الناقد1
15-11-07, 02:26 pm
مذكرات رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق: تفجير الخبر وحقيقة نشأة حزب الله السعودي وتورط إيران
11-11-2007
تأليف: لويس فريه / رئيس مكتب ال إف بي آي السابق،
http://www.u11p.com/ar/upfiles/umd22273.jpg (http://www.u11p.com/ar/)
كنت أعتقد أننا مجتمعون لمناقشة الخطوات التالية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنه لدينا الآن دليل قوي على أن الإيرانيين، وبتورط مسئولين من أعلى المستويات، هم وراء قتل التسعة عشر عسكريًا أمريكيًا، ولكن كنت مخطئًا تمامًا. بدأ الاجتماع بكيفية التعامل مع الصحافة والكونغرس لو تسربت أخبار تورط الإيرانيين في جريمة تفجير الخبر خارج جدران الغرفة التي نحن فيها
بقلم خدمة العصر
العصر: (نقدم للقراء الكرام ترجمة لأهم فصل من كتاب رئيس مكتب ال إف بي آي السابق، والذي صدر بعنوان: "عندما كنت رئيساً لمكتب التحقيقات الفيدرالي: من تحطيم المافيا إلى التحقيق مع الرئيس بيل كلنتون فخوض الحرب ضد الإرهاب"، وخصص الكاتب هذا الفصل للحديث عن تفجير "الخبر" في السعودية وقصة نشأة حزب الله السعودي وعلاقته بالحدث، وارتباط إيران بالتفجير، كما أن في الفصل نقاشا مهما للخلاف الذي كان مؤثرا بين كلينتون وأعضاء حكومته).
قبل العاشرة مساءً بالتوقيت المحلي بقليل في الخامس والعشرين من حزيران من عام 1996م، توقفت سيارة من نوع داتسن يقودها هاني الصايغ، وهو عضو بارز في الفرع السعودي لحزب الله، أو "حزب الله"، في الزاوية البعيدة لموقف السيارات الملاصق للبناء 131 في قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران، على طول الخليج العربي الغني بالنفط في المملكة العربية السعودية.
وكان البناء المؤلف من ثمانية طوابق، جزءًا من مجمع سكني يعرف بمجمله بـ"أبراج الخبر"، وكان وقتها مأوىً لأكثر من ألفين من القوات الأمريكية والبريطانية، والفرنسية والسعودية، وكان البناء 131 يقطنه حصرياً أفراد القوة الجوية الأمريكية، التي كانت تطبق قرار حظر الطيران، الذي كان يجري تنفيذه في جنوب العراق منذ نهاية حرب الخليج الأولى، وكان مع الصايغ في سيارة الداتسن عبد الله الجَرَش الذي تم تجنيده في صفوف حزب الله في مقام السيدة زينب في دمشق.
وبعد عدة دقائق، دخلت سيارة شفروليه بيضاء ذات أربعة أبواب من نوع كابريس موقف السيارات وانتظرت كي تقوم سيارة الداتسن بإشعال وإطفاء أنوارها الأمامية بسرعة معطية بذلك إشارة واضحة تمامًا. وعندما فعلت سيارة الداتسن ذلك، تبع صهريج سيارة الشفروليه إلى موقف السيارات. وقد تم شراء ذلك الصهريج في وقت سابق من ذلك الشهر من وكيل سيارة سعودي، بمبلغ 75 ألف ريال سعودي تقريبًا، وأُخذ إلى مزرعة خارج القطيف، تقع على بعد مسافة عشرين دقيقة أو نحو ذلك. وهناك تم تجهيزه بحوالي خمسة آلاف باوند من المتفجرات بحيث أصبح قنبلة ضخمة.
وبعدما توقف الصهريج بجوار السياج، تمامًا أمام الحائط الشمالي من البناء 131، قفز السائق، أحمد المغسلي، وهو قائد الجناح العسكري لحزب الله في السعودية وزميله علي الحوري، وهو منظم عناصر أساسي في حزب الله، من الصهريج مسرعين إلى سيارة الشفروليه وانطلقا بسرعة تتبعهما سيارة الداتسن، وكان الرقيب ألفيردو غيرورو يقوم بمهمة الحراسة من على سطح البناء 131 عندما رأى السائق والراكب ينزلان من الصهريج، والسيارتان تنطلقان مسرعتين.
وقام غيرورو وحارسان آخران بإطلاق جرس الإنذار بعدما تأكدوا تمامًا بأنهم كانوا يحدقون بقنبلة في موقف السيارات أسفل منهم، وبعد ذلك نزل غيرورو، الذي بدأ عمله في الظهران منذ شهر واحد فقط، مسرعًا عبر الطوابق العليا من البناء 131 محذرًا الناس بإخلاء المكان مباشرة. وقد أخلى الرقيب القسم الأكبر في طابقين عندما انفجر الصهريج مخلفًا حفرة عمقها /35/ قدمًا وعرضها /185/ قدمًا ومدمرًا الواجهة الشمالية من البناء تمامًا.
وبرغم بطولة ألفيردو غيرورو، الذي نجى بدون إصابات بليغة إلا أن تسعة عشر أمريكيًا قتلوا في أبراج الخبر، ونقل أكثر من ستين آخرين إلى المستشفيات. وقد أصيب ما مجموعه 372 عسكريًا أمريكيا في التفجير. وقد كان تفجير الخبر الهجوم الأكثر دموية على مواطنين أمريكيين خارج الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثة عشر عامًا، منذ هجوم تشرين الأول عام 1983 على معسكرات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت، لبنان الذي أودى بحياة 241 من مشاة البحرية. وربما كان العدد النهائي أكبر من ذلك بكثير. وبسبب السرعة، أوقف السائق الصهريج عموديًا مع البناء 131؛ ولو أوقفه متوازيًا، ووزعت قوة الانفجار على طول واجهة أوسع، فلربما نجم عنه تدمير البناء وبخسارة أعظم في الأرواح.
كنت مع زوجتي مارلين وأطفالنا في زيارة لوالديّ في منزلهم في نورث بيرغن في مقاطعة نيوجرسي عندما وقع تفجير الخبر. وكان الخامس والعشرون من حزيران، 1996 يوم ثلاثاء، وليس يوم سبت أو أحد، إلا أن اليوم منحنا فرصة نادرة للاجتماع سوية. وحرصت على أن يكون جدول أعمالي خفيفًا، وبنفس القدر من الأهمية، فلم يبق على دوام المدارس سوى بضعة أيام، وسرعان ما ستبدأ المعسكرات الصيفية والنشاطات الأخرى. اقتنصت وزوجتي مارلين فرصة صغيرة، ولكن سرعان ما بدا كما يحدث غالبًا في الحياة المفعمة بالحركة، أن الفرصة تلاشت تمامًا قبل أن نستغل منها أي شيء. كانت أمي تحضر العشاء للعائلة عندما هاتفني مركز قيادة التحقيقات الفدرالي ليخبرني أن الانفجار قد حدث منذ نصف ساعة. (توقيت السعودية يسبق توقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية بسبع ساعات). لم أسمع قط بأبراج الخبر، ولكن لم يكن ذلك مهمًا. بدأت وزوجتي مباشرة بوضع الأطفال وأمتعتهم ثانية بالسيارة.
كان وليم سيسن، الذي عمل قبلي مباشرة كرئيس لمكتب التحقيقات الفدرالي قد سافر بكثير من التفاصيل الأمنية بما في ذلك صحبة سائق. ربما كان حكيمًا في فعله ذلك؛ فالعالم مليء بالمشاكل. ولكنني كنت نفسي عميلاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وواحدًا من المتذمرين، ولم أختر أسلوب الحياة الراقي الذي أعيشه الآن بحكم أنني أدير المكان، ولم أرغب لا أنا ولا زوجتي في أن يكبر أطفالنا معتقدين أنهم في سجن محمي، أو أن عليهم السفر في حراسة كي يزوروا أجدادهم.
كنت أقود سيارتي وحيدًا باتجاه نيوجرسي تيرن بايك، عندما ناقشت الهجوم لأول مرة مع النائب العام جانيت رينو، وهي رئيستي المباشرة، وأول خطوة للتواصل مع إدارة كلنتون. وتحدثت أيضًا مع ما كان يشغل وقتها منصب نائب مستشار الأمن القومي سامويل ر.ساندي بيرغر في الساعات الأولى بعد الهجوم.
وكان ساندي، الذي تقلد منصب المستشار الأساسي في السنة التالية بعد استقالة أنتوني ليك، يساعد على تنسيق جهود الاستجابة الأمنية القومية، وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي جزءًا هامًا من ذلك. كان خط هاتفي في السيارة غير آمن، وبالتالي فلو كان لدى جانيت وساندي معلومات أكثر مما لدي سلفًا، فما كان بوسعهما تبادلها معي. كان لدينا جميعًا في تلك الساعات الأولية بعد الانفجار والأشهر التي تبعته، مزيدًا من الأسئلة وقليلاً من الأجوبة.
وبعدما ضُربت أبراج الخبر بست ساعات ونصف، وبعدما دُمر المبنى 131 ـ في حوالي الساعة العاشرة مساءً وفقًا لتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية ـ كنت وزوجتي مارلين ندخل في طريق جريت فولز، في فرجينا، تمامًا عندما كان بيل كلنتون يعلن للشعب لأول مرة عن الهجوم في خطاب مقتضب من المكتب البيضاوي.
"يبدو أن التفجير من عمل إرهابيين"، قال الرئيس. "وإذا ما كان الحال كذلك، فإنني مثل كل الأمريكيين، أغلي غضبًا بذلك. وينبغي ألا يفلت الجبناء الذين ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء من العقاب. وخلال ساعات قليلة، سيكون فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي في طريقه للمملكة العربية السعودية للمساعدة في التحقيقات". وختم الرئيس حديثه بترديد نقطة ذكرها آنفًا:" دعني أقول ثانية: سنتابع هذه المسألة" قال ذلك بصوت غاضب:" أمريكا تهتم بمصالح أبنائها. ينبغي على أولئك الذين فعلوا ألا يفلتوا من العقاب". تلك كانت كلمات ووعد، لن أنساهما أبدًا.
بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كان تفجير الخبر بمثابة صرخة للعمل. فقد كانت مسؤوليات المكتب الأساسية وستبقى محلية، ولكن خلال السنوات الثلاث الأولى من عملي كمدير له، كنا نوسع من نطاق مجالنا على مستوى عالمي. فقد توسع نطاق الجريمة والإرهاب وأصبح متعدد الجنسيات، وعلينا أن نفعل ذلك أنفسنا إن كان علينا مواجهته بفعالية ضمن حدودنا. وعلى المكتب أيضًا مسؤولية محددة تتجاوز حدودنا الجغرافية حيث التفجيرات قتلت أمريكيين؛ منحنا ذلك حقًا قضائيًّا وعلينا ممارسته بأقصى سرعة.
يمكن للمواقع التي وقعت فيها الجريمة أن تفقد أهميتها بسرعة بحيث يضيع الدليل أو يُشوه لدرجة يصبح بها عديم الفائدة تمامًا. يمكن للجهود الحميدة لتنظيف الموقع من مصيبة إنسانية أن تأتي على معلومات حيوية جدًا عن زوايا الصدمة، وحجم الانفجار، وطبيعة المواد المتفجرة المستخدمة نفسها. غالبًا، ما تكون البقايا الأصغر والأسهل على الضياع الأكثر إظهارًا للحقيقة. إن قطعة صغيرة من لوحة دارة لا يتجاوز حجمها ظفر الإصبع، وُجدت في الحقول حول لوكربي في اسكتلندا هي التي أدت في نهاية المطاف إلى الليبيين اللذين فجرا طائرة بانام الرحلة 103 في السماء. لا نرغب في فقدان شيء كهذا في هذا الحادث. يمثل كل ذلك إجراءً قياسيًّا عاملاً بالنسبة لأي موقع جريمة، ولكن كان واضحًا منذ البداية أن الهجوم على أبراج الخبر لم يكن حدثًا إجراميًّا عاديًّا. ولسبب بسيط، لأنه وقع في مكان غير عادي. ومع أنها تصنف منذ أمد بعيد بأنها واحدة من أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط تعتبر السعودية بأنها واحدة من أكثر المجتمعات انغلاقًا. وقد اجتمعت المصاعب العادية المتمثلة السماح بالوصول إلى موقع الجريمة على أرض أجنبية وتأسيس صلات متبادلة مع السلطات المحلية ـ وتلك مهمة ليست سهلة أبدًا عندما تطير بعملاء لإجراء التحقيقات في هذه الحالة ـ ليس بالسرية التي تلف كل شيء بالجزيرة العربية فقط ولكن أيضًا بحاجات إثبات الدليل الخاصة التي يتطلبها نظام قضائي يعتمد على قانون الدين الإسلامي، أي: الشريعة الإسلامية. فكما يمكن لحماسة السعوديين الزائدة في موقع الجريمة أن تدمر الدليل بالنسبة لنا، يمكن لعدم مراعاتنا لخصوصيات القضاء السعودي أن تدمر مصداقية الدليل الذي نقدمه أو قبوله عند السعوديين. وهناك إمكانية حقيقية أيضًا، مفادها أنه بغض النظر عن المكان الذي تم فيه التخطيط للهجوم وبغض النظر عمن نفذه، قد ينطوي الأمر على اشتراك بعض الأصوليين المحليين بالهجوم.
وقد كان سفير السعودية القوي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمير بندر بن سلطان، سريعًا للإعلان عن مكافأة قدرها عشرة ملايين ريال (تساوي وقتها حوالي ثلاثة ملايين دولار أمريكي) لأي شخص يدلي بأية معلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على منفذي الهجوم، ولكن يعتمد نظام الحكم في السعودية على توازن حساس بين العائلة الحاكمة بشكل كبير والحركة الوهابية، وهي الحركة الإسلامية الأكثر محافظة، التي يسيطر عناصرها على الشوارع والجوامع. وهل كان المهاجمون أجانب أو إرهابيون من الداخل. وفي أي الحالتين، كنا وسط ترتيبات مزعجة تمامًا وغير مريحة لكلا الطرفين.
في الخريف السابق، وبعد هجوم مماثل على مجمع في الرياض حيث كان متعاقدون أمريكيون مدنيون يدربون عناصر من الحرس الوطني السعودي، ألقت السلطات القبض على مجموعة من المشتبه بهم واستجوبتهم على مدى فترة امتدت عدة أشهر. وقبل هجوم الخبر بشهر تقريبًا، بثت السلطات السعودية اعترافات المتهمين على شاشة قناة تلفزيونية حكومية، وبعد ذلك تم قطع رؤوس النادمين قبل أن تتاح لنا الفرصة لاستجوابهم، أو حتى الحضور أثناء تحقيقات يجريها السعوديون. ومرة ثانية، طرحت سرعة تنفيذ الأحكام في السعودية لدى إدارة كلنتون أسئلة عن الغرض الذي تم تحقيقه: العدالة أم النفعية؟
لدينا الآن مبرر قضائي في هذه الجريمة أكثر مما كان لدينا في التفجير السابق ـ تسعة عشر عنصرًا عسكريًا مقتولاً مقارنة بخمسة عناصر مقتولين من المتعاقدين مع وزارة الدفاع ـ ولكن لم تكن هناك أية ضمانات في أن العائلة السعودية المالكة سترى الأمر بهذه الطريقة، أو أنها ستتعاون لدرجة أكبر حتى لو رأت المسألة بهذه الشاكلة. ومن بدون ذلك التعاون، سننتهي مرة أخرى كمن يراوح في مكانه. وحالما أوصلت الأطفال وحقائبهم إلى المنزل، عدت أنا وزوجتي مارلين وقطعت مسافة الأربعة وعشرين ميلاً عودة باتجاه واشنطن، وبالتحديد إلى مركز القيادة في المقر الرئيسي لمركز التحقيقات الفيدرالي في بنسلفينا آفينو.
في تلك الأيام، كان الاسم الرسمي للمكان كبيرًا "مركز التحقيقات الإستراتيجية والعمليات"، بحجم المكان نفسه تقريبًا: ثلاثة غرف في الطابق الثالث، ربما كانت مساحتها الإجمالية ألفي قدم مربع، مكتظة بأجهزة المراقبة والهواتف الأمنية بخطوط مباشرة إلى البيت الأبيض، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة الدفاع، ووكالة الأمن القومي، وأمكنة أخرى. وحتى قبل تفجير أبراج الخبر، كان المكان يضيق بنا. فقد انتهى حصار دام واحداً وثمانين يومًا في مونتانا، باستسلام الستة عشر عنصرًا الباقين من المتشددين ضد الحكومة المعروفين بـ"الرجال الأحرار"، والذين كانوا قد اختبئوا في مجمع ريفي.
وتركتنا الذاكرة الطويلة للنهاية النيرانية للحصار، الذي دام واحداً وخمسين يومًا في مجمع برنانش دافديان في واكو، في تكساس قبل ثلاث سنوات، على أشد درجات الحيطة واليقظة خلال محنة موناتانا، (وما زالت صور ذلك الحصار، الذي دام أحدَ عشر يومًا، والذي أشعله مارشالات الجيش في روبيريدج في إيداهوا 1992 حية في ذاكرتنا) وسرعان ما سيظهر أن تفجير الخبر نفسه سيكون بمثابة الطلقة الأولى في صيف مليء بالمحن.
فبعد ثلاثة أسابيع، وبالتحديد في السابع عشر من تموز، انفجرت طائرة TWA، الرحلة 800 بالقرب من لونغ آيلاند بعد دقائق من إقلاعها من مطار جون.ف. كيندي الدولي، مودية بحياة كل الركاب على متنها وعددهم 230 راكبًا. لم يعرف أحد سبب سقوطها: هل كان ذلك بسبب عطل ميكانيكي، أم قنبلة، أو بصاروخ أرض-جو، بدت كل تلك الاحتمالات معقولة في المراحل الأولى.
وبعد عشرة أيام، انفجرت قنبلة في سينتيال بارك في أتلانتا أثناء قمة الألعاب الأولمبية الصيفية. وبسب تراكم المحن واحدة فوق الأخرى، كان لدينا موظفون متروكون في الأروقة، يجرون تحقيقات على درجة عالية من الحساسية على خطوط الهاتف العادية. لم يكن لدينا أيّ خيار آخر. وأخيرًا سيكون لدينا مركز قيادة جديد، يبلغ حجمه عشرة أضعاف المركز الحالي (سميته "بوش 41" جاهزًا في عام 1999، ولكن مازال هناك ثلاث سنوات حتى ذلك التاريخ. أما بالنسبة للوقت الراهن، كان لزامًا علينا التعامل مع ما هو متوفر، وكان المكان مزدحمًا بشكل لا يمكن تصوره).
كان مستشاري للأمن القومي روبرت براينت، الملقب بـ"الدب"، ينتظرني. وكذلك كان جون أونيل، رئيس قسم برانيت المكلف بمتابعة قضايا الإرهاب، وبعض الموظفين الآخرين برتب مماثلة. (وتسلم منصب رئيس شعبة الأمن لمركز التجارة العالمي في أيلول 2001م، وقُتل في أحداث أيلول من العام نفسه، عندما انهار البرج الشمالي).
وفي رأيي، كان براينت أفضل موظف لدينا على الإطلاق، للتعامل مع الحالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والمخابرات. كان صلبًا كالصخر، وذكيًّا، وموهوبًا بشكل لا يصدق؛ وكان يهتم كثيرًا بالناس الذين كانوا يعملون معه أكثر من أي إنسان آخر عرفته. ومع حلول منتصف الليل ورحيله، كنا نفكر بالتقارير الإستخباراتية، محاولين صياغة نظريات حول الهجوم.
ما زالت المعلومات قليلة، وكان ذلك أمرًا موحيًا بحد ذاته؛ فلو كان حدث مثل تفجير الخبر من عمل مجموعة غير منظمة أو من رتبة الهواة غير المحترفين، لكانت محطات التنصت في وكالة المخابرات المركزية ووكالة الفضاء الأمريكية، مسرورة الآن بتسجيل أحاديث على صلة بالحدث، حيث يتصل المشاركون بزوجاتهم وإخوتهم، ليحتفلوا بالحدث العظيم، أو بل الأفضل يتصل كلٌ بالآخر للتخطيط لعقد موعد، أو للتخطيط لهجومٍ ثانٍ. وبقدر ما تكون درجة تنظيم المخططين والمنفذين عالية، تكون درجة صمت محطات التنصت رهيبة. وحتى الآن، على الأقل، بقي مهاجمو الخبر وأسيادهم صامتين كالموت، وتلك إشارة قوية أنهم من بين مؤيدي القيام بفوضى على مستوى عالمي.
وكنظرية ممكنة، فإن أفضل ما كان بوسعنا فعله في هذه الفترة القصيرة، افتراض أن هذا الهجوم هو استمرار للهجوم السابق على قوات الحرس الوطني السعودي. وذلك الهجوم نفذه كما أُخبرنا سنَّة منشقون في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، كانوا غير راضين على العائلة الحاكمة، وكانوا من مؤيدي أسامة بن لادن، وهو الفرد الأسوأ لعائلة من أغنى عائلات المملكة؛ لم يكن لدينا بالطبع أي تأكيد مباشر عن ذلك الإدعاء. فقد قُطعت رؤوس الأشخاص المعنيين، ومن دون مشاوراتنا، ولكن مع غياب أي خيوط يمكننا متابعتها، بدأنا بجمع معلومات استخباراتية من عدة مصادر متنوعة عن السنة المتشددين والشبكات التي تدعمهم.
ومع ذلك، لم تحل أي من تلك المعلومات ما كنا نعتبره جميعًا في الغرفة أكثر الحاجات إلحاحاً، ألا وهو إمكانية الوصول إلى موقع الانفجار. لقد ارتقى المكتب بالمسئولية لينفذ وعد الرئيس كلنتون: حيث كان /150/ عنصرًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي، بما في ذلك موظفون ومحللون مخبريون، وخبراء، وخبراء أدلة شرعية، في طريقهم إلى الرياض.
وكان بإمكاننا إرسال عشرة آلاف عنصر آخر إلى هناك؛ ولكن ذلك لن يقدم في الأمر شيئًا، إلا إذا كان بوسعنا نقلهم إلى موقع الجريمة ونضمن تعاون مضيفينا. تطلب ذلك تدخل العائلة المالكة، والشخص الوحيد الذي عرفته عن بعد، وفيه المؤهلات المطلوبة، كان السفير السعودي، الأمير بندر؛ تناولت الهاتف وهاتفته. تلقى الأمير مكالمتي تلك الليلة، ولا يمكن أن يكون أكثر كرمًا مما فعل. قلت له إننا بحاجة لأن نعمل سويًّا؛ ونريد أن نتعاون مع السعوديين على أرض المملكة؛ ولكن بداية نحن بحاجة لمساعدتك، وكان جوابه ما كنت أتمناه: من فضلك تفضل لمقابلتي.
يتربع الأمير بندر على ذروة المجتمع الدبلوماسي والسياسي في واشنطن. ينتظر السفراء الآخرون في طوابير لمقابلة الرئيس؛ عمليًا لدى الأمير بندر مفتاحه الخاص إلى المكتب البيضاوي.. وبفضل العلاقة الخاصة مع السعوديين، وبسبب التهديدات التي وُجهت ضده، فهو السفير الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتمتع بحماية خاصة من وزارة الخارجية.
وحفلات بندر خيالية؛ وقصره في مكلين ـ فيرجينا، حيث يعيش ويمضي وقته، أسطوري. تساءلت وأنا أمر بين البوابات الحديدية تمامًا بعد طريق فرجينا رقم 123، الذي يفضي إلى القصر، من هم الذي ينتظرونني الآن وكم عددهم. لقد أتيت بمفردي، لأنني شعرت أنه كلما كان بوسعي والأمير أن نتفق على أشياء على أسس شخصية، بقدر ما يكون نجاحنا أكبر الآن وفي المستقبل. وكما اتضح، لم يكن مع بندر سوى نائبه الرئيسي، ذا الكفاءة العالية تمامًا، رحاب مسعود، وبالنتيجة، يشغل منصب النائب الأول لرئيس البعثة الدبلوماسية السعودية في الولايات المتحدة.
وخلال الزيارة التي استمرت لمدة ساعتين تقريبًا، بما في ذلك الغذاء، وضعنا نحن الثلاثة أكثر من نظرية حول الهجوم. بدا أن الأمير ومسعود، وكلاهما محللان ممتازان، ليس لديهما معلومات أو أفكار أكثر مما لدى المكتب عما يمكن أن يكون مسئولا عن التفجير، ولكن كان لدى بندر معلومة جديدة اعتماداً على معلوماته السابقة قدمها لنا.
لقد علمت للمرة الأولى أن حزب الله كان نشطًا في المنطقة الشرقية من السعودية، التي تقطنها غالبية شيعية، حيث وقع التفجير. ومع أن مقر حزب الله هو في لبنا،ن إلا أنه يتلقى أوامره ويتلقى دعمًا ماديًا ولوجستيًّا من طهران، وخاصة من جهازي إيران الاستخباريين: فيالق الحرس الثوري الإسلامي، ووزارة الاستخبارات والأمن.
طرح ذلك احتمالية أن تكون الحكومة الإيرانية على علم بتفجير أبراج الخبر وقد دعمته. وافق بندر أن ذلك ممكننًا، ولكنه شك في أن يكون الأمر كذلك. وقال: لو أن إيران وافقت رسميًا على تنفيذ هجوم في الأراضي السعودية فإن ذلك سيكون خطيرًا جدًا، ويمثل انعطافًا خطيرًا في العلاقات والأحداث. سأعمل معك ومكتب التحقيقات الفيدرالي للحصول على ما ترغب. "لقد أخبرني الرئيس كلنتون بأنك المكلف بالحادث"، هذا ما قاله الأمير قبل انتهاء اللقاء بقليل. واتضح أن الأمير بندر كان صادقًا في وعده، وكانت تلك بداية صداقة أصبحت أقوى وأقوى، بعدما عرفته ووثقت به.
قلت: "ما نحتاجه أولاً وصول الفريق الذي نرسله الآن إلى موقع الانفجار؛ ونريد أيضًا أن نتحدث مع قوات الأمن لديكم ونعمل معها مباشرة". وعدني بندر بأن يهاتف الأمير نايف، وزير الداخلية السعودي، كي يسهل مهمة الجيش الصغير من موظفينا، الذي كنا نرسله جوًا إلى أرض المملكة. وسألني: "هل تعرف أي شيء عن قوات الأمن لدينا؟،"حسنًا ـ ضحكت ـ "لدينا عميل في روما ...". كانت روما، حقيقة، أقرب مكان، كان بوسعنا تأسيس محطة لعميل لنا للتعامل مع السعودية. التعامل مع الرياض، بالطريقة التي اعتاد المبشرون استخدامها، للتعامل مع القرى الصغيرة البعيدة في الغرب القديم: مرتان في العام أو نحو ذلك. وبتدخل بندر، سيكون بوسعنا قريبًا توظيف عميل ينطق العربية يعيش في الرياض بشكل دائم، وتلك قفزة هائلة للأمام. ورغم تعاونه غير المحدود، لم يكن بوسع الأمير بندر أن يكون صريحًا معي تمامًا في اجتماعه الأول. لقد علم قبل شهرين أن السلطات السعودية ألقت القبض على مواطن سعودي من القطيف، يدعى فضل العلاوي، عندما كان يحاول الدخول إلى السعودية عبر الحدود الأردنية في سيارة محملة بثمانية وثلاثين كيلو غرام من المتفجرات البلاستيكية. واعترف العلاوي أثناء التحقيق للسعوديين، أنه قام بسلسلة من أعمال الاستطلاع على أبراج الخبر، وقال إن السيارة بمتفجراتها المخبأة قد سُلمت إليه في بيروت، وقادها من لبنان عبر سوريا إلى الأردن ومن ثم إلى الحدود.
ومع بداية نيسان، تم إلقاء القبض في السعودية على ثلاثة متآمرين آخرين. وفي الوقت الذي كان بندر يروي لي القصة على مدى الأسابيع القليلة التالية، أصبح واضحًا أن السعوديين شعروا بأنهم اعترضوا الخطة وقضوا على الخلية الإرهابية التي كانت ستنفذها. في الواقع، كان في المملكة العديد من الخلايا التابعة لحزب الله، فكلما اُكتشف أمر واحدة وألقي القبض على أفرادها، كان المتآمرون يفعّلون أخرى. لو علمنا عن الاعتقالات السابقة، لكنا بالتأكيد ضاعفنا من إجراءاتنا الأمنية في الظهران؛ من المحتمل جدًا أنه كان بوسعنا اعتراض الصهريج قبل أن يتم تفجيره؛ ولربما كان التسعة عشر الأموات، أحياءً الآن. هناك ثمن باهظ جدًا للاحتفاظ بذلك النوع من المعلومات الخطرة جدًا، إلا أن السرية أسلوب حياة في ذلك الجزء من العالم؛ ويمكن لبندر القول، على ما أعتقد، إنه أخبرني بكل ما يستطيع البوح به في اجتماعنا الأول حول وجود حزب الله في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، إضافة لذلك، فإن إدراك عواقب الحدث بعد وقوعه هي دائمًا 100/100، وعلينا التعامل مع ما كان وليس مع ما كان يحتمل أن يكون. وعندما عدت إلى مكتبي، هاتفت جانيت رينو وساندي بيرغر، وأخبرتهما بأنني أجريت نقاشًا مثمرًا للغاية مع بندر. وهكذا أصبحت الأرض ممهدة تمامًا للفريق الذي كنا على وشك إرساله. فسيكون بوسع محللينا، وخبراء الأدلة الجنائية الوصول إلى موقع الجريمة.
التقيت في أصيل ذلك اليوم بجون دويتش، وكان وقتها رئيس المخابرات المركزية الأمريكية، وأخبرته بالشيء نفسه. وفي كلتا الحالتين، مررت ذكر الأمير بندر لوجود حزب الله في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية؛ وأضافت تلك المعرفة مزيدًا من التعقيدات ولكن في غياب أي دليل قوي، بقيت نظريتنا المعتمدة كما كانت وبالتحديد، تفجير الخبر مصدره محلي، وربما اتصل بالتفجير الأسبق على بناء الحرس الوطني؛ وذلك شأن داخلي بالنسبة للسعوديين، على الأقل.
وبعد يوم أو أكثر بقليل، كنت أنا وبير براينت، وجون أونيل وبعض الآخرين على متن طائرة في مطار قاعدة أندروز الجوية على خطى موظفينا الذين سبقونا إلى الصحراء. كان عليَّ زيارة المملكة العربية السعودية عدة مرات خلال السنوات القليلة التالية، ولكن كانت هذه أول زيارة لي إلى هناك. وما لم تطأ قدماك ذلك المكان، أعتقد أنه لا يمكن لأي شيء أن يعطيك صورة صحيحة عن الحرارة الشديدة هناك.
فبعد رحلة جوية استغرقت سبعة عشر ساعة، أخذتنا عبر فرانكفورت في ألمانيا في جو مكيف مريح تمامًا، بفضل الخدمة التي قدمتها السرية التاسعة والثمانون من نخبة القوى الجوية، وهم نفس الأشخاص الذين يشرفون على سفر الرئيس جوًا، نزلت من الطائرة مرتديًا بذلتي الزرقاء الرسمية. كانت الساعة حوالي الثانية أصيلاً حسب التوقيت المحلي. كانت درجة الحرارة حوالي /120/ درجة فهرنهايت، وكان علينا قضاء يوم آخر في الظهران.
وكان هدف زيارتنا النهائي على بعد 225 ميلاً غربًا، أي: في الرياض. لقد قام الأمير بندر بالترتيب لزيارة مجموعتنا الصغيرة، لتلتقي بالعائلة الحاكمة، بما في ذلك الملك فهد والأمير نايف. وقد وصل الأمير بندر قبلنا إلى الرياض كي يعمل بمثابة المترجم. ولكن كان ذلك في وقت متأخر من المساء، وكان عليَّ أن أعرف أنه كان متأخرًا جدًا، أما الآن، فكنت أرغب في زيارة ما تبقى من البناء 131.
كان القائد الأمريكي في القاعدة الجوية، وهو جنرال بنجمة واحدة، موجودًا لاستقبالنا واصطحبنا إلى موقع أبراج الخبر. أعتقد أنه لم ينم طيلة الأيام الثلاثة الماضية أبدًا. كانت علامات الإرهاق مرسومة عليه كاملاً، وكان يبدو عليه إحساس بالمسؤولية الشخصية، بأنه لم يقم بما يكفي لحماية الرجال والنساء الذين كانوا يعملون تحت أمرته. (وفي الحقيقة، طُرد فيما بعد من الخدمة، بسبب إدعاءات بأنه لم يتخذ إجراءات أمنية مناسبة في القاعدة).
وفي موقع الجريمة، مدَّ السعوديون سجادًا، وبالتالي يمكن للناس مشاهدة المختصين وهم يعملون ـ من سعوديين وأمريكيين ـ دون الحاجة للوقوف على رمل تغوص فيه حتى كامل قدميك. كان المشهد نفسه مرعبًا. كان في الفوهة الواسعة، حيث انفجر الصهريج ماءٌ طيني اللون زلقًا يغطي القعر. وما عدا ذلك، بدا البناء 131، وكأن حيوانًا ضخمًا خرافيًّا قد سلخ واجهته.
لقد دمر الانفجار، الذي سُمع بوضوح على بعد عشرين ميلاً في البحرين، كل شيء كان في طريقه ونثره. لقد تم رسم دائرة باللون الأحمر حول البقايا الإنسانية التي تم العثور عليها، ولكن لم يتم التعرف عليها بعد، وذلك تذكير مرعب بضعف الحياة الإنسانية. وقد امتلئ موقع الجريمة بفراشي الشعر، وإطارات الصور، وقطع من الملابس، أشياء قُذف بها من غرف الثكنات التي لم تعد محاطة بأربعة جدران.
وعندما دنونا من موقع الجريمة من بعد، بدأ وكأنه يغص بنحلات عاملات نشطات، يسرعن بهذا الاتجاه وذلك. ولكن عندما اقتربنا أخذت النحلات شكل وجوه بشرية. معظمهم — من عناصرنا، وعناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي، والشرطة السعودية الذين كانوا يعملون معهم ـ عَمِل دون توقف ليوم ونصف: يتعاملون مع الأشلاء البشرية، ويستخدمون غرابيل ضخمة لغربلة الرمل، بحثًا عن أي دليل شرعي قد يكون طمر هناك. العمل قاسٍ تمامًا ضمن الظروف العادية بدنيًا وعاطفيًا؛ تذكر أن الناس يبحثون عن دليل مهما صغر حجمه.
كان التوتر في العيون وحده ضخمًا. كانت درجة الحرارة تهبط ببطء من 120 إلى 110 فهرنهايت مع رحيل الأصيل. كنت أرى الإرهاق على وجوههم بوضوح. كانت الرائحة الفريدة للحم البشري المتحلل، طاغية، خاصة في الحرارة الشديدة؛ ولكن لم تكن هناك أية طريقة للإسراع في عملية استعادة الأشلاء. الحاجة لأدلة دامغة كانت كبيرة جدًا.
جمعت العناصر التابعين لنا، لأشكرهم على كل ما كانوا يفعلونه. وأخبرتهم بأنني سألتقي بالملك ووزرائه في ساعة متأخرة من تلك الليلة، وسأحصل على كل المساعدة التي تحتاجها عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي والتي يستحقونها. بدا لي وكأن ذلك تشجيعًا كانوا بحاجته وقدروه عاليًا.
أُقيم مستشفى طوارئ بالقرب، لا يبعد سوى عدة مئات الياردات من الفوهة التي خلفها التفجير، وذلك هو المكان الذي ذهبت إليه مباشرة. كان المكان مليئًا بالجرحى القادرين على السير ـ بالجبيرات وضمادات وجروح الوجه بسبب الزجاج الذي تطاير وقت الانفجار ـ وبأولئك الذين ما زالوا ينتظرون الفحص والمعالجة.
تحدثت إلى أكبر عدد كان بإمكاني جمعه على شكل مجموعات صغيرة في أغلب الأحيان. رغبت في أن يعرفوا بأن حكومتهم تتابع الحالة، وأنه لن يهدأ لنا بال حتى نكتشف من قام بذلك ونقدمهم ليد العدالة. كنت وقتها في منتصف الأربعينيات، ولكن كما كان الحال دائمًا عندما أُحاط بالجنود والبحارة والطيارين في حالات كهذه، كنت دائمًا معجبًا بدرجة الحيوية والنشاط التي يبديها العديد منهم. كانت صور أولئك الجنود الجرحى من نساءٍ ورجال مازالت ترافقني في الساعة الثانية صباحًا، عندما استقبل الملك فهد في نهاية المطاف مجموعتنا الصغيرة في قصره في الرياض.
ثم نقلنا جوًا بطائرة هليكوبتر من الظهران إلى الرياض في ساعة متأخرة من أصيل ذلك اليوم. رحب بنا الأمير بندر، الذي بدا موجودًا فجأة في كل مكان، وفي المطار، واصطحبنا إلى "قصر الضيافة"، وهو في الواقع فندق كبير وحديث جدًا، حيث كان علينا الانتظار حتى يرسل الملك فهد في طلبنا. (المواعيد الخاصة خارج نطاق التصور، إذ لا يوجد ما هو نظير الملك، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتصرف بوقته، ولكنه هو الذي يتصرف بوقتك).
من جانبنا، كانت الاستراحة أمرًا مرحبًا به على الأقل. كنا وقتها قد أمضينا أربعة وعشرين ساعة متواصلة دون راحة. فمعظمنا لم تتح له فرصة الاستحمام أو الحلاقة أو تغيير ملابسه أو حتى النوم لفترة وجيزة معقولة. استفدت من جزءٍ من الوقت للحصول على موجز استخباراتي من جون برينان، رئيس مركز الاستخبارات المركزية الأمريكية في المملكة العربية السعودية. وما أثار دهشتي أن جون قد ترعرع أيضًا في نورث بيرجن على الطرف المقابل من نهر هدسن عن مركز مدينة مانهاتن. والآن نحن هنا، وقد درنا حوالي نصف العالم نتبادل المعلومات عن تفجير وقع في الطرف الشرقي من الصحراء العربية. وفي ذات الوقت، كان هناك أسطول من سيارات الليموزين مع سائقيها أمام قصر الضيافة، الذي نرتاح به تنتظر لنقلنا بسرعة للمثول أمام الملك فهد متى وصلت الأوامر.
وعندما وصل الأمر في نهاية المطاف بعد حوالي تسعين دقيقة بعد منتصف الليل، ركبنا سيارات اللموزين بسرعة لنعاني فقط من مزيد من التأخير، بسبب ما بدا عددٌ لا حصر له من نقاط التفتيش على طول طريقنا. يفهم أعضاء العائلة الحاكمة في السعودية أكثر من أي شخص آخر في العالم الخطرَ الذي يعيشونه ويحكمون به.
إن قصر الملك، أو بدقة أكبر مجمع القصر، تعجز الكتب عن وصفه: مزيج رائع مهيب من الرخام، والزجاج والمآذن الشاهقة، كله مكيف مركزيًا وآمن بشكل يصعب على فأر التسلل إلى داخله. قابلنا أحد أعضاء العائلة المالكة، واصطحبنا في نهاية المطاف إلى قاعة العرش، حيث كان الملك فهد بالانتظار. وجلس الفريق الأمريكي على أحد جانبي الملك، ولم يأت جون برينان معنا لأسباب واضحة، إلا أن القائم بأعمال السفير لدى السعودية، تيد كاتوف انضم إلينا، وعلى الجانب الآخر من الملك، جلس ولي العهد الأمير عبدالله، ومعظم أمراء المرتبة الأولى.
ومع أن الملك فهد احتل الموقع الأكثر تشريفًا بيننا جميعًا، لم يتفوه إلا ببضع كلمات، عدا الترحيب وتقديم عزاءه للضحايا الأمريكيين. لقد أصيب الملك فهد بسكتة أضعفته في تشرين الثاني المنصرم. ولم تكن المعارك المتتالية داخل العائلة المالكة سهلة أبدًا، ولكن بدا أن ولي العهد كان يتكلم باسم الملك.
ونيابة عن الجانب الأمريكي، شكرت الملك وعائلته لاستقبالنا، وأكدت لهم جميعًا بأننا هنا لنتعاون سوية ولكن تحت رعاية المباحث، وذلك النظير السعودي لهيئة تدمج مكتب التحقيقات الفيدرالي بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وقدمت تعازينا للضحايا السعوديين الذين سقطوا في تفجيرات أبراج الخبر. وكما يحدث في أغلب الأحيان في الأعمال الإرهابية، فإن القتلى كانوا ممن يتابعون أعمالهم العادية في حديقة الطرف المقابل من الشارع الذي يوجد فيه المجمع السكني عندما انفجر الصهريج القنبلة.
وكما فعلت قبل عدة أيام مع الأمير بندر، تحدثنا عمن يمكن أن يكون مسئولا عن التفجير ودوافعه. ولم يلمح ولا واحد من الجانب السعودي، أن أعضاءً في خلية إرهابية ثانية لحزب الله، كانوا محتجزين للاشتباه في التخطيط لهجوم مماثل، مع أنه، كما هو حال الأمير بندر، ينبغي أنهم عرفوا جميعًا بحادث إلقاء القبض الذي وقع على الحدود الأردنية.
بالنسبة لي، أوضحت الموقف الأمريكي بدقة تامة: لا نعلم من هو المسئول ولا نود القيام بافتراضات متسرعة. ولهذا السبب نحن بحاجة لإجراء تحرٍ على الأرض السعودية. ولهذا السبب نحن بحاجة لأقصى درجات التعاون من المباحث والهيئات الأخرى، ولكن تحت سيطرة العائلة المالكة وإشرافها. وقلت إن أقل ما نتوقعه هو أننا بحاجة لأن يبقى عناصرنا في مكان التفجير في السعودية لشهور قادمة.
وعند هذه اللحظة، سمع زملائي الأمريكيون أنني أكرر النقطة كثيرًا، وكانت الساعة متأخرة ليلاً، وكان فريقنا الصغير منهكًا وجائعًا، حيث إن العديد منهم كان على وشك السقوط من على مقاعدهم. إلا أن الجانب السعودي لم يكن كذلك. لقد تعلموا التأقلم مع الحياة في أرض جدباء قاسية تحت أشعة شمس محرقة بالعمل ليلاً. وكانت الليلة في بدايتها، ولكي يبرهن على ذلك، أكد لي الملك من خلال ولي العهد، أن بقاء عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي على الأرض السعودية لن يكون مشكلة. وبعد ذلك اقترح أن أذهب مع الأمير نايف لوزارة الداخلية لمناقشة التفاصيل ووضع الترتيبات اللازمة.
من المستحيل تقريبًا تحقيق نوع التشابه في العمل الذي يقوم به الدبلوماسيون مقارنة بالسعوديين. فبوصفه وزيرًا للداخلية، نتقاسم أنا والأمير نايف واجبات ومسؤوليات متشابهات، ولكنني كنت في منتصف وظيفة استمرت لمدة عشر سنوات تقريبًا. أما هو فقد استلم موقعه بحكم صلة الدم، وللعمر كله، طالما أنه لم يقف مع الجانب الخطأ بالنسبة لمن يعتلي العرش. ومع ذلك، وعلى الرغم من أننا كنا غير متساويين، استطعنا الاتفاق على بعض الترتيبات الفعالة، بحضور بعض الضباط الكبار في المباحث الذين كانوا معنا. وعند الساعة الرابعة صباحًا تقريبًا، جلسنا أخيرًا لتناول العشاء، حيث كان هناك سبعة أو ثمانية من الأطباق الشهية بقليل من المفاجآت، وهكذا دفنت الجوع تمامًا.
لم تكن الترتيبات مرضية تمامًا. لأنه طالما لم يكن بوسعنا التحقيق مع المشتبه بهم مباشرة، أو حتى الجلوس في غرفة التحقيق أثناء قيام السلطات السعودية بالتحقيق، سنكون دائمًا كمن يحقق مع مجرم متمرس متعدد الجرائم، وإحدى يديه مربوطة إلى خلف ظهرنا، بل والأسوأ أنه سيكون من الصعب توجيه الاتهامات، وأصعب من ذلك، ربح الإدانات دون القدرة على عرض مثل تلك البيّنة الأساسية. وهذا، وقبل أي شيء، ما وعدت به الولايات المتحدة مواطنيها والعالم، إضافة إلى عائلات الضحايا والأعزاء، الذين إما قتلوا أو تشوهوا بدرجة كبيرة: إنه سيتم تحقيق العدالة. كان تنفيذ حكم العدالة بالنسبة لنا دائمًا الحلم الجميل الذي نحاول تحقيقه.
ولكن ضمن قيود ثقافة تعتمد السرية والتناقض بشكل عميق، أعتقد أن السعوديين قد فعلوا ما بوسعهم لتلبية أهدافنا. أما ممارسة مزيد من الضغط عليهم كي يتبنوا مواقفنا، ويقوموا بالتحقيقات كما نراها نحن، فذلك أمر يحتاج إلى ضغط من أعلى الهرم في حكومتنا. ومع انتهاء التحقيقات وبروز مزيدٍ من المعلومات الجديدة إلى السطح، هذا بالضبط ما وجدت نفسي فيه في وضع حرج تمامًا: ليس على نصف الكرة الثاني في صحراء شبه الجزيرة العربية، ولكن في وطني على بعد عدة مبانٍ من بنسليفيا أفينو، دعني أوضح:
ربما ما زلت أعاني من وعثاء رحلتي الأولى إلى المملكة العربية السعودية، عندما أجريت محادثات جدية لأول مرة مع ساندي بيرغر حول كيفية معالجة التفجير. قلت لنائب مستشار الأمن القومي وقتها، إذا ما سارت الأمور وفق المألوف، فإنني أتوقع أن توكل إلينا مهمة التحقيق الجنائي؛ كان ذلك واجبنا القانوني. فلدينا الإمكانيات والمواهب للقيام بالمهمة، والإرادة في تنفيذ ذلك. وعلى القدر نفسه من الأهمية، فقد حصلنا على موافقة السعوديين كما رغبنا تقريبًا لأن يكونوا في المقدمة. إلا أن الأمور كلها لم تكن وفق المألوف. كان ذلك واضحًا.
فمع أن الحادث وقع على أرض أجنبية، إلا أن ذلك عمل ج رى ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، لقد قتل من السعوديين، ذلك أمر مؤكد، إلا أن المستهدف كان عناصر عسكرية أمريكية. وإذا ما قرر الرئيس القيام بعمل عسكري أو أي عمل آخر ضد المجرمين، فلا أريد من التحقيق الجنائي أن يقف عقبة دون ذلك؛ وبالتأكيد لا أريد من الرئيس الإذعان إلى وزارة العدل أو مكتب التحقيقات الفيدرالي، لأنه يكون بذلك قد استبق نتائج تحقيقاتنا.
ولكن إذا ما نظر المرء بعين المتأمل لأحداث الماضي، فإن النقطة التي كنت أحاول توضيحها كانت واضحة وحتى سخيفة. لقد دُمرت ثكنات عسكرية أمريكية تمامًا، وتبعثرت أشلاء الضحايا، وتركت تحت الشمس المحرقة في السعودية. لقد رأيت ذلك بأم عيني؛ ولن أنسى ذلك المشهد ما حييت. بالنسبة لي، كانت النقطة التي أثيرها مهمة تمامًا، وفي الأشهر التي تلت ذلك، كررتها دائمًا: كان مكتب التحقيقات الفيدرالي وراء القتلة مستفيدين من كل ما بحوزتنا. لم أضمن أنه سيكون بوسعنا تقديم القتلة إلى القضاء، ولكن سنستمر بمتابعتهم حتى إلقاء القبض على آخر واحد منهم. ولكن كنا نعلم أنه في هرمية الاستجابات الممكنة فإن الاستجابة لطلبنا تقع في الموقع الثاني . بيل كلنتون هو القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية؛ وإذا ما قرر بأننا كنا نعيق القيام بعمل أكثر فعالية، علينا التنحي جانبًا.
لقد طلب مني بيل كلنتون تولي منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ ثلاثة أعوام، ولكنه مع بداية صيف 1996، بدأت العلاقات تسوء بيني وبينه، ربما كنت في نظر كلنتون أشبه ما يكون بخادم الكاهن في كنيسة، ربما لأني لا أكترث بالفروقات الدقيقة في العمل السياسي.
وبغض النظر عن السبب الذي أدى إلى زرع الإسفين بيننا، إلا أن التوتر كان سرًا معروفًا فقط للدائرة الضيقة من الإدارة. كان ذلك أيضًا في حساباتي عندما حاولت توضيح موقف المكتب من التحقيقات في تفجير الخبر: لقد سقط اسمي من القائمة الأهم في شارع بنسلفينيا آفينو رقم 16، إلا أن ساندي بيرغر يعلم كل ذلك، وكان واضحًا في إجابته في كل مرة طرحت الموضوع معه: موقف الرئيس جليّ تمامًا من القضية، يقول لي: يريد منك أن تقوم بالتحقيقات، وقال للسعوديين ذلك. مكتب التحقيقات الفيدرالي هو المسئول، ولويس فريه هو المكلف. لقد طمأنوني أن المكتب يحظى بدعم الرئيس وتعاونه الكامل في هذه القضية. أتذكر هذه العبارة بدقة، لأن الإدارة مازالت ترددها حتى بعد ثلاث سنوات: "سنقلب كل حجر" في السعي لإلقاء القبض على القتلة وتقديمهم ليد العدالة. والمصيبة كانت أن فعل الإدارة لم يرتق إلى مستوى أقوالها.
لقد سافرت مرتين إلى المملكة العربية السعودية خلال الأشهر التالية بعد زيارتي الأولى. وفي إحدى الزيارتين، تنحى بي الأمير بندر جانبًا، وقال لي: "اسمع، لدينا الأخبار الطيبة". وببطء شديد، وعلى دفعات، بدأت الأخبار الطيبة تتجمع بشكل مفيد، وكلها تشير بشكل لا يدع مجالاً لشك إلى إيران.
(وفي تلك الزيارة نفسها، وأثناء عشاء في قصر الأمير بندر في الرياض، مد السفير السعودي المتألق لدى الولايات المتحدة يده النظيفة تمامًا إلى سنم حاشي مشوي، وسحب ملء كفه لحمًا ووضعها في صحني، وأكد لي أن ذلك شرف كبير. كانت تجربتي الأولى والوحيدة مع سنم جمل رضيع، ولكنها كانت جيدة، كانت نكهتها أقرب إلى لحم المتلة المشوي منها إلى نكهة الفروج).
وفي آذار من عام 1997، وفيما يُعد أول اختراق كبير في الحادثة، ألقت السلطات الكندية، وهي تعمل وفق معلومات استخباراتية من السعودية على سائق الداتسن في تفجير أبراج الخبر، هاني الصايغ. وأنكر الصايغ الذي كان يعيش في كندا منذ آب 1996م بجواز سفر مزور أي دور له في الهجوم، ولكنه اعترف في أيار من العام نفسه أثناء التحقيق معه في مركز اعتقال في أتاوا من قبل مساعد قاضي أمريكي والعديد من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنه كان مرة عضوًا في خلية حزب الله التي نفذت الهجوم. وقال إن الحرس الثوري الإيراني جنده في الخلية، واشترك في عمليتين أشرف عليهما العميد في الحرس الثوري أحمد شريفي.
وبعد شهرين، وفي منتصف تموز، سلمت الحكومة السورية للسعوديين مصطفى القصاب، وهو عضو آخر من خلية حزب الله المسئولة عن تفجير الخبر، ومثل العديد منهم، فهو من أهالي منطقة القطيف. وليس بعد ذلك بفترة طويلة، وأثناء اجتماع في باكستان، اعترف أساسًا الرئيس الإيراني المنتهية ولايته هاشمي رفسنجاني لولي العهد السعودي، أن تفجير الخبر تم التخطيط له، ونُفذ بمعرفة حاكم إيران الأعلى، آية الله خامنئي.
وفي الوقت ذاته، كان السعوديون يرسلون الإشارات نفسها إلى الإدارة. اجتمع خلال الأشهر الأولى بعد الهجوم، الأمير بندر ورحاب مسعود مع توني ليك، الذي مازال وقتها مستشار الأمن القومي، وساندي بيرغر، كي يضعوهما في صورة احتمال وجود علاقة إيرانية بهجوم أبراج الخبر ودراسة الاستنتاجات. تذكر أن ذلك حدث قبل أحداث 11 أيلول بأربع سنوات. بدأ التفجير وكأنه من عمل حزب الله، عميل إيران الإرهابي الحصري، وفي ذلك الوقت، كان لحزب الله، وليس القاعدة، الفضل في قتل من الأمريكيين أكثر من أي منظمة إرهابية أخرى.
لا يمكن لإنسان أعمى أن تفوته الخطوط الأساسية، ولكن لبناء نقاط الوصل ووضع النقاط على الحروف، كنا نحتاج لإذن يمكن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي من الجلوس مع السعوديين والمساعدة في إجراء التحقيقات مع المشتبه بهم، المعتقلين لدى السعودية. وقال لنا بندر وآخرون مرارًا وتكرارًا، إن ذلك لن يحدث إلا إذا مارس الرئيس نفسه ومساعدوه الرئيسيون مزيدًا من الضغط على ولي العهد الأمير عبد الله والملك فهد لتحقيق ذلك.
كان الاهتمام في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأمريكية في فوغي بوتم، رغم ذلك، في اتجاه آخر. تم انتخاب محمد خاتمي في أيار من عام 1997م رئيسًا لإيران خلفًا لرفسنجاني. إن مصطلح "معتدل" مصطلح نسبي في بلدٍ قيادته متطرفة كإيران؛ ولكن بالنسبة لفريق كلنتون المتخصص في السياسة الخارجية، بدا خاتمي أفضل أملٍ للتحرك لتطبيع العلاقات بين البلدين، وسرعان ما اتضح أن التحقيقات في تفجير أبراج الخبر، لن تكون عاملاً مساعدًا في ذلك الاتجاه.
لم يرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي تقارير إلى وزارة الخارجية، ولكنا كنا بحاجة إلى موافقتها لإرسال عملائنا إلى هناك. وفجأة، أصبح الحصول على الموافقات أصعب مما كان. وكانت وزارة الخارجية تطاردنا الآن على جبهة أخرى. لقد بدأنا أخذ بصمات وصور لكل عناصر الفرق الرياضية التي أرسلتها إيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتعليلنا كان بسيطًا: كان ضباط المخابرات دائمًا تقريبًا منخرطين في الفرق.
سيأتون إلى هنا، ويقومون باتصالاتهم، ويتأكدون من بعض المعلومات، ويعودون إلى بلدهم طهران، حيث يودعهم بعض ضباط الاتصال في وزارة الخارجية، ملوحين بأيديهم متمنين لهم سلامة الوصول. كنا نعتقد أن أخذ البصمات والصور سوف يحد من تلك الممارسات، وفي الواقع حصل ذلك، إلا أنها أيضًا أثارت غضب الإيرانيين؛ وتفاقم الغضب حتى وصل إلى البيت الأبيض، الذي أصدر تعليماته لنا بالتوقف عن ذلك.
قلت لمادلين أولبرايت، التي خلفت وارن كرستوفر كوزيرة الخارجية، إن ذلك ليس فكرة جيدة. وأجابتني:" إن الإيرانيين يشكون"؛ قلت لها: "سيشكون بالطبع"، "وتلك هي النقطة الهامة"، ولكن من دون فائدة. وفيما بعد أخبرنا مارتن إندك، الذي كان يشغل منصب مساعد وزيرة الخارجية للشرق الأوسط، أن الرئيس كان غاضبا جدًا، ولكن كنت قد تعودت على الأمر.
وهذا لا يعني أن العديد من الشخصيات المهمة والمتفانية في واشنطن، لم تقدم أقصى خدماتها في قضية تفجير الخبر. وفي هذا السياق، ينبغي ذكر بورتر غوس وآرلين سبيكتر على وجه الخصوص، اللذين لم يدخرا جهدًا في مساعدتي، وشجعوني على متابعة التحقيق إلى نهايته، بغض النظر عن التكلفة السياسية. لكن ذلك، كان يأتي من الكابيتول هيل. كنا بحاجة أن يكون الفرع التنفيذي بجانبنا أيضًا.
كانت وزارة الخارجية على الأقل شفافة في محاولتها الحؤول دون نجاحنا مع السعوديين حول تفجير الخبر. أما البيت الأبيض، فكان أكثر ضبابية، وبالتالي مثيرًا للغضب. كنا نحصل على وعد بأن الرئيس أو آلغور على وشك مقابلة ولي العهد الأمير عبد الله أو أحد الأمراء الكبار من العائلة الحاكمة؛ كنا نقوم في الحال، باعتبار أننا أُشعرنا بذلك مقدمًا، بإعداد قائمة بالنقاط الواجب مناقشتها، والتي تؤدي بالتالي إلى طلب مزيدٍ من التعاون مع تحقيقاتنا؛ ونأخذ تلك القائمة إلى ساندي بيرغر، الذي كان يشغل وقتها منصب مستشار الأمن القومي، وهو الرجل الواجب علينا مخاطبته في مثل هذه القضايا؛ وكان ساندي يؤكد لنا أن الحصول على آلية تمكننا من الوصول إلى الشهود السعوديين، هي واحدة من أولى أوليات الرئيس (أو نائبه)، وهو متأكد من أن الرئيس سيثيرها مع الجانب السعودي.
وبعدها كنا ننتظر، وننتظر، ولا شيء يحدث.
"ألم يحن الوقت"، كنت أسأل "ساندي؟".
"آه، لقد حان الوقت"، كان يؤكد لي، "ولكن في سياق آخر". ماذا كان يعني ذلك. وفي الوقت ذاته كان الأمير بندر، الذي بدأت أزعجه حول فرص الحديث بهذه القضية، يهز رأسه في المرة التالية التي ألقاه بها، ويتساءل لماذا لم يقم الرئيس كلنتون أو نائبه آلغور بطرح المسألة على شكل أمرٍ ملحٍ مع القيادة السعودية. وبعد ذلك، وفي عام 1997، تحركت وزارة العدل، التي توظفني، لإسقاط التهمة التي حصلنا عليها من هاني الصايغ، الذي ألقي القبض عليه في كندا. الأسباب كانت معقدة، فقد كان الصايغ بمثابة مشكلة عويصة. لقد بدّل أقواله أكثر من مرة. وبما أننا أصبنا بالإحباط في محاولتنا مقابلة أعضاء الخلية المعتقلين في السعودية، فلم يكن لدينا شاهد يدعم أقوالنا ضد الصايغ، حتى لو استطعنا الحصول منه على اعتراف. وبما أنني محام، كنت أفهم كل ذلك. ولكن كان الصايغ بمثابة رأس الخيط بالنسبة لنا؛ وما شاهدته من موقف احتفالي في البيت الأبيض، للتخلص منه كان له وقع حزين في نفسي.
وبعد ثلاثة أشهر، وفي الحادي عشر من كانون الأول عام 1997، قابلت في أكاديمية تدريب عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي في كوانتيكو، فرجينيا، عائلات أولئك الذين قتلوا في تفجير أبراج الخبر. كان الدافع وراء عقد اجتماع كوانتيكو بسيطًا. فقد مرَّ عام ونصف تقريبًا على هجوم الظهران، ولم تخصص لا وزارة الدفاع ولا وزارة الخارجية وقتًا حقيقيًا لإطلاع عائلات ضحايا الخبر على ما تم إنجازه. كانت عائلات الضحايا قلقة جدًا، وذلك أمرٌ مفهوم.
لم نستطع إعادة أحبائهم لهم، ولكن كان بوسعنا إخبار الآباء والأمهات، الزوجات والأزواج، الأخوة والأخوات، المخطوبات والأطفال، أننا لم ننسى أمواتهم. دعوت ساندي بيرغر لينضم إلينا ويوضح وجهة نظر مكتب الأمن القومي الأمريكي، ولكنه اعتذر؛ وكذلك فعلت كل الشخصيات الكبيرة في البيت الأبيض. ولبى الدعوة كل من جانيت رينو من وزارة العدل، وبيل كوهين السناتور الجمهوري السابق عن مين Main، الذي حلَّ مكان ليس آسبن كوزير للدفاع. ما زلت ممتنًا لكليهما، كانا داعمين وشريفين، وكان حضورهما موضع تقدير واحترام كبيرين.
استمرت اللقاءات ثلاثة أيام؛ وكنت هناك طوال الوقت ومع كل وجبة: صباحًا، وظهرًا وليلاً. جلبنا مجسمًا للبناء 131 وللحفرة، كي نشرح كيف حدث الانفجار، وعرضنا صوراً للمشتبه بهم الذين استطعنا التعرف عليهم حتى تاريخه. لم يكن عليَّ أن أخبر هؤلاء الناس أن السعوديين كانوا بطيئين بتزويدنا بالمعلومات. وعندما طلبت مني العائلات أن أعدهم بأن يستمر مكتب التحقيقات الفيدرالي بتحقيقاته، وأن يفعل كل ما في وسعه لإحقاق الحق، أقسمت لهم بأننا سنقوم بذلك، وكما كتبت آنفًا، كانت تلك دائمًا بمثابة الجائزة أمامنا. وعندما سألتني امرأة، وهي أم لرقيب أول، عمره خمس وثلاثون عامًا مات في الانفجار، لماذا سمحنا للسعوديين بحجب المعلومات عنا، ومنعنا من الوصول إلى المشتبه بهم، أخبرتها بأنني رجل أمن، ولست سياسيًا. لقد قصدت الاثنين، إلا أنني تعاطفت إلى درجة كبيرة مع إحساسها بالخذلان من وطنها، بعد أن ضحى ابنها بنفسه من أجل أمريكا.
لم يطلب منا البيت الأبيض أبدًا الانسحاب من متابعة القضية، ولم يخبرنا أبدًا بأن الإدارة كانت تطرق أبوابًا أو سياسات أخرى لتحقيق الأغراض نفسها؛ ولم تقل لنا توقفوا أبدًا. وإلى أن يقولوا، فلن نؤل جهدًا أو نتقاعس في المهمة، لقد قلعت أسناني كعميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي، عاملاً على تحطيم أكبر العائلات المشرفة على الجريمة المنظمة وتمويلها في أمريكا. ولاحقًا، عندما عملت كمساعد ونائب للمحقق العام في أمريكا، حاكمت مافوسو، الذي كان يقتل الناس لمجرد التسلية تقريبًا. وكقاضي فيدرالي، لقد شاهدت ما يحدث عندما لا تكون الحكومة مخلصة مع الشعب الذي تحكمه. قد نتخلى عن حكم قضائي مقابل شهادة تمكننا من الحصول على حكم أكبر؛ ولكن لم نهرب أبدًا من الجريمة. والآن نطوي الصفحة على جريمة قتل فيها تسعة عشر أمريكيًا لأنه اتضح فجأة أنه من غير المناسب متابعة القضية. ومع ذلك، فكل الدليل الذي بوسعي مشاهدته يوحي أن ذلك هو بالضبط ما كنا نفعله.
ومع نهاية عام 1998، كان بيل كلنتون يحاول التقرب من الإيرانيين، وكان يجد نفسه في وضع غير مريح بشكل متزايد داخليًا. كان كين ستار يطارد الرئيس، وقد أصبحت مونيكا لونسكي، ربما أكثر موظفة داخلية شهرة في تاريخ البيت الأبيض، في الوقت الذي أصبح فيه تفجير الخبر يطويه النسيان شيئًا فشيئًا. ومع حلول الصيف، تقلص عدد عملائنا الموجودين في السعودية من عدة دزينات إلى مجرد ملحق قانوني وحيد. وفي أحد الاجتماعات أتى ساندي بيرغر على ذكر السبعة عشر شخصًا الذين قتلوا في الانفجار. قلت له "على رسلك"، لقد قتل تسعة عشر وليس سبعة شر. قلتها مواربة دون أن أثقلها بالوزن الكامل للإحباط المرير الذي لا يطاق، الذي كنت أحس به، وأعتقد أنني نجحت بذلك، لأن كل واحد من الحضور تلقى تصويبي بآذان صاغية. بالنسبة لهم إنه لويس بمفرده، الذي ما زال يشكل مصدر إزعاج مستمر بخصوص تفجير الخبر.
وعليَّ أن أقول في هذا المقام، إنه بما أن اسم ساندي بيرغر، كان بارزًا في هذه القصة حتى الآن، إنني لا أكن له أي ضغينة على مستوى شخصي. كان دائمًا مثال الرجل المحترم، وكان أعضاء المكتب يحترمونه، كما أنا. وعلى غير شاكلة الكثير من موظفي البيت الأبيض، كان دقيقًا في مواعيده أيضًا، فلو قال ساندي بأنه سيعقد اجتماعًا في العاشرة صباحًا، فمن المؤكد أنه سيعقده في العاشرة؛ ويساوي ذلك ذهبًا في واشنطن بالنسبة لي.
إلا أن ساندي، قدم من جانب حملة كلنتون السياسي: كان جزءًا من الحملة الانتخابية. وحتى عندما كان نائبًا لمستشار الأمن القومي، كان يجلس في الاجتماع السياسي الذي يعقده البيت الأبيض مرة واحدة أسبوعيًا، وما كانوا يناقشون السياسة الخارجية. وعلى غير شاكلة سابقة، توني ليك، الذي كان يتمتع بخلفية أكاديمية مهنية طويلة في القضايا الخارجية، كان ساندي محامي الجوانب التجارية لشركة هوغان وهارتس العملاقة في واشنطن.
أرجو ألا تفهموني خطأً: كان لدى ساندي اهتمام مختلف في السياسة الخارجية، كنت متأكدًا من ذلك، إلا أن العدسات التي بدا أنه كان يرى كل شيء من خلالها، كانت السياسات التي تضمن إعادة انتخاب بيل كلنتون، وفيما بعد، الاحتفاظ بأسطورته لضمان بقاء الديمقراطيين في سدة الرئاسة. وكان يعني ذلك من بين عدة أشياء، عدم القيام بالواجب الأكمل اتجاه حاجات عائلات ضحايا تفجير الخبر، أو كما تراءى لي على الأقل. ولكنني لم أستنفد كل الفرص بعد.
في أيلول من العام نفسه، حجز ولي العهد السعودي الأمير عبد الله وحاشيته فندق "هي ـ أدمز"، المؤلف من 143 غرفة بكامله لمدة ستة أيام؛ ولا يفصل الفندق عن البيت الأبيض سوى حديقة لافيتي. تصورت أن الزيارة كانت آخر فرصة بالنسبة لنا. قمنا مرة ثانية بتحضير النقاط الواجب مناقشتها للرئيس. ومرة ثانية اتصلت بالأمير بندر، وطلبت منه أن يلطف ولي العهد موقفه الآن، عندما سيطرح الرئيس كلنتون ـ أو آل غور، لم أعد أكترث الآن بمن سيقوم بذلك ـ القضية عليه وبالضغط المطلوب. ومرة ثانية لم يحدث أي شيء. وقد أكد ساندي بيرغر لاحقًا أن الرئيس ضغط كثيرًا على الأمير عبد الله طلبًا للتعاون؛ ولكن لم تكن تلك هي الحال التي سمعتها.
تقول الرواية التي وصلتني من "مصادر موثوقة عادة"، كما يقولون في واشنطن، إن الرئيس كلنتون طرح القضية باختصار فقط، ليؤكد لولي العهد أنه يفهم تمامًا تردد السعوديين لمزيد من التعاون. وبعدها، ووفقًا لمصادري، طلب مساهمة الأمير عبد الله للمساعدة في بناء مكتبة الرئيس كلنتون الرئاسية التي ستبنى لاحقًا. أما غور، الذي كان من المفترض أن يكون الأشد في طلبه في الاجتماع بولي العهد، فلم يأتي على ذكر القضية إلا بالكاد، كما قيل لي.
وفي شهادة أمام اللجنة المشتركة في الثامن من تشرين الأول من عام 2000م، وصفت لأعضاء الكونغرس القضايا الصعبة المتعددة التي ينبغي تجاوزها، كي يتمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من الوصول إلى المواطنين السعوديين المحتجزين في المملكة، والذين اعترفوا مسبقًا بدورهم في تفجير الخبر، لا نريد إفساد مقاضاة المشتبه بهم وفقًا للشريعة الإسلامية؛ ونفهم أيضًا ما نوع المشاكل التي سنواجهها في كل من واشنطن والرياض، إذا ما استطعنا إثبات أن بعضًا من المسئولين الإيرانيين رفيعي المستوى كانوا وراء تفجيرات الخبر. وكان التاريخ ضدنا أيضًا، إذ لم يمنح أي عميل تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية قط إمكانية الوصول مباشرة لأي مواطن سعودي قيد الاعتقال.
وعلى الرغم من هذه المواضيع الحساسة والمعقدة جدًا، قلت للجنة: لقد "وضع السعوديون مصلحتهم جانبًا لمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي والولايات المتحدة. وبعد التأييد الذي لقيه من الأمير بندر، والأمير نايف والمباحث السعودية، قرر ولي العهد الأمير عبد الله منح عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي فرصة مقابلة المحتجزين". هذا جزء من القصة، ولكنه ليس القصة برمتها، كنت مذنبًا بخطيئة الحذف أمام أعضاء اللجنة. كان هناك رئيس مفيد جدًا في سعينا الحصول على مقابلة المحتجزين السعوديين، ولكنه لم يكن الرئيس بيل كلنتون.
إن فشل الاجتماعات خلال إقامة ولي العهد في فندق "هي ـ آدمز"، أقنعتني أنه لن يكون بوسعنا تحقيق العدالة لضحايا تفجير الخبر أو إغلاق الملف بشكل مرضٍ بالنسبة لعائلاتهم وأحبائهم، إذا ما التزمنا بقواعد الوضع الراهن. ما كان العمل يتقدم أبدًا. ومن وجهة نظر الإدارة، فالحالة قضية خاسرة، ولم يكن بوسعي أيضًا التدخل لدى المكتب البيضاوي ليغير موقفه. فمع خريف 1998م، كنت ضابط كلنتون الأول، ولكنه لم يتحدث معي منذ سنتين.
إلا أنني أعرف، على أية حال، رئيسًا آخر؛ جورج. هـ، و. بوش، وتربطني به علاقة ودية عادية، منذ أن عينني قاضيًا فدراليًا للمنطقة أثناء السنة الثالثة من إدارته. أتصل أحيانًا بالرئيس بوش الأب طلبًا للمشورة والنصيحة، وفي أحيان أخرى، أتصل لمجرد تبادل الأحاديث الودية.
وحدث مرة في إحدى المكالمات الهاتفية في أيام أيلول الأخيرة من عام 1998م، أن الرئيس السابق ذكر صدفة أنه سيلتقي ولي العهد السعودي الأمير عبد الله في ذاك السبت. قلت له:" أرجو لا تؤاخذني على سؤالي، عن ماذا تتحدث معه؟"، أخبرني الرئيس بوش الأب، أنها كانت زيارة خاصة. فمع مرور السنين عرف كل الآخر بشكل جيد. وكان الأمير عبد الله مارًا بواشنطن ثانية في هذه المرة في طريقه إلى هواي. وكانا سيلتقيان في قصر الأمير بندر في مكلين.
"حسنًا" قلت: هلا نقلت طلبًا باسمنا له إن لم يكن لديك مانع بالطبع؟"، أجابني:" بالتأكيد". قلت: نحاول إمكانية الحصول على موافقة تمكن عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي من مقابلة المعتقلين بحادثة تفجير الخبر. فلو سمع ولي العهد الطلب منكم، أعتقد أن ذلك سيكون فعالاً".
تأكدت بأنني كنت مخلصًا مع الرئيس بوش الأب. فلم يكن لدي أية نية في استخدامه ليقوم بشيء من خلف ظهر خليفته، دون أن يكون على علم بالقصة تمامًا. قلت له إننا في مأزق. إننا نحاول حتى الآن نقل موقفنا إلى السعوديين على أعلى المستويات كي نحقق خرقًا، ولكن في كل مرة يبدو فيها أنني تلقيت تأكيدات من المستويات الأعلى في إدارتنا من أن القضية ستُطرح مع الناس المعنيين في الوقت المناسب، لا يحدث ذلك مطلقًا. يمكن لمساعدتك أن تساهم في حل هذه المشكلة، ولكن لا أريد أن أضعك في موقف حرج. لم أكن أبالغ حول تلك النقطة الأخيرة، لم أبالغ أبدًا؛ ولكنن شعرت بأنني فقدت الخيارات الأخرى لتحقيق الوعد الذي قطعته على نفسي منذ سبعٍ وعشرين شهرًا، عندما كان الغبار مازال يغطي ما تبقى من البناء 131.
وعندما وافق الرئيس السابق، مما أسعدني، كتبت النقاط التي ينبغي إثارتها وأرسلتها عبر البريد المصور له. وبعد ذلك جلست منتظرًا، ولكن ليس لفترة طويلة. قال لي بوش عندما هاتفني في أصيل ذلك السبت "لقد طرحتها عليه، ويبدو أنهم مهتمون بالأمر، وأعتقد أنك ستسمع منهم". لقد سمعت صباح الاثنين من الأمير بندر. قال لي:" لوي، هل يمكنك أن تأتي إلى هنا، وتتحدث إلى ولي العهد".
بعد عدة ساعات، وفي 29 أيلول من عام 1998م، كنت أدخل بوابات قصر الأمير بندر ثانية، وفي هذه المرة بصحبة دال واتسن، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووايش فاولر، السفير الأمريكي لدى السعودية وقتها وبدافع الاستقامة والتفاني، كان فاولر يعرض مستقبله للخطر بتحديه البيت الأبيض، القيام بالشيء الصحيح حول هذه القضية. وكان ديل يرأس شعبة مكافحة الإرهاب، والتي أعيد تشكيلها جديد لاحقًا تحت اسم مكافحة الإرهاب، وكان بمثابة يدي اليمنى في التعامل مع أشد الحالات خطورة وأهمية، التي واجهها مكتب التحقيقات الفيدرالي في العقد الماضي، وكان القائد والخبير الأفضل والأكثر تأهيلاً وعلمًا، الذي حصلنا عليه في قسم مكافحة الإرهاب. وما كان لأي نجاح حققه مكتب التحقيقات الفيدرالي في هذه القضية من دونه.
قال ولي العهد السعودي بعد أن استقبلنا: "أخبرني ماذا تريد؟"، "نريد من سعادتكم، السماح لموظفينا دخول المنشأة التي تعتقلون فيها المشتبه بهم في تفجير الخُبر، وبالتالي يمكننا التحقيق معهم والعودة إلى محاكمنا ونرفع دعوة ضدهم". وأكدت له أننا، الولايات المتحدة الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، نحترم الشريعة الإسلامية، ووعدته بأننا سنفعل ما في وسعنا لعدم إفساد التحقيقات السعودية أو القضاء السعودي.
إلا أن جوهر كلامي كان بالضبط ما كنت أحاول تحقيقه منذ البداية، وهو أن يقدم واحد من أعلى الموظفين في هرم الإدارة الأمريكية بالقول لولي العهد السعودي مباشرة: "نحتاج للوصول إلى هؤلاء المعتقلين".
اقترح ولي العهد حلاً وسطًا، يمكن لموظفينا تقديم الأسئلة إلى موظفين سعوديين الذين يقومون بدورهم بإعطائها إلى المشتبه بهم؛ ويمكن لعملائنا متابعة الأجوبة مباشرة. وعندما وافقت، التفت إلى الأمير بندر وطلب منه مهاتفة الأمير نايف بتعليمات، مفادها أنه يمكن لموظفينا الوصول إلى المشتبه بهم وفقًا للخطوط العريضة الموضحة آنفًا. فبعد كل ذلك الانتظار، وكل تلك المراوغات والكلام المنمق، وكل الإحباط، هذا ما تطلبه الأمر.
لا يساورني أدنى شك أنه لولا تدخل الرئيس بوش الشخصي، ما كان بوسعنا أبدًا الوصول إلى أولئك الشهود المهمين جدًا. وعندما كنت أخيرًا قادرًا على إخبار عائلات ضحايا الخبر بدور "41"، كانوا شاكرين وممتنين بشكل لا يوصف. وأنا متأكد أيضًا أن الـ"41" — بطل الحرب، ونموذجًا للموظف الحكومي، وأحد المهندسين الأساسيين لانهيار الإمبراطورية السوفيتية خلال فترة رئاسية — سيبقى محترمًا لفترة طويلة لنزاهة الشخصية، وقيادته وإنجازاته التاريخية.
(وعلي أن أضيف، أنه عندما كنت أحضر نفسي في البداية لأروي هذه القصة في مقال لصحيفة الول ستريت، تأكدت من الرئيس السابق لأرى إن كان يمانع ذكر بالاسم طباعة بوصفه الوسيط الأساسي. فأجاب "على بركة الله" وحتى النهاية. وحصلت أيضًا على موافقة الأمير بندر على رواية القصة). بعد ستة أسابيع، وبالتحديد في التاسع من تشرين الثاني، جلس موظفونا خلف مرآة تعكس باتجاه واحد في مركز اعتقال في الرياض، في الوقت الذي ألقى عناصر المباحث السعودية 212 سؤالاً على ثمانية من المعتقلين. وفي إطار روح التعاون الجديدة، سمح لنا السعوديون الإطلاع على محاضر تحقيق شهادات معتقلين آخرين، وكذلك على دليل مادي جمعوه اعتمادًا على قضائهم. وأظهرت الأجوبة مع المواد الجديدة والمعلومات التي كشفنا الغطاء عنها سابقًا أو أعطانا إياها السعوديون، من دون أدنى شك تقريبًا، أن هجوم الخبر قد أقرته ومولته وأشرفت عليه شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة الإيرانية. وقد كان كل من وزارة المخابرات والأمن والحرس الثوري الإيراني حاضرًا في مراحل التخطيط والتنفيذ أيضًا، ثم تدريب المنفذين على أيدي الإيرانيين في وادي البقاع، لبنان، حيث يوجد حزب الله المدعوم إيرانيًا. وقد زودتهم السفارة الإيرانية بدمشق في سوريا بجوازات سفر إيرانية، مكنتهم من عبور الحدود إلى السعودية.
بالنسبة لي، كان ذلك اتهامًا مريعًا. ذهبت إلى جانيت رينو بالمعلومات، مجرد أن أصبحت الصورة واضحة، وقلت لها إنه علينا إبلاغ ساندي بيرغر؛ قمنا بإخبار ساندي بيرغر حالاً في مكتبه الواقع في زاوية الجناح الغربي الأنيق من البيت الأبيض، وكان رده الذي لا يمكن تصديقه على النحو التالي: "من يعرف هذه المعلومات؟"؛ وعبر عن رأيه أن كل هذا مجرد هراء، كل ذلك إشاعة. وإن عملاءنا جزء من المؤامرة.
وعقد ساندي فيما بعد اجتماعيًا في غرفة العمليات من الجناح الغربي للبيت الأبيض. وكان هناك بيل كوهين؛ وجنرال القوات المسلحة هنري شيلتون، الرجل الصخري الذي يشغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة؛ ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينت، وكل المسئولين الكبار المهتمين العاديين (تهكمًا، بالطبع).
كنت أعتقد أننا مجتمعون لمناقشة الخطوات التالية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة، أنه لدينا الآن دليل قوي على أن الإيرانيين، وبتورط مسئولين من أعلى المستويات، هم وراء قتل التسعة عشر عسكريًا أمريكيًا، ولكن كنت مخطئًا تمامًا. بدأ الاجتماع بكيفية التعامل مع الصحافة والكونغرس لو تسربت أخبار تورط الإيرانيين في جريمة تفجير الخبر خارج جدران الغرفة التي نحن فيها.
والجدير ملاحظته (مع أن تلك كلمة غير كافية في هذا المقام) أن موظفي ساندي قد حضروا رواية (أ) والرواية (ب)، لنشر القصة إذا ما ذاع صيتها عبر وسائل الإعلام: الرواية (أ) للجمهوريين في الكونغرس، والرواية (ب) لأولئك المراسلين المزعجين من الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، الخ. من الواضح، أن شخصًا ما كان يعاني من كابوس متواصل، ربما ظهر اسمه في الخط العريض في الصحف الرئيسية على النحو التالي: "يؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن إيران مسئولة عن هجوم الخبر".
قلت في نهاية المطاف "انتظر لحظة، هل سنتحدث عن حقيقة أن الإيرانيين قتلوا تسعة عشر أمريكيًا؟"، لم أكن الشخص الوحيد في الغرفة الذي أراد قول ذلك، فعل ذلك الجنرال شيبلتون أيضًا، كما فعله الآخرون.
ولكن كان ذلك اجتماع السيد ساندي وليس اجتماعنا، ولكن لدى مستشار الأمن القومي أشياء أخرى في مخيلته. بدا وكأننا كنا مجتمعين لتدارك الأمر، وليس للقيام بأي عمل حياله. في لحظة في الاجتماع، حاولت التقاط عيني تينت، لأعبر له ما معناه "يا إلهي، ماذا يجري؟". عوضًا عن ذلك، كان عليَّ أن أكرهه على الاستماع إليَّ عندما كنا خارجين من الاجتماع.
سألته:"هل تصدق ما جرى؟"
أجابني: "نعقد كثيرًا من الاجتماعات هنا على هذه الشاكلة".
كان الجنرال جورج شيلتون ورئيس هيئة الأركان المشتركة أقوى حلفائي. ومجرد أن أصبحت مسؤولية إيران واضحة، دعاني الجنرال شيلتون إلى الموقع المعروف بـ"الدبابة"، متعدد الطوابق في البنتاغون، لأزوده بملخص عن القضية. وكان هناك رئيس القوات البحرية شوك كرولاك، المعروف بصراحته وإخلاصه الذي قطع على نفسه وعدًا بفعل ما هو ضروري لتقديم المسئولين عن تفجير الخبر ليد العدالة؛ حتى ولو عنى ذلك موقفًا معارضًا لموقف البيت الأبيض. لم يكن هناك شيء في السنوات الثمان، التي قضيتها رئيسًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، يساوي لحظة خيبة الأمل العارمة التي عانيتها في غرفة العمليات. إنها قصة مرعبة، ولكن ملحقها أفضل.
وبفضل علاقاتنا المستمرة والمتطورة دائمًا ، مع السعوديين والمباحث، تمكنا أخيرًا من مقابلة الموقوفين في السعودية بشكل مباشر؛ وليس فقط أولئك الذين استمعنا إليهم من خلف المرآة ذات الانعكاس وحيد الاتجاه. ففي عام ، كان بمقدورنا التحقيق لأول مرة مع السعودي الشيعي مصطفى القصاب، في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، سافر القصاب من السعودية إلى إيران كي يلتقي بأحمد المغسلي، رئيس الجناح العسكري لحزب الله في السعودية.
الآن وبعد عقد من الزمن، شرح لنا القصاب بالتفصيل، التخطيط، والعناصر اللوجستية التي استخدمت في تفجير الخبر، بحيث تتبع الخيط إلى إيران بشكل لا يمكن دحضه؛ وبالنسبة لي، تم ربط المعلومات ببعضها بعضًا بشكل دقيق وصحيح بشكل نهائي. وما زال علينا الالتفاف حول رأي خاطئ من قاضية في مكتب المحقق العام الأمريكي عن مقاطعة كولمبيا؛ وهي محامية مدنية لا تعرف الكثير عن القانون الجنائي، ولكنها ذهبت أيضًا مع إدارة كلنتون — آلغور، وذهبت معها عدم مبالاتها بتفجير الخبر.
وفي أول اجتماع عقدته مع جورج. و.بوش (الابن) بعد توليه الإدارة، طرحت موضوع التحقيقات المستمرة بشأن تفجير الخبر وعبرّت له ولنائب الرئيس ديك تشيني بمدى إحباطي. قوم الرئيس الحالة بسرعة، وتفهم بسرعة استنتاجات التورط الإيراني. واقترح عليَّ التحدث إلى كونداليزا رايس، والذي أجريته، أصيل ذلك اليوم. كانت رايس متفهمة تمامًا؛ اقتنصت الفرصة، وطلبت مني متابعة الاتهام بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور (نحن محظوظون الآن بوصفها وزيرة الخارجية).
حولتني إلى النائب العام الجديد، وسمح جون اشكروفت، لجيمس .ب. كومري المفضل لي، أن يكون القاضي الجديد في القضية. إن دعم جون الكامل وحسمه في هذه القضية الهامة، نقدره عاليًا، ومكننا من الحصول على توجيه اتهام، ولم يكن هناك أنسب من جم كومري للتعامل مع هذه القضية.
لقد تعرفت على جم في نيويورك عندما كان شابًا يعمل مساعدًا لقاضي التحقيق هناك. وفيما بعد، حصل على تعيين له في مكتب ريتشموند، في موطنه الأصل فرجينيا، حيث كان يقوم بعمل ممتاز يقضي فيه بجرائم على مستوى اتحادي تستخدم فيها الأسلحة النارية، ويرسل العديد من المجرمين الخطرين جدًا إلى السجن.
(وأصبح جم لاحقًا النائب العام في مرابع طفولتي المميزة، القسم الجنوبي من نيويورك؛ وأصبح فيما بعد نائب النائب العام للولايات المتحدة الأمريكية. ومن الصعب عدم التعرف عليه في حشد من الناس إذ يبلغ طوله ستة أقدام وعشرة بوصات).
وخلال خمسة وأربعين يومًا، أنجز جم كومري ما عجزت الإدارة برمتها على انجازه في أربع سنوات ونصف. سأبقى دائمًا ممتنًا لقيادته ومتابعته لتحقيق العدالة. وفي الحادي والعشرين من حزيران عام 2001م، عادت هيئة المحلفين وأقرت اتهاماً من ستة وأربعين صفحة ضد المدعى عليهم الأربعة عشر، المتهمين بتفجير أبراج الخبر، وقتل التسعة عشر الأمريكيين.
لم يكن توقيت إقرار التهمة صدفة. لأنه لو فشلنا في إثبات التهم بحلول السادس من حزيران، فإن عددًا من التهم سوف تسقط بفعل التقادم الذي مدته خمسة أعوام. كما أنه كان هناك سبب آخر لماذا كان الواحد والعشرون من حزيران مهمًا؛ لقد اجتمع العديد من أسر الضحايا الذين قتلوا في تفجير الخبر في واشنطن في ذلك اليوم لإحياء الذكرى الخامسة في مقبرة آرلنغتن الوطنية، حيث دُفن العديد من رجال سلاح الجو هناك. لم أستطع أن أبوح إليهم مسبقًا بأن التهمة لم تُثبت بعد لأن مداولات هيئة المحلفين الكبرى سرّية. ولم أستطع وعد العائلات، حتى ومع صدور التهمة، أن أيًا من المتهمين سيقدم نفسه للمحكمة.
وأنا أكتب هذه الأسطر مازالت القضية مفتوحة، ولم يُتخذ فيها قرار بشكل نهائي. تم إصدار مذكرات بحق المتهمين الأربعة عشر وسلمت للأنتربول (الشرطة الدولية)؛ إلا أن هؤلاء المتهمين ليسوا من الناس الذين سيندفعون ويسلمون أنفسهم إلى أقرب ضابط قضاء فيدرالي أو سفارة أمريكية. وما كانت أية تهمة صادرة عن هيئة المحلفين أكثر من مجرد ورقة؛ ولكن بالنسبة لعائلات الضحايا، فقد عنت هذه الورقة بعينها شيئًا كثيرًا.
عَنَت هذه الورقة أن الحكومة قد تابعت القضية، ورغم كل العقبات والحواجز، بقينا ملتزمين بتنفيذ وعدنا بتحقيق العدالة؛ وكنا أخيرًا أوفياء لوعدنا. وفي سيرته الذاتية (حياتي)، لم يخطئ بيل كلنتون بعدد المصابين في تفجير أبراج الخبر، 3 تقريبًا في روايته مقابل 372 جرحوا حقيقة، ولكن أخطأ في سرد حقائق الهجوم.
كما يبدو أنه خلط بشكل ما بين قرار تفجير الخبر بذاك الذي سبقه والمتعلق بتفجير مبنى الحرس الوطني السعودي في الرياض، "وأخيرًا"، يكتب كلنتون "ستقرر السعودية إعدام الأفراد الذين قررت أنهم مسئولون عن الهجوم"، والأمر ليس كذلك. وسواء أكانت أخطاء كلنتون ناتجة عن سرعة الكتابة أو اللامبالاة بمصير أولئك الذين قتلوا في تفجير الخبر أو الذين ما زالوا أحياء، فإنني لست مستعدًا لإبداء الرأي.
=================
الـمــصــدر (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&*******id=9559)
=================
هذا الفصل من تلك المذكرات يمثل ورقة تضاف إلى بقية الأوراق المتعلّقة بقراءة هذا الحدث الغامض ، وهذا التعليق لم أكتبه إلا تحايلا على القانون حتى لا ينقل إلى سراديب النسيان :)
عموما
حينما اقرأ شيئا مثل هذا عن خفايا السياسة ، فإني لا أزيد إلا ازدراء لبعض السذّج الذين يقرأون الأحداث السياسية ببساطة بـَلهاء ، ثم يأتونا مجلبين بخيلهم ورجلهم ، ليـخطبوا علينا عبر منابر الشبكة ، ولا تسل عن الخطباء السياسيين في مجتمعاتنا العربية فالجميع يحلّل الأحداث السياسية بثقة دكتور في العلوم السياسية !
بانتظار تعليقاتكم على هذا الفصل من تلك المذكرات
دمتم بخير
11-11-2007
تأليف: لويس فريه / رئيس مكتب ال إف بي آي السابق،
http://www.u11p.com/ar/upfiles/umd22273.jpg (http://www.u11p.com/ar/)
كنت أعتقد أننا مجتمعون لمناقشة الخطوات التالية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنه لدينا الآن دليل قوي على أن الإيرانيين، وبتورط مسئولين من أعلى المستويات، هم وراء قتل التسعة عشر عسكريًا أمريكيًا، ولكن كنت مخطئًا تمامًا. بدأ الاجتماع بكيفية التعامل مع الصحافة والكونغرس لو تسربت أخبار تورط الإيرانيين في جريمة تفجير الخبر خارج جدران الغرفة التي نحن فيها
بقلم خدمة العصر
العصر: (نقدم للقراء الكرام ترجمة لأهم فصل من كتاب رئيس مكتب ال إف بي آي السابق، والذي صدر بعنوان: "عندما كنت رئيساً لمكتب التحقيقات الفيدرالي: من تحطيم المافيا إلى التحقيق مع الرئيس بيل كلنتون فخوض الحرب ضد الإرهاب"، وخصص الكاتب هذا الفصل للحديث عن تفجير "الخبر" في السعودية وقصة نشأة حزب الله السعودي وعلاقته بالحدث، وارتباط إيران بالتفجير، كما أن في الفصل نقاشا مهما للخلاف الذي كان مؤثرا بين كلينتون وأعضاء حكومته).
قبل العاشرة مساءً بالتوقيت المحلي بقليل في الخامس والعشرين من حزيران من عام 1996م، توقفت سيارة من نوع داتسن يقودها هاني الصايغ، وهو عضو بارز في الفرع السعودي لحزب الله، أو "حزب الله"، في الزاوية البعيدة لموقف السيارات الملاصق للبناء 131 في قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران، على طول الخليج العربي الغني بالنفط في المملكة العربية السعودية.
وكان البناء المؤلف من ثمانية طوابق، جزءًا من مجمع سكني يعرف بمجمله بـ"أبراج الخبر"، وكان وقتها مأوىً لأكثر من ألفين من القوات الأمريكية والبريطانية، والفرنسية والسعودية، وكان البناء 131 يقطنه حصرياً أفراد القوة الجوية الأمريكية، التي كانت تطبق قرار حظر الطيران، الذي كان يجري تنفيذه في جنوب العراق منذ نهاية حرب الخليج الأولى، وكان مع الصايغ في سيارة الداتسن عبد الله الجَرَش الذي تم تجنيده في صفوف حزب الله في مقام السيدة زينب في دمشق.
وبعد عدة دقائق، دخلت سيارة شفروليه بيضاء ذات أربعة أبواب من نوع كابريس موقف السيارات وانتظرت كي تقوم سيارة الداتسن بإشعال وإطفاء أنوارها الأمامية بسرعة معطية بذلك إشارة واضحة تمامًا. وعندما فعلت سيارة الداتسن ذلك، تبع صهريج سيارة الشفروليه إلى موقف السيارات. وقد تم شراء ذلك الصهريج في وقت سابق من ذلك الشهر من وكيل سيارة سعودي، بمبلغ 75 ألف ريال سعودي تقريبًا، وأُخذ إلى مزرعة خارج القطيف، تقع على بعد مسافة عشرين دقيقة أو نحو ذلك. وهناك تم تجهيزه بحوالي خمسة آلاف باوند من المتفجرات بحيث أصبح قنبلة ضخمة.
وبعدما توقف الصهريج بجوار السياج، تمامًا أمام الحائط الشمالي من البناء 131، قفز السائق، أحمد المغسلي، وهو قائد الجناح العسكري لحزب الله في السعودية وزميله علي الحوري، وهو منظم عناصر أساسي في حزب الله، من الصهريج مسرعين إلى سيارة الشفروليه وانطلقا بسرعة تتبعهما سيارة الداتسن، وكان الرقيب ألفيردو غيرورو يقوم بمهمة الحراسة من على سطح البناء 131 عندما رأى السائق والراكب ينزلان من الصهريج، والسيارتان تنطلقان مسرعتين.
وقام غيرورو وحارسان آخران بإطلاق جرس الإنذار بعدما تأكدوا تمامًا بأنهم كانوا يحدقون بقنبلة في موقف السيارات أسفل منهم، وبعد ذلك نزل غيرورو، الذي بدأ عمله في الظهران منذ شهر واحد فقط، مسرعًا عبر الطوابق العليا من البناء 131 محذرًا الناس بإخلاء المكان مباشرة. وقد أخلى الرقيب القسم الأكبر في طابقين عندما انفجر الصهريج مخلفًا حفرة عمقها /35/ قدمًا وعرضها /185/ قدمًا ومدمرًا الواجهة الشمالية من البناء تمامًا.
وبرغم بطولة ألفيردو غيرورو، الذي نجى بدون إصابات بليغة إلا أن تسعة عشر أمريكيًا قتلوا في أبراج الخبر، ونقل أكثر من ستين آخرين إلى المستشفيات. وقد أصيب ما مجموعه 372 عسكريًا أمريكيا في التفجير. وقد كان تفجير الخبر الهجوم الأكثر دموية على مواطنين أمريكيين خارج الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثة عشر عامًا، منذ هجوم تشرين الأول عام 1983 على معسكرات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت، لبنان الذي أودى بحياة 241 من مشاة البحرية. وربما كان العدد النهائي أكبر من ذلك بكثير. وبسبب السرعة، أوقف السائق الصهريج عموديًا مع البناء 131؛ ولو أوقفه متوازيًا، ووزعت قوة الانفجار على طول واجهة أوسع، فلربما نجم عنه تدمير البناء وبخسارة أعظم في الأرواح.
كنت مع زوجتي مارلين وأطفالنا في زيارة لوالديّ في منزلهم في نورث بيرغن في مقاطعة نيوجرسي عندما وقع تفجير الخبر. وكان الخامس والعشرون من حزيران، 1996 يوم ثلاثاء، وليس يوم سبت أو أحد، إلا أن اليوم منحنا فرصة نادرة للاجتماع سوية. وحرصت على أن يكون جدول أعمالي خفيفًا، وبنفس القدر من الأهمية، فلم يبق على دوام المدارس سوى بضعة أيام، وسرعان ما ستبدأ المعسكرات الصيفية والنشاطات الأخرى. اقتنصت وزوجتي مارلين فرصة صغيرة، ولكن سرعان ما بدا كما يحدث غالبًا في الحياة المفعمة بالحركة، أن الفرصة تلاشت تمامًا قبل أن نستغل منها أي شيء. كانت أمي تحضر العشاء للعائلة عندما هاتفني مركز قيادة التحقيقات الفدرالي ليخبرني أن الانفجار قد حدث منذ نصف ساعة. (توقيت السعودية يسبق توقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية بسبع ساعات). لم أسمع قط بأبراج الخبر، ولكن لم يكن ذلك مهمًا. بدأت وزوجتي مباشرة بوضع الأطفال وأمتعتهم ثانية بالسيارة.
كان وليم سيسن، الذي عمل قبلي مباشرة كرئيس لمكتب التحقيقات الفدرالي قد سافر بكثير من التفاصيل الأمنية بما في ذلك صحبة سائق. ربما كان حكيمًا في فعله ذلك؛ فالعالم مليء بالمشاكل. ولكنني كنت نفسي عميلاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وواحدًا من المتذمرين، ولم أختر أسلوب الحياة الراقي الذي أعيشه الآن بحكم أنني أدير المكان، ولم أرغب لا أنا ولا زوجتي في أن يكبر أطفالنا معتقدين أنهم في سجن محمي، أو أن عليهم السفر في حراسة كي يزوروا أجدادهم.
كنت أقود سيارتي وحيدًا باتجاه نيوجرسي تيرن بايك، عندما ناقشت الهجوم لأول مرة مع النائب العام جانيت رينو، وهي رئيستي المباشرة، وأول خطوة للتواصل مع إدارة كلنتون. وتحدثت أيضًا مع ما كان يشغل وقتها منصب نائب مستشار الأمن القومي سامويل ر.ساندي بيرغر في الساعات الأولى بعد الهجوم.
وكان ساندي، الذي تقلد منصب المستشار الأساسي في السنة التالية بعد استقالة أنتوني ليك، يساعد على تنسيق جهود الاستجابة الأمنية القومية، وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي جزءًا هامًا من ذلك. كان خط هاتفي في السيارة غير آمن، وبالتالي فلو كان لدى جانيت وساندي معلومات أكثر مما لدي سلفًا، فما كان بوسعهما تبادلها معي. كان لدينا جميعًا في تلك الساعات الأولية بعد الانفجار والأشهر التي تبعته، مزيدًا من الأسئلة وقليلاً من الأجوبة.
وبعدما ضُربت أبراج الخبر بست ساعات ونصف، وبعدما دُمر المبنى 131 ـ في حوالي الساعة العاشرة مساءً وفقًا لتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية ـ كنت وزوجتي مارلين ندخل في طريق جريت فولز، في فرجينا، تمامًا عندما كان بيل كلنتون يعلن للشعب لأول مرة عن الهجوم في خطاب مقتضب من المكتب البيضاوي.
"يبدو أن التفجير من عمل إرهابيين"، قال الرئيس. "وإذا ما كان الحال كذلك، فإنني مثل كل الأمريكيين، أغلي غضبًا بذلك. وينبغي ألا يفلت الجبناء الذين ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء من العقاب. وخلال ساعات قليلة، سيكون فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي في طريقه للمملكة العربية السعودية للمساعدة في التحقيقات". وختم الرئيس حديثه بترديد نقطة ذكرها آنفًا:" دعني أقول ثانية: سنتابع هذه المسألة" قال ذلك بصوت غاضب:" أمريكا تهتم بمصالح أبنائها. ينبغي على أولئك الذين فعلوا ألا يفلتوا من العقاب". تلك كانت كلمات ووعد، لن أنساهما أبدًا.
بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كان تفجير الخبر بمثابة صرخة للعمل. فقد كانت مسؤوليات المكتب الأساسية وستبقى محلية، ولكن خلال السنوات الثلاث الأولى من عملي كمدير له، كنا نوسع من نطاق مجالنا على مستوى عالمي. فقد توسع نطاق الجريمة والإرهاب وأصبح متعدد الجنسيات، وعلينا أن نفعل ذلك أنفسنا إن كان علينا مواجهته بفعالية ضمن حدودنا. وعلى المكتب أيضًا مسؤولية محددة تتجاوز حدودنا الجغرافية حيث التفجيرات قتلت أمريكيين؛ منحنا ذلك حقًا قضائيًّا وعلينا ممارسته بأقصى سرعة.
يمكن للمواقع التي وقعت فيها الجريمة أن تفقد أهميتها بسرعة بحيث يضيع الدليل أو يُشوه لدرجة يصبح بها عديم الفائدة تمامًا. يمكن للجهود الحميدة لتنظيف الموقع من مصيبة إنسانية أن تأتي على معلومات حيوية جدًا عن زوايا الصدمة، وحجم الانفجار، وطبيعة المواد المتفجرة المستخدمة نفسها. غالبًا، ما تكون البقايا الأصغر والأسهل على الضياع الأكثر إظهارًا للحقيقة. إن قطعة صغيرة من لوحة دارة لا يتجاوز حجمها ظفر الإصبع، وُجدت في الحقول حول لوكربي في اسكتلندا هي التي أدت في نهاية المطاف إلى الليبيين اللذين فجرا طائرة بانام الرحلة 103 في السماء. لا نرغب في فقدان شيء كهذا في هذا الحادث. يمثل كل ذلك إجراءً قياسيًّا عاملاً بالنسبة لأي موقع جريمة، ولكن كان واضحًا منذ البداية أن الهجوم على أبراج الخبر لم يكن حدثًا إجراميًّا عاديًّا. ولسبب بسيط، لأنه وقع في مكان غير عادي. ومع أنها تصنف منذ أمد بعيد بأنها واحدة من أهم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط تعتبر السعودية بأنها واحدة من أكثر المجتمعات انغلاقًا. وقد اجتمعت المصاعب العادية المتمثلة السماح بالوصول إلى موقع الجريمة على أرض أجنبية وتأسيس صلات متبادلة مع السلطات المحلية ـ وتلك مهمة ليست سهلة أبدًا عندما تطير بعملاء لإجراء التحقيقات في هذه الحالة ـ ليس بالسرية التي تلف كل شيء بالجزيرة العربية فقط ولكن أيضًا بحاجات إثبات الدليل الخاصة التي يتطلبها نظام قضائي يعتمد على قانون الدين الإسلامي، أي: الشريعة الإسلامية. فكما يمكن لحماسة السعوديين الزائدة في موقع الجريمة أن تدمر الدليل بالنسبة لنا، يمكن لعدم مراعاتنا لخصوصيات القضاء السعودي أن تدمر مصداقية الدليل الذي نقدمه أو قبوله عند السعوديين. وهناك إمكانية حقيقية أيضًا، مفادها أنه بغض النظر عن المكان الذي تم فيه التخطيط للهجوم وبغض النظر عمن نفذه، قد ينطوي الأمر على اشتراك بعض الأصوليين المحليين بالهجوم.
وقد كان سفير السعودية القوي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمير بندر بن سلطان، سريعًا للإعلان عن مكافأة قدرها عشرة ملايين ريال (تساوي وقتها حوالي ثلاثة ملايين دولار أمريكي) لأي شخص يدلي بأية معلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على منفذي الهجوم، ولكن يعتمد نظام الحكم في السعودية على توازن حساس بين العائلة الحاكمة بشكل كبير والحركة الوهابية، وهي الحركة الإسلامية الأكثر محافظة، التي يسيطر عناصرها على الشوارع والجوامع. وهل كان المهاجمون أجانب أو إرهابيون من الداخل. وفي أي الحالتين، كنا وسط ترتيبات مزعجة تمامًا وغير مريحة لكلا الطرفين.
في الخريف السابق، وبعد هجوم مماثل على مجمع في الرياض حيث كان متعاقدون أمريكيون مدنيون يدربون عناصر من الحرس الوطني السعودي، ألقت السلطات القبض على مجموعة من المشتبه بهم واستجوبتهم على مدى فترة امتدت عدة أشهر. وقبل هجوم الخبر بشهر تقريبًا، بثت السلطات السعودية اعترافات المتهمين على شاشة قناة تلفزيونية حكومية، وبعد ذلك تم قطع رؤوس النادمين قبل أن تتاح لنا الفرصة لاستجوابهم، أو حتى الحضور أثناء تحقيقات يجريها السعوديون. ومرة ثانية، طرحت سرعة تنفيذ الأحكام في السعودية لدى إدارة كلنتون أسئلة عن الغرض الذي تم تحقيقه: العدالة أم النفعية؟
لدينا الآن مبرر قضائي في هذه الجريمة أكثر مما كان لدينا في التفجير السابق ـ تسعة عشر عنصرًا عسكريًا مقتولاً مقارنة بخمسة عناصر مقتولين من المتعاقدين مع وزارة الدفاع ـ ولكن لم تكن هناك أية ضمانات في أن العائلة السعودية المالكة سترى الأمر بهذه الطريقة، أو أنها ستتعاون لدرجة أكبر حتى لو رأت المسألة بهذه الشاكلة. ومن بدون ذلك التعاون، سننتهي مرة أخرى كمن يراوح في مكانه. وحالما أوصلت الأطفال وحقائبهم إلى المنزل، عدت أنا وزوجتي مارلين وقطعت مسافة الأربعة وعشرين ميلاً عودة باتجاه واشنطن، وبالتحديد إلى مركز القيادة في المقر الرئيسي لمركز التحقيقات الفيدرالي في بنسلفينا آفينو.
في تلك الأيام، كان الاسم الرسمي للمكان كبيرًا "مركز التحقيقات الإستراتيجية والعمليات"، بحجم المكان نفسه تقريبًا: ثلاثة غرف في الطابق الثالث، ربما كانت مساحتها الإجمالية ألفي قدم مربع، مكتظة بأجهزة المراقبة والهواتف الأمنية بخطوط مباشرة إلى البيت الأبيض، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة الدفاع، ووكالة الأمن القومي، وأمكنة أخرى. وحتى قبل تفجير أبراج الخبر، كان المكان يضيق بنا. فقد انتهى حصار دام واحداً وثمانين يومًا في مونتانا، باستسلام الستة عشر عنصرًا الباقين من المتشددين ضد الحكومة المعروفين بـ"الرجال الأحرار"، والذين كانوا قد اختبئوا في مجمع ريفي.
وتركتنا الذاكرة الطويلة للنهاية النيرانية للحصار، الذي دام واحداً وخمسين يومًا في مجمع برنانش دافديان في واكو، في تكساس قبل ثلاث سنوات، على أشد درجات الحيطة واليقظة خلال محنة موناتانا، (وما زالت صور ذلك الحصار، الذي دام أحدَ عشر يومًا، والذي أشعله مارشالات الجيش في روبيريدج في إيداهوا 1992 حية في ذاكرتنا) وسرعان ما سيظهر أن تفجير الخبر نفسه سيكون بمثابة الطلقة الأولى في صيف مليء بالمحن.
فبعد ثلاثة أسابيع، وبالتحديد في السابع عشر من تموز، انفجرت طائرة TWA، الرحلة 800 بالقرب من لونغ آيلاند بعد دقائق من إقلاعها من مطار جون.ف. كيندي الدولي، مودية بحياة كل الركاب على متنها وعددهم 230 راكبًا. لم يعرف أحد سبب سقوطها: هل كان ذلك بسبب عطل ميكانيكي، أم قنبلة، أو بصاروخ أرض-جو، بدت كل تلك الاحتمالات معقولة في المراحل الأولى.
وبعد عشرة أيام، انفجرت قنبلة في سينتيال بارك في أتلانتا أثناء قمة الألعاب الأولمبية الصيفية. وبسب تراكم المحن واحدة فوق الأخرى، كان لدينا موظفون متروكون في الأروقة، يجرون تحقيقات على درجة عالية من الحساسية على خطوط الهاتف العادية. لم يكن لدينا أيّ خيار آخر. وأخيرًا سيكون لدينا مركز قيادة جديد، يبلغ حجمه عشرة أضعاف المركز الحالي (سميته "بوش 41" جاهزًا في عام 1999، ولكن مازال هناك ثلاث سنوات حتى ذلك التاريخ. أما بالنسبة للوقت الراهن، كان لزامًا علينا التعامل مع ما هو متوفر، وكان المكان مزدحمًا بشكل لا يمكن تصوره).
كان مستشاري للأمن القومي روبرت براينت، الملقب بـ"الدب"، ينتظرني. وكذلك كان جون أونيل، رئيس قسم برانيت المكلف بمتابعة قضايا الإرهاب، وبعض الموظفين الآخرين برتب مماثلة. (وتسلم منصب رئيس شعبة الأمن لمركز التجارة العالمي في أيلول 2001م، وقُتل في أحداث أيلول من العام نفسه، عندما انهار البرج الشمالي).
وفي رأيي، كان براينت أفضل موظف لدينا على الإطلاق، للتعامل مع الحالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والمخابرات. كان صلبًا كالصخر، وذكيًّا، وموهوبًا بشكل لا يصدق؛ وكان يهتم كثيرًا بالناس الذين كانوا يعملون معه أكثر من أي إنسان آخر عرفته. ومع حلول منتصف الليل ورحيله، كنا نفكر بالتقارير الإستخباراتية، محاولين صياغة نظريات حول الهجوم.
ما زالت المعلومات قليلة، وكان ذلك أمرًا موحيًا بحد ذاته؛ فلو كان حدث مثل تفجير الخبر من عمل مجموعة غير منظمة أو من رتبة الهواة غير المحترفين، لكانت محطات التنصت في وكالة المخابرات المركزية ووكالة الفضاء الأمريكية، مسرورة الآن بتسجيل أحاديث على صلة بالحدث، حيث يتصل المشاركون بزوجاتهم وإخوتهم، ليحتفلوا بالحدث العظيم، أو بل الأفضل يتصل كلٌ بالآخر للتخطيط لعقد موعد، أو للتخطيط لهجومٍ ثانٍ. وبقدر ما تكون درجة تنظيم المخططين والمنفذين عالية، تكون درجة صمت محطات التنصت رهيبة. وحتى الآن، على الأقل، بقي مهاجمو الخبر وأسيادهم صامتين كالموت، وتلك إشارة قوية أنهم من بين مؤيدي القيام بفوضى على مستوى عالمي.
وكنظرية ممكنة، فإن أفضل ما كان بوسعنا فعله في هذه الفترة القصيرة، افتراض أن هذا الهجوم هو استمرار للهجوم السابق على قوات الحرس الوطني السعودي. وذلك الهجوم نفذه كما أُخبرنا سنَّة منشقون في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، كانوا غير راضين على العائلة الحاكمة، وكانوا من مؤيدي أسامة بن لادن، وهو الفرد الأسوأ لعائلة من أغنى عائلات المملكة؛ لم يكن لدينا بالطبع أي تأكيد مباشر عن ذلك الإدعاء. فقد قُطعت رؤوس الأشخاص المعنيين، ومن دون مشاوراتنا، ولكن مع غياب أي خيوط يمكننا متابعتها، بدأنا بجمع معلومات استخباراتية من عدة مصادر متنوعة عن السنة المتشددين والشبكات التي تدعمهم.
ومع ذلك، لم تحل أي من تلك المعلومات ما كنا نعتبره جميعًا في الغرفة أكثر الحاجات إلحاحاً، ألا وهو إمكانية الوصول إلى موقع الانفجار. لقد ارتقى المكتب بالمسئولية لينفذ وعد الرئيس كلنتون: حيث كان /150/ عنصرًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي، بما في ذلك موظفون ومحللون مخبريون، وخبراء، وخبراء أدلة شرعية، في طريقهم إلى الرياض.
وكان بإمكاننا إرسال عشرة آلاف عنصر آخر إلى هناك؛ ولكن ذلك لن يقدم في الأمر شيئًا، إلا إذا كان بوسعنا نقلهم إلى موقع الجريمة ونضمن تعاون مضيفينا. تطلب ذلك تدخل العائلة المالكة، والشخص الوحيد الذي عرفته عن بعد، وفيه المؤهلات المطلوبة، كان السفير السعودي، الأمير بندر؛ تناولت الهاتف وهاتفته. تلقى الأمير مكالمتي تلك الليلة، ولا يمكن أن يكون أكثر كرمًا مما فعل. قلت له إننا بحاجة لأن نعمل سويًّا؛ ونريد أن نتعاون مع السعوديين على أرض المملكة؛ ولكن بداية نحن بحاجة لمساعدتك، وكان جوابه ما كنت أتمناه: من فضلك تفضل لمقابلتي.
يتربع الأمير بندر على ذروة المجتمع الدبلوماسي والسياسي في واشنطن. ينتظر السفراء الآخرون في طوابير لمقابلة الرئيس؛ عمليًا لدى الأمير بندر مفتاحه الخاص إلى المكتب البيضاوي.. وبفضل العلاقة الخاصة مع السعوديين، وبسبب التهديدات التي وُجهت ضده، فهو السفير الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتمتع بحماية خاصة من وزارة الخارجية.
وحفلات بندر خيالية؛ وقصره في مكلين ـ فيرجينا، حيث يعيش ويمضي وقته، أسطوري. تساءلت وأنا أمر بين البوابات الحديدية تمامًا بعد طريق فرجينا رقم 123، الذي يفضي إلى القصر، من هم الذي ينتظرونني الآن وكم عددهم. لقد أتيت بمفردي، لأنني شعرت أنه كلما كان بوسعي والأمير أن نتفق على أشياء على أسس شخصية، بقدر ما يكون نجاحنا أكبر الآن وفي المستقبل. وكما اتضح، لم يكن مع بندر سوى نائبه الرئيسي، ذا الكفاءة العالية تمامًا، رحاب مسعود، وبالنتيجة، يشغل منصب النائب الأول لرئيس البعثة الدبلوماسية السعودية في الولايات المتحدة.
وخلال الزيارة التي استمرت لمدة ساعتين تقريبًا، بما في ذلك الغذاء، وضعنا نحن الثلاثة أكثر من نظرية حول الهجوم. بدا أن الأمير ومسعود، وكلاهما محللان ممتازان، ليس لديهما معلومات أو أفكار أكثر مما لدى المكتب عما يمكن أن يكون مسئولا عن التفجير، ولكن كان لدى بندر معلومة جديدة اعتماداً على معلوماته السابقة قدمها لنا.
لقد علمت للمرة الأولى أن حزب الله كان نشطًا في المنطقة الشرقية من السعودية، التي تقطنها غالبية شيعية، حيث وقع التفجير. ومع أن مقر حزب الله هو في لبنا،ن إلا أنه يتلقى أوامره ويتلقى دعمًا ماديًا ولوجستيًّا من طهران، وخاصة من جهازي إيران الاستخباريين: فيالق الحرس الثوري الإسلامي، ووزارة الاستخبارات والأمن.
طرح ذلك احتمالية أن تكون الحكومة الإيرانية على علم بتفجير أبراج الخبر وقد دعمته. وافق بندر أن ذلك ممكننًا، ولكنه شك في أن يكون الأمر كذلك. وقال: لو أن إيران وافقت رسميًا على تنفيذ هجوم في الأراضي السعودية فإن ذلك سيكون خطيرًا جدًا، ويمثل انعطافًا خطيرًا في العلاقات والأحداث. سأعمل معك ومكتب التحقيقات الفيدرالي للحصول على ما ترغب. "لقد أخبرني الرئيس كلنتون بأنك المكلف بالحادث"، هذا ما قاله الأمير قبل انتهاء اللقاء بقليل. واتضح أن الأمير بندر كان صادقًا في وعده، وكانت تلك بداية صداقة أصبحت أقوى وأقوى، بعدما عرفته ووثقت به.
قلت: "ما نحتاجه أولاً وصول الفريق الذي نرسله الآن إلى موقع الانفجار؛ ونريد أيضًا أن نتحدث مع قوات الأمن لديكم ونعمل معها مباشرة". وعدني بندر بأن يهاتف الأمير نايف، وزير الداخلية السعودي، كي يسهل مهمة الجيش الصغير من موظفينا، الذي كنا نرسله جوًا إلى أرض المملكة. وسألني: "هل تعرف أي شيء عن قوات الأمن لدينا؟،"حسنًا ـ ضحكت ـ "لدينا عميل في روما ...". كانت روما، حقيقة، أقرب مكان، كان بوسعنا تأسيس محطة لعميل لنا للتعامل مع السعودية. التعامل مع الرياض، بالطريقة التي اعتاد المبشرون استخدامها، للتعامل مع القرى الصغيرة البعيدة في الغرب القديم: مرتان في العام أو نحو ذلك. وبتدخل بندر، سيكون بوسعنا قريبًا توظيف عميل ينطق العربية يعيش في الرياض بشكل دائم، وتلك قفزة هائلة للأمام. ورغم تعاونه غير المحدود، لم يكن بوسع الأمير بندر أن يكون صريحًا معي تمامًا في اجتماعه الأول. لقد علم قبل شهرين أن السلطات السعودية ألقت القبض على مواطن سعودي من القطيف، يدعى فضل العلاوي، عندما كان يحاول الدخول إلى السعودية عبر الحدود الأردنية في سيارة محملة بثمانية وثلاثين كيلو غرام من المتفجرات البلاستيكية. واعترف العلاوي أثناء التحقيق للسعوديين، أنه قام بسلسلة من أعمال الاستطلاع على أبراج الخبر، وقال إن السيارة بمتفجراتها المخبأة قد سُلمت إليه في بيروت، وقادها من لبنان عبر سوريا إلى الأردن ومن ثم إلى الحدود.
ومع بداية نيسان، تم إلقاء القبض في السعودية على ثلاثة متآمرين آخرين. وفي الوقت الذي كان بندر يروي لي القصة على مدى الأسابيع القليلة التالية، أصبح واضحًا أن السعوديين شعروا بأنهم اعترضوا الخطة وقضوا على الخلية الإرهابية التي كانت ستنفذها. في الواقع، كان في المملكة العديد من الخلايا التابعة لحزب الله، فكلما اُكتشف أمر واحدة وألقي القبض على أفرادها، كان المتآمرون يفعّلون أخرى. لو علمنا عن الاعتقالات السابقة، لكنا بالتأكيد ضاعفنا من إجراءاتنا الأمنية في الظهران؛ من المحتمل جدًا أنه كان بوسعنا اعتراض الصهريج قبل أن يتم تفجيره؛ ولربما كان التسعة عشر الأموات، أحياءً الآن. هناك ثمن باهظ جدًا للاحتفاظ بذلك النوع من المعلومات الخطرة جدًا، إلا أن السرية أسلوب حياة في ذلك الجزء من العالم؛ ويمكن لبندر القول، على ما أعتقد، إنه أخبرني بكل ما يستطيع البوح به في اجتماعنا الأول حول وجود حزب الله في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، إضافة لذلك، فإن إدراك عواقب الحدث بعد وقوعه هي دائمًا 100/100، وعلينا التعامل مع ما كان وليس مع ما كان يحتمل أن يكون. وعندما عدت إلى مكتبي، هاتفت جانيت رينو وساندي بيرغر، وأخبرتهما بأنني أجريت نقاشًا مثمرًا للغاية مع بندر. وهكذا أصبحت الأرض ممهدة تمامًا للفريق الذي كنا على وشك إرساله. فسيكون بوسع محللينا، وخبراء الأدلة الجنائية الوصول إلى موقع الجريمة.
التقيت في أصيل ذلك اليوم بجون دويتش، وكان وقتها رئيس المخابرات المركزية الأمريكية، وأخبرته بالشيء نفسه. وفي كلتا الحالتين، مررت ذكر الأمير بندر لوجود حزب الله في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية؛ وأضافت تلك المعرفة مزيدًا من التعقيدات ولكن في غياب أي دليل قوي، بقيت نظريتنا المعتمدة كما كانت وبالتحديد، تفجير الخبر مصدره محلي، وربما اتصل بالتفجير الأسبق على بناء الحرس الوطني؛ وذلك شأن داخلي بالنسبة للسعوديين، على الأقل.
وبعد يوم أو أكثر بقليل، كنت أنا وبير براينت، وجون أونيل وبعض الآخرين على متن طائرة في مطار قاعدة أندروز الجوية على خطى موظفينا الذين سبقونا إلى الصحراء. كان عليَّ زيارة المملكة العربية السعودية عدة مرات خلال السنوات القليلة التالية، ولكن كانت هذه أول زيارة لي إلى هناك. وما لم تطأ قدماك ذلك المكان، أعتقد أنه لا يمكن لأي شيء أن يعطيك صورة صحيحة عن الحرارة الشديدة هناك.
فبعد رحلة جوية استغرقت سبعة عشر ساعة، أخذتنا عبر فرانكفورت في ألمانيا في جو مكيف مريح تمامًا، بفضل الخدمة التي قدمتها السرية التاسعة والثمانون من نخبة القوى الجوية، وهم نفس الأشخاص الذين يشرفون على سفر الرئيس جوًا، نزلت من الطائرة مرتديًا بذلتي الزرقاء الرسمية. كانت الساعة حوالي الثانية أصيلاً حسب التوقيت المحلي. كانت درجة الحرارة حوالي /120/ درجة فهرنهايت، وكان علينا قضاء يوم آخر في الظهران.
وكان هدف زيارتنا النهائي على بعد 225 ميلاً غربًا، أي: في الرياض. لقد قام الأمير بندر بالترتيب لزيارة مجموعتنا الصغيرة، لتلتقي بالعائلة الحاكمة، بما في ذلك الملك فهد والأمير نايف. وقد وصل الأمير بندر قبلنا إلى الرياض كي يعمل بمثابة المترجم. ولكن كان ذلك في وقت متأخر من المساء، وكان عليَّ أن أعرف أنه كان متأخرًا جدًا، أما الآن، فكنت أرغب في زيارة ما تبقى من البناء 131.
كان القائد الأمريكي في القاعدة الجوية، وهو جنرال بنجمة واحدة، موجودًا لاستقبالنا واصطحبنا إلى موقع أبراج الخبر. أعتقد أنه لم ينم طيلة الأيام الثلاثة الماضية أبدًا. كانت علامات الإرهاق مرسومة عليه كاملاً، وكان يبدو عليه إحساس بالمسؤولية الشخصية، بأنه لم يقم بما يكفي لحماية الرجال والنساء الذين كانوا يعملون تحت أمرته. (وفي الحقيقة، طُرد فيما بعد من الخدمة، بسبب إدعاءات بأنه لم يتخذ إجراءات أمنية مناسبة في القاعدة).
وفي موقع الجريمة، مدَّ السعوديون سجادًا، وبالتالي يمكن للناس مشاهدة المختصين وهم يعملون ـ من سعوديين وأمريكيين ـ دون الحاجة للوقوف على رمل تغوص فيه حتى كامل قدميك. كان المشهد نفسه مرعبًا. كان في الفوهة الواسعة، حيث انفجر الصهريج ماءٌ طيني اللون زلقًا يغطي القعر. وما عدا ذلك، بدا البناء 131، وكأن حيوانًا ضخمًا خرافيًّا قد سلخ واجهته.
لقد دمر الانفجار، الذي سُمع بوضوح على بعد عشرين ميلاً في البحرين، كل شيء كان في طريقه ونثره. لقد تم رسم دائرة باللون الأحمر حول البقايا الإنسانية التي تم العثور عليها، ولكن لم يتم التعرف عليها بعد، وذلك تذكير مرعب بضعف الحياة الإنسانية. وقد امتلئ موقع الجريمة بفراشي الشعر، وإطارات الصور، وقطع من الملابس، أشياء قُذف بها من غرف الثكنات التي لم تعد محاطة بأربعة جدران.
وعندما دنونا من موقع الجريمة من بعد، بدأ وكأنه يغص بنحلات عاملات نشطات، يسرعن بهذا الاتجاه وذلك. ولكن عندما اقتربنا أخذت النحلات شكل وجوه بشرية. معظمهم — من عناصرنا، وعناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي، والشرطة السعودية الذين كانوا يعملون معهم ـ عَمِل دون توقف ليوم ونصف: يتعاملون مع الأشلاء البشرية، ويستخدمون غرابيل ضخمة لغربلة الرمل، بحثًا عن أي دليل شرعي قد يكون طمر هناك. العمل قاسٍ تمامًا ضمن الظروف العادية بدنيًا وعاطفيًا؛ تذكر أن الناس يبحثون عن دليل مهما صغر حجمه.
كان التوتر في العيون وحده ضخمًا. كانت درجة الحرارة تهبط ببطء من 120 إلى 110 فهرنهايت مع رحيل الأصيل. كنت أرى الإرهاق على وجوههم بوضوح. كانت الرائحة الفريدة للحم البشري المتحلل، طاغية، خاصة في الحرارة الشديدة؛ ولكن لم تكن هناك أية طريقة للإسراع في عملية استعادة الأشلاء. الحاجة لأدلة دامغة كانت كبيرة جدًا.
جمعت العناصر التابعين لنا، لأشكرهم على كل ما كانوا يفعلونه. وأخبرتهم بأنني سألتقي بالملك ووزرائه في ساعة متأخرة من تلك الليلة، وسأحصل على كل المساعدة التي تحتاجها عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي والتي يستحقونها. بدا لي وكأن ذلك تشجيعًا كانوا بحاجته وقدروه عاليًا.
أُقيم مستشفى طوارئ بالقرب، لا يبعد سوى عدة مئات الياردات من الفوهة التي خلفها التفجير، وذلك هو المكان الذي ذهبت إليه مباشرة. كان المكان مليئًا بالجرحى القادرين على السير ـ بالجبيرات وضمادات وجروح الوجه بسبب الزجاج الذي تطاير وقت الانفجار ـ وبأولئك الذين ما زالوا ينتظرون الفحص والمعالجة.
تحدثت إلى أكبر عدد كان بإمكاني جمعه على شكل مجموعات صغيرة في أغلب الأحيان. رغبت في أن يعرفوا بأن حكومتهم تتابع الحالة، وأنه لن يهدأ لنا بال حتى نكتشف من قام بذلك ونقدمهم ليد العدالة. كنت وقتها في منتصف الأربعينيات، ولكن كما كان الحال دائمًا عندما أُحاط بالجنود والبحارة والطيارين في حالات كهذه، كنت دائمًا معجبًا بدرجة الحيوية والنشاط التي يبديها العديد منهم. كانت صور أولئك الجنود الجرحى من نساءٍ ورجال مازالت ترافقني في الساعة الثانية صباحًا، عندما استقبل الملك فهد في نهاية المطاف مجموعتنا الصغيرة في قصره في الرياض.
ثم نقلنا جوًا بطائرة هليكوبتر من الظهران إلى الرياض في ساعة متأخرة من أصيل ذلك اليوم. رحب بنا الأمير بندر، الذي بدا موجودًا فجأة في كل مكان، وفي المطار، واصطحبنا إلى "قصر الضيافة"، وهو في الواقع فندق كبير وحديث جدًا، حيث كان علينا الانتظار حتى يرسل الملك فهد في طلبنا. (المواعيد الخاصة خارج نطاق التصور، إذ لا يوجد ما هو نظير الملك، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتصرف بوقته، ولكنه هو الذي يتصرف بوقتك).
من جانبنا، كانت الاستراحة أمرًا مرحبًا به على الأقل. كنا وقتها قد أمضينا أربعة وعشرين ساعة متواصلة دون راحة. فمعظمنا لم تتح له فرصة الاستحمام أو الحلاقة أو تغيير ملابسه أو حتى النوم لفترة وجيزة معقولة. استفدت من جزءٍ من الوقت للحصول على موجز استخباراتي من جون برينان، رئيس مركز الاستخبارات المركزية الأمريكية في المملكة العربية السعودية. وما أثار دهشتي أن جون قد ترعرع أيضًا في نورث بيرجن على الطرف المقابل من نهر هدسن عن مركز مدينة مانهاتن. والآن نحن هنا، وقد درنا حوالي نصف العالم نتبادل المعلومات عن تفجير وقع في الطرف الشرقي من الصحراء العربية. وفي ذات الوقت، كان هناك أسطول من سيارات الليموزين مع سائقيها أمام قصر الضيافة، الذي نرتاح به تنتظر لنقلنا بسرعة للمثول أمام الملك فهد متى وصلت الأوامر.
وعندما وصل الأمر في نهاية المطاف بعد حوالي تسعين دقيقة بعد منتصف الليل، ركبنا سيارات اللموزين بسرعة لنعاني فقط من مزيد من التأخير، بسبب ما بدا عددٌ لا حصر له من نقاط التفتيش على طول طريقنا. يفهم أعضاء العائلة الحاكمة في السعودية أكثر من أي شخص آخر في العالم الخطرَ الذي يعيشونه ويحكمون به.
إن قصر الملك، أو بدقة أكبر مجمع القصر، تعجز الكتب عن وصفه: مزيج رائع مهيب من الرخام، والزجاج والمآذن الشاهقة، كله مكيف مركزيًا وآمن بشكل يصعب على فأر التسلل إلى داخله. قابلنا أحد أعضاء العائلة المالكة، واصطحبنا في نهاية المطاف إلى قاعة العرش، حيث كان الملك فهد بالانتظار. وجلس الفريق الأمريكي على أحد جانبي الملك، ولم يأت جون برينان معنا لأسباب واضحة، إلا أن القائم بأعمال السفير لدى السعودية، تيد كاتوف انضم إلينا، وعلى الجانب الآخر من الملك، جلس ولي العهد الأمير عبدالله، ومعظم أمراء المرتبة الأولى.
ومع أن الملك فهد احتل الموقع الأكثر تشريفًا بيننا جميعًا، لم يتفوه إلا ببضع كلمات، عدا الترحيب وتقديم عزاءه للضحايا الأمريكيين. لقد أصيب الملك فهد بسكتة أضعفته في تشرين الثاني المنصرم. ولم تكن المعارك المتتالية داخل العائلة المالكة سهلة أبدًا، ولكن بدا أن ولي العهد كان يتكلم باسم الملك.
ونيابة عن الجانب الأمريكي، شكرت الملك وعائلته لاستقبالنا، وأكدت لهم جميعًا بأننا هنا لنتعاون سوية ولكن تحت رعاية المباحث، وذلك النظير السعودي لهيئة تدمج مكتب التحقيقات الفيدرالي بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وقدمت تعازينا للضحايا السعوديين الذين سقطوا في تفجيرات أبراج الخبر. وكما يحدث في أغلب الأحيان في الأعمال الإرهابية، فإن القتلى كانوا ممن يتابعون أعمالهم العادية في حديقة الطرف المقابل من الشارع الذي يوجد فيه المجمع السكني عندما انفجر الصهريج القنبلة.
وكما فعلت قبل عدة أيام مع الأمير بندر، تحدثنا عمن يمكن أن يكون مسئولا عن التفجير ودوافعه. ولم يلمح ولا واحد من الجانب السعودي، أن أعضاءً في خلية إرهابية ثانية لحزب الله، كانوا محتجزين للاشتباه في التخطيط لهجوم مماثل، مع أنه، كما هو حال الأمير بندر، ينبغي أنهم عرفوا جميعًا بحادث إلقاء القبض الذي وقع على الحدود الأردنية.
بالنسبة لي، أوضحت الموقف الأمريكي بدقة تامة: لا نعلم من هو المسئول ولا نود القيام بافتراضات متسرعة. ولهذا السبب نحن بحاجة لإجراء تحرٍ على الأرض السعودية. ولهذا السبب نحن بحاجة لأقصى درجات التعاون من المباحث والهيئات الأخرى، ولكن تحت سيطرة العائلة المالكة وإشرافها. وقلت إن أقل ما نتوقعه هو أننا بحاجة لأن يبقى عناصرنا في مكان التفجير في السعودية لشهور قادمة.
وعند هذه اللحظة، سمع زملائي الأمريكيون أنني أكرر النقطة كثيرًا، وكانت الساعة متأخرة ليلاً، وكان فريقنا الصغير منهكًا وجائعًا، حيث إن العديد منهم كان على وشك السقوط من على مقاعدهم. إلا أن الجانب السعودي لم يكن كذلك. لقد تعلموا التأقلم مع الحياة في أرض جدباء قاسية تحت أشعة شمس محرقة بالعمل ليلاً. وكانت الليلة في بدايتها، ولكي يبرهن على ذلك، أكد لي الملك من خلال ولي العهد، أن بقاء عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي على الأرض السعودية لن يكون مشكلة. وبعد ذلك اقترح أن أذهب مع الأمير نايف لوزارة الداخلية لمناقشة التفاصيل ووضع الترتيبات اللازمة.
من المستحيل تقريبًا تحقيق نوع التشابه في العمل الذي يقوم به الدبلوماسيون مقارنة بالسعوديين. فبوصفه وزيرًا للداخلية، نتقاسم أنا والأمير نايف واجبات ومسؤوليات متشابهات، ولكنني كنت في منتصف وظيفة استمرت لمدة عشر سنوات تقريبًا. أما هو فقد استلم موقعه بحكم صلة الدم، وللعمر كله، طالما أنه لم يقف مع الجانب الخطأ بالنسبة لمن يعتلي العرش. ومع ذلك، وعلى الرغم من أننا كنا غير متساويين، استطعنا الاتفاق على بعض الترتيبات الفعالة، بحضور بعض الضباط الكبار في المباحث الذين كانوا معنا. وعند الساعة الرابعة صباحًا تقريبًا، جلسنا أخيرًا لتناول العشاء، حيث كان هناك سبعة أو ثمانية من الأطباق الشهية بقليل من المفاجآت، وهكذا دفنت الجوع تمامًا.
لم تكن الترتيبات مرضية تمامًا. لأنه طالما لم يكن بوسعنا التحقيق مع المشتبه بهم مباشرة، أو حتى الجلوس في غرفة التحقيق أثناء قيام السلطات السعودية بالتحقيق، سنكون دائمًا كمن يحقق مع مجرم متمرس متعدد الجرائم، وإحدى يديه مربوطة إلى خلف ظهرنا، بل والأسوأ أنه سيكون من الصعب توجيه الاتهامات، وأصعب من ذلك، ربح الإدانات دون القدرة على عرض مثل تلك البيّنة الأساسية. وهذا، وقبل أي شيء، ما وعدت به الولايات المتحدة مواطنيها والعالم، إضافة إلى عائلات الضحايا والأعزاء، الذين إما قتلوا أو تشوهوا بدرجة كبيرة: إنه سيتم تحقيق العدالة. كان تنفيذ حكم العدالة بالنسبة لنا دائمًا الحلم الجميل الذي نحاول تحقيقه.
ولكن ضمن قيود ثقافة تعتمد السرية والتناقض بشكل عميق، أعتقد أن السعوديين قد فعلوا ما بوسعهم لتلبية أهدافنا. أما ممارسة مزيد من الضغط عليهم كي يتبنوا مواقفنا، ويقوموا بالتحقيقات كما نراها نحن، فذلك أمر يحتاج إلى ضغط من أعلى الهرم في حكومتنا. ومع انتهاء التحقيقات وبروز مزيدٍ من المعلومات الجديدة إلى السطح، هذا بالضبط ما وجدت نفسي فيه في وضع حرج تمامًا: ليس على نصف الكرة الثاني في صحراء شبه الجزيرة العربية، ولكن في وطني على بعد عدة مبانٍ من بنسليفيا أفينو، دعني أوضح:
ربما ما زلت أعاني من وعثاء رحلتي الأولى إلى المملكة العربية السعودية، عندما أجريت محادثات جدية لأول مرة مع ساندي بيرغر حول كيفية معالجة التفجير. قلت لنائب مستشار الأمن القومي وقتها، إذا ما سارت الأمور وفق المألوف، فإنني أتوقع أن توكل إلينا مهمة التحقيق الجنائي؛ كان ذلك واجبنا القانوني. فلدينا الإمكانيات والمواهب للقيام بالمهمة، والإرادة في تنفيذ ذلك. وعلى القدر نفسه من الأهمية، فقد حصلنا على موافقة السعوديين كما رغبنا تقريبًا لأن يكونوا في المقدمة. إلا أن الأمور كلها لم تكن وفق المألوف. كان ذلك واضحًا.
فمع أن الحادث وقع على أرض أجنبية، إلا أن ذلك عمل ج رى ضد الولايات المتحدة الأمريكية ، لقد قتل من السعوديين، ذلك أمر مؤكد، إلا أن المستهدف كان عناصر عسكرية أمريكية. وإذا ما قرر الرئيس القيام بعمل عسكري أو أي عمل آخر ضد المجرمين، فلا أريد من التحقيق الجنائي أن يقف عقبة دون ذلك؛ وبالتأكيد لا أريد من الرئيس الإذعان إلى وزارة العدل أو مكتب التحقيقات الفيدرالي، لأنه يكون بذلك قد استبق نتائج تحقيقاتنا.
ولكن إذا ما نظر المرء بعين المتأمل لأحداث الماضي، فإن النقطة التي كنت أحاول توضيحها كانت واضحة وحتى سخيفة. لقد دُمرت ثكنات عسكرية أمريكية تمامًا، وتبعثرت أشلاء الضحايا، وتركت تحت الشمس المحرقة في السعودية. لقد رأيت ذلك بأم عيني؛ ولن أنسى ذلك المشهد ما حييت. بالنسبة لي، كانت النقطة التي أثيرها مهمة تمامًا، وفي الأشهر التي تلت ذلك، كررتها دائمًا: كان مكتب التحقيقات الفيدرالي وراء القتلة مستفيدين من كل ما بحوزتنا. لم أضمن أنه سيكون بوسعنا تقديم القتلة إلى القضاء، ولكن سنستمر بمتابعتهم حتى إلقاء القبض على آخر واحد منهم. ولكن كنا نعلم أنه في هرمية الاستجابات الممكنة فإن الاستجابة لطلبنا تقع في الموقع الثاني . بيل كلنتون هو القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية؛ وإذا ما قرر بأننا كنا نعيق القيام بعمل أكثر فعالية، علينا التنحي جانبًا.
لقد طلب مني بيل كلنتون تولي منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ ثلاثة أعوام، ولكنه مع بداية صيف 1996، بدأت العلاقات تسوء بيني وبينه، ربما كنت في نظر كلنتون أشبه ما يكون بخادم الكاهن في كنيسة، ربما لأني لا أكترث بالفروقات الدقيقة في العمل السياسي.
وبغض النظر عن السبب الذي أدى إلى زرع الإسفين بيننا، إلا أن التوتر كان سرًا معروفًا فقط للدائرة الضيقة من الإدارة. كان ذلك أيضًا في حساباتي عندما حاولت توضيح موقف المكتب من التحقيقات في تفجير الخبر: لقد سقط اسمي من القائمة الأهم في شارع بنسلفينيا آفينو رقم 16، إلا أن ساندي بيرغر يعلم كل ذلك، وكان واضحًا في إجابته في كل مرة طرحت الموضوع معه: موقف الرئيس جليّ تمامًا من القضية، يقول لي: يريد منك أن تقوم بالتحقيقات، وقال للسعوديين ذلك. مكتب التحقيقات الفيدرالي هو المسئول، ولويس فريه هو المكلف. لقد طمأنوني أن المكتب يحظى بدعم الرئيس وتعاونه الكامل في هذه القضية. أتذكر هذه العبارة بدقة، لأن الإدارة مازالت ترددها حتى بعد ثلاث سنوات: "سنقلب كل حجر" في السعي لإلقاء القبض على القتلة وتقديمهم ليد العدالة. والمصيبة كانت أن فعل الإدارة لم يرتق إلى مستوى أقوالها.
لقد سافرت مرتين إلى المملكة العربية السعودية خلال الأشهر التالية بعد زيارتي الأولى. وفي إحدى الزيارتين، تنحى بي الأمير بندر جانبًا، وقال لي: "اسمع، لدينا الأخبار الطيبة". وببطء شديد، وعلى دفعات، بدأت الأخبار الطيبة تتجمع بشكل مفيد، وكلها تشير بشكل لا يدع مجالاً لشك إلى إيران.
(وفي تلك الزيارة نفسها، وأثناء عشاء في قصر الأمير بندر في الرياض، مد السفير السعودي المتألق لدى الولايات المتحدة يده النظيفة تمامًا إلى سنم حاشي مشوي، وسحب ملء كفه لحمًا ووضعها في صحني، وأكد لي أن ذلك شرف كبير. كانت تجربتي الأولى والوحيدة مع سنم جمل رضيع، ولكنها كانت جيدة، كانت نكهتها أقرب إلى لحم المتلة المشوي منها إلى نكهة الفروج).
وفي آذار من عام 1997، وفيما يُعد أول اختراق كبير في الحادثة، ألقت السلطات الكندية، وهي تعمل وفق معلومات استخباراتية من السعودية على سائق الداتسن في تفجير أبراج الخبر، هاني الصايغ. وأنكر الصايغ الذي كان يعيش في كندا منذ آب 1996م بجواز سفر مزور أي دور له في الهجوم، ولكنه اعترف في أيار من العام نفسه أثناء التحقيق معه في مركز اعتقال في أتاوا من قبل مساعد قاضي أمريكي والعديد من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنه كان مرة عضوًا في خلية حزب الله التي نفذت الهجوم. وقال إن الحرس الثوري الإيراني جنده في الخلية، واشترك في عمليتين أشرف عليهما العميد في الحرس الثوري أحمد شريفي.
وبعد شهرين، وفي منتصف تموز، سلمت الحكومة السورية للسعوديين مصطفى القصاب، وهو عضو آخر من خلية حزب الله المسئولة عن تفجير الخبر، ومثل العديد منهم، فهو من أهالي منطقة القطيف. وليس بعد ذلك بفترة طويلة، وأثناء اجتماع في باكستان، اعترف أساسًا الرئيس الإيراني المنتهية ولايته هاشمي رفسنجاني لولي العهد السعودي، أن تفجير الخبر تم التخطيط له، ونُفذ بمعرفة حاكم إيران الأعلى، آية الله خامنئي.
وفي الوقت ذاته، كان السعوديون يرسلون الإشارات نفسها إلى الإدارة. اجتمع خلال الأشهر الأولى بعد الهجوم، الأمير بندر ورحاب مسعود مع توني ليك، الذي مازال وقتها مستشار الأمن القومي، وساندي بيرغر، كي يضعوهما في صورة احتمال وجود علاقة إيرانية بهجوم أبراج الخبر ودراسة الاستنتاجات. تذكر أن ذلك حدث قبل أحداث 11 أيلول بأربع سنوات. بدأ التفجير وكأنه من عمل حزب الله، عميل إيران الإرهابي الحصري، وفي ذلك الوقت، كان لحزب الله، وليس القاعدة، الفضل في قتل من الأمريكيين أكثر من أي منظمة إرهابية أخرى.
لا يمكن لإنسان أعمى أن تفوته الخطوط الأساسية، ولكن لبناء نقاط الوصل ووضع النقاط على الحروف، كنا نحتاج لإذن يمكن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي من الجلوس مع السعوديين والمساعدة في إجراء التحقيقات مع المشتبه بهم، المعتقلين لدى السعودية. وقال لنا بندر وآخرون مرارًا وتكرارًا، إن ذلك لن يحدث إلا إذا مارس الرئيس نفسه ومساعدوه الرئيسيون مزيدًا من الضغط على ولي العهد الأمير عبد الله والملك فهد لتحقيق ذلك.
كان الاهتمام في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأمريكية في فوغي بوتم، رغم ذلك، في اتجاه آخر. تم انتخاب محمد خاتمي في أيار من عام 1997م رئيسًا لإيران خلفًا لرفسنجاني. إن مصطلح "معتدل" مصطلح نسبي في بلدٍ قيادته متطرفة كإيران؛ ولكن بالنسبة لفريق كلنتون المتخصص في السياسة الخارجية، بدا خاتمي أفضل أملٍ للتحرك لتطبيع العلاقات بين البلدين، وسرعان ما اتضح أن التحقيقات في تفجير أبراج الخبر، لن تكون عاملاً مساعدًا في ذلك الاتجاه.
لم يرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي تقارير إلى وزارة الخارجية، ولكنا كنا بحاجة إلى موافقتها لإرسال عملائنا إلى هناك. وفجأة، أصبح الحصول على الموافقات أصعب مما كان. وكانت وزارة الخارجية تطاردنا الآن على جبهة أخرى. لقد بدأنا أخذ بصمات وصور لكل عناصر الفرق الرياضية التي أرسلتها إيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتعليلنا كان بسيطًا: كان ضباط المخابرات دائمًا تقريبًا منخرطين في الفرق.
سيأتون إلى هنا، ويقومون باتصالاتهم، ويتأكدون من بعض المعلومات، ويعودون إلى بلدهم طهران، حيث يودعهم بعض ضباط الاتصال في وزارة الخارجية، ملوحين بأيديهم متمنين لهم سلامة الوصول. كنا نعتقد أن أخذ البصمات والصور سوف يحد من تلك الممارسات، وفي الواقع حصل ذلك، إلا أنها أيضًا أثارت غضب الإيرانيين؛ وتفاقم الغضب حتى وصل إلى البيت الأبيض، الذي أصدر تعليماته لنا بالتوقف عن ذلك.
قلت لمادلين أولبرايت، التي خلفت وارن كرستوفر كوزيرة الخارجية، إن ذلك ليس فكرة جيدة. وأجابتني:" إن الإيرانيين يشكون"؛ قلت لها: "سيشكون بالطبع"، "وتلك هي النقطة الهامة"، ولكن من دون فائدة. وفيما بعد أخبرنا مارتن إندك، الذي كان يشغل منصب مساعد وزيرة الخارجية للشرق الأوسط، أن الرئيس كان غاضبا جدًا، ولكن كنت قد تعودت على الأمر.
وهذا لا يعني أن العديد من الشخصيات المهمة والمتفانية في واشنطن، لم تقدم أقصى خدماتها في قضية تفجير الخبر. وفي هذا السياق، ينبغي ذكر بورتر غوس وآرلين سبيكتر على وجه الخصوص، اللذين لم يدخرا جهدًا في مساعدتي، وشجعوني على متابعة التحقيق إلى نهايته، بغض النظر عن التكلفة السياسية. لكن ذلك، كان يأتي من الكابيتول هيل. كنا بحاجة أن يكون الفرع التنفيذي بجانبنا أيضًا.
كانت وزارة الخارجية على الأقل شفافة في محاولتها الحؤول دون نجاحنا مع السعوديين حول تفجير الخبر. أما البيت الأبيض، فكان أكثر ضبابية، وبالتالي مثيرًا للغضب. كنا نحصل على وعد بأن الرئيس أو آلغور على وشك مقابلة ولي العهد الأمير عبد الله أو أحد الأمراء الكبار من العائلة الحاكمة؛ كنا نقوم في الحال، باعتبار أننا أُشعرنا بذلك مقدمًا، بإعداد قائمة بالنقاط الواجب مناقشتها، والتي تؤدي بالتالي إلى طلب مزيدٍ من التعاون مع تحقيقاتنا؛ ونأخذ تلك القائمة إلى ساندي بيرغر، الذي كان يشغل وقتها منصب مستشار الأمن القومي، وهو الرجل الواجب علينا مخاطبته في مثل هذه القضايا؛ وكان ساندي يؤكد لنا أن الحصول على آلية تمكننا من الوصول إلى الشهود السعوديين، هي واحدة من أولى أوليات الرئيس (أو نائبه)، وهو متأكد من أن الرئيس سيثيرها مع الجانب السعودي.
وبعدها كنا ننتظر، وننتظر، ولا شيء يحدث.
"ألم يحن الوقت"، كنت أسأل "ساندي؟".
"آه، لقد حان الوقت"، كان يؤكد لي، "ولكن في سياق آخر". ماذا كان يعني ذلك. وفي الوقت ذاته كان الأمير بندر، الذي بدأت أزعجه حول فرص الحديث بهذه القضية، يهز رأسه في المرة التالية التي ألقاه بها، ويتساءل لماذا لم يقم الرئيس كلنتون أو نائبه آلغور بطرح المسألة على شكل أمرٍ ملحٍ مع القيادة السعودية. وبعد ذلك، وفي عام 1997، تحركت وزارة العدل، التي توظفني، لإسقاط التهمة التي حصلنا عليها من هاني الصايغ، الذي ألقي القبض عليه في كندا. الأسباب كانت معقدة، فقد كان الصايغ بمثابة مشكلة عويصة. لقد بدّل أقواله أكثر من مرة. وبما أننا أصبنا بالإحباط في محاولتنا مقابلة أعضاء الخلية المعتقلين في السعودية، فلم يكن لدينا شاهد يدعم أقوالنا ضد الصايغ، حتى لو استطعنا الحصول منه على اعتراف. وبما أنني محام، كنت أفهم كل ذلك. ولكن كان الصايغ بمثابة رأس الخيط بالنسبة لنا؛ وما شاهدته من موقف احتفالي في البيت الأبيض، للتخلص منه كان له وقع حزين في نفسي.
وبعد ثلاثة أشهر، وفي الحادي عشر من كانون الأول عام 1997، قابلت في أكاديمية تدريب عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي في كوانتيكو، فرجينيا، عائلات أولئك الذين قتلوا في تفجير أبراج الخبر. كان الدافع وراء عقد اجتماع كوانتيكو بسيطًا. فقد مرَّ عام ونصف تقريبًا على هجوم الظهران، ولم تخصص لا وزارة الدفاع ولا وزارة الخارجية وقتًا حقيقيًا لإطلاع عائلات ضحايا الخبر على ما تم إنجازه. كانت عائلات الضحايا قلقة جدًا، وذلك أمرٌ مفهوم.
لم نستطع إعادة أحبائهم لهم، ولكن كان بوسعنا إخبار الآباء والأمهات، الزوجات والأزواج، الأخوة والأخوات، المخطوبات والأطفال، أننا لم ننسى أمواتهم. دعوت ساندي بيرغر لينضم إلينا ويوضح وجهة نظر مكتب الأمن القومي الأمريكي، ولكنه اعتذر؛ وكذلك فعلت كل الشخصيات الكبيرة في البيت الأبيض. ولبى الدعوة كل من جانيت رينو من وزارة العدل، وبيل كوهين السناتور الجمهوري السابق عن مين Main، الذي حلَّ مكان ليس آسبن كوزير للدفاع. ما زلت ممتنًا لكليهما، كانا داعمين وشريفين، وكان حضورهما موضع تقدير واحترام كبيرين.
استمرت اللقاءات ثلاثة أيام؛ وكنت هناك طوال الوقت ومع كل وجبة: صباحًا، وظهرًا وليلاً. جلبنا مجسمًا للبناء 131 وللحفرة، كي نشرح كيف حدث الانفجار، وعرضنا صوراً للمشتبه بهم الذين استطعنا التعرف عليهم حتى تاريخه. لم يكن عليَّ أن أخبر هؤلاء الناس أن السعوديين كانوا بطيئين بتزويدنا بالمعلومات. وعندما طلبت مني العائلات أن أعدهم بأن يستمر مكتب التحقيقات الفيدرالي بتحقيقاته، وأن يفعل كل ما في وسعه لإحقاق الحق، أقسمت لهم بأننا سنقوم بذلك، وكما كتبت آنفًا، كانت تلك دائمًا بمثابة الجائزة أمامنا. وعندما سألتني امرأة، وهي أم لرقيب أول، عمره خمس وثلاثون عامًا مات في الانفجار، لماذا سمحنا للسعوديين بحجب المعلومات عنا، ومنعنا من الوصول إلى المشتبه بهم، أخبرتها بأنني رجل أمن، ولست سياسيًا. لقد قصدت الاثنين، إلا أنني تعاطفت إلى درجة كبيرة مع إحساسها بالخذلان من وطنها، بعد أن ضحى ابنها بنفسه من أجل أمريكا.
لم يطلب منا البيت الأبيض أبدًا الانسحاب من متابعة القضية، ولم يخبرنا أبدًا بأن الإدارة كانت تطرق أبوابًا أو سياسات أخرى لتحقيق الأغراض نفسها؛ ولم تقل لنا توقفوا أبدًا. وإلى أن يقولوا، فلن نؤل جهدًا أو نتقاعس في المهمة، لقد قلعت أسناني كعميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي، عاملاً على تحطيم أكبر العائلات المشرفة على الجريمة المنظمة وتمويلها في أمريكا. ولاحقًا، عندما عملت كمساعد ونائب للمحقق العام في أمريكا، حاكمت مافوسو، الذي كان يقتل الناس لمجرد التسلية تقريبًا. وكقاضي فيدرالي، لقد شاهدت ما يحدث عندما لا تكون الحكومة مخلصة مع الشعب الذي تحكمه. قد نتخلى عن حكم قضائي مقابل شهادة تمكننا من الحصول على حكم أكبر؛ ولكن لم نهرب أبدًا من الجريمة. والآن نطوي الصفحة على جريمة قتل فيها تسعة عشر أمريكيًا لأنه اتضح فجأة أنه من غير المناسب متابعة القضية. ومع ذلك، فكل الدليل الذي بوسعي مشاهدته يوحي أن ذلك هو بالضبط ما كنا نفعله.
ومع نهاية عام 1998، كان بيل كلنتون يحاول التقرب من الإيرانيين، وكان يجد نفسه في وضع غير مريح بشكل متزايد داخليًا. كان كين ستار يطارد الرئيس، وقد أصبحت مونيكا لونسكي، ربما أكثر موظفة داخلية شهرة في تاريخ البيت الأبيض، في الوقت الذي أصبح فيه تفجير الخبر يطويه النسيان شيئًا فشيئًا. ومع حلول الصيف، تقلص عدد عملائنا الموجودين في السعودية من عدة دزينات إلى مجرد ملحق قانوني وحيد. وفي أحد الاجتماعات أتى ساندي بيرغر على ذكر السبعة عشر شخصًا الذين قتلوا في الانفجار. قلت له "على رسلك"، لقد قتل تسعة عشر وليس سبعة شر. قلتها مواربة دون أن أثقلها بالوزن الكامل للإحباط المرير الذي لا يطاق، الذي كنت أحس به، وأعتقد أنني نجحت بذلك، لأن كل واحد من الحضور تلقى تصويبي بآذان صاغية. بالنسبة لهم إنه لويس بمفرده، الذي ما زال يشكل مصدر إزعاج مستمر بخصوص تفجير الخبر.
وعليَّ أن أقول في هذا المقام، إنه بما أن اسم ساندي بيرغر، كان بارزًا في هذه القصة حتى الآن، إنني لا أكن له أي ضغينة على مستوى شخصي. كان دائمًا مثال الرجل المحترم، وكان أعضاء المكتب يحترمونه، كما أنا. وعلى غير شاكلة الكثير من موظفي البيت الأبيض، كان دقيقًا في مواعيده أيضًا، فلو قال ساندي بأنه سيعقد اجتماعًا في العاشرة صباحًا، فمن المؤكد أنه سيعقده في العاشرة؛ ويساوي ذلك ذهبًا في واشنطن بالنسبة لي.
إلا أن ساندي، قدم من جانب حملة كلنتون السياسي: كان جزءًا من الحملة الانتخابية. وحتى عندما كان نائبًا لمستشار الأمن القومي، كان يجلس في الاجتماع السياسي الذي يعقده البيت الأبيض مرة واحدة أسبوعيًا، وما كانوا يناقشون السياسة الخارجية. وعلى غير شاكلة سابقة، توني ليك، الذي كان يتمتع بخلفية أكاديمية مهنية طويلة في القضايا الخارجية، كان ساندي محامي الجوانب التجارية لشركة هوغان وهارتس العملاقة في واشنطن.
أرجو ألا تفهموني خطأً: كان لدى ساندي اهتمام مختلف في السياسة الخارجية، كنت متأكدًا من ذلك، إلا أن العدسات التي بدا أنه كان يرى كل شيء من خلالها، كانت السياسات التي تضمن إعادة انتخاب بيل كلنتون، وفيما بعد، الاحتفاظ بأسطورته لضمان بقاء الديمقراطيين في سدة الرئاسة. وكان يعني ذلك من بين عدة أشياء، عدم القيام بالواجب الأكمل اتجاه حاجات عائلات ضحايا تفجير الخبر، أو كما تراءى لي على الأقل. ولكنني لم أستنفد كل الفرص بعد.
في أيلول من العام نفسه، حجز ولي العهد السعودي الأمير عبد الله وحاشيته فندق "هي ـ أدمز"، المؤلف من 143 غرفة بكامله لمدة ستة أيام؛ ولا يفصل الفندق عن البيت الأبيض سوى حديقة لافيتي. تصورت أن الزيارة كانت آخر فرصة بالنسبة لنا. قمنا مرة ثانية بتحضير النقاط الواجب مناقشتها للرئيس. ومرة ثانية اتصلت بالأمير بندر، وطلبت منه أن يلطف ولي العهد موقفه الآن، عندما سيطرح الرئيس كلنتون ـ أو آل غور، لم أعد أكترث الآن بمن سيقوم بذلك ـ القضية عليه وبالضغط المطلوب. ومرة ثانية لم يحدث أي شيء. وقد أكد ساندي بيرغر لاحقًا أن الرئيس ضغط كثيرًا على الأمير عبد الله طلبًا للتعاون؛ ولكن لم تكن تلك هي الحال التي سمعتها.
تقول الرواية التي وصلتني من "مصادر موثوقة عادة"، كما يقولون في واشنطن، إن الرئيس كلنتون طرح القضية باختصار فقط، ليؤكد لولي العهد أنه يفهم تمامًا تردد السعوديين لمزيد من التعاون. وبعدها، ووفقًا لمصادري، طلب مساهمة الأمير عبد الله للمساعدة في بناء مكتبة الرئيس كلنتون الرئاسية التي ستبنى لاحقًا. أما غور، الذي كان من المفترض أن يكون الأشد في طلبه في الاجتماع بولي العهد، فلم يأتي على ذكر القضية إلا بالكاد، كما قيل لي.
وفي شهادة أمام اللجنة المشتركة في الثامن من تشرين الأول من عام 2000م، وصفت لأعضاء الكونغرس القضايا الصعبة المتعددة التي ينبغي تجاوزها، كي يتمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من الوصول إلى المواطنين السعوديين المحتجزين في المملكة، والذين اعترفوا مسبقًا بدورهم في تفجير الخبر، لا نريد إفساد مقاضاة المشتبه بهم وفقًا للشريعة الإسلامية؛ ونفهم أيضًا ما نوع المشاكل التي سنواجهها في كل من واشنطن والرياض، إذا ما استطعنا إثبات أن بعضًا من المسئولين الإيرانيين رفيعي المستوى كانوا وراء تفجيرات الخبر. وكان التاريخ ضدنا أيضًا، إذ لم يمنح أي عميل تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية قط إمكانية الوصول مباشرة لأي مواطن سعودي قيد الاعتقال.
وعلى الرغم من هذه المواضيع الحساسة والمعقدة جدًا، قلت للجنة: لقد "وضع السعوديون مصلحتهم جانبًا لمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي والولايات المتحدة. وبعد التأييد الذي لقيه من الأمير بندر، والأمير نايف والمباحث السعودية، قرر ولي العهد الأمير عبد الله منح عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي فرصة مقابلة المحتجزين". هذا جزء من القصة، ولكنه ليس القصة برمتها، كنت مذنبًا بخطيئة الحذف أمام أعضاء اللجنة. كان هناك رئيس مفيد جدًا في سعينا الحصول على مقابلة المحتجزين السعوديين، ولكنه لم يكن الرئيس بيل كلنتون.
إن فشل الاجتماعات خلال إقامة ولي العهد في فندق "هي ـ آدمز"، أقنعتني أنه لن يكون بوسعنا تحقيق العدالة لضحايا تفجير الخبر أو إغلاق الملف بشكل مرضٍ بالنسبة لعائلاتهم وأحبائهم، إذا ما التزمنا بقواعد الوضع الراهن. ما كان العمل يتقدم أبدًا. ومن وجهة نظر الإدارة، فالحالة قضية خاسرة، ولم يكن بوسعي أيضًا التدخل لدى المكتب البيضاوي ليغير موقفه. فمع خريف 1998م، كنت ضابط كلنتون الأول، ولكنه لم يتحدث معي منذ سنتين.
إلا أنني أعرف، على أية حال، رئيسًا آخر؛ جورج. هـ، و. بوش، وتربطني به علاقة ودية عادية، منذ أن عينني قاضيًا فدراليًا للمنطقة أثناء السنة الثالثة من إدارته. أتصل أحيانًا بالرئيس بوش الأب طلبًا للمشورة والنصيحة، وفي أحيان أخرى، أتصل لمجرد تبادل الأحاديث الودية.
وحدث مرة في إحدى المكالمات الهاتفية في أيام أيلول الأخيرة من عام 1998م، أن الرئيس السابق ذكر صدفة أنه سيلتقي ولي العهد السعودي الأمير عبد الله في ذاك السبت. قلت له:" أرجو لا تؤاخذني على سؤالي، عن ماذا تتحدث معه؟"، أخبرني الرئيس بوش الأب، أنها كانت زيارة خاصة. فمع مرور السنين عرف كل الآخر بشكل جيد. وكان الأمير عبد الله مارًا بواشنطن ثانية في هذه المرة في طريقه إلى هواي. وكانا سيلتقيان في قصر الأمير بندر في مكلين.
"حسنًا" قلت: هلا نقلت طلبًا باسمنا له إن لم يكن لديك مانع بالطبع؟"، أجابني:" بالتأكيد". قلت: نحاول إمكانية الحصول على موافقة تمكن عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي من مقابلة المعتقلين بحادثة تفجير الخبر. فلو سمع ولي العهد الطلب منكم، أعتقد أن ذلك سيكون فعالاً".
تأكدت بأنني كنت مخلصًا مع الرئيس بوش الأب. فلم يكن لدي أية نية في استخدامه ليقوم بشيء من خلف ظهر خليفته، دون أن يكون على علم بالقصة تمامًا. قلت له إننا في مأزق. إننا نحاول حتى الآن نقل موقفنا إلى السعوديين على أعلى المستويات كي نحقق خرقًا، ولكن في كل مرة يبدو فيها أنني تلقيت تأكيدات من المستويات الأعلى في إدارتنا من أن القضية ستُطرح مع الناس المعنيين في الوقت المناسب، لا يحدث ذلك مطلقًا. يمكن لمساعدتك أن تساهم في حل هذه المشكلة، ولكن لا أريد أن أضعك في موقف حرج. لم أكن أبالغ حول تلك النقطة الأخيرة، لم أبالغ أبدًا؛ ولكنن شعرت بأنني فقدت الخيارات الأخرى لتحقيق الوعد الذي قطعته على نفسي منذ سبعٍ وعشرين شهرًا، عندما كان الغبار مازال يغطي ما تبقى من البناء 131.
وعندما وافق الرئيس السابق، مما أسعدني، كتبت النقاط التي ينبغي إثارتها وأرسلتها عبر البريد المصور له. وبعد ذلك جلست منتظرًا، ولكن ليس لفترة طويلة. قال لي بوش عندما هاتفني في أصيل ذلك السبت "لقد طرحتها عليه، ويبدو أنهم مهتمون بالأمر، وأعتقد أنك ستسمع منهم". لقد سمعت صباح الاثنين من الأمير بندر. قال لي:" لوي، هل يمكنك أن تأتي إلى هنا، وتتحدث إلى ولي العهد".
بعد عدة ساعات، وفي 29 أيلول من عام 1998م، كنت أدخل بوابات قصر الأمير بندر ثانية، وفي هذه المرة بصحبة دال واتسن، رئيس قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووايش فاولر، السفير الأمريكي لدى السعودية وقتها وبدافع الاستقامة والتفاني، كان فاولر يعرض مستقبله للخطر بتحديه البيت الأبيض، القيام بالشيء الصحيح حول هذه القضية. وكان ديل يرأس شعبة مكافحة الإرهاب، والتي أعيد تشكيلها جديد لاحقًا تحت اسم مكافحة الإرهاب، وكان بمثابة يدي اليمنى في التعامل مع أشد الحالات خطورة وأهمية، التي واجهها مكتب التحقيقات الفيدرالي في العقد الماضي، وكان القائد والخبير الأفضل والأكثر تأهيلاً وعلمًا، الذي حصلنا عليه في قسم مكافحة الإرهاب. وما كان لأي نجاح حققه مكتب التحقيقات الفيدرالي في هذه القضية من دونه.
قال ولي العهد السعودي بعد أن استقبلنا: "أخبرني ماذا تريد؟"، "نريد من سعادتكم، السماح لموظفينا دخول المنشأة التي تعتقلون فيها المشتبه بهم في تفجير الخُبر، وبالتالي يمكننا التحقيق معهم والعودة إلى محاكمنا ونرفع دعوة ضدهم". وأكدت له أننا، الولايات المتحدة الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، نحترم الشريعة الإسلامية، ووعدته بأننا سنفعل ما في وسعنا لعدم إفساد التحقيقات السعودية أو القضاء السعودي.
إلا أن جوهر كلامي كان بالضبط ما كنت أحاول تحقيقه منذ البداية، وهو أن يقدم واحد من أعلى الموظفين في هرم الإدارة الأمريكية بالقول لولي العهد السعودي مباشرة: "نحتاج للوصول إلى هؤلاء المعتقلين".
اقترح ولي العهد حلاً وسطًا، يمكن لموظفينا تقديم الأسئلة إلى موظفين سعوديين الذين يقومون بدورهم بإعطائها إلى المشتبه بهم؛ ويمكن لعملائنا متابعة الأجوبة مباشرة. وعندما وافقت، التفت إلى الأمير بندر وطلب منه مهاتفة الأمير نايف بتعليمات، مفادها أنه يمكن لموظفينا الوصول إلى المشتبه بهم وفقًا للخطوط العريضة الموضحة آنفًا. فبعد كل ذلك الانتظار، وكل تلك المراوغات والكلام المنمق، وكل الإحباط، هذا ما تطلبه الأمر.
لا يساورني أدنى شك أنه لولا تدخل الرئيس بوش الشخصي، ما كان بوسعنا أبدًا الوصول إلى أولئك الشهود المهمين جدًا. وعندما كنت أخيرًا قادرًا على إخبار عائلات ضحايا الخبر بدور "41"، كانوا شاكرين وممتنين بشكل لا يوصف. وأنا متأكد أيضًا أن الـ"41" — بطل الحرب، ونموذجًا للموظف الحكومي، وأحد المهندسين الأساسيين لانهيار الإمبراطورية السوفيتية خلال فترة رئاسية — سيبقى محترمًا لفترة طويلة لنزاهة الشخصية، وقيادته وإنجازاته التاريخية.
(وعلي أن أضيف، أنه عندما كنت أحضر نفسي في البداية لأروي هذه القصة في مقال لصحيفة الول ستريت، تأكدت من الرئيس السابق لأرى إن كان يمانع ذكر بالاسم طباعة بوصفه الوسيط الأساسي. فأجاب "على بركة الله" وحتى النهاية. وحصلت أيضًا على موافقة الأمير بندر على رواية القصة). بعد ستة أسابيع، وبالتحديد في التاسع من تشرين الثاني، جلس موظفونا خلف مرآة تعكس باتجاه واحد في مركز اعتقال في الرياض، في الوقت الذي ألقى عناصر المباحث السعودية 212 سؤالاً على ثمانية من المعتقلين. وفي إطار روح التعاون الجديدة، سمح لنا السعوديون الإطلاع على محاضر تحقيق شهادات معتقلين آخرين، وكذلك على دليل مادي جمعوه اعتمادًا على قضائهم. وأظهرت الأجوبة مع المواد الجديدة والمعلومات التي كشفنا الغطاء عنها سابقًا أو أعطانا إياها السعوديون، من دون أدنى شك تقريبًا، أن هجوم الخبر قد أقرته ومولته وأشرفت عليه شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة الإيرانية. وقد كان كل من وزارة المخابرات والأمن والحرس الثوري الإيراني حاضرًا في مراحل التخطيط والتنفيذ أيضًا، ثم تدريب المنفذين على أيدي الإيرانيين في وادي البقاع، لبنان، حيث يوجد حزب الله المدعوم إيرانيًا. وقد زودتهم السفارة الإيرانية بدمشق في سوريا بجوازات سفر إيرانية، مكنتهم من عبور الحدود إلى السعودية.
بالنسبة لي، كان ذلك اتهامًا مريعًا. ذهبت إلى جانيت رينو بالمعلومات، مجرد أن أصبحت الصورة واضحة، وقلت لها إنه علينا إبلاغ ساندي بيرغر؛ قمنا بإخبار ساندي بيرغر حالاً في مكتبه الواقع في زاوية الجناح الغربي الأنيق من البيت الأبيض، وكان رده الذي لا يمكن تصديقه على النحو التالي: "من يعرف هذه المعلومات؟"؛ وعبر عن رأيه أن كل هذا مجرد هراء، كل ذلك إشاعة. وإن عملاءنا جزء من المؤامرة.
وعقد ساندي فيما بعد اجتماعيًا في غرفة العمليات من الجناح الغربي للبيت الأبيض. وكان هناك بيل كوهين؛ وجنرال القوات المسلحة هنري شيلتون، الرجل الصخري الذي يشغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة؛ ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينت، وكل المسئولين الكبار المهتمين العاديين (تهكمًا، بالطبع).
كنت أعتقد أننا مجتمعون لمناقشة الخطوات التالية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة، أنه لدينا الآن دليل قوي على أن الإيرانيين، وبتورط مسئولين من أعلى المستويات، هم وراء قتل التسعة عشر عسكريًا أمريكيًا، ولكن كنت مخطئًا تمامًا. بدأ الاجتماع بكيفية التعامل مع الصحافة والكونغرس لو تسربت أخبار تورط الإيرانيين في جريمة تفجير الخبر خارج جدران الغرفة التي نحن فيها.
والجدير ملاحظته (مع أن تلك كلمة غير كافية في هذا المقام) أن موظفي ساندي قد حضروا رواية (أ) والرواية (ب)، لنشر القصة إذا ما ذاع صيتها عبر وسائل الإعلام: الرواية (أ) للجمهوريين في الكونغرس، والرواية (ب) لأولئك المراسلين المزعجين من الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، الخ. من الواضح، أن شخصًا ما كان يعاني من كابوس متواصل، ربما ظهر اسمه في الخط العريض في الصحف الرئيسية على النحو التالي: "يؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن إيران مسئولة عن هجوم الخبر".
قلت في نهاية المطاف "انتظر لحظة، هل سنتحدث عن حقيقة أن الإيرانيين قتلوا تسعة عشر أمريكيًا؟"، لم أكن الشخص الوحيد في الغرفة الذي أراد قول ذلك، فعل ذلك الجنرال شيبلتون أيضًا، كما فعله الآخرون.
ولكن كان ذلك اجتماع السيد ساندي وليس اجتماعنا، ولكن لدى مستشار الأمن القومي أشياء أخرى في مخيلته. بدا وكأننا كنا مجتمعين لتدارك الأمر، وليس للقيام بأي عمل حياله. في لحظة في الاجتماع، حاولت التقاط عيني تينت، لأعبر له ما معناه "يا إلهي، ماذا يجري؟". عوضًا عن ذلك، كان عليَّ أن أكرهه على الاستماع إليَّ عندما كنا خارجين من الاجتماع.
سألته:"هل تصدق ما جرى؟"
أجابني: "نعقد كثيرًا من الاجتماعات هنا على هذه الشاكلة".
كان الجنرال جورج شيلتون ورئيس هيئة الأركان المشتركة أقوى حلفائي. ومجرد أن أصبحت مسؤولية إيران واضحة، دعاني الجنرال شيلتون إلى الموقع المعروف بـ"الدبابة"، متعدد الطوابق في البنتاغون، لأزوده بملخص عن القضية. وكان هناك رئيس القوات البحرية شوك كرولاك، المعروف بصراحته وإخلاصه الذي قطع على نفسه وعدًا بفعل ما هو ضروري لتقديم المسئولين عن تفجير الخبر ليد العدالة؛ حتى ولو عنى ذلك موقفًا معارضًا لموقف البيت الأبيض. لم يكن هناك شيء في السنوات الثمان، التي قضيتها رئيسًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، يساوي لحظة خيبة الأمل العارمة التي عانيتها في غرفة العمليات. إنها قصة مرعبة، ولكن ملحقها أفضل.
وبفضل علاقاتنا المستمرة والمتطورة دائمًا ، مع السعوديين والمباحث، تمكنا أخيرًا من مقابلة الموقوفين في السعودية بشكل مباشر؛ وليس فقط أولئك الذين استمعنا إليهم من خلف المرآة ذات الانعكاس وحيد الاتجاه. ففي عام ، كان بمقدورنا التحقيق لأول مرة مع السعودي الشيعي مصطفى القصاب، في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، سافر القصاب من السعودية إلى إيران كي يلتقي بأحمد المغسلي، رئيس الجناح العسكري لحزب الله في السعودية.
الآن وبعد عقد من الزمن، شرح لنا القصاب بالتفصيل، التخطيط، والعناصر اللوجستية التي استخدمت في تفجير الخبر، بحيث تتبع الخيط إلى إيران بشكل لا يمكن دحضه؛ وبالنسبة لي، تم ربط المعلومات ببعضها بعضًا بشكل دقيق وصحيح بشكل نهائي. وما زال علينا الالتفاف حول رأي خاطئ من قاضية في مكتب المحقق العام الأمريكي عن مقاطعة كولمبيا؛ وهي محامية مدنية لا تعرف الكثير عن القانون الجنائي، ولكنها ذهبت أيضًا مع إدارة كلنتون — آلغور، وذهبت معها عدم مبالاتها بتفجير الخبر.
وفي أول اجتماع عقدته مع جورج. و.بوش (الابن) بعد توليه الإدارة، طرحت موضوع التحقيقات المستمرة بشأن تفجير الخبر وعبرّت له ولنائب الرئيس ديك تشيني بمدى إحباطي. قوم الرئيس الحالة بسرعة، وتفهم بسرعة استنتاجات التورط الإيراني. واقترح عليَّ التحدث إلى كونداليزا رايس، والذي أجريته، أصيل ذلك اليوم. كانت رايس متفهمة تمامًا؛ اقتنصت الفرصة، وطلبت مني متابعة الاتهام بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور (نحن محظوظون الآن بوصفها وزيرة الخارجية).
حولتني إلى النائب العام الجديد، وسمح جون اشكروفت، لجيمس .ب. كومري المفضل لي، أن يكون القاضي الجديد في القضية. إن دعم جون الكامل وحسمه في هذه القضية الهامة، نقدره عاليًا، ومكننا من الحصول على توجيه اتهام، ولم يكن هناك أنسب من جم كومري للتعامل مع هذه القضية.
لقد تعرفت على جم في نيويورك عندما كان شابًا يعمل مساعدًا لقاضي التحقيق هناك. وفيما بعد، حصل على تعيين له في مكتب ريتشموند، في موطنه الأصل فرجينيا، حيث كان يقوم بعمل ممتاز يقضي فيه بجرائم على مستوى اتحادي تستخدم فيها الأسلحة النارية، ويرسل العديد من المجرمين الخطرين جدًا إلى السجن.
(وأصبح جم لاحقًا النائب العام في مرابع طفولتي المميزة، القسم الجنوبي من نيويورك؛ وأصبح فيما بعد نائب النائب العام للولايات المتحدة الأمريكية. ومن الصعب عدم التعرف عليه في حشد من الناس إذ يبلغ طوله ستة أقدام وعشرة بوصات).
وخلال خمسة وأربعين يومًا، أنجز جم كومري ما عجزت الإدارة برمتها على انجازه في أربع سنوات ونصف. سأبقى دائمًا ممتنًا لقيادته ومتابعته لتحقيق العدالة. وفي الحادي والعشرين من حزيران عام 2001م، عادت هيئة المحلفين وأقرت اتهاماً من ستة وأربعين صفحة ضد المدعى عليهم الأربعة عشر، المتهمين بتفجير أبراج الخبر، وقتل التسعة عشر الأمريكيين.
لم يكن توقيت إقرار التهمة صدفة. لأنه لو فشلنا في إثبات التهم بحلول السادس من حزيران، فإن عددًا من التهم سوف تسقط بفعل التقادم الذي مدته خمسة أعوام. كما أنه كان هناك سبب آخر لماذا كان الواحد والعشرون من حزيران مهمًا؛ لقد اجتمع العديد من أسر الضحايا الذين قتلوا في تفجير الخبر في واشنطن في ذلك اليوم لإحياء الذكرى الخامسة في مقبرة آرلنغتن الوطنية، حيث دُفن العديد من رجال سلاح الجو هناك. لم أستطع أن أبوح إليهم مسبقًا بأن التهمة لم تُثبت بعد لأن مداولات هيئة المحلفين الكبرى سرّية. ولم أستطع وعد العائلات، حتى ومع صدور التهمة، أن أيًا من المتهمين سيقدم نفسه للمحكمة.
وأنا أكتب هذه الأسطر مازالت القضية مفتوحة، ولم يُتخذ فيها قرار بشكل نهائي. تم إصدار مذكرات بحق المتهمين الأربعة عشر وسلمت للأنتربول (الشرطة الدولية)؛ إلا أن هؤلاء المتهمين ليسوا من الناس الذين سيندفعون ويسلمون أنفسهم إلى أقرب ضابط قضاء فيدرالي أو سفارة أمريكية. وما كانت أية تهمة صادرة عن هيئة المحلفين أكثر من مجرد ورقة؛ ولكن بالنسبة لعائلات الضحايا، فقد عنت هذه الورقة بعينها شيئًا كثيرًا.
عَنَت هذه الورقة أن الحكومة قد تابعت القضية، ورغم كل العقبات والحواجز، بقينا ملتزمين بتنفيذ وعدنا بتحقيق العدالة؛ وكنا أخيرًا أوفياء لوعدنا. وفي سيرته الذاتية (حياتي)، لم يخطئ بيل كلنتون بعدد المصابين في تفجير أبراج الخبر، 3 تقريبًا في روايته مقابل 372 جرحوا حقيقة، ولكن أخطأ في سرد حقائق الهجوم.
كما يبدو أنه خلط بشكل ما بين قرار تفجير الخبر بذاك الذي سبقه والمتعلق بتفجير مبنى الحرس الوطني السعودي في الرياض، "وأخيرًا"، يكتب كلنتون "ستقرر السعودية إعدام الأفراد الذين قررت أنهم مسئولون عن الهجوم"، والأمر ليس كذلك. وسواء أكانت أخطاء كلنتون ناتجة عن سرعة الكتابة أو اللامبالاة بمصير أولئك الذين قتلوا في تفجير الخبر أو الذين ما زالوا أحياء، فإنني لست مستعدًا لإبداء الرأي.
=================
الـمــصــدر (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&*******id=9559)
=================
هذا الفصل من تلك المذكرات يمثل ورقة تضاف إلى بقية الأوراق المتعلّقة بقراءة هذا الحدث الغامض ، وهذا التعليق لم أكتبه إلا تحايلا على القانون حتى لا ينقل إلى سراديب النسيان :)
عموما
حينما اقرأ شيئا مثل هذا عن خفايا السياسة ، فإني لا أزيد إلا ازدراء لبعض السذّج الذين يقرأون الأحداث السياسية ببساطة بـَلهاء ، ثم يأتونا مجلبين بخيلهم ورجلهم ، ليـخطبوا علينا عبر منابر الشبكة ، ولا تسل عن الخطباء السياسيين في مجتمعاتنا العربية فالجميع يحلّل الأحداث السياسية بثقة دكتور في العلوم السياسية !
بانتظار تعليقاتكم على هذا الفصل من تلك المذكرات
دمتم بخير