علندا
04-05-08, 12:20 am
عَلَنْدَا مِنْ جَدِيْد
تَحِيْةٌ لِمَنْ أرَاْدَ أنْ يَقْرَأ
سِيَاسَةُ أَمْ شِرَاءُ عِطْرٍ
ج 1
هَمَمْتُ في إحدى المساءاتِ، أنْ أذهبَ إلى مُولٍ من المُولاتِ؛ لأبتاعَ عطرًا بهِ أتعطّرُ، إذْ هي السنّةُ كما جاءَ بها الأثرُ، فقدْ كانَ حُبُّ الحبيبِ، في النّساءِ والطّيبِ، فصلاةُ اللهِ على النبيِّ، وسلامُهُ على البهيِّ. وبعدَ أن دَلفْتُ إلى المولِ، اتّجهتُ إلى متجرٍ تشِّعُ فيهِ أضواءُ النّيونِ، وإذا ببائعٍ مُشْربٍ بالحُمرةِ، يخرجُ من بينِ أكداسِ العطورِ، ليقُولَ على الفورِ: أهلاً بِكَ خَيُّو، سأعطيكَ عطراً لنْ تلاقيَ زيُّو. فقلتُ: ابتعدْ لا أبَا لكَ، فإنّي بالعطورِ خبيرٌ، وعلى فحصِها قديرٌ، فازوّرَ واقعنسسَ، وحلَّ الكرفِـتَةَ ليتنفّسَ، وبينما كنتُ في العطورِ أقلِّبُ، وأرشُ منها وأجرِّبُ، إذا بامرأةٍ تُبحلقُ، فأجلتُ نظري لأستوعبَ مركزَ النظرةِ، فوجدتها صُوِّبتْ إليَّ، وإذا بها تُردِفُ النظرةَ بغمزةٍ من عينها اليمنى، فترقَّبتُ واقتربتُ، وقلتُ: لمِ تغمزينَ وتلمزينَ؟ قالت: أردتُ أن أستشيرَ في العطرِ وأستخيرَ. فقلتُ لها: ها هو البائعُ، هوَ أخبرُ. قالت: لا، ولكنّك أجسَرُ. قلتُ: لا يُعرَفُ العطرُ بحاسةِ الجسارةِ، ولو غمزتني بعينكِ اليسرى، لحصلَ التقارُبُ، إذ إنّني أعسرُ، والتّصاقبُ خيرُ دليلٍ على الوئامِ. فقالت: وكيفَ أعرِفُ أنّك أيمنُ أم أعسرُ. قلتُ: بالاجتهادِ، أو بالجمعِ بين القولينِ، بأن تغمزي بعينيكِ كلتيهما في ومضةٍ واحدةٍ على سبيلِ الشربكةِ البصريةِ!
قالتْ: دعكَ من هذا، وأخبرني عنِ العطورِ وأنواعِها قديمِها وحديثِها، فإنيْ سمعتُ كلامكَ الرائعَ -عن خبرتِكَ- حينما حدَّثتَ البائعَ. قلتُ: هذا سؤالٌ لا تطاوِلُهُ الآمالُ، وتقصرُ دونهُ الآجالُ، ففلسفةُ العطرِ بعيدةُ الأثرِ، عميقةُ الغورِ، ولكنِّي أقولُ –بعدَ أنْ أُبسملَ وأُحمدلَ-: العطرُ نوعان: زيتيٌ، ومستخلصٌ من الزيتِ، وآباؤنا عرفوا عطورَ الزيتِ,، ولم يقتربوا من البارفاناتِ إلا قريباً، وكانتْ بداياتُهمْ معَ عِطرِ أبي حيّةَ، وهو عطرٌ أقربُ إلى السُميّةِ، إذْ إنّهُ فتكَ بعددٍ من النّاسِ؛ فهو مُلهبٌ للجروحِ، ومفتّقٌ للقروحِ، فصارَ الواحدُ من الآباءِ إذا اشتمَ في ضيفهِ رائحةَ هذا العطرِ، بادرَ إلى أعلى نخلةٍ في بستانهِ فصعَدَهَا، وأخذ يصيحُ على ضيفهِ بأعلى صوتٍ، أنِ ارجعْ من حيثُ أتيتَ (تلولَسَتْ عليكَ الحيّةُ)، فلا ترى الضَّيفَ إلا وقدْ شمَّر عنْ ثيابهِ، وألوى على أعقابِهِ. وأُخبركِ أنَّهم عَرَفُوا بعدَ ذلكَ عطرُ الكلونيةِ، وكما هو الحالُ مع كلِّ مستجدٍ عند العربِ -في التوجّهِ إلى ما يضرُّ- أصبحوا لا يتعطّرونَ بل يتسطّلونَ، ليسَ الكلُّ بالتأكيدِ، إذِ استخدمهُ البعضُ بدلَ التسميمِ في التعقيمِ.
وبعد هذهِ الفترةِ اتجهتْ بلادُ الفرنسيسِ إلى الخليجِ التعيسِ، وبكلِّ قوّةٍ ضَخّتْ جميعُ الماركاتِ، عطورَها منْ كلِّ الجهاتِ، لتكونَ هذهِ السوقُ أربحَ سواقٍ للعطرِ، فمن (اللابيدوسِ) و(الدويوكِ) وهما عطرانِ رجاليّانِ حارّانِ، قد يُلحقانِ بأبي حيّةَ قياسًا، حيثُ اجتماعِ عِلَّةِ الكَتمةِ في انتشاقِ كلٍّ منهما، إلى عطرِ (الكوبوي) وهو عطرٌ يُوهِمُ منْ يتعطّرُ بهِ أنّه على ظهرِ فرسٍ في صحراءَ تِكسسَ، ومعهُ سوطٌ يضربُ بهِ هذهِ الفرَسَ، ولا يعيْ بعدَ ذلكَ إلا وهوَ في غمرةٍ لا يستطيعُ معها أنْ يجلسَ، إذ أهوى على مؤخرتهِ هوَ، حينَ بدا لهُ أنْ يزْهُوَ، بعدَ أنْ لعبتْ به نشوةُ العطرِ، وهوَ لمْ يدرِ...
يتبع...
جَمِيْعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ
(( عبدالسلام ))
علندا
تَحِيْةٌ لِمَنْ أرَاْدَ أنْ يَقْرَأ
سِيَاسَةُ أَمْ شِرَاءُ عِطْرٍ
ج 1
هَمَمْتُ في إحدى المساءاتِ، أنْ أذهبَ إلى مُولٍ من المُولاتِ؛ لأبتاعَ عطرًا بهِ أتعطّرُ، إذْ هي السنّةُ كما جاءَ بها الأثرُ، فقدْ كانَ حُبُّ الحبيبِ، في النّساءِ والطّيبِ، فصلاةُ اللهِ على النبيِّ، وسلامُهُ على البهيِّ. وبعدَ أن دَلفْتُ إلى المولِ، اتّجهتُ إلى متجرٍ تشِّعُ فيهِ أضواءُ النّيونِ، وإذا ببائعٍ مُشْربٍ بالحُمرةِ، يخرجُ من بينِ أكداسِ العطورِ، ليقُولَ على الفورِ: أهلاً بِكَ خَيُّو، سأعطيكَ عطراً لنْ تلاقيَ زيُّو. فقلتُ: ابتعدْ لا أبَا لكَ، فإنّي بالعطورِ خبيرٌ، وعلى فحصِها قديرٌ، فازوّرَ واقعنسسَ، وحلَّ الكرفِـتَةَ ليتنفّسَ، وبينما كنتُ في العطورِ أقلِّبُ، وأرشُ منها وأجرِّبُ، إذا بامرأةٍ تُبحلقُ، فأجلتُ نظري لأستوعبَ مركزَ النظرةِ، فوجدتها صُوِّبتْ إليَّ، وإذا بها تُردِفُ النظرةَ بغمزةٍ من عينها اليمنى، فترقَّبتُ واقتربتُ، وقلتُ: لمِ تغمزينَ وتلمزينَ؟ قالت: أردتُ أن أستشيرَ في العطرِ وأستخيرَ. فقلتُ لها: ها هو البائعُ، هوَ أخبرُ. قالت: لا، ولكنّك أجسَرُ. قلتُ: لا يُعرَفُ العطرُ بحاسةِ الجسارةِ، ولو غمزتني بعينكِ اليسرى، لحصلَ التقارُبُ، إذ إنّني أعسرُ، والتّصاقبُ خيرُ دليلٍ على الوئامِ. فقالت: وكيفَ أعرِفُ أنّك أيمنُ أم أعسرُ. قلتُ: بالاجتهادِ، أو بالجمعِ بين القولينِ، بأن تغمزي بعينيكِ كلتيهما في ومضةٍ واحدةٍ على سبيلِ الشربكةِ البصريةِ!
قالتْ: دعكَ من هذا، وأخبرني عنِ العطورِ وأنواعِها قديمِها وحديثِها، فإنيْ سمعتُ كلامكَ الرائعَ -عن خبرتِكَ- حينما حدَّثتَ البائعَ. قلتُ: هذا سؤالٌ لا تطاوِلُهُ الآمالُ، وتقصرُ دونهُ الآجالُ، ففلسفةُ العطرِ بعيدةُ الأثرِ، عميقةُ الغورِ، ولكنِّي أقولُ –بعدَ أنْ أُبسملَ وأُحمدلَ-: العطرُ نوعان: زيتيٌ، ومستخلصٌ من الزيتِ، وآباؤنا عرفوا عطورَ الزيتِ,، ولم يقتربوا من البارفاناتِ إلا قريباً، وكانتْ بداياتُهمْ معَ عِطرِ أبي حيّةَ، وهو عطرٌ أقربُ إلى السُميّةِ، إذْ إنّهُ فتكَ بعددٍ من النّاسِ؛ فهو مُلهبٌ للجروحِ، ومفتّقٌ للقروحِ، فصارَ الواحدُ من الآباءِ إذا اشتمَ في ضيفهِ رائحةَ هذا العطرِ، بادرَ إلى أعلى نخلةٍ في بستانهِ فصعَدَهَا، وأخذ يصيحُ على ضيفهِ بأعلى صوتٍ، أنِ ارجعْ من حيثُ أتيتَ (تلولَسَتْ عليكَ الحيّةُ)، فلا ترى الضَّيفَ إلا وقدْ شمَّر عنْ ثيابهِ، وألوى على أعقابِهِ. وأُخبركِ أنَّهم عَرَفُوا بعدَ ذلكَ عطرُ الكلونيةِ، وكما هو الحالُ مع كلِّ مستجدٍ عند العربِ -في التوجّهِ إلى ما يضرُّ- أصبحوا لا يتعطّرونَ بل يتسطّلونَ، ليسَ الكلُّ بالتأكيدِ، إذِ استخدمهُ البعضُ بدلَ التسميمِ في التعقيمِ.
وبعد هذهِ الفترةِ اتجهتْ بلادُ الفرنسيسِ إلى الخليجِ التعيسِ، وبكلِّ قوّةٍ ضَخّتْ جميعُ الماركاتِ، عطورَها منْ كلِّ الجهاتِ، لتكونَ هذهِ السوقُ أربحَ سواقٍ للعطرِ، فمن (اللابيدوسِ) و(الدويوكِ) وهما عطرانِ رجاليّانِ حارّانِ، قد يُلحقانِ بأبي حيّةَ قياسًا، حيثُ اجتماعِ عِلَّةِ الكَتمةِ في انتشاقِ كلٍّ منهما، إلى عطرِ (الكوبوي) وهو عطرٌ يُوهِمُ منْ يتعطّرُ بهِ أنّه على ظهرِ فرسٍ في صحراءَ تِكسسَ، ومعهُ سوطٌ يضربُ بهِ هذهِ الفرَسَ، ولا يعيْ بعدَ ذلكَ إلا وهوَ في غمرةٍ لا يستطيعُ معها أنْ يجلسَ، إذ أهوى على مؤخرتهِ هوَ، حينَ بدا لهُ أنْ يزْهُوَ، بعدَ أنْ لعبتْ به نشوةُ العطرِ، وهوَ لمْ يدرِ...
يتبع...
جَمِيْعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ
(( عبدالسلام ))
علندا