القرار الإداري
25-11-07, 07:59 am
الدكتور خالد السلطان.. بنصف ساعة!
نجيب الزامل - 15/11/1428هـ
Najeeb@sahara.com
يخرج هذا المقال بطلب شخصي من البروفيسور أحمد حسن.
.. رسالة أترجمها من الإنجليزية:
" نجيب.. أخي:
لا أملك مفرداتٍ كافية كي أعبر بها عن انطباعاتي التي خرجت بها من لقاء الدكتور خالد السلطان (مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران)، وأخاف أن كلماتي لن تكون عادلة لتستوفيه ما يستحق. أعرف أن هذه رسالة شخصية لك، ولا رابط رسمياً بيني أو بين جامعتي التي أمثلها (جامعة نيومكسيكو في أمريكا)، وبين جامعة الملك فهد، ولا زيارتنا مقننة أو مرتبة، ولكنه شعور لن أتركه يتورم داخلي. فالدكتور خالد هو الشخص الأذكى والأكثر حرفية من كل الأكاديميين والمخططين التربويين الذين شاهدتُ وقابلت في كل العالم العربي. وأنا – شخصيا - لو كان بيدي، لائتمنته على صندوق بعدة بلايين الدولارات كي ينجز بها خطة التطوير العلمي في المملكة العربية السعودية. إن بلادكم لمحظوظة فعلا Blessed بأن يكون لديها مواطنٌ بهذا المستوى الرفيع. أشخاصٌ مثل الدكتور خالد مدتني بالأمل والثقة من جديد في مستقبل مشرق للعرب والمسلمين".
المخلص: أحمد حسن".
البروفيسور أحمد حسن، من علماء أمريكا البارزين من أصلٍ مصري، وهو رئيس الباحثين في معهد نيومكسيكو للتكنولوجيا، كما أنه بروفيسور في جامعة نيومكسيكو، والفضل في تعارفنا يعود لمقالات كتبتها عن المخترعين السعوديين فاتصل بي، ثم توطدت الصداقة، وتواضع البروفيسور رغم منزلته وشدة ارتباطاته أن يقوم بزيارةٍ شخصيةٍ لي في بلدي، وصادف أني كنت مدعوا ضمن زيارة لكـتاب جريدة "اليوم" أعدّها المهندس إبراهيم الخالدي مدير عام العلاقات والإعلام في الجامعة.. فأخذت البروفيسور أحمد معي وهناك التقينا الدكتور خالد، ودار حديثٌ لمدة نصف ساعة قبل أن نضطر الدكتور وأحمد وأنا للمغادرة. لذا كان لابد أن أسأل البروفيسور أحمد بعد أن كتب المذكرة:" نصف ساعة يا دكتور أحمد؟ وخرجت بكل هذا، وأنا أعرف الدكتور خالد من زمن؟!" ضحك ورمقني بعينيه اللتين تطلان بقوة من تحت جبهته العريضة، ولا أدري لماذا شبهته حينها بجوهريٍّ ينظر إلى زبون ساذج لا يفرق بين المعدن البخس والجوهر النفيس.
والبروفيسور أحمد من خبراء التقنية الذرية، وهو يأمل أن يضع خبرته من أجل وطنه العربي والإسلامي.. لم يقل لي، ولكني أظنه غمغم بصوت مسموع بأن جامعة الملك فهد هي المؤهلة لقيادة الوعي النووي في البلاد.. ولكن لهذا حديثٌ آخر!
والذي أبهج الدكتور وجعله يتغنى طيلة اليوم سعيدا، أنه رأى في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الهيكل المثالي، ويقول من لسانه: ثم قاموا - أي السلطات العليا - بأهم عمل على الإطلاق في عالم الأكاديمية العربية، ووضعوا على الهيكل الصحيح الرأسَ الصحيح، ويزيد موضحا ومؤكِّدا، أن الدكتور خالد السلطان نمط عالميٌ ممتاز بل متفوق، وأن أي جامعة كبرى ستكون سعيدة بأن يديرها الدكتور السلطان, وقال إن هذا الطراز الأكاديمي طراز مهم جدا لنمو الأمة، وتقديم جيل مهما قل أو صغر فإنه سيحدث النقلة الكبرى في التعليم العالي وفي مضامير الأمة المختلفة، ليس فقط لتفوقه الأكاديمي، فقد لاحظ البروفيسورُ أن الدكتور خالد السلطان يتمتع بكاريزما طبيعية، وهذه هبة من السماء، لا يتعلمها الناسُ أو يعلـِّموها، ثم يضحك بطريقته المصرية التي لم تخفها لكنته الأمريكية فيعقب مدلـِّلا:" ها، ها.. والدليل أنا!" ثم يتابع جادا: "فقد شدني الرجلُ من الوهلةِ الأولى"، وأضاف له صفة مهمة تختلط فيها المِنحُ الطبيعية مع التعليم والخبرة والدراية في النفس البشرية وهي عنصر القيادة، فقد لمس البروفيسور - والذي هو من عالم يعج بالقيادات العالمية الكبرى، بل هم من زملائه اليوميين - أن الدكتور خالد السلطان قائدٌ لديه القدرة أن يكوِّن زملاء وليس مرؤوسين. زملاءٌ يفعلون ما يريدون بكل طلاقتهم وحريتهم، ولكنهم محاصرون بسياج مفتوح لا يُرى، وهو المزاج القيادي العام، ورؤى وسياسة الدكتور السلطان الذين هم يسيرون عليها، وهي طريقٌ لا يجبرهم أن يسيروا عليه، بل أظن أن لهم حرية الإضافة والتعديل في الطريق وهم يسيرون.
وكنت أكرر على الدكتور أحمد، وأنا أعرف أن تكرار السؤال يجعلك تبدو كالأبله: "كل هذا في نصف ساعة يا دكتور أحمد؟"، فيقول: "بالضبط! نصف ساعة هي الوقت الذي كان متاحا للدكتور خالد كي يقول لنا كل شيء يريد أن يقوله أمام جمع من العقول الممتازة في الإعلام.. أو أن يتوه في التلعثم الخطابي فلا يقول شيئا لأن المدة مقتضبة، وهنا الفرق بين من عنده وضوح ساطع في الرؤية، ومن ليس عنده إلا أضابير متراكمة سيئة الترتيب في دماغه، فلا تظهر الفوضى في الدماغ إلا التعثر والتطويل والتمطيط بالكلمات التي تأكل الوقتَ ولا تقول شيئا.. وتجد في كل مكان من يخطب على الناس ساعات ولا يقول شيئا، ومن يكون لديه دقائق فيعرف تماما ماذا يقول، وكيف يقول، وماذا يقدم، وكيف يضع الفكرة في الرؤوس ثم يصمغها بصمغ منسق من المنطق لتثبيت الاقتناع.. وهذا ما فعله الدكتور خالد.. في نصف ساعة!
يقول البروفيسور أحمد: "إن الدكتور السلطان مؤهل ليقود الصناعة التعليمية في كل البلاد.." وهنا انتفضتُ على الدكتور، وكدتُ أُلقي غترتي عليه مترجيا: "أرجوك يا دكتور نريده في مكانه ولأطول مدةٍ ممكنة. نخاف إن صار ما قدَّرتَ له.. أن نفقده!".
نجيب الزامل - 15/11/1428هـ
Najeeb@sahara.com
يخرج هذا المقال بطلب شخصي من البروفيسور أحمد حسن.
.. رسالة أترجمها من الإنجليزية:
" نجيب.. أخي:
لا أملك مفرداتٍ كافية كي أعبر بها عن انطباعاتي التي خرجت بها من لقاء الدكتور خالد السلطان (مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران)، وأخاف أن كلماتي لن تكون عادلة لتستوفيه ما يستحق. أعرف أن هذه رسالة شخصية لك، ولا رابط رسمياً بيني أو بين جامعتي التي أمثلها (جامعة نيومكسيكو في أمريكا)، وبين جامعة الملك فهد، ولا زيارتنا مقننة أو مرتبة، ولكنه شعور لن أتركه يتورم داخلي. فالدكتور خالد هو الشخص الأذكى والأكثر حرفية من كل الأكاديميين والمخططين التربويين الذين شاهدتُ وقابلت في كل العالم العربي. وأنا – شخصيا - لو كان بيدي، لائتمنته على صندوق بعدة بلايين الدولارات كي ينجز بها خطة التطوير العلمي في المملكة العربية السعودية. إن بلادكم لمحظوظة فعلا Blessed بأن يكون لديها مواطنٌ بهذا المستوى الرفيع. أشخاصٌ مثل الدكتور خالد مدتني بالأمل والثقة من جديد في مستقبل مشرق للعرب والمسلمين".
المخلص: أحمد حسن".
البروفيسور أحمد حسن، من علماء أمريكا البارزين من أصلٍ مصري، وهو رئيس الباحثين في معهد نيومكسيكو للتكنولوجيا، كما أنه بروفيسور في جامعة نيومكسيكو، والفضل في تعارفنا يعود لمقالات كتبتها عن المخترعين السعوديين فاتصل بي، ثم توطدت الصداقة، وتواضع البروفيسور رغم منزلته وشدة ارتباطاته أن يقوم بزيارةٍ شخصيةٍ لي في بلدي، وصادف أني كنت مدعوا ضمن زيارة لكـتاب جريدة "اليوم" أعدّها المهندس إبراهيم الخالدي مدير عام العلاقات والإعلام في الجامعة.. فأخذت البروفيسور أحمد معي وهناك التقينا الدكتور خالد، ودار حديثٌ لمدة نصف ساعة قبل أن نضطر الدكتور وأحمد وأنا للمغادرة. لذا كان لابد أن أسأل البروفيسور أحمد بعد أن كتب المذكرة:" نصف ساعة يا دكتور أحمد؟ وخرجت بكل هذا، وأنا أعرف الدكتور خالد من زمن؟!" ضحك ورمقني بعينيه اللتين تطلان بقوة من تحت جبهته العريضة، ولا أدري لماذا شبهته حينها بجوهريٍّ ينظر إلى زبون ساذج لا يفرق بين المعدن البخس والجوهر النفيس.
والبروفيسور أحمد من خبراء التقنية الذرية، وهو يأمل أن يضع خبرته من أجل وطنه العربي والإسلامي.. لم يقل لي، ولكني أظنه غمغم بصوت مسموع بأن جامعة الملك فهد هي المؤهلة لقيادة الوعي النووي في البلاد.. ولكن لهذا حديثٌ آخر!
والذي أبهج الدكتور وجعله يتغنى طيلة اليوم سعيدا، أنه رأى في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الهيكل المثالي، ويقول من لسانه: ثم قاموا - أي السلطات العليا - بأهم عمل على الإطلاق في عالم الأكاديمية العربية، ووضعوا على الهيكل الصحيح الرأسَ الصحيح، ويزيد موضحا ومؤكِّدا، أن الدكتور خالد السلطان نمط عالميٌ ممتاز بل متفوق، وأن أي جامعة كبرى ستكون سعيدة بأن يديرها الدكتور السلطان, وقال إن هذا الطراز الأكاديمي طراز مهم جدا لنمو الأمة، وتقديم جيل مهما قل أو صغر فإنه سيحدث النقلة الكبرى في التعليم العالي وفي مضامير الأمة المختلفة، ليس فقط لتفوقه الأكاديمي، فقد لاحظ البروفيسورُ أن الدكتور خالد السلطان يتمتع بكاريزما طبيعية، وهذه هبة من السماء، لا يتعلمها الناسُ أو يعلـِّموها، ثم يضحك بطريقته المصرية التي لم تخفها لكنته الأمريكية فيعقب مدلـِّلا:" ها، ها.. والدليل أنا!" ثم يتابع جادا: "فقد شدني الرجلُ من الوهلةِ الأولى"، وأضاف له صفة مهمة تختلط فيها المِنحُ الطبيعية مع التعليم والخبرة والدراية في النفس البشرية وهي عنصر القيادة، فقد لمس البروفيسور - والذي هو من عالم يعج بالقيادات العالمية الكبرى، بل هم من زملائه اليوميين - أن الدكتور خالد السلطان قائدٌ لديه القدرة أن يكوِّن زملاء وليس مرؤوسين. زملاءٌ يفعلون ما يريدون بكل طلاقتهم وحريتهم، ولكنهم محاصرون بسياج مفتوح لا يُرى، وهو المزاج القيادي العام، ورؤى وسياسة الدكتور السلطان الذين هم يسيرون عليها، وهي طريقٌ لا يجبرهم أن يسيروا عليه، بل أظن أن لهم حرية الإضافة والتعديل في الطريق وهم يسيرون.
وكنت أكرر على الدكتور أحمد، وأنا أعرف أن تكرار السؤال يجعلك تبدو كالأبله: "كل هذا في نصف ساعة يا دكتور أحمد؟"، فيقول: "بالضبط! نصف ساعة هي الوقت الذي كان متاحا للدكتور خالد كي يقول لنا كل شيء يريد أن يقوله أمام جمع من العقول الممتازة في الإعلام.. أو أن يتوه في التلعثم الخطابي فلا يقول شيئا لأن المدة مقتضبة، وهنا الفرق بين من عنده وضوح ساطع في الرؤية، ومن ليس عنده إلا أضابير متراكمة سيئة الترتيب في دماغه، فلا تظهر الفوضى في الدماغ إلا التعثر والتطويل والتمطيط بالكلمات التي تأكل الوقتَ ولا تقول شيئا.. وتجد في كل مكان من يخطب على الناس ساعات ولا يقول شيئا، ومن يكون لديه دقائق فيعرف تماما ماذا يقول، وكيف يقول، وماذا يقدم، وكيف يضع الفكرة في الرؤوس ثم يصمغها بصمغ منسق من المنطق لتثبيت الاقتناع.. وهذا ما فعله الدكتور خالد.. في نصف ساعة!
يقول البروفيسور أحمد: "إن الدكتور السلطان مؤهل ليقود الصناعة التعليمية في كل البلاد.." وهنا انتفضتُ على الدكتور، وكدتُ أُلقي غترتي عليه مترجيا: "أرجوك يا دكتور نريده في مكانه ولأطول مدةٍ ممكنة. نخاف إن صار ما قدَّرتَ له.. أن نفقده!".