تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هنا فقط الحقيقه (( عليكم أن تحكموا عقولكم))


عمر(( الغريب ))
06-03-08, 09:00 am
لخص الإمام ابن القيم سياق الجهاد في الإسلام في زاد المعاد في الفصل الذي عقده باسم فصل في ترتيب هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل : ( أول ما أوحى به تبارك وتعالى ، أن يقرأ باسم ربه الذي خلق ، وذلك أول نبوته ، فأمره أن يقرأ في نفسه ، فنبأه بقوله : { اقرأ } . وأرسله بـ : { يا أيها المدثر } . ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين ، ثم أنذر قومه ، ثم انذر من حولهم من العرب ، ثم أنذر العرب قاطبة ، ثم انذر العالمين . فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية . ويؤمر بالكف والصبر والصفح . ثم أذن له في الهجرة وأذن له في القتال . ثم أمره أن يقاتل من قاتله ، ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله . ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله . . ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح وهدنة ، وأهل حرب ، وأهل ذمة . . فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم ، وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد ، فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد ، وأمر أن يقاتل من نقض عهده . . ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها : فأمر أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد ، أو يدخلوا في الإسلام . وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم ، فجاهد الكفار بالسيف والسنان ، والمنافقين بالحجة واللسان ، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم إليهم . . وجعل أهل العهد في ذلك أقسام : قسما أمره بقتالهم ، وهم الذين نقضوا عهده ، ولم يستقيموا له ، فحاربهم وظهر عليهم . وقسما لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه ، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم . وقسما لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه ، أو كان لهم عهد مطلق ، فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر ، فإذا انسلخت قاتلهم . . فقتل الناقض لعهده ، وأجل من لا عهد له أو له عهد مطلق أربعة أشهر ، وأمره أن يتم للموفي بعهده عهده إلى مدته ، فأسلم هؤلاء كلهم ولم يقيموا على كفرهم إلى مدتهم . وضرب على أهل الذمة الجزية . . فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام : محاربين له ، وأهل عهد ، وأهل ذمة . . ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام ، فصاروا قسمين : محاربين وأهل ذمة . والمحاربون له خائفون منه ، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام : مسلم مؤمن به ، ومسالم له آمن ، وخائف محارب . . وأما سيرته مع المنافقين فإنه أمر أن يقبل منهم علانيتهم ، ويكل سرائرهم إلى الله ، وأن يجاهدهم بالعلم والحجة ، وأمر أن يعرض عنهم ، ويغلظ عليهم ، وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم ، ونهى أن يصلي عليهم ، وأن يقوم على قبورهم ، وأخبر أنه إن استغفر لهم فلن يغفر الله لهم . . فهذه سيرته في أعدائه من الكفار والمنافقين ) . .



ومن هذا التلخيص الجيد لمراحل الجهاد في الإسلام تتجلى سمات أصيلة وعميقة في المنهج الحركي لهذا الدين ، جديرة بالوقوف أمامها طويلا ، ولكننا لا نملك هنا إلا أن نشير إليها إشارات مجملة :

السمة الأولى : هي الواقعية الجدية في منهج هذا الدين . . فهو حركة تواجه واقعا بشريا . . وتواجهه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي . . إنها تواجه جاهلية اعتقادية تصورية ، تقوم عليها أنظمة واقعية عملية ، تسندها سلطات ذات قوة مادية . . ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه . . تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات ، وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها ، تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان للمعتقدات والتصورات ، وتخضعهم بالقهر والتضليل وتعبدهم لغير ربهم الجليل . . إنها حركة لا تكتفي بالبيان في وجه السلطان المادي ، كما إنها لا تستخدم القهر المادي لضمائر الأفراد . . وهذه كتلك سواء في منهج هذا الدين وهو يتحرك لإخراج الناس من عبودية العباد إلى العبودية لله وحده كما سيجيء .

والسمة الثانية : في منهج هذا الدين : هي الواقعية الحركية . . فهو حركة ذات مراحل ، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية ، وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها . . فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة . كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة . . والذين يسوقون النصوص القرآنية للاستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد ، ولا يراعون هذه السمة فيه ، ولا يدركون طبيعة المراحل التي مر بها هذا المنهج ، وعلاقة النصوص المختلفة بكل مرحلة منها . . الذين يصنعون هذا يخلطون خلطاً شديداً ويلبسون منهج هذا الدين لبساً مضللاً ، ويحملون النصوص ما لا تحمله من المبادئ والقواعد النهائية . ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصاً نهائياً ، يمثل القواعد النهائية في هذا الدين ، ويقولون - وهم مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان - : أن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع ! ويحسبون أنهم يسدون إلى هذا الدين جميلاً بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً ، وتعبيد الناس لله وحده ، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد ! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته ، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة . . بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة ، أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة ، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها .

والسمة الثالثة : هي أن هذه الحركة الدائبة ، والوسائل المتجددة ، لا تخرج هذا الدين عن قواعده المحددة ، ولا عن أهدافه المرسومة ، فهو - منذ اليوم الأول - سواء وهو يخاطب العشيرة الأقربين ، أو يخاطب قريشاً ، أو يخاطب العرب أجمعين ، أو يخاطب العالمين ، إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة ، ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد هو إخلاص العبودية لله ، والخروج من العبودية للعباد ، لا مساومة في هذه القاعدة ولا لين . . ثم يمضي إلى تحقيق هذا الهدف الواحد في خطة مرسومة ، ذات مراحل محددة ، لكل مرحلة وسائلها المتجددة ، على نحو ما أسلفنا في الفقرة السابقة .

والسمة الرابعة : هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى - على النحو في ذلك التلخيص الجيد الذي نقلناه عن زاد المعاد - وقيام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيء إليه ، أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي ، أو قوة مادية ، وأن تخلي بينه وبين كل فرد ، يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته ، ولكن لا يقاومه ولا يحاربه ! فإن فعل ذلك أحد كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله أو حتى يعلن استسلامه !


والمهزومون روحياً وعقلياً ممن يكتبون عن الجهاد في الإسلام ليدفعوا عن الإسلام هذا الاتهام يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة ، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه ، والتي تعبَّد الناس للناس ، وتمنعهم من العبودية لله . . وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما . . ومن أجل هذا التخليط ، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة ! - يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم : الحرب الدفاعية . . والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم ، ولا بواعثها ، ولا تكييفها كذلك . . إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة الإسلام ذاته ودوره في هذه الأرض ، وأهدافه العليا التي قررها الله ، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة ، وجعله خاتم النبيين وجعلها خاتمة الرسالات .

إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد - ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد - وذلك بإعلان ألوهية الله وحده - سبحانه - وربوبيته للعاليمن . . ! إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها : الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها ، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور . . أو بتعبير آخر مرادف : الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور . . ذلك أن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر ، ومصدر السلطات فيه هم البشر ، هو تأليه للبشر ، يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله . إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان المغتصب ورده إلى الله ، وطرد المغتصبين له ، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم ، فيقومون منهم مقام الأرباب ويقوم الناس منهم مكان العبيد . . إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض ، أو بالتعبير القرآني الكريم :

{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } [ الزخرف : 84 ] .

{ إن الحكم إلا لله . . أمر ألا تعبدوا إلا إياه . . ذلك الدين القيم . . } [ يوسف : 40 ] .


{ قل : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم . . ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنَّا مسلمون . . } [ آل عمران :64 ] .

ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم - هم رجال دين - كما كان الأمر في سلطان الكنيسة . ولا رجال ينطقون باسم الآلهة . كما كان الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية او الحكم الإلهي المقدس !! - ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة . وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة .

وقيام مملكة الله في الأرض ، وإزالة مملكة البشر ، وانتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده . . وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية . . كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان ، لأن المتسلطين على رقاب العباد ، والمغتصبين لسلطان الله في الأرض ، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان ، وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض ! وهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - وتاريخ هذا الدين على ممر الأجيال !

إن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان في الأرض من كل سلطان غير سلطان الله ، بإعلان إلوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ، لم يكن إعلانا نظريا فلسفيا سلبيا . . إنما كان إعلانا حركيا واقعيا إيجابيا . . إعلانا يراد له التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله ، ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك . . ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان . . ذلك ليواجه الواقع البشري بكل جوانبه بوسائل مكافئة لكل جوانبه .

والواقع الإنساني ، أمس واليوم وغدا ، يواجه هذا الدين - بوصفه إعلانا لتحرير الإنسان في الأرض من كل سلطان غير سلطان الله - بعقبات اعتقادية تصورية ، وعقبات مادية واقعية . . وعقبات سياسية اجتماعية واقتصادية وعنصرية وطبقية ، إلى جانب عقبات العقائد المنحرفة والتصورات الباطلة . . وتختلط هذه بتلك وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد .

وإذا كان البيان يواجه العقائد والتصورات ، فإن الحركة تواجه العقبات المادية الأخرى - وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على العوامل الاعتقادية والتصورية والعنصرية والطبقية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة المتشابكة - وهما معا - البيان والحركة - يواجهان الواقع البشري بجملته . بوسائل مكافئة لكل مكوناته . . وهما معا لا بد منهما لانطلاق حركة التحرير للإنسان في الأرض . . الإنسان كله في الأرض كلها . . وهذه نقطة هامة لا بد من تقريرها مرة أخرى !

إن هذا الدين ليس إعلانا لتحرير الإنسان العربي ! وليس رسالة خاصة بالعرب ! . . إن موضوعه هو الإنسان . . نوع الإنسان . . ومجاله هو الأرض . . كل الأرض . إن الله - سبحانه - ليس ربا للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإسلامية وحدهم . . إن الله هو رب العالمين . . وهذا الدين يريد أن يرد العالمين إلى ربهم ، وأن ينتزعهم من العبودية لغيره . والعبودية الكبرى - في نظر الإسلام - هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر . . وهذه هي العبادة التي يقرر أنها لا تكون إلا لله ، وأن من يتوجه بها لغير الله يخرج من دين الله مهما ادعى أنه في هذا الدين . ولقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الاتباع في الشريعة والحكم هو العبادة التي صار بها اليهود والنصارى مشركين مخالفين لما أمروا به من عبادة الله وحده . .

أخرج الترمذي - عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فر إلى الشام ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، فأسرت أخته وجماعة من قومه ، ثم منٌ رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - على أخته فأعطاها ، فرجعت إلى أخيها فرغبته في الإسلام ، وفي القدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحدث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقه - أي عدي - صليب من فضة ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية . . { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } . . قال : فقلت : أنهم لم يعبدوهم . فقال : ( بلى ! إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام . فاتبعوهم . فذلك عبادتهم إياهم ) .

وتفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول الله سبحانه . نص قاطع على أن الأتباع في الشريعة والحكم هو العبادة التي تخرج من الدين ، وأنها هي اتخاذ بعض الناس أربابا لبعض . . الأمر الذي جاء هذا الدين ليلغيه ، ويعلن تحرير الإنسان في الأرض من العبودية لغير الله . .

ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان العام . . بالبيان وبالحركة مجتمعين . . وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبٌد الناس لغير الله . . - أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى البيان واعتناق العقيدة بحرية لا يتعرض لها السلطان . ثم لكي يقيم نظاما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلي - بعد إزالة القوة المسيطرة - سواء كانت سياسية بحتة ، أو متلبسة بالعنصرية ، أو الطبقية داخل العنصر الواحد !

إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته . . ولكن الإسلام ليس مجرد عقيدة . إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد . فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان . . ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحرارا - بالفعل - في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم - بعد رفع الضغط السياسي عنهم ، وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم - ولكن هذه التجربة ليس معناها أن يجعلوا إلههم هواهم ، وأن يختاروا بأنفسهم أن يكونوا عبيدا للعباد ! وأن يتخذوا بعضهم بعضا أربابا من دون الله ! . . إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده . وذلك بتلقي الشرائع منه وحده . ثم ليعتنق كل فرد - في ظل هذا النظام العام - ما يعتنقه من عقيدة ! وبهذا يكون الدين كله لله . أي تكون الدينونة والخضوع والاتباع والعبودية كلها لله . . إن مدلول الدين أشمل من مشمول العقيدة . إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة ، وهو في الإسلام يعتمد على ولكنه في عمومه أشمل من العقيدة . . وفي الإسلام يمكن أن تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية لله وحده ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام .

والذي يدرك طبيعة هذا الدين - على النحو المتقدم - يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف - إلى جانب الجهاد بالبيان - ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية - بالمعنى الضيق الذي يفهم اليوم من اصطلاح الحرب الدفاعية كما يريد المنهزمون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام - إنما كان حركة اندفاع وانطلاق لتحرير الإنسان في الأرض وفي مراحل محددة لكل مرحلة منها وسائلها المتجددة .

وإذا لم يكن بد أن نسمي حركة الإسلام الجهادية حركة دفاعية ، فلا بد أن نغير مفهوم كلمة دفاع ونعتبره دفاعا عن الإنسان ذاته . ضد جميع العوامل التي تقيد حريته وتعوق تحرره . . هذه العوامل التي تتمثل في المعتقدات والتصورات ، كما تتمثل في الأنظمة السياسية ، القائمة على الحواجز الاقتصادية والطبقية والعنصرية ، التي كانت سائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام ، والتي ما تزال أشكال منها سائدة في الجاهلية الحاضرة في هذا الزمان !

وبهذا التوسع في مفهوم كلمة الدفاع نستطيع أن نواجه حقيقة بواعث الانطلاق الإسلامي في الأرض بالجهاد ، ونواجه طبيعة الإسلام ذاتها ، وهي أنه إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، وتقرير ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين . وتحطيم مملكة الهوى البشري في الأرض ، وإقامة مملكة الشريعة الإلهية في عالم الإنسان . .

أما محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية ، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على الوطن الإسلامي - وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين ، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض . كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر ، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي .

ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض ؟ وكيف كانوا يدفعون هذا المد ، وأمام الدعوة تلك العقبات المادية من أنظمة الدولة السياسية ، وأنظمة المجتمع العنصرية الطبقية ، والاقتصادية الناشئة من الاعتبارات العنصرية والطبقية ، والتي تحميها القوة المادية للدولة كذلك ؟!

إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير الإنسان . . نوع الإنسان في الأرض . . كل الأرض ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان ! . . إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد . . فهنا { لا إكراه في الدين } . . أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية ، فلا بد من إزالتها بالقوة ، للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله ، وهو طليق من هذه الأغلال !

إن الجهاد ضروري للدعوة ، إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلانا جادا يواجه الواقع الفعلي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه ، ولا يكفي بالبيان الفلسفي النظري ! سواء كان الوطن الإسلامي - وبالتعبير الإسلامي الصحيح : دار الإسلام - آمنا أم مهددا من جيرانه . فالإسلام حين يسعى إلى السلم ، لا يقصد تلك السلم الرخيصة ، وهي مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية . إنما هو يريد السلم التي يكون فيها الدين كله لله . أي تكون عبودية الناس كلهم فيها لله ، والتي لا يتخذ فيها الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله . والعبرة بنهاية المراحل التي وصلت إليها الحركة الجهادية في الإسلام - بأمر من الله - لا بأوائل أيام الدعوة ولا بأواسطها . . ولقد انتهت هذه المراحل كما يقول الإمام ابن القيم : (فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام : محاربين له ، وأهل عهد ، وأهل ذمة . . ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام ، فصاروا قسمين : محاربين وأهل ذمة . والمحاربون له خائفون منه ، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام : مسلم مؤمن به ، ومسالم له آمن وهم أهل الذمة كما يفهم من الجملة السابقة وخائف محارب ) . .

وهذه هي المواقف المنطقية مع طبيعة هذا الدين وأهدافه ، لا كما يفهم المهزومون أمام الواقع الحاضر ، وأمام هجوم المستشرقين الماكر ! ولقد كف الله المسلمين عن القتال في مكة ، وفي أول العهد بالهجرة إلى المدينة . . وقيل للمسلمين : { كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } . . ثم أذن لهم فيه فقيل لهم : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } . . ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم فقيل لهم : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } . . ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، فقيل لهم : { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } . . وقيل لهم : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم بالآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . فكان القتال - كما يقول الإمام ابن القيم - ( محرما ، ثم مأذونا به ، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال ، ثم مأمورا به لجميع المشركين ) . .

إن جدية النصوص القرآنية الواردة في الجهاد ، وجدية الأحاديث النبوية التي تحض عليه ، وجدية الوقائع الجهادية في صدر الإسلام ، وعلى مدى طويل من تاريخه . . إن هذه الجدية الواضحة تمنع أن يجول في النفس ذلك التفسير الذي يحاوله المنهزمون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي !

ومن ذا الذي يسمع قول الله سبحانه في هذا الشان وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويتابع وقائع الجهاد الإسلامي ، ثم يظنه شأنا عارضا مقيدا بملابسات تذهب وتجئ ، ويقف عند حدود الدفاع لتأمين الحدود ؟!

لقد بين الله للمؤمنين في أول ما نزل من الآيات التي أذن لهم فيها بالقتال أن الشأن الدائم الأصيل في طبيعة هذه الحياة الدنيا أن يدفع الناس بعضهم ببعض ، لدفع الفساد عن الأرض :

{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا } [ الحج : 39-40]

وإذن فهو الشأن الدائم لا الحالة العارضة . الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض . وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية الله للعالمين ، وتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط ، وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن الإنسان في الأرض ذلك السلطان الغاصب . . حالة دائمة لا يقف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله لله .

إن الكف عن القتال في مكة لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة . كذلك كان الأمر أول العهد بالهجرة . والذي بعث الجماعة المسلمة في المدينة بعد الفترة الأولى لم يكن مجرد تأمين المدينة . . هذا هدف أولي لا بد منه ، ولكنه ليس الهدف الأخير . . إنه هدف يضمن وسيلة الانطلاق ، ويؤمن قاعدة الانطلاق . . الانطلاق لتحرير الإنسان ولإزالة العقبات التي تمنع الإنسان ذاته من الانطلاق !

وكف أيدي المسلمين في مكة عن الجهاد بالسيف مفهوم . لأنه كان مكفولا للدعوة في مكة حرية البلاغ . . كان صاحبها - عليه الصلاة والسلام - يملك بحماية سيوف بني هاشم ، ان يصدع بالدعوة ، ويخاطب بها الآذان والعقول والقلوب ، ويواجه بها الأفراد . . لم تكن هناك سلطة سياسية منظمة تمنعه من إبلاغ الدعوة ، أو تمنع الأفراد من سماعه ! فلا ضرورة - في هذه المرحلة - لاستخدام القوة ، وذلك إلى أسباب أخرى لعلها كانت قائمة في هذه المرحلة ، وقد لخصتها في ظلال القرآن عند تفسير قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين قيل لهم : كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . . } [ الآية 77 من سورة النساء ] ولا بأس في إثبات بعض التلخيص هنا :

ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد ، في بيئة معينة ، لقوم معينين ، وسط ظروف معينة ، ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات ، تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم على شخصه أو على من يلوذون به ، ليخلص من شخصه ، ويتجرد من ذاته ، ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به محور الحياة في نظره ودافع الحركة في حياته . وتربيته كذلك على ضبط أعصابه ، فلا يندفع لأول مؤثر - كما هي طبيعته - ولا يهتاج لأول مهيج ، فيتم الاعتدال في طبيعته وحركته ، وتربيته عل أن يتبع مجتمعا منظما له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته ، ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره به - مهما يكن مخالفا لمألوفه وعادته - وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي ، لإنشاء المجتمع المسلم الخاضع لقيادة موجهة ، المترقي المتحضر ، غير الهمجي أو القبلي !

وربما كان ذلك أيضا ، لأن الدعوة السليمة كانت اشد أثرا وأنفذ ، في مثل بيئة قريش ، ذات العنجهية والشرف ، والتي قد يدفعها القتال معها - في مثل هذه المرحلة - إلى زيادة العناد ، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة التي أثارت حروب داحس والغبراء ، وحرب البسوس ، أعواما طويلة ، تفانت فيها قبائل برمتها ، وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام ، فلا تهدأ بعد ذلك ابدا ، ويتحول الإسلام من دعوة ودين إلى ثارات وذحول تنسى معها وجهته الأساسية ، وهو مبدئه ، فلا تذكر ابدا !

وربما كان ذلك أيضا ، اجتنابا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت ، فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة ، هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم ، إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء كل فرد يعذبونه ويفتنونه ويؤدبونه ! ومعنى الإذن بالقتال - في مثل هذه البيئة - أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت . . ثم يقال : هذا هو الإسلام ! ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال ! فقد كانت دعاية قريش في الموسم . في أواسط العرب القادمين للحج والتجارة : إن محمدا يفرق بين الوالد وولده ، فوق تفريقه لقومه وعشيرته ! فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل الوالد ، والمولى بقتل الولي . . في كل بيت وفي كل محلة ؟

وربما كان ذلك أيضا لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم ، ويعذبونهم ، هم بأنفسهم سيكونون جند الإسلام المخلص ، بل من قادته . . ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء ؟!

وربما كان ذلك أيضا ، لأن النخوة العربية ، في بيئة قبلية ، من عاداتها أن تثور للمظلوم الذي يتحمل الأذى ، ولا يتراجع ! وبخاصة إذا كان واقعا على كرام الناس فيهم . . وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة - في هذه البيئة - فابن الدغنة لم يرض أن يترك أبا بكر - وهو رجل كريم - يهاجر ويخرج من مكة ، ورأى في ذلك عارا على العرب ! وعرض عليه جواره وحمايته . . وآخر هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب ، بعد ما طال عليهم الجوع واشتدت المحنة . . بينما في بيئة أخرى من بيئات الحضارة القديمة التي مردت على الذل ، قد يكون السكوت على الأذى مدعاة للهزء والسخرية والاحتقار من البيئة ، وتعظيم المؤذي الظالم المعتدي !

وربما كان ذلك أيضا ، لقلة عدد المسلمين حينذاك ، وانحصارهم في مكة ، حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة أو بلغت أخبارها متناثرة ، حيث كانت القبائل تقف على الحياد من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها ، حتى ترى ماذا يكون مصير الموقف ، ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة - حتى ولو قتلوا أضعاف من سيقتل منهم - ويبقى الشرك ، وتنمحي الجماعة المسلمة ، ولم يقم في الأرض للإسلام نظام ، ولا وجد له كيان واقعي ، وهو دين جاء ليكون منهاج حياة ، وليكون نظاما واقعيا عمليا للحياة

. . . الخ . . .

فأما في المدينة - في أول العهد بالهجرة - فقد كانت المعاهدة التي عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود من أهلها ومن بقي على الشرك من العرب فيها وفيما حولها ، ملابسة طبيعية تقتضيها المرحلة كذلك . .

أولا : لأن هناك مجالا للتبليغ والبيان ، لا تقف له سلطة سياسية تمنعه وتحول بين الناس وبينه ، فقد اعترف الجميع بالدولة المسلمة الجديدة ، وبقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تصريف شؤونها السياسية ، فنصت المعاهدة على ألا يعقد أحد منهم صلحا ولا يثير حربا ، ولا ينشئ علاقة خارجية إلا بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان واضحا أن السلطة الحقيقة في المدينة في يد القيادة المسلمة ، فالمجال أمام الدعوة مفتوح ، والتخلية بين الناس وحرية الاعتقاد قائمة .

ثانيا : إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد التفرغ في هذه المرحلة لقريش ، التي تقوم معارضتها لهذا الدين حجر عثرة في وجه القبائل الأخرى الواقعة في حالة انتظار لما ينتهي إليه الأمر بين قريش وبعض بنيها ! لذلك بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرسال السرايا وكان أول لواء عقده لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة .

ثم توالت هذه السرايا ، على رأس تسعة اشهر ، ثم على راس ثلاثة عشر شهرا ، ثم على رأس ستة عشر شهرا ، ثم كانت سرية عبد الله بن جحش في رجب على راس سبعة عشر شهرا ، وهي أول غزاة وقع فيها قتل وقتال ، وكان ذلك في الشهر الحرام ، والتي نزلت فيها آيات البقرة : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا . . } [ البقرة:217] .

ثم كانت غزوة بدر الكبرى في رمضان من هذه السنة . . وهي التي نزلت فيها سورة الأنفال .

ورؤية الموقف من خلال ملابسات الواقع ، لا تدع مجالا للقول بأن الدفاع بمفهومه الضيق كان هو قاعدة الحركة الإسلامية ، كما يقول المهزومون أمام الواقع الحاضر ، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر !

إن الذين يلجأون إلى تلمس أسباب دفاعية بحتة لحركة المد الإسلامي ، إنما يؤخذون بحركة الهجوم الاستشراقية ، في وقت لم يعد للمسلمين شوكة ، بل لم يعد للمسلمين إسلام ! - إلا من عصم الله ممن يصرون على تحقيق إعلان الإسلام العام بتحرير الإنسان في الأرض من كل سلطان إلا من سلطان الله ، ليكون الدين كله لله - فيبحثون عن مبررات أدبية للجهاد في الإسلام !

والمد الإسلامي ليس في حاجة إلى مبررات له أكثر من المبررات التي حملتها النصوص القرآنية :

{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما * وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا وأجعل لنا من لدنك نصيرا * الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } . [ النساء : 74-76 ]

{ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وغن يعودوا فقد مضت سنة الأولين * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير } [ الأنفال: 38-40 ]

{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون * وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وأمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . . } [ التوبة: 29-32 ] .

إنها مبررات تقرير ألوهية الله في الأرض ، وتحقيق منهجه في حياة الناس ، ومطاردة الشياطين ومناهج الشياطين ، وتحطيم سلطان البشر الذي يتعبد الناس ، والناس عبيد لله وحده ، لا يجوز أن يحكمهم أحد من عباده بسلطان من عند نفسه وبشريعة من هواه ورأيه ! وهذا يكفي . . مع تقرير مبدأ : { لا إكراه في الدين } . . أي لا إكراه على اعتناق العقيدة ، بعد الخروج من سلطان العبيد ، والإقرار بمبدأ أن السلطان كله لله ، أو أن الدين كله لله ، بهذا الاعتبار .

إنها مبررات التحرير العام للإنسان في الأرض ، بإخراج الناس من العبودية للعبادة إلى العبودية لله وحده بلا شريك . . وهذه وحدها تكفي . . لقد كانت هذه المبررات ماثلة في نفوس الغزاة من المسلمين ، فلميسأل أحد منهم عما أخرجه للجهاد فيقول : خرجنا ندافع عن وطننا المهدد ! أو خرجنا نصد عدوان الفرس أو الروم علينا نحن المسلمين ! أو خرجنا نوسع رقعتنا ونستكثر من الغنيمة !

لقد كانوا يقولون كما قال ربعي بن عامر ، وحذيفة والمغيرة بن شعبة جميعا لرستم قائد جيش الق\فرس في القادسية ، وهو يسالهم واحد بعد واحد في ثلاثة ايام متوالية ، قبل المعركة : ما الذي جاء بكم ؟ فيكون الجواب : (( الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . . فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه ، فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه ، وتركناه وأرضه ، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر )) .

إن هناك مبررا ذاتيا في طبيعة هذا الدين ذاته ، وفي اعلانه العام وفي منهجه الواقعي لمقابلة الواقع البشري بوسائل مكافئة لكل جوانبه ، في مراحل محددة ، بوسائل متجددة . . وهذا المبرر الذاتي قائم ابتداء - ولو لم يوجد خطر الاعتداء على الأرض الإسلامية وعلى المسلمين فيها - إنه مبرر في طبيعة المنهج وواقعيته وطبيعة المعوقات الفعلية في المجتمعات البشرية . . لا من مجرد ملابسات دفاعية محدودة ومؤقتة !

وإنه ليكفي لأن يخرج المسلم مجاهدا بنفسه وماله . . في سبيل الله . . في سبيل هذه القيم التي لا ينال هو من ورائها مغنم ذاتي ، أو يخرجه لها مغنم ذاتي . .

إن المسلم قبل أن ينطلق للجهاد في المعركة يكون قد خاض معركة الجهاد الأكبر في نفسه مع الشيطان . . مع هواه وشهوته . . مع مطامعه ورغباته . . مع مصالحه ومصالح عشيرته وقومه . . مع كل شارة غير شارة الإسلام . . ومع كل دافع إلا العبودية لله وتحقيق سلطانه في الأرض وطرد سلطان الطواغيت المغتصبين لسلطان الله . .

والذين يبحثون عن مبررات للجهاد الإسلامي في حماية الوطن الإسلامي يغضون من شأن المنهج ويعتبرونه أقل من الوطن وهذه ليست نظرة الإسلام إلى هذه الاعتبارات ، إنها نظرة مستحدثة غريبة على الحس الإسلامي ، فالعقيدة والمنهج الذي تتمثل فيه والمجتمع الذي يسود فيه هذا المنهج هي الاعتبارات الوحيدة في الحس الإسلامي ، أما الأرض - بذاتها - فلا اعتبار لها ولا وزن ! وكل قيمة للأرض في التصور الإسلامي إنما هي مستمدة من سيادة منهج الله وسلطانه فيها ، وبهذا تكون محضن العقيدة وحقل المنهج و دار الإسلام ونقطة الانطلاق لتحرير الإنسان .

وحقيقة إن حماية دار الإسلام حماية للعقيدة والمنهج والمجتمع الذي يسود فيه المنهج . . ولكنها ليست الهدف النهائي ، وليست حمايتها هي الغاية الأخيرة لحركة الجهاد الإسلامي ، إنما حمايتها هي الوسيلة لقيام مملكة الله فيها ، ثم لاتخاذها قاعدة انطلاق إلى الأرض كلها وإلى النوع الإنساني بجملته ، فالنوع الإنساني هو موضوع هذا الدين والأرض هي مجاله الكبير !

وكما اسلفنا فإن الانطلاق بالمذهب الإلهي تقوم من في وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ، ونظام المجتمع ، وأوضاع البيئة . . وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة ، كي يخلو له وجه الأفراد من الناس ، يخاطب ضمائرهم وافكارهم ، بعد أن يحررها من الأغلال المادية ، ويترك لها بعد ذلك حرية الاختيار .

يجب ألا تخدعنا أو تفزعنا حملات المستشرقين على مبدأ الجهاد وألا يثقل على عاتقنا ضغط الواقع وثقله في ميزان القوى العالمية ، فنروح نبحث للجهاد الإسلامي عن مبررات أدبية خارجة عن طبيعة هذا الدين ، في ملابسات دفاعية وقتية ، كان الجهاد سينطلق في طريقه سواء وجدت أم لم توجد !

ويجب ونحن نستعرض الواقع التاريخي ألا نغفل عن الاعتبارات الذاتية في طبيعة هذا الدين وإعلانه العام ومنهجه الواقعي ، وألا نخلط بينها وبين المقتضيات الدفاعية الوقتية . .

حقا إنه لم يكن بد لهذا الدين أن يدافع المهاجمين له ، لأن مجرد وجوده في صورة إعلان عام لربوبية الله للعالمين وتحرير الإنسان من العبودية لغير الله ، وتمثل هذا الوجود في تجمع تنظيمي حركي تحت قيادة جديدة غير قيادات الجاهلية ، وميلاد مجتمع مستقل متميز لا يعترف لاحد من البشر بالحاكمية ، لأن الحاكمية فيه لله وحده . . إن مجرد وجود هذا الدين في هذه الصورة لابد أن يدفع المجتمعات الجاهلية من حوله - القائمة على قاعدة العبودية للعباد - أن تحاول سحقه ، دفاعا عن وجودها ذاته ، ولابد أن يتحرك المجتمع الجديد للدفاع عن نفسه ..

هذه ملابسة لابد منها ، تولد مع ميلاد الإسلام ذاته ، وهذه معركة مفروضة على الإسلام فرضا ، ولا خيار له في خوضها ، وهذا صراع طبيعي بين وجودين لا يمكن التعايش بينهما طويلا . . .

هذا كله حق . . ووفق هذه النظرة يكون لابد للإسلام أن يدافع عن وجوده ، ولابد أن يخوض معركة دفاعية مفروضة عليه فرضا . .

ولكن هناك حقيقة أخرى اشد اصالة من هذه الحقيقة . . إن من طبيعة الوجود الإسلامي ذاته أن يتحرك إلى الأمام ابتداء . . لإنقاذ الإنسان في الأرض من العبودية لغير الله ، ولا يمكن أن يقف عند حدود جغرافية ، ولا أن ينزوي داخل حدود عنصرية ، تاركا الإنسان . . نوع الإنسان . . في الأرض . . كل الأرض . . للشر والفساد والعبودية لغير الله .

إن المعسكرات المعادية للإسلام قد يجيء عليها زمان تؤثر فيه ألا تهاجم الإسلام ، إذا تركها الإسلام تزاول عبودية البشر للبشر داخل حدودها الإقليمية ، ورضى أن يدعها وشأنها ولم يمد إليها دعوته وإعلانه التحريري العام ! ولكن الإسلام لا يهادنها ، إلا أن تعلن استسلامها لسلطانه في صورة أداء الجزية ، ضمانا لفتح ابوابها لدعوته بلا عوائق مادية من السلطات القائمة فيها .

هذه طبيعة هذا الدين ، وهذه وضيفته ، يحكم أنه إعلان عام لربوبية الله للعالمين ، وتحرير الإنسان من كل عبودية لغير اله في الناس أجمعين !

وفرق بين تصور الإسلام على هذه الطبيعة ، وتصوره قابعا داخل حدود إقليمية أو عنصرية لا يحركه إلا خوف الاعتداء ! إنه في هذه الصورة الأخيرة يفقد مبرراته الذاتية في الانطلاق !

إن مبررات الانطلاق الإسلامي تبرز بوضوح وعمق عند تذكر ان هذا الدين هو منهج الله للحياة البشرية ، وليس منهج إنسان ، ولا مذهب شيعة من الناس ، ولا نظام جنس من الأجناس ! . . ونحن لا نبحث عن مبررات خارجية إلا حين تفتر في حسنا هذه الحقيقة الهائلة . . حين ننسى أن القضية هي قضية ألوهية وعبودية العباد . . إنه لا يمكن ان يستحضر إنسان ما هذه الحقيقة الهائلة ثم يبحث عن مبرر آخر للجهاد الإسلامي !

والمسافة قد لا تبدو كبيرة عند مفرق الطريق بين تصور ان الإسلام كان مضطرا لخوض معركة لا اختيار له فيها ، وبحكم وجوده الذاتي ووجود المجتمعات الجاهلية الأخرى التي لابد أن تهاجمه ، وتصور أنه هو بذاته لابد أن يتحرك ابتداء ، فيدخل في هذه المعركة . .

المسافة عن مفرق الطريق قد لا تبدو كبيرة ، فهو في كلتا الحالتين سيدخل المعركة حتما ، ولكنها في نهاية الطريق تبدو هائلة شاسعة ، تغير المشاعر والمفهومات الإسلامية تغييرا كبيرا . . خطيرا .

إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام منهجا إلهيا ، جاء ليقرر ألوهية الله في الأرض وعبودية البشر جميعا لإله واحد ، ويصب هذا التقرير في قالب واقعي ، هو المجتمع الإنساني الذي يتحرر فيه الناس من العبودية للعبادة ، بالعبودية لرب العباد ، فلا تحكمهم إلا شريعة الله ، التي يتمثل فيها سلطان الله ، أو بتعبير آخر تتمثل فيها ألوهيته . . فمن حقه إذن أن يزيل العقبات كلها من طريقه ، ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم دون حواجز ولا موانع مصطنعة من نظام الدولة السياسي ، او اوضاع الناس الاجتماعية . . إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام على هذا النحو ، واعتباره نظاما محليا في وطن بعينه فمن حقه فقط أن يدفع الهجوم عليه في داخل حدوده الإقليمية !

هذا تصور . . وذاك تصور . . ولو ان الإسلام في كلتا الحالتين سيجاهد . . ولكن التصور الكلي لبواعث هذا الجهاد واهدافه ونتائجه ، يختلف اختلافا بعيدا ، يدخل في صميم الاعتقاد كما يدخل في صميم الخطة والاتجاه .

إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء ، فالإسلام ليس نحلة قوم ، ولا نظام وطن ، ولكنه منهج إله ، ونظام عالم . . ومن حقه أن يتحرك ليحطم الحواجز من الانظمة والأوضاع التي تغل من حرية الإنسان في الاختيار ، وحسبه أنه لا يهاجم الأفراد ليكرههم على اعتناق عقيدته ، إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة ، المفسدة للفطرة ، المقيدة لحرية الاختيار .

من حق الإسلام ان يُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . . ليحقق إعلانه العام بربوبية الله للعالمين ، وتحرير الناس أجمعين . . وعبادة الله وحده لا تتحقق - في التصور الإسلامي وفي الواقع العملي - إلا في ظل النظام الإسلامي ، فهو وحده النظام الذي يشرع الله فيه للعباد كلهم ، حاكمهم ومحكومهم ، اسودهم وابيضهم ، قاصيهم ودانيهم ، فقيرهم وغنيهم ، تشريعا واحدا يخضع له الجميع على السواء . . أما في سائر الأنظمة ، فيعبد الناس العباد ، لأنهم يتلقون التشريع لحياتهم من العباد ، وهو من خصائص الألوهية ، فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه فقد ادعى الألوهية اختصاصا وعملا ، سواء ادعاها قولا أم لم يعلن هذا الادعاء ، وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية ، سواء سماها باسمها أم لم يسمها !

والإسلام ليس مجرد عقيدة ، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته بوسيلة البيان ، إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس ، والتجمعات الأخرى لا تمكنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو ، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام ، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى ان يكون الدين كله لله ، فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته ، كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقم على عبودية العباد للعبادة !

إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر وتحت ضغط الاستشراق الماكر ، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة ، لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة ، والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيدا أن هذه ليست هي الحقيقة ، لكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة . . ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمعة الإسلام بنفي هذا الاتهام ، فيلجاون إلى تلمس المبررات الدفاعية ! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته ، وحقه في تحرير الإنسان ابتداء .

وقد غشى على افكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة الدين . . وإنه مجرد عقيدة في الضمير ، لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة ، ومن ثم يكون الجهاد للدين ، جهادا لفرض العقيدة على الضمير !

لكن الأمر ليس كذلك في الإسلام ، فالإسلام منهج للحياة البشرية ، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وينظم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية ! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام ، أما العقيدة فأمر موكول إلى حرية الاقتناع في ظل النظام العام ، بعد رفع جميع المؤثرات . . ومن ثم يختلف الأمر من أساسه ، وتصبح له صورة جديدة كاملة .

وحيثما وجد التجمع الإسلامي ، الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي ، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام ، مع ترك مسالة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان ، فإذا كف الله ايدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد ، فهذه مسألة خطة لا مسالة مبدأ ، مسألة مقتضيات الحركة لا مسألة عقيدة . . وعلى هذا الاساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة ، في المراحل التاريخية المتجددة ، ولا نخلط بين دلالتها المرحلية ، والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل .


وأخيراً ..

رحِم الله الشهيد سيد قطب وغفر له .

بعد هذا لابد أن نحكم عقولنا ولا ننصاع لعلماء اليوم والذين تخلو عن نصرة هذا الدين العظيم ورضو بالحياة الدنيا وزخرفها ونبحث عن الحقائق ونشير اليها فالحق أبلج ولايمكن مهما فعلوا أن يخفوها مهما فعلوا ..

هاأنتم ترون تكالب أعداء الإسلام كيف تكالبوا علينا كالضباع المسعوره من قتلٍ وتشريدٍ وهتك أعراض واحتلال للبلاد ونهب ثرواتها ..ولم يقفوا عند هذا وحسب بل تجاوزه الى السخريه والإستهزاء بأعظم مخلوقٍ خلقه الله سيد البشر أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم وفي مقابل هذا ترون هذا الصمت المُطبق إلا من نفوسٍ غيوره تروهم فرادى أو جماعات تصرخ واااااامحمداه ولكن هيهات هيهات فأين المجيب !!!

إنها لكارثه أن وصل الأمر بنا الى هذا الخضوع وهذه الروح الإنهزاميه أمام هذه المؤثرات الزائله وأمام كبرياء الغرب السخيف ..


لوكان الأمر متعلقاً برئيس دوله أو ملِك لتغير الأمر كلياً ولوجدنا حروباً طاحنه كلاميه وفعليه تترجمها مشاعر المجتمع سياسياً وإجتماعياً تسبقها سحب السفارات والقنصليات والعلاقات التجاريه الرسميه وغير الرسميه .. ولكن لأن الأمر متعلقاً بأبا القاسم فالأمر في نظرهم يستحق كما يزعمون الرويه وضبط النفس ؟؟؟؟؟ تباً لكم من رجال هذا فعلكم وهذا منطقكم !!!!

لو كان الدنمركيون ومن ورائهم الغرب أجمع يعلمون أنكم تحبون رسولكم صلى الله عليه وسلم حقيقة المحبه الصادقه تترجمها الأفعال وهذا ( مهم ) لما فعلوا وما تجرأو على هذا ولكن أفعالكم أفعال البغاء ترجمها ميلكم الشديد للرقص والمجون وفعل الأوامر المنهيه التي نهى عنها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأين هي المحبه وأين الولاء والطاعه إذن !!!!!

لنعترف أنكم خونه ...محبتكم زائفه ولم تكن حقيقيه يوماً من الأيام


شكراً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .

أهل الدهاء
06-03-08, 09:35 am
جزاك الله خيرا ياعمر <
وين ايام الساحة السياسية ليته ترجع ههههههههههه(غيرت اليوزر؟)
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا إلى الطريق المستقيم

عبدالله30
06-03-08, 02:27 pm
أهلا وسهلا بالاخ الكريم00عمر الغريب0

والحقيقة لم اقرأ ماكتب لطوله حيث انه يحتاج لوقت00لكن00

سررت بوجودك هنا0

برود الثلج
07-03-08, 06:22 pm
عوداً حميداً أخي عمر ،،

قرأت المتن الذي هو لأبن القيم رحمه الله قراءه سريعه وأخذت فكره عن مجمله وهو (( الدفاع عن المؤمنين ))
^
^

وحدسي يقول أنه على صله بموضوع أحد الأخوه الجدد يقول فيه عندي موضوع عن الدفاع عن المؤمنين اين أضعه ،،
على العموم هذا لايهم ،،
^
^
^[/color]



وأخيراً ..

رحِم الله الشهيد سيد قطب وغفر له .

>رحمه الله ورحم جميع موتى المسلمين واشباه الموتى منا ،،<

بعد هذا لابد أن نحكم عقولنا ولا ننصاع لعلماء اليوم والذين تخلو عن نصرة هذا الدين العظيم ورضو بالحياة الدنيا وزخرفها ونبحث عن الحقائق ونشير اليها فالحق أبلج ولايمكن مهما فعلوا أن يخفوها مهما فعلوا ..


لا ننصاع لعلماء اليوم ؟؟
كيف هذي يامعلم عمر ؟؟
يعني نخرج عن كلمه أولي الأمر منا ،،
والله يقول [color=#0000FF](( واطيعوا الله ورسوله وأولي الأمرِ منكم ))

ماذا بيد العلماء ؟؟
هل يمتطون الخيوول ويحملون السيووف ويقتلووون الدنماركين بقعر دارهم ..



هاأنتم ترون تكالب أعداء الإسلام كيف تكالبوا علينا كالضباع المسعوره من قتلٍ وتشريدٍ وهتك أعراض واحتلال للبلاد ونهب ثرواتها ..
^
^
^

في هذا معك كل الحق ؟؟
ولكن وش بيد الضعفاء أمثالي سواء الدعاء ،،
فكما تعلم أخي عمر أن المذهب القدياني يحرم شريعه الجهاد وأقصد به (( الدفاع عن الوطن )) وهذا المذهب تم أختلاقه من قبل الأحتلال الأنجليزي على الهند من آجل يأمنون على أنفسهم من القتل أيام الحتلال ،،
ولكن ومع الآسف الشديد هذا المذهب وجد له أستحسان بالوطن العربي حتى عمل به من غير توضيح لنا !!


ولم يقفوا عند هذا وحسب بل تجاوزه الى السخريه والإستهزاء بأعظم مخلوقٍ خلقه الله سيد البشر أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم وفي مقابل هذا ترون هذا الصمت المُطبق إلا من نفوسٍ غيوره تروهم فرادى أو جماعات تصرخ واااااامحمداه ولكن هيهات هيهات فأين المجيب !!!



لا حول ولاقوة إلا بالله العظيم حسبنا الله عليهم ونعم الوكيل ،،
اللهم صل وسلم على نبينا محمد إلى قيام الساعه ،،



إنها لكارثه أن وصل الأمر بنا الى هذا الخضوع وهذه الروح الإنهزاميه أمام هذه المؤثرات الزائله وأمام كبرياء الغرب السخيف ..


لوكان الأمر متعلقاً برئيس دوله أو ملِك لتغير الأمر كلياً ولوجدنا حروباً طاحنه كلاميه وفعليه تترجمها مشاعر المجتمع سياسياً وإجتماعياً تسبقها سحب السفارات والقنصليات والعلاقات التجاريه الرسميه وغير الرسميه .. ولكن لأن الأمر متعلقاً بأبا القاسم فالأمر في نظرهم يستحق كما يزعمون الرويه وضبط النفس ؟؟؟؟؟ تباً لكم من رجال هذا فعلكم وهذا منطقكم !!!!



لا تعليق ،،

لأن الأفعال أعظم من الأقوال ولسنا نحن من بيده زمام الأمر ،، نحن في قافله الرعيه لا الراعي ،،


لو كان الدنمركيون ومن ورائهم الغرب أجمع يعلمون أنكم تحبون رسولكم صلى الله عليه وسلم حقيقة المحبه الصادقه تترجمها الأفعال وهذا ( مهم ) لما فعلوا وما تجرأو على هذا ولكن أفعالكم أفعال البغاء ترجمها ميلكم الشديد للرقص والمجون وفعل الأوامر المنهيه التي نهى عنها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأين هي المحبه وأين الولاء والطاعه إذن !!!!!

لنعترف أنكم خونه ...محبتكم زائفه ولم تكن حقيقيه يوماً من الأيام


شكراً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .




سامحك الله يأخي عمر ماهذا الأتهم نحن خونه ومحبتنا له زائفه ؟؟
وهل شققت عن صدورنا حتى تجزم بحديثك ؟؟
قد سبق وقلت لك نحن في منظومه الرعيه لا الراعي حتى توجه خطابك لنا ،،
هذا الخطاب أحق به ولاه الأمر الذين بيدهم زمام الأمر والحكم ،،

^
^
وهناك فاصل مهم
^
^
^

إليس لديك ثقه بإن لمحمد رب يحميه ويحفظه ويكرمه حي وميت ،،

قد قالها جده من قبل حين عزم ابرهه على هدم الكعبه فقال (( للبيت رب يحميه ))

وأنا أقول أن لمحمد عليه الصلاة والسلام رب يحميه ويرفع من شأنه وقدره حي وميت ،،
وأن الله ونبيه محمد عليه الصلاه والسلام في تمام الغنى عنا وعن دفاعاً منا عنهما ،،


اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين ،،


ودام حرفك ،،

عمر(( الغريب ))
09-03-08, 07:13 am
جزاك الله خيرا ياعمر <
وين ايام الساحة السياسية ليته ترجع ههههههههههه(غيرت اليوزر؟)
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا إلى الطريق المستقيم



آمين تحياتي لك وأمنياتي لك بالتوفيق .

عمر(( الغريب ))
09-03-08, 07:15 am
أهلا وسهلا بالاخ الكريم00عمر الغريب0

والحقيقة لم اقرأ ماكتب لطوله حيث انه يحتاج لوقت00لكن00

سررت بوجودك هنا0



الأخ الكريم ابن الكريم تحيه من الأعماق لوجودك .

abuyasser
09-03-08, 07:38 am
الف شكرآ على الموضوع

عمر(( الغريب ))
09-03-08, 07:43 am
عوداً حميداً أخي عمر ،،

قرأت المتن الذي هو لأبن القيم رحمه الله قراءه سريعه وأخذت فكره عن مجمله وهو (( الدفاع عن المؤمنين ))
^
^

وحدسي يقول أنه على صله بموضوع أحد الأخوه الجدد يقول فيه عندي موضوع عن الدفاع عن المؤمنين اين أضعه ،،
على العموم هذا لايهم ،،
^
^
^[/color]







سامحك الله يأخي عمر ماهذا الأتهم نحن خونه ومحبتنا له زائفه ؟؟
وهل شققت عن صدورنا حتى تجزم بحديثك ؟؟
قد سبق وقلت لك نحن في منظومه الرعيه لا الراعي حتى توجه خطابك لنا ،،
هذا الخطاب أحق به ولاه الأمر الذين بيدهم زمام الأمر والحكم ،،

^
^
وهناك فاصل مهم
^
^
^

إليس لديك ثقه بإن لمحمد رب يحميه ويحفظه ويكرمه حي وميت ،،

قد قالها جده من قبل حين عزم ابرهه على هدم الكعبه فقال (( للبيت رب يحميه ))

وأنا أقول أن لمحمد عليه الصلاة والسلام رب يحميه ويرفع من شأنه وقدره حي وميت ،،
[color=#FF0000]وأن الله ونبيه محمد عليه الصلاه والسلام في تمام الغنى عنا وعن دفاعاً منا عنهما ،،

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين ،،


ودام حرفك ،،


حياك الله .

أما عن طاعتك لولاة أمرك فيجب أن تكون مقرونه بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم , ومتى ماكانت الطاعه في معصية الله ورسوله فلاطاعة لهم ولا بيعه ولا ولاء ..إنفاذاً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..


أما قولك عن الخيانه وأني أتهمتك بها فلا أظن أني سميتك بإسمك وإنما من كان خائناً فهو يعلم بحقيقة أمره وفعله والمؤمن كيس فطن والقلب دليل المؤمن ومركز إحساسه وشعوره ..


أما قولك أن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في غنى عن نصرتنا فهذا قول يحتاج الى تفصيل طويل ولكن لضيق الوقت سأختصر لك وأوجز هذا بقولي //

إن الله خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه والنصرة هنا تقتضي توحيده وتوقيره وعبادته سبحانه وتعالى على أكمل وجه .. وعلى هذا أقول إن العباده ليست قولاً دون عمل ولاعمل دون قول بل كلاهما واحد ولذلك فالجهاد في سبيل الله هو رأس الإسلام قال تعالى ((فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً، وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً، الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً )) ولهذا وجب نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولايجب أن نوكل الأمر بهذا الشكل رحِمك الله ولايجب أن نفهم النصرة لدين الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم تحت ذريعة نصرة الله لبيته الحرام فما قام به أبو طالب ليس ذريعه تنص عليها وتستدل بها وإنما ديننا نأخذه من رسولنا صلى الله عليه وسلم ..

أعتذر عن هذا الإيجاز ولكن إن سمح لي وقتي سأسترسل .

بارك الله فيك .