المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هدايا الحبيب ..


DisCuss
21-08-08, 01:41 pm
ما هي مشكلتك يا صديقي ؟

من ؟ أنــا ؟

ليس لدي مشكلة .. !؟

كانت هذه آخر كلمات سمعتها من صديقي " عادل " النحيف , كانت العصافير تتطاير مع حروفه العذبة , وروحه البيضاء , وكان يتكلف كل شيء في سبيل أن نضحك ساعتين في الهاتف على بعض .. ودوما ما يختار الأوقات الأسوأ والغبية للمكالمات , ويفرح بذلك ثم يطيل الحديث أكثر من اللازم , لكنه يروق لي كثيراً .. كثيراً .. فلكما اشتقت لريح الجنة , ضربت الهاتف عليه .... ألوووو , ثم يصرخ بطريقته المعهودة والضحكات تأكل رئتيه قائلاً : ( معك عادل أبو العيون والجدايل ) هكذا يلقب نفسه

عادل .. قصة عشق لا تكتب

إلا أنه في مكالمتنا الأخيرة لم يكن كما عهدته ! ما الذي جرى ؟ هل حدث مكروه له ؟! هل جاءته أخبار من السعودية !! .. يا رب لا يكون ما يدور في مخيلتي صحيح... لا , إن شاء الله ما فيه شيء .. كنت أخادع نفسي , بعد ساعة .. لم أتحمل , فضربت عليه ثم أجابني على غير عادته .. عرفت أن في الأمر سر

ابتلعت كل سكون الكائنات من حولي .. كانت سماعة الهاتف تمتلء بصوت القطارات والأنفاق السوداء .. :
- ألووو : عادل .. إيش السالفة ؟

* ليس هناك مشكلة !؟ قلتها لك قبل ساعتين

- طيب .. أوكي كنت قليلا عليك .. إلى اللقاء

* بس .... ثم تحول عادل خفيف الظل إلى كتلة دمعة سحاحة تمطر بلا تتوقف .. كلما أراد أن يتكلم بكاء , وكلماء أراد أن يبكي تكلم , كانت حروفه وكلماته غير مفهومه , وكنت أستمع لصوت الشجر بين كل زفرة وأخرى , كنت أرى عينيه من سماعة الهاتف مع بعد المسافة بيننا , كان كثيراً ما يقول لي : ما يفهمني بالحياة إلا أنت .. حاولت أن أوقف سيل الدموع الذي جرى بيننا , فقلت : وين أبو الجدايل ؟

- خلك راجل .. فشهق ثم عرف انني فهمته

* نعم .. الجدائل ستسقط ثانية , حبيبي عاد الأسد يفترس المتبقي .. ( كان عادل تشافى قبل سنوات من مرض السرطان ) وكان الأطباء يقولون أن نسبة تعرض للأصباة كبير جداً وإذا عاد إليه فسيدخل في دائرة الخطر بعد شهرين .. فالمرض فتاك ومكان خطير .. يالله

تصدق إلى الآن .. لا أحد يدري

حتى حبيبتي .... بل أنا نفسي لا أدري من أنا ! اليوم لم أذهب للجامعة وكان عندي عرض , الدنيا في عيني تحلقت .. وصغرت ثم صغرت إلى أن تشكلت نقطه سوداء داخل بؤبؤة عيني , لي أكثر من ساعة أريد أن أكتب رسائل لأحبابي ليقرؤها , وما استطعت , الحروف لا تقوى أن تكتب مافي صدري .. صدقني الاحساس بأن الأرض تأكل أجزاءك أحساس فظيع

عشته مرة .. ولا أحب أن أكررها

ويا رب ... إذا كانت نتائج معهد ليفربول صحيحة كما ظهرت في المعهد القومي ... يارب خذني إليك بسرعة!

يا رب .. إذا كنت تحبيني ضمني أليك كما تظم الأم وليدها

يارب .. لا أريد أن أشاهد الشفقة بعيونهم

يارب .. أرفعني ولا تخذلني

قاطعته : وأين وعود الأطباء ! خاطبت المستشفى في كندا؟ في التقرير الأخير كانت التحاليل تؤكد زواله نهائياً وأن الجسم عاد لتكوينه الطبيعي , هذا ما قالوه ..! , تصدق كل يوم تقتي بالطب الحديث تقل , لا أعرف ليش تركي داخل طب , والله يضحكون على قلوب الناس , أنا لا أريدك أن تفقد ثقتك بالله .. كن مع الله .. وأخذت أذكر قصص من مروا بمثل تجربته وأواسي نفسي وأحجر دمعتي , فصدمتي لا تقل عنه فهو شطر روحي الباقي .. فقال لي : تعرف أيش أتمنى! ؟

إيش ؟

أتمى أسمع صوت لم أسمعه من قبل , أحب أن أطير , ولا أرفرف , أنظر للناس وهم لا ينظرون إلي , أحب أن أقبل تلك السحب التي رسمت عليها وجه أمي , والشجرة التي كتبت عليها حروف حبيبتي , أريد أن أنسى من أنا وأعرف من أنا من جديد ... أريد أن أطوف في ملكوت الأتقاء .. أريد أن أقبل جبين جدي وقدم أبي .. أريد كلمة تجعلني أنام .. لم انم منذ البارحة

بالله عليك .. قلي أي شيء

عرف عادل أنني أبكي , فدخلنا في منظف من الأنهر الجارية .. وبعدها فتحت سجل يومياتي وقرأت عليه ما كتبته له في الرابع من مايو عام 2006 هـ

إلى .. الألماسه في عنقي

إلى ..العينين الواسعتين

إلى .. أيام الزعل والضحك والصلاة

إلى .. أبو الجدايل عادل

هذه رسالة .. من بعضي إلى بعضي

إلى روحي عادل

قال بدر شاكر السياب .. في يومٍ يشابهه يومك الذي هاتفتني فيه ..آيات تكتب في اساطير العرب , ومروج المسك والكافور تنثر على نهر جيحون الساحر ..أرسلها لتستقر بقلبك وإن كنت لا تسمعها

" لك الحمد مهما استطال البلاء

ومهما استبدّ الألم

لك الحمد، إن الرزايا عطاء

وإن المصيبات بعض الكرم

ألم تُعطني أنت هذا الظلام

وأعطيتني أنتَ هذا السّحر؟

فهل تشكرُ الأرضُ قطرَ المطر

وتغضبُ إن لم يجدها الغمام؟

*****

شهور طوال وهذي الجراح

تمزق جنبي مثل المدى

ولا يهدأ الداء عند الصباح

ولا يمسح الليل أوجاعه بالردى

ولكن أيوب إن صاح صاح:

لك الحمد، إن الرزايا ندى

وإن الجراح هدايا الحبيب

أضمّ.. إلى الصدر باقاتها

هداياكَ في خافقي لا تغيب

هداياكَ مقبولةٌ .. هاتها

*****

أشدُ جراحي وأهتفُ

للعائدين:

ألا فانظروا واحسدوني

فهذى هدايا حبيبي

جميل هو السهدُ أرعى سماك

بعيني حتى تغيب النجوم

ويلمس شبّاك داري سناك

جميل هو الليل أصداء يوم

وأبواق سيارة من بعيد

وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد

أساطير آبائها للوليد

وغابات ليل السُهاد الغيوم

تحجّبُ وجه السماء

وتجلوه تحت القمر

وإن صاح أيوب كان النداء:

لك الحمد يا رامياً بالقدر

ويا كاتباً ، بعد ذاك الشّفاء "



لما انتهيت من قراءتها . قرأناها سوياً مرة أخرى .. فقال : نعم الآن أستطيع أن أنام نوماً هينئاً : وأضم إلى الصدر باقاتها , هداياك في خافي لا تغيب , هداياك مقبولةٌ هاتها .. وأغلق السماعة .

فانتازيا إعلامي
21-08-08, 02:56 pm
DisCuss
لا اعرف من وين ابدأ !
هل أهنئ نفس بنيل الشرف بقراءة هذا الإبداع .
أم أواسيك بقرة عينك .
كم هو مفرح ومبكي , أن تقرأ إبداع , بألم .

اسأل الله أن يجمعك فيه وأنتما بصحة وسلامة

شكراً لك

مياسة
22-08-08, 10:02 am
هدية تجرح الأغراب امثالي ... فما بال الأحباب امثالك ....!
قصة مؤثرة .... حد الاندماج بها ....
كان الله معكم ومعنا ,,

هند الوفاء
22-08-08, 11:50 am
DisCuss

أبدعت اخي الكريم,,

بعض الهدايا جميلة..رغم الحزن والألم..

بيد الله كل شيء

DisCuss
23-08-08, 02:44 am
DisCuss
لا اعرف من وين ابدأ !
هل أهنئ نفس بنيل الشرف بقراءة هذا الإبداع .
أم أواسيك بقرة عينك .
كم هو مفرح ومبكي , أن تقرأ إبداع , بألم .

اسأل الله أن يجمعك فيه وأنتما بصحة وسلامة

شكراً لك


أخي فانتازيا .. إطرائك يغمرني وكل الشكر لدعائك

DisCuss
23-08-08, 02:46 am
هدية تجرح الأغراب امثالي ... فما بال الأحباب امثالك ....!
قصة مؤثرة .... حد الاندماج بها ....
كان الله معكم ومعنا ,,




أختي مياسة .. كل التحية
والله يرعاك

DisCuss
23-08-08, 02:48 am
DisCuss

أبدعت اخي الكريم,,

بعض الهدايا جميلة..رغم الحزن والألم..

بيد الله كل شيء

أختي هند .. وجمال الهدية بجمال صاحبها

كل الشكر والله يحفظك