محمد المعتق
26-09-08, 04:17 am
( سمننا في دقيقنا )
أصبح زمنا ماضيا ، وتأريخا منسيا ، وتقليدا بائدا ، ذلك الزمن الذي يرفض أن يتشارك الأصدقاء ، والأسرة ، والأقارب مكانا غير البيت ، إذ تحولت الحال إلى أن يكون الخروج في نهاية الأسبوع – بل وفي أوسطه - أساسا في حياة الشباب ( العزوبية ) ، والأسر ، وربما كان سبب ذلك صغر حجم البيوت في ظل طفرة ( الوحدات ) و ( الدبلكسات ) و ( الشقق ) .. فأصبح الجميع بحاجة ماسة إلى ( شم ) الهواء الطلق ..
كان في بريدة ( وكان فعل ماض ٍ ناقص كنقص تلك الحديقة ) حديقة حملت اسم ( حديقة المنتزة ) ، ولم أسمع بحياتي منذ تأسيسها حتى بدء العمل فيها مؤخرا أن أحدا من الشباب جلس فيها أو مر بها ليرى على ما تحتوي ..! ورغم غرابة ذلك ، إلا أنه أمر طبيعي كونها أسست في زمن ٍ يعتبر فيه الجلوس في الحدائق والطرقات من خوارم المروءة ..
اتجهت الناس إلى ( الاستراحات ) .. ولكون استئجارها باهظ الثمن على أسرة صغيرة ، وشباب عاطلين ( وشبه عاطلين ) فقد تحول الناس منها إلى الحدائق العامة ، فبدؤوا بارتياد المنتزهات التي تكون خارج المدينة ، ثم سرعان ما امتلأت الحدائق في بريدة بالمقيمين ثم بأهلها ..
وحينما أقول ( امتلأت ) فإني أحذر القاريء ألا يذهب بفكره بعيدا ، فيظن أن لدينا عشرات الحدائق ( لا سمح الله ..!! ) أو يظن أن المسطحات الخضراء تشكل ثلث مساحة ( بريدة ) شرفها الله .. !
فالحقيقة أن لدينا مشكلة كبيرة في شأن الحدائق وأعدادها وخدماتها ومواقعها ...
( بريدة ) عاصمة التمور ، و (بريدة ) أكبر سوق للإبل في العالم ، و( بريدة ) مدينة رجال ( العقيلات ) ، و ( بريدة ) السلة الغذائية للملكة ، و( بريدة ) الأكثر سرعة في النمو والتوسع ، ( وبريدة ) التي قصدها المستشرقون والمؤرخون منذ زمن .. هذه المدينة الهائمة فوق السحب اعتزازا بتاريخها ، وكيانها ، وثقافاتها المتنوعة ، هذه المدينة الخالدة خلود الحب .. لا يوجد فيها سوى بضع حدائق للأسر تعد على أصابع اليد الواحدة .. ولك أن تعلم أن أكبرها لا تتسع لأكثر من مائة أسرة .. !! ولذا فلا غرابة أن تجد الناس يجلسون قرب بعضهم البعض وكأنهم أسرة واحدة .. تنتفي معها الخصوصية ..!!
أما ما يخص الشباب ، فلا أعرف أن ثمت حديقة مخصصة لهم غير ( حديقة الشماس قسم الشباب ) والتي سيطرت على جزئها الجنوبي أسر المقيمين .. !! كما أن بعض المسطحات الخضراء ( الخجلة ) التي لا يتجاوز عرضها ( الأربع أمتار ) أصبحت متنفسا ( ولو كان خانقا ) ..
في الصيف تلقيت دعوة ً من صديق عزيز إلى أن نلتقي في مكان ٍ خارج المنزل مع أسرنا ، فوافقت ، فلما جاء الموعد واتصلت بصاحبي لأسأله عن المكان .. ( صدمني ) وبشدة بأن اختار مكانا بعيدا يجعلنا نبتعد عن تنفس هواء ( بريدة ) الشافي ..!!
سألته عن السبب ، فقال لي : ( اقترح علي مكانا واحدا مناسبا للأسرة – على ألا يكون على الطريق الدائري المشبع بالغبار - ..!! وأن تتوافر فيه أبسط الخدمات ..!!) وبصدق لم أجد .. فوافقته على مضض ، واشترطت عليه أن ألقي نظرة ً على المكان قبل أن نستقر ..
كان مما أدهشني ( وجعلني أكتب هذا المقال ) أن غالبية من رأيتهم في تلك المسطحات الخضراء ( أسرا ) و( شبابا ) هم من ( بريدة ) ..!! وعليكم أن تتساءلوا مالذي جعلهم يتركون عشقهم الأبدي ( بريدة ) لينتقلوا إلى موقع ٍ آخر ..؟؟!!
الإجابة بكل تفاصيلها يجب أن تكون لدى أعضاء المجلس البلدي أولا ، فهو صوتنا في أمانة البلديات ..!! ( صوتنا الذي لا بد أن يدرك معاناتنا ) ..
نعم ..
المسطحات الخضراء الكبيرة .. والواسعة .. والممتدة لمسافات طويلة .. والإضاءة المناسبة .. والخدمات المكتملة .. كانت كلها سبب في سلب أبناء العامرة ( بريدة ) بعيدا عنها ..!!
كلما سرت في طريق الملك فهد ( رحمه الله ) أتساءل : ألا يمكن للأمانة أن تُـــلزم أصحاب الأراضي بزراعتها كمسطحات ٍ خضراء على طول الطريق بعمق عشرين مترا ..؟؟ ( كما ألزمتهم قبل أعوام ببناء الأسوار على الطرق ) .. أو على الأقل أن تتولى هي زراعتها ..؟؟ علما بأن طوبوغرافية ( المرتفعات والمنخفضات ) الأرض تساعد على أن تكون مسطحات ٍ مثالية جدا ..
مما لا يفاجئني كثيرا أن تتحول أرض مخصصة كحديقة داخل أحد الأحياء إلى مسجد ..! أو موقف سيارات ..! أو يستغلها جار الأرض بأي طريقة .. نعم لا يفاجئني ذلك في ظل موافقة ( البلدية ) بشكل سريع على التنازل عن الأرض لصالح إدارة المساجد ، أو غض الطرف عن تحويلها إلى أي شيء آخر غير الحديقة ..!
حلم الشباب والأسر على حد ٍ سواء .. إقامة حدائق ومتنزهات ٍ لهم في مواقع مختلفة ، وبمساحات مناسبة ... لكي يبقى أهل ( الشامخة ) في أرضهم .. ولكي يبقى ( سمننا في دقيقنا ) .. و لكي نأكل ( مرقوقنا ومطازيزنا عندنا ) من بلدها الأصلي ..
وحلمي الشخصي .. أن تكون ( بريدة ) المدينة الخضراء .
دمتم بخير .
محمد عبدالرحمن المعتق الغرابي
alghoraby@hotmail.com
أصبح زمنا ماضيا ، وتأريخا منسيا ، وتقليدا بائدا ، ذلك الزمن الذي يرفض أن يتشارك الأصدقاء ، والأسرة ، والأقارب مكانا غير البيت ، إذ تحولت الحال إلى أن يكون الخروج في نهاية الأسبوع – بل وفي أوسطه - أساسا في حياة الشباب ( العزوبية ) ، والأسر ، وربما كان سبب ذلك صغر حجم البيوت في ظل طفرة ( الوحدات ) و ( الدبلكسات ) و ( الشقق ) .. فأصبح الجميع بحاجة ماسة إلى ( شم ) الهواء الطلق ..
كان في بريدة ( وكان فعل ماض ٍ ناقص كنقص تلك الحديقة ) حديقة حملت اسم ( حديقة المنتزة ) ، ولم أسمع بحياتي منذ تأسيسها حتى بدء العمل فيها مؤخرا أن أحدا من الشباب جلس فيها أو مر بها ليرى على ما تحتوي ..! ورغم غرابة ذلك ، إلا أنه أمر طبيعي كونها أسست في زمن ٍ يعتبر فيه الجلوس في الحدائق والطرقات من خوارم المروءة ..
اتجهت الناس إلى ( الاستراحات ) .. ولكون استئجارها باهظ الثمن على أسرة صغيرة ، وشباب عاطلين ( وشبه عاطلين ) فقد تحول الناس منها إلى الحدائق العامة ، فبدؤوا بارتياد المنتزهات التي تكون خارج المدينة ، ثم سرعان ما امتلأت الحدائق في بريدة بالمقيمين ثم بأهلها ..
وحينما أقول ( امتلأت ) فإني أحذر القاريء ألا يذهب بفكره بعيدا ، فيظن أن لدينا عشرات الحدائق ( لا سمح الله ..!! ) أو يظن أن المسطحات الخضراء تشكل ثلث مساحة ( بريدة ) شرفها الله .. !
فالحقيقة أن لدينا مشكلة كبيرة في شأن الحدائق وأعدادها وخدماتها ومواقعها ...
( بريدة ) عاصمة التمور ، و (بريدة ) أكبر سوق للإبل في العالم ، و( بريدة ) مدينة رجال ( العقيلات ) ، و ( بريدة ) السلة الغذائية للملكة ، و( بريدة ) الأكثر سرعة في النمو والتوسع ، ( وبريدة ) التي قصدها المستشرقون والمؤرخون منذ زمن .. هذه المدينة الهائمة فوق السحب اعتزازا بتاريخها ، وكيانها ، وثقافاتها المتنوعة ، هذه المدينة الخالدة خلود الحب .. لا يوجد فيها سوى بضع حدائق للأسر تعد على أصابع اليد الواحدة .. ولك أن تعلم أن أكبرها لا تتسع لأكثر من مائة أسرة .. !! ولذا فلا غرابة أن تجد الناس يجلسون قرب بعضهم البعض وكأنهم أسرة واحدة .. تنتفي معها الخصوصية ..!!
أما ما يخص الشباب ، فلا أعرف أن ثمت حديقة مخصصة لهم غير ( حديقة الشماس قسم الشباب ) والتي سيطرت على جزئها الجنوبي أسر المقيمين .. !! كما أن بعض المسطحات الخضراء ( الخجلة ) التي لا يتجاوز عرضها ( الأربع أمتار ) أصبحت متنفسا ( ولو كان خانقا ) ..
في الصيف تلقيت دعوة ً من صديق عزيز إلى أن نلتقي في مكان ٍ خارج المنزل مع أسرنا ، فوافقت ، فلما جاء الموعد واتصلت بصاحبي لأسأله عن المكان .. ( صدمني ) وبشدة بأن اختار مكانا بعيدا يجعلنا نبتعد عن تنفس هواء ( بريدة ) الشافي ..!!
سألته عن السبب ، فقال لي : ( اقترح علي مكانا واحدا مناسبا للأسرة – على ألا يكون على الطريق الدائري المشبع بالغبار - ..!! وأن تتوافر فيه أبسط الخدمات ..!!) وبصدق لم أجد .. فوافقته على مضض ، واشترطت عليه أن ألقي نظرة ً على المكان قبل أن نستقر ..
كان مما أدهشني ( وجعلني أكتب هذا المقال ) أن غالبية من رأيتهم في تلك المسطحات الخضراء ( أسرا ) و( شبابا ) هم من ( بريدة ) ..!! وعليكم أن تتساءلوا مالذي جعلهم يتركون عشقهم الأبدي ( بريدة ) لينتقلوا إلى موقع ٍ آخر ..؟؟!!
الإجابة بكل تفاصيلها يجب أن تكون لدى أعضاء المجلس البلدي أولا ، فهو صوتنا في أمانة البلديات ..!! ( صوتنا الذي لا بد أن يدرك معاناتنا ) ..
نعم ..
المسطحات الخضراء الكبيرة .. والواسعة .. والممتدة لمسافات طويلة .. والإضاءة المناسبة .. والخدمات المكتملة .. كانت كلها سبب في سلب أبناء العامرة ( بريدة ) بعيدا عنها ..!!
كلما سرت في طريق الملك فهد ( رحمه الله ) أتساءل : ألا يمكن للأمانة أن تُـــلزم أصحاب الأراضي بزراعتها كمسطحات ٍ خضراء على طول الطريق بعمق عشرين مترا ..؟؟ ( كما ألزمتهم قبل أعوام ببناء الأسوار على الطرق ) .. أو على الأقل أن تتولى هي زراعتها ..؟؟ علما بأن طوبوغرافية ( المرتفعات والمنخفضات ) الأرض تساعد على أن تكون مسطحات ٍ مثالية جدا ..
مما لا يفاجئني كثيرا أن تتحول أرض مخصصة كحديقة داخل أحد الأحياء إلى مسجد ..! أو موقف سيارات ..! أو يستغلها جار الأرض بأي طريقة .. نعم لا يفاجئني ذلك في ظل موافقة ( البلدية ) بشكل سريع على التنازل عن الأرض لصالح إدارة المساجد ، أو غض الطرف عن تحويلها إلى أي شيء آخر غير الحديقة ..!
حلم الشباب والأسر على حد ٍ سواء .. إقامة حدائق ومتنزهات ٍ لهم في مواقع مختلفة ، وبمساحات مناسبة ... لكي يبقى أهل ( الشامخة ) في أرضهم .. ولكي يبقى ( سمننا في دقيقنا ) .. و لكي نأكل ( مرقوقنا ومطازيزنا عندنا ) من بلدها الأصلي ..
وحلمي الشخصي .. أن تكون ( بريدة ) المدينة الخضراء .
دمتم بخير .
محمد عبدالرحمن المعتق الغرابي
alghoraby@hotmail.com