام هذا التاريخ الثابت سوف يأتيك اليقين، انك أمام «قائد» رفض الذل والخنوع للسياسة الغربية طبقاً لمبادئه الإسلامية، وكذلك استمدت الشعوب العربية القوة والعناد ضد الظلم من مبادئه الشخصية.
وللتاريخ هناك فرق بين قائد جمع الأمة الإسلامية وبين «حزب» حسن نصر الله الذي فرق بين الدول العربية، وخير «شاهد وشهيد» هو مؤتمر القمة العربية الرابع عام 1967م، حين سجل الملك فيصل في الخرطوم اللاءات الثلاث (لا تفاوض - لا صلح - لا سلام ) مع إسرائيل إلى حين تحرير القدس الشريف والأراضي العربية، وفي الخرطوم وهي العاصمة العربية الوحيدة التي تفاعلت مع نبض الشارع العربي بكل حزم وثبات، سجلنا عهداً مجيداً مع زعماء التحرير الملك فيصل والزعيم جمال عبدالناصر والزعيم إسماعيل الأزهري بإعلان توحيد الصفوف وجمع الكلمة ضد عدو واحد وهو إسرائيل.
وللتاريخ استشعر معكم هذا المحطات، فقد نبغ في بني أمية الإمام العادل الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وفي تاريخ بني العباس نبغ القائد الهمام هارون الرشيد، وفي تاريخ الأيوبيين نبغ القائد الإسلامي صلاح الدين الذي جمع راية المسلمين وحرر القدس الشريف، وفي تاريخ جزيرة العرب المعاصر نبغ الإمام القائد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لينطلق من وسط الرياض هو أبناؤه وأبناء الجزيرة العربية طلباً في توحيد الأمة والأراضي المقدسة تحت راية واحدة، وهي راية التوحيد الخضراء (لا اله إلا الله محمد رسول الله) وفي كيان سياسي واحد اسمه المملكة العربية السعودية.
وبعد وفاة الموحد عبدالعزيز آل سعود، أكمل مسيرة (التجمع الإسلامي) القائد الشهيد فيصل بن عبدالعزيز الذي جمع راية المسلمين طلباً لتحرير القدس والأراضي العربية المحتلة من براثن الصهاينة المغتصبين، وهنا سجل التاريخ المعاصر بان الملك القائد عبدالعزيز آل سعود رحمه الله هو موحد اغلب أجزاء الجزيرة العربية وابنه الشهيد فيصل كان احد أهم قادة تحرير القدس الشريف، ليكون عبدالعزيز آل سعود وابنه فيصل ممن رفعوا راية التوحيد الإسلامية لجمع شمل المسلمين، وتوحيد صفوف المجاهدين، ليكونوا منهم وفيهم ولهم.
نعم... إن جهاد الشهيد فيصل ماهو إلا «حسنة من حسنات عبدالعزيز آل سعود» بهذا العبارة سجل مئات المؤرخين ممن كتبوا عن تاريخ الملوك والحكام في جزيرة العرب، ولكنهم في تاريخ الفيصل قالوا انه كان «ملكاً وحاكماً وقائداً» وهذا هو النادر، وصفاته كانت خارج نطاق القواعد المألوفة في التاريخ السياسي للقادة العرب، فقد كان ممن يصنعون الحدث، وإن سبقته أسرع وأمسك بزمامها يوجهها، وفق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفاء العقيدة من التفرقة والنزاع وفكر الإرهاب والتفجير بين أبناء المسلمين.
هذا هو تاريخ الملك فيصل، حيث كان جوهر أعماله هو توحيد الصفوف العربية والإسلامية وتحرير الأراضي العربية، وهذا التاريخ كان مرتبطاً عسكرياً في شخصيته من واقع حروب التوحيد في جزيرة العرب التي عاش فيها مع والده وهزها بأعماله الخالدة، إضافة إلى معاركه المعلنة مع إسرائيل، فكلما قرأت ما كتبه المؤرخون عن الشهيد فيصل بن عبدالعزيز، وسمعت ما روى الرواة عن معاركه السياسية، ازددت يقينًا بأن هناك الكثير من الأسرار سوف يستعرضها معرض «شاهد وشهيد» الذي سوف يقام في مركز المعارض بجدة الأسبوع المقبل، وهناك سوف نجد عمقا آخر وهو (منهجه ضد الظلم) الذي جعل من الفيصل ظاهرة تاريخية وإنسانية مميزة نفتخر بها ونسعى إلى تجديدها.
* نشرت بصحيفة "المدينة" السعودية، 8 أكتوبر 2008م.
رابط المقال:
http://www.al-madina.com/node/59378