تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بعض الدعاة و العاطفة


نسيم الشمال
22-02-08, 03:43 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لاتنزعجوا من هذاالمقال السياسي الديني الإجتماعي الماثل أمامكم هو حكم وتجربة وموعظة للجميع,

فالكاتب نيته طيبة والمهم أن يفهم الجميع أن الموضوع وان كان بصبغة اسلامية فهو سياسي :

يقول الكاتب : د سليمان الضحيان (بريدة) :

حينما كنت صغيرا اذكر أنه في العشر الأواخر من رمضان و حينما يدلهم الليل ، وينشر السكون عباءته توقظني الوالدة – رحمها الله – لتصطحبني معها لصلاة القيام مع الشيخ علي الجبيلي ، فأسير معها يغالبني النوم ، في طرقات حينا الصغير المظلم ، فنسير مسرعين وأصوات الكلاب تأتي إلينا من بعيد ، وضوء القمر يرسم ظلالنا على جدران حينا الطيني ، وحينما ندلف إلى المسجد يستقبلنا صوت الشيخ الجبيلي وهو يلحن الشعر في إلقائه بصوت متهدج من البكاء فيحلق بي في أجواء روحانية مهيبة ، استشعر معها آنذاك أن أمامي الجنة والنار والملائكة والرسل والصحابة ، هكذا هي كانت مجالس الوعظ آنذاك ، فأذكر المواعظ التي كان يلقيها الشيخ علي الغضية ، والشيخ عبد العزيز الفوزان ، فقد كانت مجالس وعظهم وقورة مهيبة ، أحيانا تسمع شهقات من البكاء تأتي من بعض صفوف المصلين ، فتسيري في جسدي قشعريرة تهزه وتوقظ روحي الغافلة ، هذه الأجواء تذكرتها بعد أن استمعت إلى شريط وعظي بعنوان( أربعة في أربعة ) أهدانيه أحدهم وأنا أنتظر عند إشارة المرور ، هذا الشريط لاثنين من الوعاظ وهما يلقيان موعظتهما في مخيم شبابي ، ولما استمعت إليه ظننت بادي الراي أنه شريط تمثيلي كوميدي لممثلين يتكلفون الكوميديا لإضحاك الجمهور ؛ فهو مليء بالنكت الفاضحة ، والكلمات المعبرة عن الغرائز ، والزعيق وتقليد الأصوات واللهجات العربية ، وتقليد صوت العود وهو يعزف ، والمغني وهو يصدح بأغنيته ، ومصطلحات المحششين والنكت عنهم ، باختصار فيه كل شيء إلا الوعظ والوقار والروحانية ، هذا الشريط دفعني إلى البحث عن أشرطة الوعظ التي تطرح هذه الأيام فوجدت أن هذا الشريط أنموذج عن ظاهرة تجتاح نشاط الوعظ هذه الأيام ، فقد استمعت إلى خمسة أشرطة لخمسة من الوعاظ فإذا هي لا تخرج عن مثل ما في ذلك الشريط .

ولأكون معكم صريحا فحتى ساعتي هذه لا أدري بالضبط ماذا يريد هؤلاء الوعاظ ؟ فمستمعو هذه الأشرطة ثلاث فئات

؛ الفئة الأولى :

شباب متدين محافظ على تعاليم الدين وشعائره فمثل هذه الأشرطة تفسد عليهم تدينهم وروحانيتهم ووقارهم الديني

والفئة الثانية :

شباب صالحون من عامة الشباب وتقصيرهم الديني لا يعدو أن يكون من لهو الشباب وتساهلهم ولا يرقى إلى مستوى الانحراف الكبير الذي تصوره تلك الأشرطة ، ومثل هؤلاء تفتح لهم تلك الأشرطة آفاقا من الانحراف لم يسمعوا بها من قبل وخاصة صغار السن منهم ، وهؤلاء أحوج ما يكونون إلى الوعظ عن بر الوالدين وحسن الخلق والمحافظة على الصلاة ، واختيار الأصدقاء ، وما إليها مما ينقص ممن هم في مثل عمرهم وحالتهم .

والفئة الثالثة :

وهي فئة المنحرفين ممن يتعاطون المخدرات وغيرها من الانحرافات الكبيرة ؛ وهؤلاء أحوج ما يكونون إلى الوعظ بالترغيب والترهيب ، والأخذ بهم إلى أجواء روحانية تغسل قلوبهم ، وتعيد تشكيلها من جديد بعيدا عن الصراخ والزعيق وإلقاء النكت كما تفعل تلك الأشرطة .

إن شهوة الكلام وبعد الصيت تدفع ببعض الوعاظ إلى الإغراب في حديثه وأسلوب وعظه ، وهذا مرض الوعاظ منذ القدم فقد كانوا يسمون القُصَّاص على عهد السلف وكانوا يغربون في حديثهم ويروون الأحاديث المكذوبة والضعيفة والقصص الأسطورية ، فقد استمع أحد العلماء إلى أحد القصاص في المسجد فإذا هو يروى حديثا مكذوبا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن للمؤمن عند ربه حورية عجزها ميل في ميل )) ، فغلب الضحك على العالم من تصور عظم العجز ، فأغرى الواعظ العوام بالعالم وقال إنه يستهزي بحديث الرسول فهجم العوام على العالم وأوسعوه ضربا حتى حمل من بين أيديهم بين الحياة والموت .

.... والله المستعان

د سليمان الضحيان

كاتب سعودي وعضو هيئة تدريس في جامع القصيم


الموضوع منقول