شامة نور اليقين
16-01-08, 01:42 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة جليلة
قال الله تعالى { و كذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين} الأنعامـ55
و قال تعالى { و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} نساء ـ115
و الله تعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصّلة و سبيل المجرمين مفّصلة و عاقبة هؤلاء مفصلة و عاقبة هؤلاء مفصلة، و أعمال هؤلاء و أولياء هؤلاء، و خذلانه هؤلاء و توفيق هؤلاء، و أسباب التي تخذل بها هؤلاء، و جلا سبحانه الأمرين في كتابه و كشفهما و أوضحهما و بينهما غاية البيان حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء و الظلام.
فالعاملون بالله و كتابه و دينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، و سبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده و الطريق المصل إلى الهلكة، فهؤلاء اعلم الخلق و انفعهم للناس و انصحهم لهم و هم الأدلاء الهداة، و بذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة فأنهم نشئوا في سبيل الضلال و الكفر و الشرك و السبل الموصلة إلى الهلاك و عرفوها مفصلة ، ثم جاءهم الرسول عليه الصلاة و السلام فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى و صراط المستقيم، فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام و من الشرك إلى التوحيد، و من الجهل إلى العلم، و من الغي إلى الرشاد و من الظلم إلى العدل و من الحيرة و العمى إلى الهدى و البصائر فعرفوا مقدار ما نالوه و ظفروا به ، و مقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنة الضد و إنما تتبين الأشياء بأضدادها فازدادوا رغبة و محبة فيما انتقلوا إليه، و نفرة و بغضا لما انتقلوا عنه و كانوا أحب الناس في التوحيد و الإيمان و الإسلام و ابغض الناس في ضده كالمني بالسبيل على التفصيل
و أما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشا في الإسلام غير عالم تفضيل ضده فالتبس عليه بعض تفضيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين، فان اللباس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو احدهما، كما قال عمر بن الخطاب : إنما تنقص عرى الإسلام عروة عروة إذ نشا في الإسلام من لم يعرف الجاهلية و هذا من كمال علم عمر رضي الله عنه ، فانه إذا لم يعرف الجاهلية و حكمها و هو كل ما خالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم فانه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل.
فمن لم يعرف سبيل المجرمين و لم تستبن له أوشك في بعض سبيلهم إنها سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد و العلم و العمل هي سبيل المجرمين و الكفار و أعداء الرسل ادخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين و دعا إليها و كفر من خالفها و استحال منه ما حرمه الله و رسوله كما وقع الأكثر أهل البدع من الجهمية و القدرية و الخوارج و الروافض و أشبههم ممن ابتدع بدعة و دعا إليها و كفر من خالفها
و الناس في هذا الموضع أربع فرق:
الفرقة الأولى : من استبان له سبيل المؤمنين و سبيل المجرمين على التفصيل علما و عملا، و هؤلاء اعلم الخلق
الفرقة الثانية : من عميت عنه السبيلان من أشباه الأنعام و هؤلاء بسبيل المجرمين احضر و لها اسلك
الفرقة الثالثة : من صوف كتابته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث الجملة و المخالفة و أن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل
و إن لم يتصوره على التفصيل بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف سمعه عنه و لم يشغل نفسه بفهمه و معرفة وجه بطلانه، و هو بمنزلة من سلمت نفسه بخلاف الفرقة الأولى فأنهم يعرفونها و تمثيل إليها نفوسهم و يجاهدونها على تركها لله
و قد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسالة أيهما أفضل : رجل لم تخطر له شهوات و لم تمر بباله ، أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله ؟ فكتب عمر : إن الذي تشتهي نفسه المعاصي و يتركها الله عز وجل { الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة و اجر عظيم } الحجرات ـ3
منقول من كتاب الفوائد
لشيخ ابن القيم الجوزية
قاعدة جليلة
قال الله تعالى { و كذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين} الأنعامـ55
و قال تعالى { و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} نساء ـ115
و الله تعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصّلة و سبيل المجرمين مفّصلة و عاقبة هؤلاء مفصلة و عاقبة هؤلاء مفصلة، و أعمال هؤلاء و أولياء هؤلاء، و خذلانه هؤلاء و توفيق هؤلاء، و أسباب التي تخذل بها هؤلاء، و جلا سبحانه الأمرين في كتابه و كشفهما و أوضحهما و بينهما غاية البيان حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء و الظلام.
فالعاملون بالله و كتابه و دينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، و سبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده و الطريق المصل إلى الهلكة، فهؤلاء اعلم الخلق و انفعهم للناس و انصحهم لهم و هم الأدلاء الهداة، و بذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة فأنهم نشئوا في سبيل الضلال و الكفر و الشرك و السبل الموصلة إلى الهلاك و عرفوها مفصلة ، ثم جاءهم الرسول عليه الصلاة و السلام فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى و صراط المستقيم، فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام و من الشرك إلى التوحيد، و من الجهل إلى العلم، و من الغي إلى الرشاد و من الظلم إلى العدل و من الحيرة و العمى إلى الهدى و البصائر فعرفوا مقدار ما نالوه و ظفروا به ، و مقدار ما كانوا فيه فان الضد يظهر حسنة الضد و إنما تتبين الأشياء بأضدادها فازدادوا رغبة و محبة فيما انتقلوا إليه، و نفرة و بغضا لما انتقلوا عنه و كانوا أحب الناس في التوحيد و الإيمان و الإسلام و ابغض الناس في ضده كالمني بالسبيل على التفصيل
و أما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشا في الإسلام غير عالم تفضيل ضده فالتبس عليه بعض تفضيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين، فان اللباس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو احدهما، كما قال عمر بن الخطاب : إنما تنقص عرى الإسلام عروة عروة إذ نشا في الإسلام من لم يعرف الجاهلية و هذا من كمال علم عمر رضي الله عنه ، فانه إذا لم يعرف الجاهلية و حكمها و هو كل ما خالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم فانه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل.
فمن لم يعرف سبيل المجرمين و لم تستبن له أوشك في بعض سبيلهم إنها سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد و العلم و العمل هي سبيل المجرمين و الكفار و أعداء الرسل ادخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين و دعا إليها و كفر من خالفها و استحال منه ما حرمه الله و رسوله كما وقع الأكثر أهل البدع من الجهمية و القدرية و الخوارج و الروافض و أشبههم ممن ابتدع بدعة و دعا إليها و كفر من خالفها
و الناس في هذا الموضع أربع فرق:
الفرقة الأولى : من استبان له سبيل المؤمنين و سبيل المجرمين على التفصيل علما و عملا، و هؤلاء اعلم الخلق
الفرقة الثانية : من عميت عنه السبيلان من أشباه الأنعام و هؤلاء بسبيل المجرمين احضر و لها اسلك
الفرقة الثالثة : من صوف كتابته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث الجملة و المخالفة و أن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل
و إن لم يتصوره على التفصيل بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف سمعه عنه و لم يشغل نفسه بفهمه و معرفة وجه بطلانه، و هو بمنزلة من سلمت نفسه بخلاف الفرقة الأولى فأنهم يعرفونها و تمثيل إليها نفوسهم و يجاهدونها على تركها لله
و قد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسالة أيهما أفضل : رجل لم تخطر له شهوات و لم تمر بباله ، أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله ؟ فكتب عمر : إن الذي تشتهي نفسه المعاصي و يتركها الله عز وجل { الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة و اجر عظيم } الحجرات ـ3
منقول من كتاب الفوائد
لشيخ ابن القيم الجوزية