المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحزان المثقف في العالم المتخلف


الناقد1
15-11-07, 03:21 pm
أحزان المثقف في العالم المتخلف (1)

وإذا كان الهروب لكتب السلف لا ينجي، فهل أصبح الهرب للثقافة الغربية ملجأ آمنا من الكذب العربي؟! لا ليس كذلك؛ لأنك عندما تقرأ لمن تتوقعهم صادقين من الغربيين، فإننا نقرف من تلك الحقائق ومن تلك الثقافة التي يتحدثون عنها؛ ولأنهم يتحدثون بمرارة بالغة عن شعوبهم، وكيف أغرقها المبتزون باسم الدين وباسم الحرب وباسم الاقتصاد والشركات الخاصة وباسم المصالح الوطنية، حتى أصبحت الحقيقة وهما، وأصبحت الأوهام أقرب للحقيقة

بقلم د. محمد الأحمري

http://www.u11p.com/ar/upfiles/o5x22940.jpg (http://www.u11p.com/ar/)

أحرف الجر والكلام العجين
من بروق الشاعر الشجاع ـ أحيانا ـ نزار قباني، نقرأ هذا النص:
علمينا الأفعالَ قد ذبحتنا
أحرفُ الجر و الكلامُ العجين
علمينا قراءة البرق و الرعد
فنصف اللغات وحل و طين
علمينا التفكير ...لا نصر يرجى
حينما الشعب كله سردين
إن أقصى ما يغضب الله ..فكر
دجّنوه...وكاتب عنين.

أما الشاعر الأشجع ـ غالباً ـ أحمد مطر، فقد قال كثيراً جداً، قال الكلام الذي يجعل أصابع الكاتب ترتعد على "لوحة الحروف"، هل ينقل له أم لا، وخير لنا وله أن نجعل القراء يذهبون له ولدواوينه وقصائده حيث هي، فهو شاعر هرب ليعيش خارج السيطرة على لسانه وعقله وكتابته وضميره، إلا أمرا كبيرا واحدا، وهو عيشه بين ظهراني مغتالي أهله وبلاده،
وأَكبر بهذا من غم ومعاناة، فهل عليه أن يعود ليموت في بلاده، أم ليشارك في تدميرها ؟ بل عذره أقوم قيلا، ولدى كل قارئ جواب يقنعه. وقد سمعت أو قرأت للشيخ علي الطنطاوي أنه قال: "أشعر شعراء العرب الأحامدة الثلاثة" أحمد بن الحسين المتنبي، والمعري وأحمد شوقي، ويبدو أنه لو أصغى لأحمد مطر لقال: "الأحامدة الأربعة". وهو في الشعر السياسي يغطي على السابقين ولا نقول على اللاحقين، لأننا لا ندري هل سنمر الأمة بأزمة كهذه مستقبلا تصنع أشعر منه.

ولكن ماذا أيضا عن نزار؟! لقد كانت نهايته في لندن المكان نفسه الذي فيه يكتب مطر؛ غير أن علاقات نزار ونسائياته شفعت له ليسكن في وسط لندن، أما أحمد مطر فهرب إلى ضاحية ويمبلي، فقد كان شجاعا إلى درجة قللت من الجريئين والمتطفلين والمؤيدين فضلا عن منفقين عليه.

حين تختفي الحرية ـ حرية الكتابة والحديث ـ تهترئ الأفكار، ويسود الأقزام، والجبناء والمردّدون والمتملّقون، وتصبح الثقافة عفنة مريضة، تهرب منها، وتتمنى أنك ما عشت زمن هوان العقل وتردي الكرامة؛ ولهذا يأبى كثير من المثقفين العرب المعاصرين معايشة مثقفي زمانهم، ويصدون عن القراءة لهم، لأنهم يعلمون أنهم يسيرون ـ إلا نادرا ـ ضد الحقيقة وبجانب الحق، ويترنح الأفاضل منهم على هوامش الصواب ولا يقارفونه، ويتمنون الفضيلة، ولا يستطيعون طرق بابها.

ولهذا يمتهنون الهوان ودنايا الثقافة والفكر وحشد أكبر، يصبح النفاق لهم ديدنا لا يملونه، وسنة يمارسونها بكراهية ومرارة في أول الأمر ثم تصبح سلوكا عاديا، وكلما مرن الكاتب على المنافقة وقلة الحياء، واستشرى قلمه، وكرر نفسه غارقا في بحر النفاق القذر، سيأتي يوما وهو لا يعرف أنه أصبح مجرما محترفا، بل وأبشع من مجرد خائن منافق؛ لأن النفاق هو الأصل.

ولهذا فلما نجد عددا من الحاقدين المأجورين والمأفونين يكرهون الأمة التي ولدوا فيها، والدين الذي نشأ عليه أجدادهم وآباؤهم، ونراهم يغدرون بقومهم وأرضهم وقيمهم ثم يلجّون في الخصومة لكل حق، فلأنهم فعلا أصبحوا في درجة من النفاق لا تقبل الرجعة من قريب، وكلما أغربوا، ظهرت لمن يراهم حالتهم المرضية، وانحطاطهم الخلقي وغربتهم النفسية، وابتعدوا جدا حتى يرون حقد الحاقدين على أمتهم حقا مبررا، ويرون حسنات الأمة المسلمة عيوبا، ويجردونها من كل فضيلة، ويصمونها بكل دنية.

إنهم حالة مرضية شديدة القسوة، وغربة مغرقة لا تقبل القرب ولا العودة. وإليك هذا النص العجيب عن تحول الفتنة إلى ثقافة وقناعة وسلوك، ونشأة حواجز دون الحق لا يسهل اختراقها:

"تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأيما قلب قبلها نكتت فيه نكتة سوداء، حتى تكون القلوب على قلبين: قلب أبيض كالصفا لا تضره فتنة أبدا، وقلب أسود مربادّ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه."

يهرب المثقف العربي المعاصر إلى ثقافتين بعيدتين زمنا وموضوعا؛ الزمن الأول زمن السلف، فيتعلق بكتبهم وتراثهم، ويبالغ في البحث عما عندهم ـ وليس كل بحثه بسبب البحث عن الدين أو التاريخ أو اللغة ـ وتلك الكتب لا تعالج ما هو فيه ولا علاقة لتلك الثقافة بزمنه، فهي كتب فيها غرابة في اللفظ والأسلوب، وأحيانا في الموضوعات نفسها، وتعاني من مشكلات قرون نائية، وقضايا مجتمع سحيق البعد عنا.

ولكنها مخرج، ومأوى للغريب الذي يأبى ثقافة الكذب والتزوير، بل ربما قبل كذب زمان غير زمانه؛ لأنه بعيد ويصعب التحقق منه، ويجد سلامة القلب والروح في قبوله.

أو الهروب للثقافة الغربية، ترجمة، أو أخبارا، أو أفلاما، وهي غريبة وفيها كذب أيضا كأي ثقافة، ولكن كذب البعداء لا يحس أنه يمسه مباشرة، فليكن كذبا، وليكن تزويرا، وليكن ما شاء له كتّابه ومنتجوه أن يكون، ولكننا نجد فيه أحيانا روحا من صدق ولو في جانب واحد، ولو عندما يتحدثون عنا فقط.

ولكن للأسف حتى ذاك قد كان، ثم غاب، فاليوم دوامة الكذب تبتلع العالم، بسبب غزو الغرب لنا، أو بسبب غزونا للغرب، سيان؛ فالكذب ضروري للحروب، كما هي طبيعة الحروب، ولكنه في هذا الزمن أكبر، وآلة الكذب تطورت أكثر من بقية الآلات التي عرفها الناس، وزادت والمبالغة والهيلمة والصورة والتقنية من رواج الكذب والضجة المفتعلة.

ولا تلوموني فإني مدمن مثلكم للهروب، وقد نظرت لطاولتي عند كتابة هذا الكلام فإذا عليها: "البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب عن الإعلام لتشومسكي، وتحقيق جديد لموافقات الشاطبي ومقال ـ بل كتاب ـ للسكران" يتيم بين متباعدين.

وإذا كان الهروب لكتب السلف لا ينجي، فهل أصبح الهرب للثقافة الغربية ملجأ آمنا من الكذب العربي؟! لا ليس كذلك؛ لأنك عندما تقرأ لمن تتوقعهم صادقين من الغربيين، فإننا نقرف من تلك الحقائق ومن تلك الثقافة التي يتحدثون عنها؛ ولأنهم يتحدثون بمرارة بالغة عن شعوبهم، وكيف أغرقها المبتزون باسم الدين وباسم الحرب وباسم الاقتصاد والشركات الخاصة وباسم المصالح الوطنية، حتى أصبحت الحقيقة وهما، وأصبحت الأوهام أقرب للحقيقة، ويتكلمون كثيرا عن كيفية اختطاف هؤلاء للكارثة والكوارث، وكيف زيفوا المشاهد العيانية، وكيف زيفوا المسيحية، وكيف يجهدون في تزييف الإسلام.

عندما يبيع الخونة بلادهم وثقافتهم، تصبح المروءة شبهة، ويصبح الخائن معصوما، والبريء الصادق يرى الجنون الذي لا يحتمل، والكذب الذي يفوق استعداده العقلي والمعرفي والواقعي فيرد على الخيانة بجنون، وبعنف، غير متدبر، ولا مستوعب، خذ مثلا ما يحدث في باكستان، وفي المسجد الأحمر، شباب من البنين والبنات، في مرحلة الدراسة الوسطى، يطلبون بما لا نعلم حقيقته، وتحمّلهم الحكومة ما لا نعلم صوابه، فقد يكونوا هم العلة وهم الخاطئون، وقد تكون الحكومة هي السبب؛ فما يرونه مما يعدونه خيانة حاكمهم لبلاده ولدينه، أو ما يرونه خيانة لأفغانستان، وتوجهه المؤيد من الأعداء لأن يكون ديكتاتورا مستبدا غائلا للأمة وللشريعة، فاهتدوا لغير هداية، وفعلوا ما رأيتموه، وذبح منهم المئات. وهكذا يصاب الصادق البريء بالجنون فيرد على الخيانة بالجنون ويفعل ما لا يعقل، وتخسر الضحية مرتين.

فكم نرى من عجب، وهل الرد على الخيانة بالخبل صواب ؟

بيئتنا وما حولنا تنادينا بنداء واحد، يكرره زمن البؤس دائما يقول: " خل جنبيك لرامي... وامض عنه بسلام... مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام..

ذاك خيرٌ مخرجا من أحرف الجر والكلام العجين.

ثم يقع الحافر على الحافر، ويقول لنا أحمد مطر الكلام نفسه الذي قاله نزار، ويؤكد على أهمية الحيلة والحمحمة والبعد عن الحقيقة لتكون كاتبا محترما في العالم المغلوب على أمره:

هل إذا بئس كما
قد عسى لا إنما
من إلى في ربما
هكذا سلمك الله قل الشعر لتبقى سالما
هكذا لن تشهق الأرض
ولن تهوي السما
هكذا لن تصبح الأوراق أكفانا
ولا الحبر دما
هكذا وضح معانيك
دواليك دواليك
لكي يعطيك واليك فما
وطني يا أيها الأرمد
ترعاك السما
أصبح الوالي هو الكحال
فابشر بالعمى.

ذلك أن المستعمرين يرعبهم الصمت، كما يرعبهم النطق بالحقيقة، فلا يسمحون بالصمت، ويفتحون مجلات وجرائد وتلفزيونات ليمارس المغلوبون حرية "البربرة" ـ أي الكلام بلا معنى ـ، فكشف المستور خير ضمان للمستبد.

بل قد يلزمونهم بممارسة حرية العبيد، وينفق المستعمرون والسادة دائما على مرح الطبقة الدنيا التابعة وتسليتها كثيرا، فليرقصوا وليسكروا وليحتفلوا ثم ليرجعوا إلى الحظيرة. وتجد قصة حرص السادة على أن يمرح العبيد ويسكروا في كتاب: "قصة عبد أمريكي"، لعبد حرر نفسه اسمه: "دوجلاس".

======================
الــمــصــدر (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&*******ID=9143)
======================
أحزان مثقف: نعوم تشومسكي وسامي الحصين (2) (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&*******ID=9437)
======================

نعم أيها الدكتور ، كتب عليك أن تعيش حزينا هكذا ، مذ جاء معالي الوزير زائرا لكم في أمريكا ، ووقفت أمامه متحدثا بطريقة تخالف النمط التخلّفي المعتاد ، حين وقفت وقفة ناصح يرفض أن يقف في طابور المطبلين فتكرّم معاليه بقطع نفقة الابتعاث عنك ! ، واليوم يمتد حزنك إلى سراديب هذه الشبكة التي عكست شيئا من حقيقة واقعنا
شكراً لك ايها الدكتور المشرئب وقوفاً ، ينظر حزَناً إلى الراكعين في نعيم الجنة !


دمتم بخير

فور يو
15-11-07, 06:05 pm
البعض للأسف الشديد الكتابه بالنسبه لهم سلعه , نفاق وتطبيل وبيع ضمير ...!


اعذب تحيه للكل .

قرناس
16-11-07, 10:21 am
هذا حال المثقف



فيلم واقعي




قرّر كاتب السيناريو أن يصنع فيلماً واقعياً حقاً . وقرر الناقد السينمائي أن ينقد السيناريو نقداً واقعياً حقاً .
جلس الكاتب، وجلس الناقد .
الكاتب: (منظر خارجي - نهار: الموظف يحمل أكياس فاكهة، واقف يقرع باب بيته)
الناقد: بداية سيئة. في الواقع، ليس هناك موظف يعود إلى بيته نهاراً. لا بد له أن يدوخ الدوخات السبع بين طوابير الجمعيات ومواقف الباصات، فإذا هبط المساء وعاد إلى بيته - إذا عاد في هذا الزمن المكتظ بالمؤامرات والخونة - فليس إلاّ مجنوناً ذلك الذي يصدّق أنه يحمل أكياس فاكهة !
الواقع انّه مفلس على الدوام. وإذا تصادف انه أخذ رشوة في ذلك اليوم، فالواقع أن الفاكهة غير موجودة في السوق .
الكاتب: (منظر خارجي - ليل: الموظف يقف ليقرع باب بيته) .
الناقد: هذا أحسن..وإذا أردت رأيي فالأفضل أن تُزوّدهُ بمفتاح. لا داعي لقرع الباب في هذا الوقت . انت تعرف أن قرع الباب - في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والخونة - يرعب أهل الدار ويجعل قلوبهم في بلاعيمهم. الموظف نفسه لن يكون واقعياً إذا فعل ذلك بأهله كلّ يوم. نعم..يمكنك التمسّك بمسألة قرع الباب، على شرط أن تبدل الموظف بشرطي أو مخبر .
الكاتب: (منظر خارجي - ليل:الموظف يضع المفتاح في قفل باب بيته ويدخل ..) لكن يا صديقي الناقد، ما ضرورة هذا المنظر؟ إنه يستهلك ثلاثين متراً من الفيلم الخام بلا فائدة. لماذا لا أضع الموظف في البيت منذ البداية ؟
الناقد: هذا ممكن، لكن الأفضل أن تُبقي على هذا المنظر. فالواقع ان جاره يراقب أوقات خروجه وعودته، وإذا لم يظهر عائداً، وفي نفس موعد عودته كل يوم، فإنك تفترض أن تقرير الجار سيكون ناقصاً. وهذا في الواقع أمر غير واقعي، بل ربما سيدعو الجار إلى اختلاق معلومات لا أصل لها .
الكاتب: (منظر داخلي - متوسط: الموظف يخطو داخل الممر...)
الناقد: خطأ، خطأ .. ينبغي أن يدخل مباشرة إلى غرفة النوم .
الكاتب: لكنَّ هذا غير واقعي على الإطلاق !
الناقد: بل واقعي على الإطلاق. أنت غير الواقعي. إنك تفترض دخول الموظف إلى بيت، وهنا وجه الخطأ. الموظف عادةً يدخل إلى وجر كلاب. نعم. هذا هو الواقع. البيت غرفة واحدة تبدأ من الشارع..دعك من أدونيس، البيت ثابت لكنّه متحوّل. فهو غرفة النوم وهو المطبخ وهو حجرة الجلوس وهو الحوش .
الكاتب: (منظر داخلي - قريب: الموظف يخطو على أجساد أولاده النائمين - تنتقل الكاميرا إلى وجه الزوجة وهي تبدو واقفة وسط البيت "كلوزآب" تبدو الزوجة مبتسمة، وعلى وجهها امارات الطيبة...
الزوجة: أهلاً.. أهلاً.. مساء الورد)
الناقد: إقطع.. بدأت بداية حسنة لكنك طيَّنتها. في الواقع ليس هناك زوجات طيبات، والزوجات أصلاً لا يبتسمن، خاصّة زوجات الموظفين..ثم ماهذا الحوار الذي مثل قلّته؟ مَن هذه التي تقول لزوجها أهلاً ثم تكرر الأهلاً ثم تشفع كل هذا بمساء الورد ؟!
أيّة واقعيّة في هذا ؟ دعها تنهض من بين أولادها نصف مغمضة، مشعثة الشعر، بالعة نصف كلامها ضمن وجبة كاملة من التثاؤب.. ثم اتركها تولول كالمعتاد..
(الزوجة: هذا أنت؟ إييه ماذا عليك؟ الأولاد ناموا بلا عشاء، وأنت آتٍ في هذه الساعة ويداك فارغتان . مصيبتك بألف ياسنيّة..)
الكاتب: انظر ماذا فعلت..لو تركتني أزوّده بكيس واحد من الفاكهة على الأقل، لما اضطرَّ إلى مواجهة أناشيد سنيّة .
الناقد: زوّده يا أخي. لكنك لن تكون واقعياً. ثم أن أناشيد سنيّة لن تنقص حرفاً واحداً..بل ستزيد. إن كيس الفاكهة ليس حذاءً جديداً لابنته التي تهرّأ حذاؤها، ولا هو مصروفات الجامعة لابنه الأكبر، ولا أجرة الرحلة المدرسية التي عجز ابنه الأوسط عن دفعها حتى الآن .
الكاتب: يصعب بناء الحبكة المشوّقة بوجود مثل هذه المشاكل التي لا حلَّ لها في الواقع .
الناقد: اجتهدْ..حاول أن تتخلّص من أولاده قبل مجيئه .
الكاتب: إنهم نائمون أصلاً. ماذا أفعل بهم أكثر من ذلك ؟
الناقد: دعهم نائمين..ولكن في مكان آخر. في السجن مثلاً. هذا منتهى الواقعيّة. لا يمكن أن يكونوا في هذا العمر ولم ينطقوا حتى الآن بكلمة معكّرة لأمن الدولة !
الكاتب: وماذا أفعل بسنيّة؟ إنَّ اناشيدها ستكون أشدَّ حماسةً في هذه الحالة .
الناقد: اقتلْها بالسكتة القلبية..من الواقعي أن تموت الأم الرؤوم مصدومةً باعتقال جميع أبنائها دفعةً واحدة .
الكاتب: ماذا يبقى من الفيلم إذن ؟!
الناقد: عندك الموظف .
الكاتب: ماذا أفعل بالموظف ؟
الناقد: لا تفعلْ أنت..دَعْ جاره يفعل . تخلّصْ من الجميع بضربة واحدة. الزوجة في ذمّة الله، والموظف وأولاده في ذمّة الدولة. ونصيحتي أن تقف عند هذا الحد. فإذا فكّرتَ أن تذهب أبعد من هذا فستلحق بهم .
الكاتب: كأنّك تقول لي ضع كلمة (النهاية) في بداية الفيلم . أيُّ فيلم هذا؟ لا يا أخي، دعنا نواصل حبكتنا كما كنا، وبعيداً عن السياسة .
الناقد: كما تشاء . واصل .
الكاتب: (كلوز - وجه الزوجة وهي غاضبة)
(الزوجة: هذا أنت؟ إييه ماذا عليك؟ الأولاد ناموا جائعين، وأنت آتٍ كالبغل في مثل هذه الساعة ويداك فارغتان كقلب أمِّ موسى. مصيبتك سوداء يا سنيّة)
(قطع - الكاميرا على وجه الزوج - يبدو هادئاً)
( الموظف: ماذا أفعل يا عزيزتي؟ هذا قدرنا. الصبر طيّب. نامي يا عزيزتي. الصباح رباح)
الناقد: هراء..هذا ليس موظفاً. هذا نبي ! بشرفك هل بإمكانك أن تتحلّى بمثل هذه الرقّة حين تختتم يومك الشاق بوجه سنيّة؟ إنقل الكاميرا إلى وجه الموظف . كلوز رجاءً ، حتى أريك كيف تكون الواقعيّة...
(الموظف حانقاً يكاد وجهه يتفجّر بالدّم: عُدنا يا سنيّة يا بنت ال..؟ أكلّ ليلة تفتحين لي باب جهنم؟ ألا يكفيني يوم كامل من العذاب؟ تعبت يا بنت السعالي. تعبت. إذهبي إلى الجحيم(يصفعها)إذهبي.. أنتِ طالق طالق طالق. طالق بالألف. طالق بالمليون ..هه)
(الزوجة تتسع عيناها كمصائب الوطن العربي، أو كذمّة الحكومات. وتصرخ: وآآآآي.. وآآآآي)
(الكاميرا تنتقل إلى الأولاد. يستيقظون مذعورين على صوت امهم الحنون. يصرخ الأولاد. يزداد صراخ الموظف. قرع على الباب ولغط وراءه. تنتقل الكاميرا إلى الباب لكنها لا تلحق، الباب ينهدم تحت ضغط الجيران، وتمتلئ الغرفة بهم، ويتعلّق بعضهم بالمروحة لضيق المكان. ضجة الجيران تعلو.أحد الجيران - ولعلّه الذي يكتب التقارير - يحاول تهدئة الموقف)
(الجار: ماذا حصل؟ ماذا حصل يا أخي؟ ماذا حصل يا أختي ؟
الموظف: لعنة الله عليها .
الجار: تعوّذ من الشيطان..ماالحكاية ؟‍‍‍
الزوجة: هووووء . طلَّقَني..بعد كلِّ المرّ الذي تحمّلته منه، طلّقني .
الجار: لا. انت عاقل يا أخي. ليس الطلاق أمراً بسيطاً .
الموظف: أبسط من مقابلتها كلّ يوم. لعنة الله عليها .
الزوجة: إسألوه يا ناس..ماذا فعلتُ له؟‍
الموظف: انقبري .
الجار: لكل مشكلة حل يا جماعة .
الموظف: لا حل .
الزوجة: يا ناس. يابني آدم. هل هي جريمة أن اقول له لا تشتم الرئيس ؟‍!
(الجار فاغر الفم والعينين..يحدّق في وجه الموظف..إظلام)
الكاتب: وبعد ؟!
الناقد: ليست هناك مشكلة.. بعد إعدام الزوج، سيمكن الزوجة أن تعمل خادمةً لتعيل أولادها قبل إلقاء القبض عليهم في المستقبل . تصرَّفْ يا أخي. دع أحداً من الأولاد يترك الدراسة ليعمل سمكريّاً. أدخله في النقابة وعلّمه كتابة التقارير. أو دعه يواصل دراسته، لكن اجعل اخته تنخرط في الإتّحاد النسائي. بحبحها يا أخي. كل هذه الأمور واقعية .
الكاتب: واقعية تُوقع المصائب على رأسي.. أيّة رقابة ستجيز هذا السيناريو ؟!
الناقد: إذا أردت الواقع..أعترف لك بأنَّ الرقابة لن توافق .
الكاتب: ما العمل إذن ؟
الناقد: الواقعيّة المأمونة هي ألاّ يعود الموظف، ولا توجد سنيّة وأولادها، ولا يوجد البيت .
الكاتب: هذا أفضل .
يرفع الكاتب يده عن الدفتر..ويرفع الناقد لسانه عن النقد .
***
في اليوم التالي.. يرفع الكاتب رجليه على الفلقة، ويرفع الناقد رجليه على المروحة .
في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والخونة.. كلُّ شيء مُراقَب !

أحمد مطـر

الناقد1
19-11-07, 01:52 pm
أخي فور يو
للأسف في هذا العصر قلـّما تجد قلماً حياديا نزيها

أخي قرناس
مطر الحرية هذا هو القائل :

يا قدس معذرة ومثلي ليس يعتذر
مالي يد في ما جرى فالأمر ما أمروا
وأنا ضعيف ليس لي أثر
عار علي السمع والبصر
وأنا بسيف الحرف أنتحر
وأنا اللهيب وقادتي المطر
فمتى سأستعر؟
لو أن أرباب الحمى حجر
لحملت فأسا فوقها القدر
هوجاء لا تبقي ولا تذر
لكنما أصنامنا بشر
الغدر منهم خائف حذر
والمكر يشكو الضعف إن مكروا
فالحرب أغنية يجن بلحنها الوتر
والسلم مختصر
ساق على ساق، وأقداح يعرش فوقها الخدر
وموائد من حولها بقر
ويكون مؤتمر
هزي إليك بجذع مؤتمر يساقط حولك الهذر
عاش اللهيب ويسقط المطر !

دمتم بخير

سارة عبدالعزيز
19-11-07, 11:40 pm
على الأرصفة,,,,
ينتشرون باعة الفكر والأقلام المستأجرة !!!

شجــ ون
12-06-08, 12:32 pm
شكرا لموضوعك لي عودة لقرائته

@ الجفولة @
12-06-08, 03:59 pm
الناقد 1

ظننت أنك عدت غمرتني الفرحة ولكن ما قرأته كان من ماضيك المجيد