ناصر 1418
27-07-08, 04:42 pm
مرض الانتحار يجتاح الجنود الأمريكان / د. عماد الدين الجبوري
التاريخ:24/07/1429 الموافق |القراء:245 | نسخة للطباعة
المختصر/
وكالة يقين / في آخر التقارير النفسانية الأمريكية المتعلقة بحرب العراق أشار خبراء متخصصون في الأمراض النفسية عن انتشار "مرض الانتحار" بين صفوف الجنود الأمريكان العائدون من الخدمة في العراق. ورغم سياسة التعتيم والتكتيم التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بأساليب وأشكال مختلفة منذ غزوها للعراق عام 2003، إلا أن استفحال ما يجري على أرض الواقع يكشفها إن لم يفضحها عن ذلك التستر. وهكذا جاء هذا التقرير ليؤكد حقيقة انتشار ظاهرة هذا المرض النفسي الخطير.
قال أحد أولئك الخبراء واصفاً المغامرة العسكرية في العراق بفيتنام. وقال آخر أن ما ينشر من تقارير عن حالات الجنود الأمريكيين العائدين تؤكد تفشي أمراض نفسية بينهم. ولذلك وصف السناتور بوب فيلنر رئيس لجنة المحاربين القدامى هذه الظاهرة بأنها مأساة. ونفس التعبير تناوله جماعة المحاربين السابقين في العراق وأفغانستان. حيث سجلت هذه الجماعة الزيادة الملحوظة في عدد حالات الانتحار بين الجنود بشكل وصفته بالمأساوي جداً منذ احتلال العراق وأكثر من 26 سنة مضت.
أن إدارة بوش المستمرة في نهجها ومنهجها العدواني في العراق لا يحرجها شيء إلا بعد استفحاله وانعكاسه داخل المجتمع الأمريكي نفسه. فهذا المرض الذي يحول الجندي العائد من الحرب إلى شخص خطر على حياته وحياة المحيطين به مما يخلق مشكلة اجتماعية. فأن هذه الظاهرة المتزايدة أجبرت وزارة الدفاع الاعتراف بها، إلا أنها لم تحصي عدد الجنود المنتحرين بسبب هذا المرض حسب زعمها. ومع ذلك فأن تقديرات لجنة المحاربين القدامى التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي أشارت إلى حوالي 1000 جندي ينتحر كل شهر. وكذلك أيدت هيئات رعاية المحاربين القدامى هذا العدد وأقرت أن الجنود العائدين من الحرب والذين يقدمون على الانتحار يبلغ حوالي 18 فرداً في اليوم الواحد. وبلغة حسابية بسيطة ندرك أن عدد الجنود المنتحرين يزيد عن 100,000 منتحراً في العراق وأفغانستان. علماً أن الرقم الرسمي المعلن عن قتلى الجنود الأمريكان في هذين البلدين يصل إلى 6500 قتيل. وعلينا أن نتصور الفارق العددي أولاً، واستمرار هذه الحروب ثانياً. ناهيك عن ذكر أن المحاربين القدامى يشكلون 10% من تعداد سكان الولايات المتحدة الذي يزيد عن 300 مليون نسمة.
عموماً فأن أعراض هذا المرض النفسي تمر في ثلاثة مراحل. الأولى تبدأً بالشعور بإرهاق شديد يصاحبها أحلام مرعبة. في المرحلة الثانية يشتد المرض حيث يصاب المرء بالكآبة والقلق المتواصل وصعوبة بالنوم وشعور دائم بالخوف، ويوصف بمرض "إرهاق ما بعد الحرب". وحسب مصادر هيئات المحاربين القدامى أن نسبة 30 إلى 40% من الجنود الأمريكيين يصابون بهذا المرض بعد وقت قصير على عودتهم إلى بلادهم. أما المرحلة الثالثة للمرض فتظهر في الإدمان على شرب الكحوليات وتناول المخدرات ومواجهة صعوبات للعودة إلى الحياة المدنية وفقدان وظيفة العمل ثم المأوى والطلاق ثم الانتحار. وهناك طريقة شائعة الآن بين الجنود العائدين من العراق ويريدون الانتحار وهي استفزاز الشرطة وذلك بإطلاق الرصاص عليهم لكي يردوا بالمثل.
هذا وتعترف هيئات رعاية المحاربين القدامى بأنها عاجزة عن مواجهة ظاهرة انتحار الجنود رغم صدور قانون في عام 2007 من مجلس الشيوخ فرض على وزارة الدفاع إنشاء برنامج لمنع الجنود من الانتحار. لكن حتى اليوم لا يتوفر العدد الكافي من الأطباء ولا المال اللازم لتمويل برامج معالجة الجنود المصابين بهذا المرض النفسي الخطير.
ومن بين ضحايا هذا المرض المتفشي هو الجندي الممرض جوزيف دوير في فرقة الفرسان السابعة في العراق. صاحب الصورة التي تم نشرها حول العالم عام 2003 وهو يحمل طفلاً عراقياً قيل أنه أنقذه خلال عملية عسكرية. وقال حينها لصحيفة عسكرية تصدر عن الجيش الأمريكي: انتسبت إلى الجيش لأساعد الجنود العائدين. بيد أنه لم يستطيع مساعدة نفسه. إذ بعد عودته من العراق أصيب بهذا المرض ومات منتحراً عبر تناوله جرعة من الحبوب المهدئة ومادة تنظيف الحاسوب. وفي مقابلة مع صحيفة "نيوز داي" الأمريكية قالت والدته أن ابنها كان يشعر بخوف دائم وأنه مطارد من قبل مقاتلين عراقيين وفي كل مكان في المنزل كان يخشى وقوع قنابل وأقام أكثر من حاجز وأصبح شرس المعاملة فخسر وظيفته في العمل وأدمن على المخدرات. وأضاف والده باتريك قائلاً: أن جوزيف ذهب إلى مصحة لكنه لم يستفد لعدم وجود برنامج لعلاج الجنود من هذا المرض.
ويتناول التقرير حالة جيمس أليوت البالغ من العمر 38 سنة من ضاحية سيلفر سبرينج القريبة من مدينة واشنطن، كنموذج حيث خدم في العراق في الفرقة الأولى التي تعتبر من أقدم الوحدات العسكرية الأمريكية المتمركزة هناك. كان عمله في وسط العراق حيث أمضى خمسة عشر شهراً لكن بعد عودته إلى بلده شعر أنه وقع في شبكة شيطانية وبدأت تطارده أحلام مزعجة وصور الحرب. وفي شهر شباط/فبراير المنصرم كان مخموراً ومسلحاً بمسدس راح يطلق الرصاص بشكل عشوائي وهو يصرخ: هل تريدون قتلي؟ افعلوا إن استطعتم. لكنه كان محظوظاً فالشرطة استخدما الكهرباء بدل الرصاص فشلته لمدة عشرين دقيقة بغية السيطرة عليه. ولقد وقف أليوت أمام لجنة الشيوخ الأمريكي كشاهد وهو لا يستطيع أن يتذكر ما حدث له.
هذا ويعترف خبراء علم النفس في الولايات المتحدة أن مرض الانتحار منتشر بصورة لا يتخيلها أحد بين الجنود العائدين من العراق وأفغانستان. كما وأن انهماك مجلس الشيوخ الأمريكي بهذه القضية الحساسة تعكس مدى قلق المسؤولين الأمريكان من انتشار ظاهرة الانتحار بين الجنود العائدين إلى بلدهم. ورغم كل ذلك فأن وزارة الدفاع الأمريكية لم تتمكن لحد الآن من إيجاد العلاج المناسب لهذا المرض الذي كرر للمجتمع الأمريكي ظاهرة الانتحار أبان الحرب الكورية (1950-1953) والحرب الفيتنامية (1964-1975). أنها لعنة الحروب التي لم تتعظ الولايات المتحدة لا من خبراتها ولا من فشلها.
د. عماد الدين الجبوري
التاريخ:24/07/1429 الموافق |القراء:245 | نسخة للطباعة
المختصر/
وكالة يقين / في آخر التقارير النفسانية الأمريكية المتعلقة بحرب العراق أشار خبراء متخصصون في الأمراض النفسية عن انتشار "مرض الانتحار" بين صفوف الجنود الأمريكان العائدون من الخدمة في العراق. ورغم سياسة التعتيم والتكتيم التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بأساليب وأشكال مختلفة منذ غزوها للعراق عام 2003، إلا أن استفحال ما يجري على أرض الواقع يكشفها إن لم يفضحها عن ذلك التستر. وهكذا جاء هذا التقرير ليؤكد حقيقة انتشار ظاهرة هذا المرض النفسي الخطير.
قال أحد أولئك الخبراء واصفاً المغامرة العسكرية في العراق بفيتنام. وقال آخر أن ما ينشر من تقارير عن حالات الجنود الأمريكيين العائدين تؤكد تفشي أمراض نفسية بينهم. ولذلك وصف السناتور بوب فيلنر رئيس لجنة المحاربين القدامى هذه الظاهرة بأنها مأساة. ونفس التعبير تناوله جماعة المحاربين السابقين في العراق وأفغانستان. حيث سجلت هذه الجماعة الزيادة الملحوظة في عدد حالات الانتحار بين الجنود بشكل وصفته بالمأساوي جداً منذ احتلال العراق وأكثر من 26 سنة مضت.
أن إدارة بوش المستمرة في نهجها ومنهجها العدواني في العراق لا يحرجها شيء إلا بعد استفحاله وانعكاسه داخل المجتمع الأمريكي نفسه. فهذا المرض الذي يحول الجندي العائد من الحرب إلى شخص خطر على حياته وحياة المحيطين به مما يخلق مشكلة اجتماعية. فأن هذه الظاهرة المتزايدة أجبرت وزارة الدفاع الاعتراف بها، إلا أنها لم تحصي عدد الجنود المنتحرين بسبب هذا المرض حسب زعمها. ومع ذلك فأن تقديرات لجنة المحاربين القدامى التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي أشارت إلى حوالي 1000 جندي ينتحر كل شهر. وكذلك أيدت هيئات رعاية المحاربين القدامى هذا العدد وأقرت أن الجنود العائدين من الحرب والذين يقدمون على الانتحار يبلغ حوالي 18 فرداً في اليوم الواحد. وبلغة حسابية بسيطة ندرك أن عدد الجنود المنتحرين يزيد عن 100,000 منتحراً في العراق وأفغانستان. علماً أن الرقم الرسمي المعلن عن قتلى الجنود الأمريكان في هذين البلدين يصل إلى 6500 قتيل. وعلينا أن نتصور الفارق العددي أولاً، واستمرار هذه الحروب ثانياً. ناهيك عن ذكر أن المحاربين القدامى يشكلون 10% من تعداد سكان الولايات المتحدة الذي يزيد عن 300 مليون نسمة.
عموماً فأن أعراض هذا المرض النفسي تمر في ثلاثة مراحل. الأولى تبدأً بالشعور بإرهاق شديد يصاحبها أحلام مرعبة. في المرحلة الثانية يشتد المرض حيث يصاب المرء بالكآبة والقلق المتواصل وصعوبة بالنوم وشعور دائم بالخوف، ويوصف بمرض "إرهاق ما بعد الحرب". وحسب مصادر هيئات المحاربين القدامى أن نسبة 30 إلى 40% من الجنود الأمريكيين يصابون بهذا المرض بعد وقت قصير على عودتهم إلى بلادهم. أما المرحلة الثالثة للمرض فتظهر في الإدمان على شرب الكحوليات وتناول المخدرات ومواجهة صعوبات للعودة إلى الحياة المدنية وفقدان وظيفة العمل ثم المأوى والطلاق ثم الانتحار. وهناك طريقة شائعة الآن بين الجنود العائدين من العراق ويريدون الانتحار وهي استفزاز الشرطة وذلك بإطلاق الرصاص عليهم لكي يردوا بالمثل.
هذا وتعترف هيئات رعاية المحاربين القدامى بأنها عاجزة عن مواجهة ظاهرة انتحار الجنود رغم صدور قانون في عام 2007 من مجلس الشيوخ فرض على وزارة الدفاع إنشاء برنامج لمنع الجنود من الانتحار. لكن حتى اليوم لا يتوفر العدد الكافي من الأطباء ولا المال اللازم لتمويل برامج معالجة الجنود المصابين بهذا المرض النفسي الخطير.
ومن بين ضحايا هذا المرض المتفشي هو الجندي الممرض جوزيف دوير في فرقة الفرسان السابعة في العراق. صاحب الصورة التي تم نشرها حول العالم عام 2003 وهو يحمل طفلاً عراقياً قيل أنه أنقذه خلال عملية عسكرية. وقال حينها لصحيفة عسكرية تصدر عن الجيش الأمريكي: انتسبت إلى الجيش لأساعد الجنود العائدين. بيد أنه لم يستطيع مساعدة نفسه. إذ بعد عودته من العراق أصيب بهذا المرض ومات منتحراً عبر تناوله جرعة من الحبوب المهدئة ومادة تنظيف الحاسوب. وفي مقابلة مع صحيفة "نيوز داي" الأمريكية قالت والدته أن ابنها كان يشعر بخوف دائم وأنه مطارد من قبل مقاتلين عراقيين وفي كل مكان في المنزل كان يخشى وقوع قنابل وأقام أكثر من حاجز وأصبح شرس المعاملة فخسر وظيفته في العمل وأدمن على المخدرات. وأضاف والده باتريك قائلاً: أن جوزيف ذهب إلى مصحة لكنه لم يستفد لعدم وجود برنامج لعلاج الجنود من هذا المرض.
ويتناول التقرير حالة جيمس أليوت البالغ من العمر 38 سنة من ضاحية سيلفر سبرينج القريبة من مدينة واشنطن، كنموذج حيث خدم في العراق في الفرقة الأولى التي تعتبر من أقدم الوحدات العسكرية الأمريكية المتمركزة هناك. كان عمله في وسط العراق حيث أمضى خمسة عشر شهراً لكن بعد عودته إلى بلده شعر أنه وقع في شبكة شيطانية وبدأت تطارده أحلام مزعجة وصور الحرب. وفي شهر شباط/فبراير المنصرم كان مخموراً ومسلحاً بمسدس راح يطلق الرصاص بشكل عشوائي وهو يصرخ: هل تريدون قتلي؟ افعلوا إن استطعتم. لكنه كان محظوظاً فالشرطة استخدما الكهرباء بدل الرصاص فشلته لمدة عشرين دقيقة بغية السيطرة عليه. ولقد وقف أليوت أمام لجنة الشيوخ الأمريكي كشاهد وهو لا يستطيع أن يتذكر ما حدث له.
هذا ويعترف خبراء علم النفس في الولايات المتحدة أن مرض الانتحار منتشر بصورة لا يتخيلها أحد بين الجنود العائدين من العراق وأفغانستان. كما وأن انهماك مجلس الشيوخ الأمريكي بهذه القضية الحساسة تعكس مدى قلق المسؤولين الأمريكان من انتشار ظاهرة الانتحار بين الجنود العائدين إلى بلدهم. ورغم كل ذلك فأن وزارة الدفاع الأمريكية لم تتمكن لحد الآن من إيجاد العلاج المناسب لهذا المرض الذي كرر للمجتمع الأمريكي ظاهرة الانتحار أبان الحرب الكورية (1950-1953) والحرب الفيتنامية (1964-1975). أنها لعنة الحروب التي لم تتعظ الولايات المتحدة لا من خبراتها ولا من فشلها.
د. عماد الدين الجبوري