ابن أبيه
23-11-07, 07:00 pm
كتبت ما كتبت أدناه بكل سذاجة العالم .. فليس في النص مضامين رمزية .. ولا أشياء بين السطور .. فاقرأوه بحسن نية ..
صباح يوم صيفي قائض ... كل ما فيه معتاد لا يعد بالكثير من الاختلاف
كانت حارتي الصغيرة تلملم ذاتها لمواجهة يوم من العمل و ( البطالة ) والرتابة ، وتكرار حالة الملل المزمن ، والمشاوير التي لا معنى ، والأحاديث الملة ..
كل شيء هو نفسه ، لا يريد أن يتغير ؛ نفس الوجوه ، الجدران الطينية العتيقة، الغبار الذي يزكم الأنوف ، الشوارع الموحلة ، وأسراب النمل التي تحتل بعض الزوايا ، الحمام الذي يسكن حارتنا ، والغربان التي تقف بزهو كاذب على أطراف الحارة تراقب بكسل ، وقد تمتك الجرأة أحياناً فتقف على بعض الشرفات ..
روائح القهوة ( المهيلة ) تقتحم الأنوف بلا استئذان ..
أطللت برأسي من باب منزلنا المنخفض السقف ( حيث طلب مني أبي أن أنتظر بدوي سيمر عليه في البيت لتحميل خرايط تمر المكتومي الحويل التي باعها له أبي إلى الحول بثمن مضاعف )
جاء البدوي وأبناؤه الذين بدو للوهلة الأولى شديدي الحياء منا نحن أبناء المدينة ، وكنا في الوقت نفسه نحتقرهم بثيابهم الممزقة ، وأعينهم الواسعة الأحداق المندهشة من كل شيء .. لكن عيونهم كانت تحمل سخرية منا ( استطعت أن ألتقط بعض مفرداتها عندما تتوارى وجوههم خلف غمارة ( الددسن ) التي حملت معها بعض غبار الصحراء ..
في الجهة الأخرى من الشارع الخالي إلا من بعض السابلة ، و يماني يحمل ( المحفر والكريك ) ، الحوائط الدينية المنقوشة بمثلثات متكررة بشكل لا نهائي ، والشمس التي تطل بحياء على أعناق المنازل الطينية ...
ولد جيراننا الأكبر ( راشد ) يمر ممتطياً ( الدرّيفه ) بكل زهو ، لم يلتفت إلي ولم أثر انتباهه لأنه كان يراني طفلاً ساذجاً ( مع أني كنت أنظر إليه بذات النظرة رغم كل الضجيج الذي تحدثه دريفته ...) لكن لأنه لم يجد في الشارع سواي بادرني بالسؤال :
- شفت وش حطو بالعاير القبلي ؟؟
- لا وش حطو ؟ ( كنت أحاول استعارة بعض لغة الجذاعين لأبدو مقنعاً )
- تشششش ... ما شفت ركبو بعايرنا ( لمبة شارع ) ..
- صدق .... حاولت أن أبدي أكبر قدر من الدهشة
لكن للحق لم تكن لمبة الشارع حينها تعنيني في شيء ، كانت مجرد مضاف جديد إلى الشارع ( مثل عمود الكهرب ) و ( حصاة العاير ) وكنت أفكر في الفرق الذي يمكن أن تحدثه هذه اللمبة و الذي يجعل ( راشد ) متحمساً لها إلى هذه الدرجة ..
مضى اليوم عادياً ..
وحين كان أبي يتوضأ لصلاة المغرب ، وقفت إلى جانبه ، وأبديت له رغبتي في مرافقته إلى المسجد ..
لم تكن الصلاة في المسجد هي دافعي الحقيقي ، لكنها كانت الرغبة الملحة في رؤية هذه اللمبة الجديدة التي كانت ستضيء شارعنا المظلم ، والتي كانت تختلف عن كل اللمبات التي يعلقها الجيران أما أبوابهم ..
لقد كانت هذه اللمبة تضيء بأمرها هي
( فلم تكن تخضع لمزاج أبو الجيران البخيل ، ولم تكن تطفأ بعد صلاة العشاء مباشرة )
نعم ، لم يكن أحد قادراً على التحكم فيها أو توجيه إضاءتها أو احتكار نورها ، كانت شكلاً من أشكال شيوعية الضوء وحتميته لم نعرفها في ليل مدينتنا المعتم الذي كانت تسيطر عليه رأسمالية النور بشكل مطلق ..
لقد كنت ( منذ اللحظة التي حدثني فيها راشد عن هذه اللمبة ) مسكوناً بهاجس مشاهدتها عندما تكون مضيئة ، لم أنتظر ، فقد رسمت في مخيلتي صورة لوهجها وقوة أضاءتها ، والأثر الذي ستتركه على كل الحارة ..
كنت متأكداً من أنها ستكون سامقة الطول ، رائعة المظهر ، وأنها ستكشف كل ما كانت تستره عتمة الليل في حارتي ..
خرجت من الباب ، وشددت قبضتي على طرف ثوب والدي ( البفتة ) وكنت أتلهف لبلوغ رأس العاير حيث كنت أعلم أنه قد تم وضع اللمبة فوق منزل ( الثليثان ) العائلة الطيبة التي كانت عروقها ضاربة في عمق تاريخ الحارة ....
>>>>>>>>>>>>>> .....يتبع في الجزء الثاني ....>>>>>>>>>>>
صباح يوم صيفي قائض ... كل ما فيه معتاد لا يعد بالكثير من الاختلاف
كانت حارتي الصغيرة تلملم ذاتها لمواجهة يوم من العمل و ( البطالة ) والرتابة ، وتكرار حالة الملل المزمن ، والمشاوير التي لا معنى ، والأحاديث الملة ..
كل شيء هو نفسه ، لا يريد أن يتغير ؛ نفس الوجوه ، الجدران الطينية العتيقة، الغبار الذي يزكم الأنوف ، الشوارع الموحلة ، وأسراب النمل التي تحتل بعض الزوايا ، الحمام الذي يسكن حارتنا ، والغربان التي تقف بزهو كاذب على أطراف الحارة تراقب بكسل ، وقد تمتك الجرأة أحياناً فتقف على بعض الشرفات ..
روائح القهوة ( المهيلة ) تقتحم الأنوف بلا استئذان ..
أطللت برأسي من باب منزلنا المنخفض السقف ( حيث طلب مني أبي أن أنتظر بدوي سيمر عليه في البيت لتحميل خرايط تمر المكتومي الحويل التي باعها له أبي إلى الحول بثمن مضاعف )
جاء البدوي وأبناؤه الذين بدو للوهلة الأولى شديدي الحياء منا نحن أبناء المدينة ، وكنا في الوقت نفسه نحتقرهم بثيابهم الممزقة ، وأعينهم الواسعة الأحداق المندهشة من كل شيء .. لكن عيونهم كانت تحمل سخرية منا ( استطعت أن ألتقط بعض مفرداتها عندما تتوارى وجوههم خلف غمارة ( الددسن ) التي حملت معها بعض غبار الصحراء ..
في الجهة الأخرى من الشارع الخالي إلا من بعض السابلة ، و يماني يحمل ( المحفر والكريك ) ، الحوائط الدينية المنقوشة بمثلثات متكررة بشكل لا نهائي ، والشمس التي تطل بحياء على أعناق المنازل الطينية ...
ولد جيراننا الأكبر ( راشد ) يمر ممتطياً ( الدرّيفه ) بكل زهو ، لم يلتفت إلي ولم أثر انتباهه لأنه كان يراني طفلاً ساذجاً ( مع أني كنت أنظر إليه بذات النظرة رغم كل الضجيج الذي تحدثه دريفته ...) لكن لأنه لم يجد في الشارع سواي بادرني بالسؤال :
- شفت وش حطو بالعاير القبلي ؟؟
- لا وش حطو ؟ ( كنت أحاول استعارة بعض لغة الجذاعين لأبدو مقنعاً )
- تشششش ... ما شفت ركبو بعايرنا ( لمبة شارع ) ..
- صدق .... حاولت أن أبدي أكبر قدر من الدهشة
لكن للحق لم تكن لمبة الشارع حينها تعنيني في شيء ، كانت مجرد مضاف جديد إلى الشارع ( مثل عمود الكهرب ) و ( حصاة العاير ) وكنت أفكر في الفرق الذي يمكن أن تحدثه هذه اللمبة و الذي يجعل ( راشد ) متحمساً لها إلى هذه الدرجة ..
مضى اليوم عادياً ..
وحين كان أبي يتوضأ لصلاة المغرب ، وقفت إلى جانبه ، وأبديت له رغبتي في مرافقته إلى المسجد ..
لم تكن الصلاة في المسجد هي دافعي الحقيقي ، لكنها كانت الرغبة الملحة في رؤية هذه اللمبة الجديدة التي كانت ستضيء شارعنا المظلم ، والتي كانت تختلف عن كل اللمبات التي يعلقها الجيران أما أبوابهم ..
لقد كانت هذه اللمبة تضيء بأمرها هي
( فلم تكن تخضع لمزاج أبو الجيران البخيل ، ولم تكن تطفأ بعد صلاة العشاء مباشرة )
نعم ، لم يكن أحد قادراً على التحكم فيها أو توجيه إضاءتها أو احتكار نورها ، كانت شكلاً من أشكال شيوعية الضوء وحتميته لم نعرفها في ليل مدينتنا المعتم الذي كانت تسيطر عليه رأسمالية النور بشكل مطلق ..
لقد كنت ( منذ اللحظة التي حدثني فيها راشد عن هذه اللمبة ) مسكوناً بهاجس مشاهدتها عندما تكون مضيئة ، لم أنتظر ، فقد رسمت في مخيلتي صورة لوهجها وقوة أضاءتها ، والأثر الذي ستتركه على كل الحارة ..
كنت متأكداً من أنها ستكون سامقة الطول ، رائعة المظهر ، وأنها ستكشف كل ما كانت تستره عتمة الليل في حارتي ..
خرجت من الباب ، وشددت قبضتي على طرف ثوب والدي ( البفتة ) وكنت أتلهف لبلوغ رأس العاير حيث كنت أعلم أنه قد تم وضع اللمبة فوق منزل ( الثليثان ) العائلة الطيبة التي كانت عروقها ضاربة في عمق تاريخ الحارة ....
>>>>>>>>>>>>>> .....يتبع في الجزء الثاني ....>>>>>>>>>>>