نهاربريدهـ
04-10-08, 05:22 pm
كنت في رحلة جميلة مع زميل أكاديمي رائع، يكاد يكون من النوادر في تخصصه وقدراته.. رحلة سنوية في اتجاه القصيم وتحديدا إلى بريدة. كنا نسابق الزمن للوصول لمهرجان التمور في تلك المدينة التي تشربت شوارعها ومبانيها تاريخا وموروثا دينيا أدى إلى عزلها عما هو خارج أسوارها... لكن بريدة اليوم اختلفت عليّ تماما، حيث رأيت في مدخلها الشرقي علامة دعائية لأحد المطاعم الأميركية ( ماكدونالد)، والذي يمثل مؤشرا حقيقيا على تكسر جدران العزل المقصود حول حدود «بريدة».
اشتهرت بريدة بثقافة خاصة كنا نسمع عنها صغارا، وهي أن حضور المصلين إلى المساجد فيها إلزامي، وأن هناك كشوفا للحضور والغياب. ورأينا هذه الثقافة الغريبة في أثناء الغزو العراقي في العام 1990 حيث قدر لنا أن نكون من ساكني القصيم سبعة شهور كاملة، وكان التعامل معها ومع منفذيها جهادا حسب ما انتابني من شعور، وأنا شاب صغير في تلك الأيام. اليوم دخلنا بريدة الجديدة حيث الشوارع والبيوت والناس وما يلبسون وما يتكلمون، والكثير الكثير من التغيير قد طال هذه المدينة الدينية «المقدسة» لدى أهلها.
كان زميلي يحدثني عن التطور وكيف أنه سنة من سنن الحياة، وكيف كان متطرفا ضيق الأفق، و« إلغائيا» محترفا، لا يرى في المخالفين له وما يعتقدون خيرا البتة. وكيف أن الله قد منّ عليه بفرصة للتراجع عن تطرفه في وقت مناسب... أخذ يتذكر أثر أشرطة د.سلمان العودة السحري على أفكاره وقناعاته في تلك الحقبة من حياته. واليوم نرى د.سلمان العودة رجلا موضوعيا متمكنا من استخدام قدراته وأفكاره في بث ما يدعو إليه بهدوء واتزان، ما حدا مخالفيه على احترامه والتفكير فيما يقول والرد عليه بالأسلوب الهادئ نفسه. ويحسب للدكتور العودة سعيه الدائب هذه الأيام لقتل الخصومة وتفعيل الاختلاف والتنوع واحترام ذات المقابل والتعامل مع أفكاره، لأنه يمثل صورة أخرى من هذا العالم الذي يستحيل أن نحتويه فرادى. الأفكار هي مادة القناعة، والقناعة ليست راسخة كالمبادئ... ولهذا التعامل معها والتطوير فيها والحذف منها أسهل شأن من التعامل مع القيم والمبادئ...
هل هناك اختلاف بين القيم والمبادئ ؟
القيم أرسخ عند صاحبها من القناعات، ولكنها تحتفظ بالحركة في الاتجاه الإيجابي التطويري، القناعة والقيمة كلاهما متحرك، ولكن الفرق في الاتجاه... القيمة تصاعدية إيجابية تطويرية، على سبيل المثال، التعليم قيمة تبدأ من رياض الأطفال وتتصاعد إلى أن تصل في بعض الأحيان بصاحبها إلى أعلى مستويات التعليم إذا عزم وأراد. والقناعة على سبيل المثال اختلاف الناس فيما يقرؤون ولمن يقرؤون... صديقي يحب قراءة الروايات والقصص.. في المقابل «أنا» أهوى قراءة الكتب: علم النفس والاجتماع.. وهنا لكل منا قناعته. وهذه القناعات لدي ولدى صديقي تأثرت بما نملك من قيم «نحن كلانا متعلم»، وأيضا ما نقرأ أن «قناعاتنا» تؤثر على قيمنا.
عند الحديث عن القيم يجب العلم بأن تصنيف القيم يختلف بطبيعة المصادر وطبيعة تكون الصورة الذهنية عن تلك القيم.
المبادئ مقارنة مع القيم والقناعات، تتسم بالثبات الدائم كقولنا «فلان ثابت على مبادئه».. أيضا المبدأ هو نقطة انطلاق نحو ما نكتسب من قيم وقناعات. المبدأ كالبيت نخرج منه إلى العمل أو السفر ولكن في النهاية نعود إليه، حتى وإن غبنا عنه يبقى يحتفظ لنا بعلاقة متينة، ضمان ثبات المبادئ أن تخوض تجربة حقيقية في هذه الحياة وتتجاوزها بنجاح مع الاحتفاظ بالاحترام الداخلي لذاتك، والإيمان أن النتيجة، وإن كان ظاهرة خسارة، إلا أنها تثري وتغري وتمري صاحبها... أي أن صاحب المبادئ لا يخسر أبدا. ولكن هنا يتبادر سؤال آخر هل المبادئ تكفي لأن تكون إنسانا حقيقيا... «ما راح أقولكم!!».
هل كانت بريدة في سالف زمانها منغلقة، كون ذلك قناعة أم قيمة أم مبدأ؟!...
الإجابة نجدها عندما نرى إعلانا دعائيا لمطعم ماكدونالد على الجهة الشرقية من تلك المدينة المقدسة لدى أهلها، وفيما يطرحه د.سلمان العودة على تلفزيون Mbc. وهل يستطيع الدكتور العودة، العودة إلى بريدة، فيغيرها كما تغير، أم أن الوقت لايزال مبكرا نحو هذه الخطوة الجريئة، الصادقة والمطلوبة.
بريدة
الثلاثاء, 30 سبتمبر 2008
د.سلطان الديحاني
كاتب كويتي
اشتهرت بريدة بثقافة خاصة كنا نسمع عنها صغارا، وهي أن حضور المصلين إلى المساجد فيها إلزامي، وأن هناك كشوفا للحضور والغياب. ورأينا هذه الثقافة الغريبة في أثناء الغزو العراقي في العام 1990 حيث قدر لنا أن نكون من ساكني القصيم سبعة شهور كاملة، وكان التعامل معها ومع منفذيها جهادا حسب ما انتابني من شعور، وأنا شاب صغير في تلك الأيام. اليوم دخلنا بريدة الجديدة حيث الشوارع والبيوت والناس وما يلبسون وما يتكلمون، والكثير الكثير من التغيير قد طال هذه المدينة الدينية «المقدسة» لدى أهلها.
كان زميلي يحدثني عن التطور وكيف أنه سنة من سنن الحياة، وكيف كان متطرفا ضيق الأفق، و« إلغائيا» محترفا، لا يرى في المخالفين له وما يعتقدون خيرا البتة. وكيف أن الله قد منّ عليه بفرصة للتراجع عن تطرفه في وقت مناسب... أخذ يتذكر أثر أشرطة د.سلمان العودة السحري على أفكاره وقناعاته في تلك الحقبة من حياته. واليوم نرى د.سلمان العودة رجلا موضوعيا متمكنا من استخدام قدراته وأفكاره في بث ما يدعو إليه بهدوء واتزان، ما حدا مخالفيه على احترامه والتفكير فيما يقول والرد عليه بالأسلوب الهادئ نفسه. ويحسب للدكتور العودة سعيه الدائب هذه الأيام لقتل الخصومة وتفعيل الاختلاف والتنوع واحترام ذات المقابل والتعامل مع أفكاره، لأنه يمثل صورة أخرى من هذا العالم الذي يستحيل أن نحتويه فرادى. الأفكار هي مادة القناعة، والقناعة ليست راسخة كالمبادئ... ولهذا التعامل معها والتطوير فيها والحذف منها أسهل شأن من التعامل مع القيم والمبادئ...
هل هناك اختلاف بين القيم والمبادئ ؟
القيم أرسخ عند صاحبها من القناعات، ولكنها تحتفظ بالحركة في الاتجاه الإيجابي التطويري، القناعة والقيمة كلاهما متحرك، ولكن الفرق في الاتجاه... القيمة تصاعدية إيجابية تطويرية، على سبيل المثال، التعليم قيمة تبدأ من رياض الأطفال وتتصاعد إلى أن تصل في بعض الأحيان بصاحبها إلى أعلى مستويات التعليم إذا عزم وأراد. والقناعة على سبيل المثال اختلاف الناس فيما يقرؤون ولمن يقرؤون... صديقي يحب قراءة الروايات والقصص.. في المقابل «أنا» أهوى قراءة الكتب: علم النفس والاجتماع.. وهنا لكل منا قناعته. وهذه القناعات لدي ولدى صديقي تأثرت بما نملك من قيم «نحن كلانا متعلم»، وأيضا ما نقرأ أن «قناعاتنا» تؤثر على قيمنا.
عند الحديث عن القيم يجب العلم بأن تصنيف القيم يختلف بطبيعة المصادر وطبيعة تكون الصورة الذهنية عن تلك القيم.
المبادئ مقارنة مع القيم والقناعات، تتسم بالثبات الدائم كقولنا «فلان ثابت على مبادئه».. أيضا المبدأ هو نقطة انطلاق نحو ما نكتسب من قيم وقناعات. المبدأ كالبيت نخرج منه إلى العمل أو السفر ولكن في النهاية نعود إليه، حتى وإن غبنا عنه يبقى يحتفظ لنا بعلاقة متينة، ضمان ثبات المبادئ أن تخوض تجربة حقيقية في هذه الحياة وتتجاوزها بنجاح مع الاحتفاظ بالاحترام الداخلي لذاتك، والإيمان أن النتيجة، وإن كان ظاهرة خسارة، إلا أنها تثري وتغري وتمري صاحبها... أي أن صاحب المبادئ لا يخسر أبدا. ولكن هنا يتبادر سؤال آخر هل المبادئ تكفي لأن تكون إنسانا حقيقيا... «ما راح أقولكم!!».
هل كانت بريدة في سالف زمانها منغلقة، كون ذلك قناعة أم قيمة أم مبدأ؟!...
الإجابة نجدها عندما نرى إعلانا دعائيا لمطعم ماكدونالد على الجهة الشرقية من تلك المدينة المقدسة لدى أهلها، وفيما يطرحه د.سلمان العودة على تلفزيون Mbc. وهل يستطيع الدكتور العودة، العودة إلى بريدة، فيغيرها كما تغير، أم أن الوقت لايزال مبكرا نحو هذه الخطوة الجريئة، الصادقة والمطلوبة.
بريدة
الثلاثاء, 30 سبتمبر 2008
د.سلطان الديحاني
كاتب كويتي