مشعل الفوازي
03-08-08, 06:13 pm
المفردة أداة توصيل، وهي – فيما نود الحديث حوله – جسر تواصل بين الشاعر والمتلقي 0
وإذا كانت كتب الأدب العربي قد خلدت مقولة الجاحظ الشهيرة ( الألفاظ ملقاة على الطرقات 00 0) وتناولها الأدباء وكل من يشتغل بهذا الشأن من أكثر من زاوية و رؤية، وباتفاق واضح على صحتها 00
فهل كل مفردة صالحة للشعر ؟
اقصد هل هناك مفردات شعرية وأخرى خلاف ذلك 00
من وجهة نظري، أن الأمر ليس كذلك، وان العبرة في توظيف هذه المفردة أو تلك بشكل يتسق مع الفكرة دون تكلف أو تبذل، وان المفردات أشبه ما تكون بأحجار الشطرنج التي يعتمد الفوز أو الخسارة فيها على ذكاء اللاعب ومهاراته، لا على الأحجار نفسها0
وأتذكر في هذه الصدد مقولة قرأتها لنزار قباني، يقول فيها:
( إن الامتيازات العائلية لا تنطبق في المسائل اللغوية، بحيث نتحدث عن كلمة راقية وكلمة اقل رقيا، وكلمة شريفة وكلمة اقل شرفا 00)
ويضيف:
( الكلمات كلها بنات اصل، وهي كالثياب لا تأخذ شكلها النهائي إلا بنا )
ولكن هل هذه قاعدة يُسار عليها بشكل مطلق ؟
لقد اخذ النقاد على المتنبي، إسفافه في قصيدته المبدوءة بقوله:
ما انصف القوم ضبه ** وامه الطرطبه
إلى آخر هذا النص الفاحش البذاءة، وكان بامكان شاعر العربية الكبير أن يشتم ضبة هذا، بل يقتله شتما، دون أن ينحط بلغته وألفاظه، لولا أن عينه كانت على متلق خاص عند كتابة هذه الأبيات، شأنه في ذلك شأن الشاعر الآخر الكبير جدا بشار بن برد الذي عوتب على أبياته التي يقول فيها:
رباب ربة البيت *** تصب الخل في الزيت
لها سبع دجاجات *** وديك حسن الصوت
فأجاب، أنه قالها خصيصا من اجل ( رباب) تلك الجارية التي تطرب لمثل هذا الشعر، ويدفعها للعمل على جمع المزيد من البيض، للشاعر 00 ويضيف أن هذه الأبيات أهم بالنسبة لرباب من كل ما قاله من شعر 0
في ما سبق من أمثلة نجد الشاعر قد نزل عن كرسي الشعر، و تعامل مع القصيدة، بصفتها وسيلة سهلة لتحقيق غرض ما دون أي عناء شعري أو استدعاء للموهبة الخارقة كما يفعل المتنبي في مدائحة غالبا 00بمعنى انه كتب القصيدة بمعزل عن كينونته الشعرية، وكان للشخصية العادية اقرب0
في الشعر الشعبي، نجد أن الصورة السلبية تتضح وتأخذ الجزء الأكبر من المشهد، فالشاعر غير المشغول أصلا بأية قضية حقيقية، والذي تتركز جهوده على الظفر بأكبر قدر ممكن من فلاشات الضوء 00 هذا الشاعر لديه الاستعداد للتخلي عن ابسط الالتزامات الأدبية لتحقيق أغراضه تلك 0 ومن هذا المنطلق نُصدم في كثير من الأحيان بعبارات سوقية رخيصة، تأتي ضمن قصيدة تلقى في محفل عام، أو تنشر في مجلة تدخل إلى كل بيت0
في البداية قلنا أن الأمر يتوقف على توظيف المفردة، لا على المفردة ذاتها، ولكن، عندما تتحول القضية إلى ظاهرة 00 أو تشكل تيارا لا يستهان به، يتسابق أفراده إلى ابتذال الشعر، والإساءة للذوق العام، والتأسيس للغة تفرغ الشعر من مضامينه، وتحوله إلى بضاعة غير قابلة للتداول تحت الشمس، والا جلبت لقائلها – بل وحتى سامعها – الخجل والإحساس بالذنب والدونية 00 وإذا كانت تلك هي متطلبات الانتشار، وكان لها القبول لدى السواد الأعم 00
عندها يجب على الشاعر أن يعي دوره المفترض، بالنهوض بالوعي العام وليس الانسياق خلف الموجة 00
هذا لا يعني أن يتحول إلى رمز برجوازي مؤطر بأبعاد نخبوية بحتة، أو أن يمارس الاستعلاء على اليومي المُعاش بتفاصيل كدحه النبيل وعرقه الطاهر 00 أنا لا اقصد ذلك نهائيا ولكن:
عندما يضحي الشاعر بالوهج الإعلامي المرتقب من اجل القيم الأخلاقية والإبداعية 00
عندما لا يكون ميكافيليا، تبرر غاياته وسائله، مهما كنت تلك الوسائل 00
عندما ينزل للشارع، ويطوف بقصيدته كل الأمكنة والاتجاهات، ولكن بوعي، يجعله ينهض بهذا الشارع، ويرفض ما يفرضه عليه 00
عندها: تستطيع أن تقول انه شاعر حقيقي يعي رسالته، وأهمية موهبته ودورها المفترض0
وإذا كانت كتب الأدب العربي قد خلدت مقولة الجاحظ الشهيرة ( الألفاظ ملقاة على الطرقات 00 0) وتناولها الأدباء وكل من يشتغل بهذا الشأن من أكثر من زاوية و رؤية، وباتفاق واضح على صحتها 00
فهل كل مفردة صالحة للشعر ؟
اقصد هل هناك مفردات شعرية وأخرى خلاف ذلك 00
من وجهة نظري، أن الأمر ليس كذلك، وان العبرة في توظيف هذه المفردة أو تلك بشكل يتسق مع الفكرة دون تكلف أو تبذل، وان المفردات أشبه ما تكون بأحجار الشطرنج التي يعتمد الفوز أو الخسارة فيها على ذكاء اللاعب ومهاراته، لا على الأحجار نفسها0
وأتذكر في هذه الصدد مقولة قرأتها لنزار قباني، يقول فيها:
( إن الامتيازات العائلية لا تنطبق في المسائل اللغوية، بحيث نتحدث عن كلمة راقية وكلمة اقل رقيا، وكلمة شريفة وكلمة اقل شرفا 00)
ويضيف:
( الكلمات كلها بنات اصل، وهي كالثياب لا تأخذ شكلها النهائي إلا بنا )
ولكن هل هذه قاعدة يُسار عليها بشكل مطلق ؟
لقد اخذ النقاد على المتنبي، إسفافه في قصيدته المبدوءة بقوله:
ما انصف القوم ضبه ** وامه الطرطبه
إلى آخر هذا النص الفاحش البذاءة، وكان بامكان شاعر العربية الكبير أن يشتم ضبة هذا، بل يقتله شتما، دون أن ينحط بلغته وألفاظه، لولا أن عينه كانت على متلق خاص عند كتابة هذه الأبيات، شأنه في ذلك شأن الشاعر الآخر الكبير جدا بشار بن برد الذي عوتب على أبياته التي يقول فيها:
رباب ربة البيت *** تصب الخل في الزيت
لها سبع دجاجات *** وديك حسن الصوت
فأجاب، أنه قالها خصيصا من اجل ( رباب) تلك الجارية التي تطرب لمثل هذا الشعر، ويدفعها للعمل على جمع المزيد من البيض، للشاعر 00 ويضيف أن هذه الأبيات أهم بالنسبة لرباب من كل ما قاله من شعر 0
في ما سبق من أمثلة نجد الشاعر قد نزل عن كرسي الشعر، و تعامل مع القصيدة، بصفتها وسيلة سهلة لتحقيق غرض ما دون أي عناء شعري أو استدعاء للموهبة الخارقة كما يفعل المتنبي في مدائحة غالبا 00بمعنى انه كتب القصيدة بمعزل عن كينونته الشعرية، وكان للشخصية العادية اقرب0
في الشعر الشعبي، نجد أن الصورة السلبية تتضح وتأخذ الجزء الأكبر من المشهد، فالشاعر غير المشغول أصلا بأية قضية حقيقية، والذي تتركز جهوده على الظفر بأكبر قدر ممكن من فلاشات الضوء 00 هذا الشاعر لديه الاستعداد للتخلي عن ابسط الالتزامات الأدبية لتحقيق أغراضه تلك 0 ومن هذا المنطلق نُصدم في كثير من الأحيان بعبارات سوقية رخيصة، تأتي ضمن قصيدة تلقى في محفل عام، أو تنشر في مجلة تدخل إلى كل بيت0
في البداية قلنا أن الأمر يتوقف على توظيف المفردة، لا على المفردة ذاتها، ولكن، عندما تتحول القضية إلى ظاهرة 00 أو تشكل تيارا لا يستهان به، يتسابق أفراده إلى ابتذال الشعر، والإساءة للذوق العام، والتأسيس للغة تفرغ الشعر من مضامينه، وتحوله إلى بضاعة غير قابلة للتداول تحت الشمس، والا جلبت لقائلها – بل وحتى سامعها – الخجل والإحساس بالذنب والدونية 00 وإذا كانت تلك هي متطلبات الانتشار، وكان لها القبول لدى السواد الأعم 00
عندها يجب على الشاعر أن يعي دوره المفترض، بالنهوض بالوعي العام وليس الانسياق خلف الموجة 00
هذا لا يعني أن يتحول إلى رمز برجوازي مؤطر بأبعاد نخبوية بحتة، أو أن يمارس الاستعلاء على اليومي المُعاش بتفاصيل كدحه النبيل وعرقه الطاهر 00 أنا لا اقصد ذلك نهائيا ولكن:
عندما يضحي الشاعر بالوهج الإعلامي المرتقب من اجل القيم الأخلاقية والإبداعية 00
عندما لا يكون ميكافيليا، تبرر غاياته وسائله، مهما كنت تلك الوسائل 00
عندما ينزل للشارع، ويطوف بقصيدته كل الأمكنة والاتجاهات، ولكن بوعي، يجعله ينهض بهذا الشارع، ويرفض ما يفرضه عليه 00
عندها: تستطيع أن تقول انه شاعر حقيقي يعي رسالته، وأهمية موهبته ودورها المفترض0