أبو عبود السنافي
31-01-08, 06:30 pm
أحمد أنظر لذلك الطير الذي يعتلي الشجرة ، هل سيستقر مكانه ؟، أم أنه سيرحل بعد لحظات ؟
أجاب الطير قبل أن يكمل السؤال طارحه ، حينما طار إلى مكان آخر بعيد .
ما زلت أتذكر ذلك السؤال دائما الذي سألنيه أخي فلان ليهون علي ألم فراقي لأهلي وقت سفري لغرض الدراسة ،
وأتبع الكلمات بقوله : يجب أن تعتاد ذلك يا أحمد مثل هذا الطير .
وبعد ذلك اليوم بأسبوع جاء وقت سفري إلى اليمن لغرض الدراسة ، وقبل السفر قال لي أبي : اسمع يا أحمد
هناك عمتك بصنعاء ، عليك أن تعتبرها أمك وأبوك فهي امرأة تزن عشرين رجلا ، وجاءت لحظة الوداع
وفاضت الدموع التي اغرورقت بها العيون .
وصلت إلى مطار صنعاء بعد أن هبط بنا قائد الطائرة في المدرج وكأنه يسوق دينننة بضايع وهو يسحب فينا
بها المدرج يدور موقف علشان يلبق ، ونحن بجوازات المطار تم الختم على جوازي وذهبت لاستلام العفش ،
ثم انطلقت إلى حيث يذهب القادمون من السفر ، فإذا بتلك المرأة التي يسترها السواد ، تأتي بخطواتها نحوي ،
ولما وصلت قالت : كيف حالك يا ولدي ؟ فقبلتها وضممتها إلى صدري ، وكانت مع زوجها في انتظاري ،
صعدنا السيارة وتوجهنا إلى البيت ونمت ليلتي تلك ، وكانت أحد أولى ليالي الشهر الأول من عام 1999م .
عشت مع عمتي في بيتها وبالأخص في مجلس البيت سنة كاملة ، حتى انتقلت للعيش في سكن جيان الجامعي
[ كياني في اليمن ] وحالت عمتي حفظها الله بيني وبين انتقالي الى السكن بكل ما أوتيت من قوة ، خوفا منها
أن أبتعد عنها ولا تراني ، ولما أدركت أني منتقل له لا محاله بكت وبكت وبكت ، وما استطعت أن أهدئ من
تنهداتها إلا عندما وعدتها أن أزورها يوميا وأتغدى عندها كل جمعة ، وقبل أن أذهب اتصلت هي شخصيا
بإدارة السكن وتأكدت عن أحواله وأنشطته ، وسألت عن السكن حتى اطمأنت وقالت حينها، أحمد اذهب وذهبت .
للعلم عمتي هذه هي أكبر من أبي مباشرة فليس بينهما أخوة أو أخوات ، والفرق بينهما 2.9 سنتين وتسعة
أشهر فقط ، ولديها من البنات ستة [6] فلم يكتب لها تعالى لها إبنا ، لذلك أحبتني وأحببتها والله أشد من نفسي
بل تعلقت بي لدرجة أنها كانت تكني نفسها بأم أحمد .
بعد أن انتقلت إلى السكن كنت أزورها يوميا بعد صلاة المغرب وحتى التاسعة مساءا تقريبا ، كانت لي والله
نعم الأب والأم ، لم أذكر لحظة واحدة فترة مكوثي بصنعاء أني أحسست ببعدي عن أهلي ، وكانت إذا أحست
أني اشتقت لأمي وأبي تقوم بتزويدي من حنانها وعطفها المتدفقان ، كانت تفخر بوجودي حولها ، كانت تراني
عينيها الإثنتين وكنت أنا أراها قلبي بل روحي وما زلت ذلك ، لدرجة أنها تعتمد علي بعد الله تعالى في كثير
من أمور خارج البيت .
كانت ذات هيبة ورهبة أمام الآخرين وشخصية قوية ، وتملك من الحكمة وحسن التصرف بالقدر الذي يجعل العقلاء
يحسدونها ، أي مشكلة تلم بي كانت أول من يتبنى حلها وتهوينها ، بل أن أي مشكله تحصل بأحد شباب
السكن وتعلم بها كانت هي أكثر من يعيش هم مشكلته ، وأشد من يسعى لإدخال السرور لقلبه عن طريقي وذلك
بتهوينها عليه ، أحبها جميع شباب السكن .
كثير من الشباب إن احتاروا في شي يطلبوني أستشيرها كي تنثر لهم من رأيها السديد ، وكانت أيضا الصندوق
الأمين لنقود بعض الشباب وصرفياتهم وجوازاتهم من الضياع ، أكثر من مررة تقع إدارة السكن في بدايتي
فيه ببعض الاشكالات ، فتقوم بإدلاء رأيها واقتراحها فيم يفعلون وأخبرهم به ويكون هو الحكيم فيعمل به .
كم من المواقف والوقائع حدثت وكانت تلعب دور البطل فيها ، شهد لها كل من عرفها أو سمع عنها ببطولاتها
وشجاعتها ، لدرجة أن شنطتها النسائية التي تحملها على كتفها تحوي مسدسا ، ولا غرابة في ذلك لطبيعة
انتشار السلاح في اليمن .
ولوضع حال اليمن ومشاكل الحروب بين قبائلها وجاهلية الثأر في بعض مناطقها ، أعاذ الله الجميع من
الجاهلية ، هناك بعض القبائل يطلبوننا بدم ، ولهذا السبب غيرت اسمي لمدة سنتين كي أسلم منهم ، ومع ذلك
حصلت لي أكثر من حادثة بحول الله وقوته أنجو ، ثم بشجعاعة أمي أم أحمد _ عمتي _ والله أنها في أكثر من
موقف ضحت بنفسها وحياتها من أجلي ، ووالله أنها قد ألقت بجسدها أمام الموت فداءا لحمايتي _ حفظها الله من
كل مكروه _ ، ولولا خوفي من ملل القرراء لأوردت سيلا من تلك المواقف التي عن تحكي عن نفسها وتشهد
لها بذلك ، كان عقلاء القرية ورجالها أيام الحرب يهاتفونها ليستشيروها في بعض القضايا الحربية .
من المواقف التي حصلت ، أنها ذات يوم رأت من نافذة البيت سيارة بها أربعة أشخاص وشكت في أمرهم ،
ونزلت من البيت متوجهة اليهم ، ورأتهم فعلمت أنهم أبناء المقتول من القبيلة الأخرى ، وذلك حينما شبهت
أحدهم بأمه وعلمت أيضا كمينهم لي ، فسألتهم عن سبب انتظارهم في هذا المكان ، وبالطبع كذبوا عليها ولم
يكونوا يعرفون من هي ، فعادت إلى البيت وأخرجت الرشاش وقامت بإطلاق النار عليهم من نافذة المنزل ،
حتى هربوا كلا بذيله ولم يعودوا لتلك المنطقة البتة .
وأيضا حينما جاء أهلي من الدمام [أمي وأبي وأخوتي] كي يزورا اليمن بالأخص قريتنا ، بعد انقطاعهم عنها
15سنة ، كنا إذا خرجنا من منزلنا بالقرية ، لجولة سياحية واستطلاعية على حلالنا ومالنا حول القرية ،
كانت مثل الحارس الشخصي لهم خوفا من الثأر ، لدرجة أنها كانت تقول : يا أحمد خذ الرشاش الخفيف
وقف هناك وانتبه وراقب جيدا ، وأنا سأحمل الرشاش الآخر لأنه ثقيل عليك وسأقف بالقرب من السيارة
ولكن فتح عيونك _ سبحان الله _ كنت أتعجب ألهذه الدرجة تحمل فوق عاتقها حماية الجميع ؟! ، ولم يهدأ
لها بال حتى عاد الأهل إلى الدمام نهاية إجازة الصيف .
كانت من قوة شخصيتها وشدة هيبتها أمام الناس ، كل من يعرفها إذا ارتكب أبسط خطأ ، يسعى جاهدا لأن
لا يصل إليها الخبر ، كلهم يهابها حتى أبي .
فيالها من امرأة حقا تزن عشرين رجلا ...
[ يتبع ]
أجاب الطير قبل أن يكمل السؤال طارحه ، حينما طار إلى مكان آخر بعيد .
ما زلت أتذكر ذلك السؤال دائما الذي سألنيه أخي فلان ليهون علي ألم فراقي لأهلي وقت سفري لغرض الدراسة ،
وأتبع الكلمات بقوله : يجب أن تعتاد ذلك يا أحمد مثل هذا الطير .
وبعد ذلك اليوم بأسبوع جاء وقت سفري إلى اليمن لغرض الدراسة ، وقبل السفر قال لي أبي : اسمع يا أحمد
هناك عمتك بصنعاء ، عليك أن تعتبرها أمك وأبوك فهي امرأة تزن عشرين رجلا ، وجاءت لحظة الوداع
وفاضت الدموع التي اغرورقت بها العيون .
وصلت إلى مطار صنعاء بعد أن هبط بنا قائد الطائرة في المدرج وكأنه يسوق دينننة بضايع وهو يسحب فينا
بها المدرج يدور موقف علشان يلبق ، ونحن بجوازات المطار تم الختم على جوازي وذهبت لاستلام العفش ،
ثم انطلقت إلى حيث يذهب القادمون من السفر ، فإذا بتلك المرأة التي يسترها السواد ، تأتي بخطواتها نحوي ،
ولما وصلت قالت : كيف حالك يا ولدي ؟ فقبلتها وضممتها إلى صدري ، وكانت مع زوجها في انتظاري ،
صعدنا السيارة وتوجهنا إلى البيت ونمت ليلتي تلك ، وكانت أحد أولى ليالي الشهر الأول من عام 1999م .
عشت مع عمتي في بيتها وبالأخص في مجلس البيت سنة كاملة ، حتى انتقلت للعيش في سكن جيان الجامعي
[ كياني في اليمن ] وحالت عمتي حفظها الله بيني وبين انتقالي الى السكن بكل ما أوتيت من قوة ، خوفا منها
أن أبتعد عنها ولا تراني ، ولما أدركت أني منتقل له لا محاله بكت وبكت وبكت ، وما استطعت أن أهدئ من
تنهداتها إلا عندما وعدتها أن أزورها يوميا وأتغدى عندها كل جمعة ، وقبل أن أذهب اتصلت هي شخصيا
بإدارة السكن وتأكدت عن أحواله وأنشطته ، وسألت عن السكن حتى اطمأنت وقالت حينها، أحمد اذهب وذهبت .
للعلم عمتي هذه هي أكبر من أبي مباشرة فليس بينهما أخوة أو أخوات ، والفرق بينهما 2.9 سنتين وتسعة
أشهر فقط ، ولديها من البنات ستة [6] فلم يكتب لها تعالى لها إبنا ، لذلك أحبتني وأحببتها والله أشد من نفسي
بل تعلقت بي لدرجة أنها كانت تكني نفسها بأم أحمد .
بعد أن انتقلت إلى السكن كنت أزورها يوميا بعد صلاة المغرب وحتى التاسعة مساءا تقريبا ، كانت لي والله
نعم الأب والأم ، لم أذكر لحظة واحدة فترة مكوثي بصنعاء أني أحسست ببعدي عن أهلي ، وكانت إذا أحست
أني اشتقت لأمي وأبي تقوم بتزويدي من حنانها وعطفها المتدفقان ، كانت تفخر بوجودي حولها ، كانت تراني
عينيها الإثنتين وكنت أنا أراها قلبي بل روحي وما زلت ذلك ، لدرجة أنها تعتمد علي بعد الله تعالى في كثير
من أمور خارج البيت .
كانت ذات هيبة ورهبة أمام الآخرين وشخصية قوية ، وتملك من الحكمة وحسن التصرف بالقدر الذي يجعل العقلاء
يحسدونها ، أي مشكلة تلم بي كانت أول من يتبنى حلها وتهوينها ، بل أن أي مشكله تحصل بأحد شباب
السكن وتعلم بها كانت هي أكثر من يعيش هم مشكلته ، وأشد من يسعى لإدخال السرور لقلبه عن طريقي وذلك
بتهوينها عليه ، أحبها جميع شباب السكن .
كثير من الشباب إن احتاروا في شي يطلبوني أستشيرها كي تنثر لهم من رأيها السديد ، وكانت أيضا الصندوق
الأمين لنقود بعض الشباب وصرفياتهم وجوازاتهم من الضياع ، أكثر من مررة تقع إدارة السكن في بدايتي
فيه ببعض الاشكالات ، فتقوم بإدلاء رأيها واقتراحها فيم يفعلون وأخبرهم به ويكون هو الحكيم فيعمل به .
كم من المواقف والوقائع حدثت وكانت تلعب دور البطل فيها ، شهد لها كل من عرفها أو سمع عنها ببطولاتها
وشجاعتها ، لدرجة أن شنطتها النسائية التي تحملها على كتفها تحوي مسدسا ، ولا غرابة في ذلك لطبيعة
انتشار السلاح في اليمن .
ولوضع حال اليمن ومشاكل الحروب بين قبائلها وجاهلية الثأر في بعض مناطقها ، أعاذ الله الجميع من
الجاهلية ، هناك بعض القبائل يطلبوننا بدم ، ولهذا السبب غيرت اسمي لمدة سنتين كي أسلم منهم ، ومع ذلك
حصلت لي أكثر من حادثة بحول الله وقوته أنجو ، ثم بشجعاعة أمي أم أحمد _ عمتي _ والله أنها في أكثر من
موقف ضحت بنفسها وحياتها من أجلي ، ووالله أنها قد ألقت بجسدها أمام الموت فداءا لحمايتي _ حفظها الله من
كل مكروه _ ، ولولا خوفي من ملل القرراء لأوردت سيلا من تلك المواقف التي عن تحكي عن نفسها وتشهد
لها بذلك ، كان عقلاء القرية ورجالها أيام الحرب يهاتفونها ليستشيروها في بعض القضايا الحربية .
من المواقف التي حصلت ، أنها ذات يوم رأت من نافذة البيت سيارة بها أربعة أشخاص وشكت في أمرهم ،
ونزلت من البيت متوجهة اليهم ، ورأتهم فعلمت أنهم أبناء المقتول من القبيلة الأخرى ، وذلك حينما شبهت
أحدهم بأمه وعلمت أيضا كمينهم لي ، فسألتهم عن سبب انتظارهم في هذا المكان ، وبالطبع كذبوا عليها ولم
يكونوا يعرفون من هي ، فعادت إلى البيت وأخرجت الرشاش وقامت بإطلاق النار عليهم من نافذة المنزل ،
حتى هربوا كلا بذيله ولم يعودوا لتلك المنطقة البتة .
وأيضا حينما جاء أهلي من الدمام [أمي وأبي وأخوتي] كي يزورا اليمن بالأخص قريتنا ، بعد انقطاعهم عنها
15سنة ، كنا إذا خرجنا من منزلنا بالقرية ، لجولة سياحية واستطلاعية على حلالنا ومالنا حول القرية ،
كانت مثل الحارس الشخصي لهم خوفا من الثأر ، لدرجة أنها كانت تقول : يا أحمد خذ الرشاش الخفيف
وقف هناك وانتبه وراقب جيدا ، وأنا سأحمل الرشاش الآخر لأنه ثقيل عليك وسأقف بالقرب من السيارة
ولكن فتح عيونك _ سبحان الله _ كنت أتعجب ألهذه الدرجة تحمل فوق عاتقها حماية الجميع ؟! ، ولم يهدأ
لها بال حتى عاد الأهل إلى الدمام نهاية إجازة الصيف .
كانت من قوة شخصيتها وشدة هيبتها أمام الناس ، كل من يعرفها إذا ارتكب أبسط خطأ ، يسعى جاهدا لأن
لا يصل إليها الخبر ، كلهم يهابها حتى أبي .
فيالها من امرأة حقا تزن عشرين رجلا ...
[ يتبع ]