تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المثقف وسلطة العوام


أباالخــــــيل
12-06-02, 12:30 am
استمتعت كثيراً بلغة الحوار الهادئ الذي جمعني مع الدكتور عبدالرحمن الطرير في برنامج "لقاء المساء" يوم الجمعة الماضي على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر حول القضية الأبرز للحوار حول هوية المثقف وآلية تشكيله. وجهة نظري أن "المثقف السعودي" تحديداً ليس أكثر من صناعة "العوام" ولهذا تتبلور رؤاه وأطروحاته بحسب مزاج الجمهور، ولهذا أيضاً يفقد المثقف لدينا صفات القيادة الفكرية والاجتماعية طالما أنه ليس أكثر من صدى لما يريده الدهماء والبسطاء.
أستشهد هنا ببيان المثقفين السعوديين الأخير الذي صاغه نخبة من أبرز الرموز الفكرية الوطنية ومهروه بتوقيعاتهم حتى حسبنا أنه لم ير النور إلا بعد تمحيص ودراسة تقف على ثوابت راسخة من المبادئ والأسس، التي حسبناها أيضاً ثابتة وإذا بها تتبدل شأنها شأن الأسماء والتوقيعات. لم يكن البيان يرى النور حتى ثارت الدهماء في وجهه وبدأت في وصفه بأبشع النعوت وصارت تترحم على نفر من أولئك المثقفين وتتهمهم في كل شيء وتتنكر لماضيهم وتدعو لهم بالرشد والهداية على الرغم من أن هذه "الدهماء" أيضاً، في الأغلب لم تقرأ البيان وإذا قدر لها وقرأته فلن تفهمه في صورته الفكرية والبلاغية الصحيحة. ولأن بعض مثقفينا لم يكن أكثر من "جوقة" جماهيرية، فقد سارعوا تحت هذا الضغط لإصدار بيان جديد يتنصلون فيه من البيان الأول وهم لم يسعوا لذلك إلا بعد أن توجسوا خيفة من فقدان القاعدة الجماهيرية التي بدونها لا وزن لثقافتهم، ولهذا أيضاً لا حاجة لنا بالبرهان في طغيان سلطة "العوام" على سلطة المثقف. شهر واحد، أو أقل، في الفارق بين بيان الأصالة وبيان الانسحاب ولهذا لن نقبل من هؤلاء أي تفسير للمراجعة أو حجة لتدارك الموقف. نعم... المثقف الحقيقي هو من يستلهم الزمن ويعيد دراسة الأحداث والمستجدات، ولكن مواقف المثقف الأصيل لا تتغير بسرعة الليل والنهار ولا ينسحب من الميدان تحت صفير الجمهور ولا يقدم إليه تحت "دفوف" المطبلين. في كل النخب الثقافية في العالم من حولنا تحتفل "العوام" بالمثقف لكنها لا تصنعه وتدرس رؤيته، لكنها لا تتطاول عليه. المثقف لدينا لا يشبه إلا قالب "الصلصال" في يد أطفال المدارس. قد يبنون منه بيوتاً من الأحلام لا يلبثون أن يهدموها في غالب الأحيان، وقد يأكلونها في أحيان أخرى!!




علي سعد الموسى

الوطن " العدد (620) السنة الثانية ـ الثلاثاء 30 ربيع الأول 1423هـ الموافق 11 يونيو 2002م