المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د. المزيني يفضح جهل وسائل الإعلام المتهجمة على الشيخ اللحيدان


طلاع الثنايا
15-09-08, 10:52 am
فتوى أصحاب القنوات الفضائية







لقد كتب الله للفتوى أن تبقى مالئة الدنيا وشاغلة الناس، هذا ما أكدته وسائل الإعلام العالمية كالـ "bbc" وَ "cnn" إذ تولت إعادة نشر الفتوى التي أصدرها الشيخ الفقيه صالح بن محمد اللحيدان، رئيس أعلى هيئة قضائية في المملكة العربية السعودية، الذي أمضى في المجال العدلي ما ينيف على نصف قرن، حول القنوات الفضائية التي تنشر الفسق والرذيلة، وقنوات الشعوذة والسحر، النفاثات في العقد، المفسدات للبلد، ووالد وما ولد.

وقد انقدحت الشرارة الإعلامية للفتنة من موقع إيلاف الإلكتروني، ثم انعقد دخانها بعد أن تلقفت الخبر وسائل إعلامية عربية، لينتقل بعد ذلك صعداً إلى بؤرة الإعلام العالمي، ويحتل المرتبة الأولى في النشر على مواقع إعلامية عريقة على شبكات الاتصال العالمي، ويحوز درجة : أكثر الأخبار قراءة، ونشراً، وطباعة، وإعادة إرسال، مما يؤكد نجاح الفتوى في تحقيق مقصودها، وهو لَفْتُ نظر أصحاب هذه القنوات المتوالدة يوماً فيوماً، إلى خطورة العبث بالعقائد، وبث الشبه الخطافة، وتمريغ الأخلاق الفاضلة، وخلخلة التماسك الاجتماعي في الأمة.

والفتوى المقصودة جاءت جواباً لسؤال ورد إلى الشيخ عن أصحاب القنوات الفضائية الذين يجلبون بالبرامج السيئة في شهر رمضان، وبالأخص في وقتي المغرب والعشاء، وهما وقتان يكتنفان ذروة الارتقاء الإيماني عند المسلمين في هذا الشهر الكريم.

وقد بدت الفتوى واضحة، حملت لغةً وعظية مسترسلة سهلة، يفهمها كل أحد، لكن عندما بلغت موضع العقوبة القضائية المستحقة لهؤلاء، انتقلت إلى التعبير بأسلوب قضائي مكثف، قد تنبو عنه أفهام البعض، فيفسرونه على غير مراد الشيخ، الذي عبر بمهنية فقهية عالية، تقاصرت عنه أفهام غير المختصين، على أنه عبر باللغة التي يعقلها عامة المشتغلين بعلوم الشريعة، فبعد أن قرر العقوبة الأخروية لهؤلاء، أردف ببيان ما يمكن أن تصل إليه العقوبة الدنيوية، لو أحيلت القضية بدعوى من جهة مختصة إلى القضاء.

وفي هذا الموضع تحدث الشيخ " تفقهاً "، ولم يصدر حكماً باتاً، ولهذا صدَّر العبارة بقوله : " قد يحلُّ قتله "، ومثل هذه العبارة يفهم المختصون في الشأن الفقهي أنها ليست تقريراً نهائياً للحكم، وإنما هي تفقه وتقليب لأوجه النظر في المسألة، من باب الاستئناس والاعتضاد، لا الاحتجاج والاعتماد، و" التفقه " هو : أن يذكر الفقيه بعض أوجه المسألة، واحتمالات الرأي فيها، دون أن يُعد هذا مذهباً له، وكثيراً ما يُستند في هذه التفقهات إلى مبدأ التخريج الفقهي، وهو استلهام مبدأ معتمد عند الفقهاء، وبناء رأي جديد في مسألة جديدة تأسيساً على ذلك المبدأ، وهي طريقة معتمدة عند عامة أصحاب المذاهب الفقهية، وتخريجاتهم مبثوثة في مدوناتهم الفقهية، بل قد قال أبو عمرو ابن الصلاح الشافعي عن هذه الطريقة: " عليه العمل، وإليه مفزع المفتين من مددٍ مديدة " ( [1] ) اهـ.

هكذا ينبغي أن تفهم الفتوى من حيث الصناعة الفقهية، وهكذا فهمها من يتابع هذا البرنامج الشعبي، كما فهم سائر الفتاوي المماثلة في القديم والحديث، لكنها كانت فرصة لمن يريد الاقتناص والاصطياد في مناسبة ساخنة كمناسبة شهر سبتمبر الحالي الذي بثت فيه الحلقة.

استفتح الشيخ فتواه بتذكير هؤلاء بأن وزرهم مضاعف، ونصحهم بالابتعاد عن نشر التشكيك في العقائد والفِطَر، وبث الفحش والمجون والخلاعة.

ثم أردف بأن " من يدعو إلى الفتن إذا قُدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل؛ جاز قتلهم قضاءً "اهـ، هذا كلامه نصاً وفصاً.

ثم أسند الشيخ رأيه بآية المائدة، وهي قوله تعالى: { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [سورة المائدة (32)]، وأن الإنسان قد يقتل بالنفس، أو بالفساد في الأرض.

هذه خلاصة الفتوى، وسوف أعلق بتعليقات عجلى، هي أربع نظرات: فقهية، وسياسية شرعية، وقانونية، وأخلاقية :


أ ـ النظرة الفقهية :

من حيث الصناعة الفقهية فقد أجمع المسلمون على أن أحكام الشريعة دائرة على حفظ الكليات الخمس : الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وأن الاعتداء على هذه الخمس أو التغرير بها، موجب لإيقاع العقوبة المناسبة، التي تتناسب مع الجرم، لأن هذا الإخلال من شأنه إيقاع الفوضى في البلد، والتوثب على الحرمات، وحصول الاضطراب في الأمة، ثم يختلف الفقهاء بعد ذلك في تحديد العقوبة في كل واقعة بحسبها، هذا هو القدر الفقهي في المسألة.

ومعروف عندهم فقهاً : أن التعزير عقوبة غير مقدرة (عقوبة مفوضة)، وأن تحديد العقوبة المناسبة متروك لنظر القضاء، الذي يتولى الفصل بالعقوبة المناسبة، التي تردع المجرم وتستصلحه، وتحمي الجماعة من الإجرام، ذلك أن في التعزير حقاً لله؛ لأن إخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع، وفيه دفع للضرر عن الأمة، وتحقيق النفع العام.

وأما فيما يتعلق بتحديد نوع العقوبة التعزيرية وقدرها فهذا شأن علم السياسة الشرعية، وفي هذا الموضع يتحدثون عن : درجات العقوبة التعزيرية، وهل يمكن أن تصل إلى القتل، هذا بعد اتفاقهم على مشروعية التعزير، وأن الغرض منه الزجر، أي منع الفاعل من المعاودة، ومنع غيره منها ؟.

وبلوغ العقوبة التعزيرية إلى القتل مختلف فيه بين الفقهاء، والأصل عندهم : أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، قال تعالى : " وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ " [ سورة الإسراء (33) ] ، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ".

وقد ذهب طائفة من الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة؛ إلى جواز القتل تعزيراً في جرائم معينة، بشروط مخصوصة، منها: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين، ومن ذلك: قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية، وهو مذهب الإمام مالك وطائفة من أصحاب الإمام أحمد، ومنعه آخرون.

وأجاز الإمام أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل ( [2] ) .

وأجمع العلماء كما قال القاضي عياض في الشفا على وجوب قتل المسلم إذا سب النبي صلّى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى : " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً " [ الأحزاب :57/33 ] ، وألحقوا بهؤلاء كل من لا يندفع شره إلا بذلك، كالساحر والزنديق الداعي إلى زندقته.

وصرح أبو العباس ابن تيمية بأن " من لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى البدع في الدين " ( [3] ) ، واستدل بقوله تعالى: { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَا دٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [سورة المائدة (32) ] ، وجعل هذا الحكم من باب دفع الصائل، الذي إذا لم يكف شره إلا بالقتل قتل.

قال أبو العباس ابن تيمية ( [4] ) : وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل، بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " ( [5] ) اهـ.

على أن قول الفقهاء بأنه يمكن أن يبلغ التعزير القتل؛ لا يعنون أن القاضي يبدأ بقتل الجاني، بل يتدرج به من أخف العقوبات: كالتوبيخ مثلاً، ويتصاعد به إلى ما فوق ذلك إن عاد، وهكذا.


ب ـ النظرة السياسية الشرعية :

يتحدث الفقهاء عن الضوابط التي يجب أن تراعيها الفتوى، من حيث الفقه ومن حيث السياسة الشرعية، فالأصل أن يلتزم المفتي بالحدود الفقهية المنضبطة، وهي حدود تراعي التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، لكن إن ظهرت للمفتي المصلحة في التشديد على المكلف كان له ذلك بمقدار ما يحصل الردع والزجر.

ومن أمثلة ذلك : ما ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من الفتيا بعدم قبول توبة القاتل عمداً([6])، فقد ورد عنه ما يقيِّد هذا الإطلاق، وأنَّ المراد الزجر والتغليظ، بحيث يكون إطلاق القول بعدم القبول مطلقاً ـ ولو فيما بينه وبين الله تعالى ـ خطأً على هذا الحبر الجليل( [7] )، فعن سعد بن عبيدة قال : " جاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال : لِمَن قَتَلَ مؤمناً توبةٌ ؟، قال: لا، إلا النار !، فلما ذهب قال له جلساؤه: ما هكذا كنتَ تفتينا، كنت تفتينا أنَّ لمن قتل مؤمناً توبةً مقبولةً، فما بالُ اليوم ؟، قال : إني أحسبه رجلاً مغضباً يريد أن يقتل مؤمناً، قال : فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك " ( [8] ) ، فهذا من جنس السياسة الشرعية، التي يتعاطاها المفتي، بحسب حال السائلين، لطفاً أو عنفاً( [9] ) ، كما قال الصيمري : " إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتيَ العامي بما فيه تغليظٌ، وهو مما لا يعتق د ظاهره، وله فيه تأويلٌ؛ جاز ذلك زجراً له، كما روي ! عن ابن ع باس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل عن توبة القاتل فقال : لا توبة له ( [10] ) ، وسأله آخر فقال : له توبة، ثم قال : أما الأول فرأيت في عينه إرادة القتل فمنعته، وأما الثاني فجاء مستكيناً، قد قتل فلم أقنطه" ( [11] ) اهـ.

وقد استند الشيخ صالح في فتواه إلى هذا الأصل، وأسسه على آية المائدة، وقول البعض إن الآية نزلت على سبب، يمكن للشيخ أن يجيب عنه بأن : العبرة بعموم اللفظ.

فهذا ضربٌ من السياسة شرعي، وستظل مبادئ السياسة الشرعية أصولاً كليةً يفيءُ إليها الفقهاء والمفتون ليَطِبُّوا منها لأدواءِ الأمة ما شاء الله، ولن تتطرَّق إليها عواملُ الغِيَرِ والتنسُّخ، وإن تغيَّرت بعض صورِها وتطبيقاتِها. فهي باقيةٌ ما بقيَ الفساد في الواقع أو في المتوقَّع، على ما قاله عمر بن عبد العزيز: " تحدث للناس أقضيةٌ؛ بقدر ما يحدثون من الفجور "( [12] ) ، وقد استحسن الإمام مالكٌ منه هذه القاعدة، وكانَ بها حَفِيَّاً ( [13] ) .

فهذا الخليفة الراشد قد جوَّزَ كما ترى إحداثَ الأقضية واختراعها؛ على قدر اختراع الفجار للفجور، وإن لم يكن لتلك المحدثاتِ أصلٌ ( [14] )، ولئن جازَ تصرُّف الفقيه على هذا النمط في القضاء والحكم؛ فإن جوازه في الفتيا من باب أولى، فإنهما يشتركان في أنهما إخبارٌ بالحكم الشرعي، وينفرد القضاء بكونه ملزماً، فإذا جاز الإحداثُ في القضاء، الذي هو متعلق بحقوق العباد فيما بينهم، مع ما هو معلومٌ من المشاحَّة في هذا الباب، فإنَّ هذ ا ينتج أنَّه في الفتيا أهون من هذا الوجه.

والفتاوي الزاجرة يعتبرها الفقهاء في كثيرٍ من فتاويهم وأقضيتهم وأبحاثهم، ولا يختلفون في أهميتها واستعمالها في محالِّها، وإختلافهم في تطبيقاتها إنما هو راجعٌ إلى اختلافِهم في تحقيق مناطاتِها، إما لتعارض الأدلة، أو تفاوتِ ما بينهم في الخبرة، وسبرِ الواقع المعيش، كما لو تفشى المنكر في بلد ما، واطلع عليه بعضهم وخفي على آخرين.

وهل تبتغى الشريعة إلا لسياسة الخلق بها :

وَلَيست أصولُ الشرعِ إلا سياسةً * * * إِلهيّةً تحذو من العلّة المجرى


ج ـ النظرة القانونية :

هناك فتاوي لا يحسن أن تصدر إلا من أرباب الولاية الشرعية، ويمكن أن نسميها " فتاوي ولائية "، تعالج أوضاعاً عامة في الأمة والدولة، لا يُحسِن علاجها أفراد المفتين، وقد كان القرن الأول من هذه الأمة هم النموذج المحتذى لمن بعدهم، وكانوا في باب الفتيا أشدُّ تحرزاً من غيرهم، مع وفور العلم، وكثرة الفقهاء آنئذٍ، إلا أنه لم يكن يفتي ـ غالباً ـ في الشأن العام إلا ذوو الولاية من فقهائهم، حتى إن الفاروق عمر رضي الله عنه قال يوماً لأبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه : " ألم أُنَبَّأ أنك تفتي ولست بأمير، وَلِّ حارَّها من تَوَلَّى قارَّها " ([15])، أي : اترك شديدها لمن تولى هيِّنها، فجعل الحرَّ : كنايةً عن الشر والشدة، والبردَ كنايةً عن الخير والهين، والقارُّ فاعلٌ من القر: البرد، أراد : ولِّ شرها من تولى خيرها.

وبين أيدينا فتوى ولائية تولى حارها من يتولى قارها، وصدرت من أهلها الذين هم أهلها، ولو أن قائلها غير الرجل الأول في المؤسسة القضائية والعدلية والحقوقية في المملكة ، الذي أمضى نصف قرن من الزمان في تدبيرها، لكان لقائل أن يقول شيئاً، لكن أما وقد صدرت من هذه القامة العلمية الولائية فلا تثريب من حيث الشكل والمضمون، قال محمود قابادو ـ الشاعر التونسي ـ:

إِذا أحكم الإنسانُ ظاهرَ منصبٍ * * * وَباطِنَه علماً مَضى فيه عزمهُ

وإن كان من حق الفقهاء الآخرين أن يبدو أنظاراً مختلفة حول أصل المسألة بالعلم والعدل.

على أن الخلاف الفقهي في المسألة قد حُسم عملياً ( لا علمياً )، أعني على سبيل القضاء والتنظيم العام، وذلك بالقرار الصادر من هيئة كبار العلماء عام 1401هـ، الخاص بموضوع إفساد الأخلاق والإخلال بالأمن، المبني على كتاب الملك خالد للشيخ عبد الله بن حميد ـ رئيس المجلس الأعلى للقضاء ـ آنذاك، والشيخ عبد العزيز بن باز ـ الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء ـ آنذاك، تغمدهم الله جميعاً بواسع رحمته.

وكان نص القرار يتعلق بمفسدي الأخلاق من مروجي الخمور والمخدرات، وفيه : أن المفسد في الأرض بترويج المخدرات بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعا وشراء أو إهداء " إن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيراً بليغاً بالحبس ..., حسبما يقتضيه النظر القضائي, وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض, وممن تأصل الإجرام في نفوسهم, وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضرب من التعزير ..."، ونظراً إلى أن هذه الجرائم من القضايا الخطيرة التي " قد يحكم فيها بالقتل تعزيراً، فإنه ينبغي أن تختص بنظرها المحاكم العامة, وأن تُنظر من ثلاثة قضاة كما هو الحال في قضايا القتل والرجم, وأن ترفع للتمييز، ثم للمجلس الأ على للقضاء لمراجعة الأحكام الصادرة بخصوصها؛ براءة للذمة واحتياطا لسفك الدماء " ( [16] ) اهـ.


د ـ النظرة الأخلاقية :

في كل مرة تظهر فتوى يستغربها بعض الناس تفزع وسائل الإعلام إلى الفقهاء والدعاة والوعاظ لالتقاط تعليقاتهم إزاءها، واستمزاج آرائهم حيالها، ويحصل أن ينقسم هؤلاء إلى مؤيد ومخالف ومتحفظ، ولا تثريب على أي من هؤلاء، ما التزموا حدود الأدب العلمي، فإن حق التعبير مصون شرعاً، وهو المعبِّر عن مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للمتأهلين له، لكنك واجدٌ أحياناً ردوداً مجافية لحد الإنصاف، نائية عن اللياقة العلمية، كالنبز بالجهل والتعجل والهوى، أو الرمي بتسويغ الإرهاب مثلاً.

ولأن قضية النقد لفتاوي العلماء ذات حساسية بالغة، فمطلوب من المنتقد العناية بالألفاظ التي يعبر بها عن رأيه، باعتبار أنه يتحدث تعقيباً على قول سبقه، وللمعقب من الروية والأناة ما ليس للمبتدئ الذي صدرت منه الفتوى أولاً، ولذا فالمعقب المصرح لوسائل الإعلام معني بمراعاة أخلاقيات التعقيب العلمي وأهمها:

أ ـ التجرد عن الهوى : وذلك أن الكلام في الفتوى الدينية قربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، فكان لازماً على العبد أن يُحضر فيها الإخلاص، ويكون نقده ابتغاء وجهه سبحانه، لا ابتغاء حظوظ النفس وأهوائها.

ب ـ التأدب مع أهل العلم : وهذا من تمام المروءة الإنسانية، فإن النصيحة إذا لم توضع في قالب التلطف والرفق، عُدَّت شغباً على متلقيها.

ومما يندرج تحت هذا الضابط أن يُنتقد القول، دون التعرض لقائلة بالعيب والذام، فإن هذا هو مقتضى العدل والإنصاف، فضلاً عن كونه أدعى إلى قبول النقد بين زملاء الفن الواحد.

وتذكير لإخواننا الإعلاميين ـ وفقهم الله ـ : أن يقدِّروا عقول الجمهور، الذي شب عن الطوق، وصار يمحص المقول والمنقول، ويفتش عن البدائل النقية، ويتمكن من الوصول إلى الحقيقة من مصدرها الأصلي، ويلمسها بيديه، دون أدنى كلفة، فالمواثيق الإعلامية العالمية تضع هذه الوسائل على المحك، بعد أن تنكبت المعايير الشرعية العالية، المتوَّجَة بقول ربنا تبارك وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " [ سورة الحجرات (6) ] .

لقد اختصم رجلان إلى الإمام مالك ـ رحمه الله ـ، وكان أحدهما شاعراً، فحكم مالك على الشاعر لصاحبه، فغضب الشاعر وقال لمالك: والله لأقطعن ظهرك هجاءً، فقال له مالك: يا هذا؛ أتدري بم وصفتَ نفسك ؟، بالسفه والدناءة، وهما اللذان لا يعجز عنهما أحد، ولكن عليك بما تنقطع الرقاب دونه، الكرم والمروءة [ قضاة قرطبة للخشني (134) ] .

فالمروءةَ المروءةَ أيها الناس، والشكر والثناء لبعض وسائلنا الإعلامية، وبعض إعلاميينا الفضلاء، الذين نجحوا غير مرة في الاختبار، ولم يستخفَّهم جفاء الإعلام المادي، ولم يستفزَّهم أهل الأهواء والغلو والفساد، وكل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير، وتبت يد الباغي وتب.

والله تعالى يهدينا إلى سواء السبيل.





وكتب/ د. خالد بن عبد الله المزيني

14 رمضان 1429هـ

القيصر
15-09-08, 11:58 am
د. خالد بن عبد الله المزيني

جزاه الله خيرا

فعلا مثل هذه الفتوى تضهر من في قلوبهم مرض عندما يغضبون منها او من مفتيها شيخنا العزيز اللحيدان وكانهم اعلم منه ولكن السبب الحقيقي هو مرض قلوبهم

الله يعطيك العافيه اخوي على نقلك الجميل

تعبت الخواطر
15-09-08, 12:11 pm
لعنة الله على اصحاب هذه القنوات

نعم هم يستحقون قطع رؤسهم ومن ثم حرقهم ودفنهم بمرامي النفايات