مجرد رأي
13-11-07, 10:46 pm
شيء من
سنة المزايين!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
كان أهلنا في السابق يؤرخون سنينهم بحدث معين حصل أثناء السنة كان هناك (سنة الدبا)، و(سنة الرحمة)، و(سنة جراب).. إلخ. ولو أدرك الأجداد هذه السنة لسموها (سنة المزايين) بسبب ظاهرة مهرجانات (مزايين الإبل). الغريب أن نحتفي بالبعارين في العقد الأول من الألفية الثالثة، وفي زمن الإنترنت، والتناسخ، وتسخير الفضاء لخدمة التواصل بين ثقافات شعوب الأرض. هذا الاحتفاء ليس احتفاءً رمزياً احتفالياً فحسب، وإنما احتفاء (نكوصياً) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
وهذه مفارقة جديرة بالاهتمام، تشير إلى أننا على مستوى الإنسان ما زلنا متخلفين عن حضارة العصر، نعيش بفكر زمان غير زماننا، (نستهلك) منتجات زماننا، ولكننا أبعد ما نكون عن (إنتاج) هذه المستهلكات، ليس هذا فحسب، وإنما نسخر منتجات الآخر الحضارية لخدمة ممارساتنا النكوصية. وهذا ما نراه - للأسف - في أكثر من مجال، ليس هذه الظاهرة - أعني مزايين الإبل - إلا امتداداً لهذا النكوص.
ليس عيباً أن يهتم الإنسان بتراثه، ويحتفل به ويعتد، لكن يجب أن يتفهمه، ثم ينطلق منه لتكوين قيم حضارية جديدة، تتماهى مع شروط الحياة المعاصرة ومتطلباتها. وعندما يتقمص الإنسان هذا التراث ويتقوقع في مفاهيمه وقيمه، ويجتر زمانه الماضي، وكأن الحياة قيمة ثابتة متجمدة، لا تتغير ولا تتبدل، فهذا ما يجب أن نتوقف عنده ونقرأه قراءة لا تقف عند التكوينات السطحية لهذه الظاهرة وإنما تنفذ إلى جذورها تحت الأرض، في محاولة جادة لتلمس بواعثها.
الحقيقة التي نراها الآن على أرض الواقع تقول إن (الإبل) أعادت لنا (القبيلة)، بكل ما تحمله هذه الظاهرة الاجتماعية الموروثة من زخم وأبعاد وعصبية، وهي الآن تتجدد وترتقي في ذهنية الإنسان السعودي المعاصر (لتزاحم) الانتماء للوطن، وهنا مكمن الخطورة.
وغني عن القول ان الوطن ظاهرة جديدة على ثقافتنا، ليس لها في التعريف القاموسي الثقافي العربي أي جذور. بمعنى أن مفهوم الوطن - شكلاً ومضموناً - استوردناه من ثقافة أخرى، وهو مفهوم لا يمكن أن يتعايش مع الأنساق الانتمائية التقليدية وأهمها الانتماء إلى القبيلة.
كانت القبيلة في السابق هي التكوين الاجتماعي الذي يحقق للإنسان في بلادنا الحماية والدفاع عن الأنا العليا، وتوفير حاجاته الضرورية من خلال آليات اجتماعية واقتصادية كانت تؤمّنها القبيلة لأفرادها، لذلك فالقبيلة آنذاك كانت ضرورة لا غنى عنها في مجتمع ما قبل (الدولة - الوطن)، ولا سيما في صحراء يلفها الخوف والجوع وندرة الموارد الطبيعية من كل جانب. غير أنها اليوم، وبعد ظهور (الدولة - الوطن) لم يعد لها ما يبرر وجودها، فهي (الآن) لا تحمل في مضامينها إلا مضموناً واحداً هو (التعصب العنصري) ليس إلا. كل الوظائف الاجتماعية التي كانت تقوم بها (القبيلة) في الماضي يقوم بها تكوين (الوطن) في العصر الحاضر. لذلك فإن إعادة إحياء القبيلة هو إحياء للتعصب (العنصري) بكل ما تحمله العنصرية من مضامين كريهة يرفضها أول من يرفضها الشعوب المتحضرة.
ولأننا حديثو عهد بمفهوم (الوطن) فإننا يجب أن نتنبه إلى كل الممارسات التي تتعارض مع هذا المفهوم، وتمس الوحدة الوطنية، وتؤجج النعرات العنصرية من جديد.
،،،
سنة المزايين!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
كان أهلنا في السابق يؤرخون سنينهم بحدث معين حصل أثناء السنة كان هناك (سنة الدبا)، و(سنة الرحمة)، و(سنة جراب).. إلخ. ولو أدرك الأجداد هذه السنة لسموها (سنة المزايين) بسبب ظاهرة مهرجانات (مزايين الإبل). الغريب أن نحتفي بالبعارين في العقد الأول من الألفية الثالثة، وفي زمن الإنترنت، والتناسخ، وتسخير الفضاء لخدمة التواصل بين ثقافات شعوب الأرض. هذا الاحتفاء ليس احتفاءً رمزياً احتفالياً فحسب، وإنما احتفاء (نكوصياً) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
وهذه مفارقة جديرة بالاهتمام، تشير إلى أننا على مستوى الإنسان ما زلنا متخلفين عن حضارة العصر، نعيش بفكر زمان غير زماننا، (نستهلك) منتجات زماننا، ولكننا أبعد ما نكون عن (إنتاج) هذه المستهلكات، ليس هذا فحسب، وإنما نسخر منتجات الآخر الحضارية لخدمة ممارساتنا النكوصية. وهذا ما نراه - للأسف - في أكثر من مجال، ليس هذه الظاهرة - أعني مزايين الإبل - إلا امتداداً لهذا النكوص.
ليس عيباً أن يهتم الإنسان بتراثه، ويحتفل به ويعتد، لكن يجب أن يتفهمه، ثم ينطلق منه لتكوين قيم حضارية جديدة، تتماهى مع شروط الحياة المعاصرة ومتطلباتها. وعندما يتقمص الإنسان هذا التراث ويتقوقع في مفاهيمه وقيمه، ويجتر زمانه الماضي، وكأن الحياة قيمة ثابتة متجمدة، لا تتغير ولا تتبدل، فهذا ما يجب أن نتوقف عنده ونقرأه قراءة لا تقف عند التكوينات السطحية لهذه الظاهرة وإنما تنفذ إلى جذورها تحت الأرض، في محاولة جادة لتلمس بواعثها.
الحقيقة التي نراها الآن على أرض الواقع تقول إن (الإبل) أعادت لنا (القبيلة)، بكل ما تحمله هذه الظاهرة الاجتماعية الموروثة من زخم وأبعاد وعصبية، وهي الآن تتجدد وترتقي في ذهنية الإنسان السعودي المعاصر (لتزاحم) الانتماء للوطن، وهنا مكمن الخطورة.
وغني عن القول ان الوطن ظاهرة جديدة على ثقافتنا، ليس لها في التعريف القاموسي الثقافي العربي أي جذور. بمعنى أن مفهوم الوطن - شكلاً ومضموناً - استوردناه من ثقافة أخرى، وهو مفهوم لا يمكن أن يتعايش مع الأنساق الانتمائية التقليدية وأهمها الانتماء إلى القبيلة.
كانت القبيلة في السابق هي التكوين الاجتماعي الذي يحقق للإنسان في بلادنا الحماية والدفاع عن الأنا العليا، وتوفير حاجاته الضرورية من خلال آليات اجتماعية واقتصادية كانت تؤمّنها القبيلة لأفرادها، لذلك فالقبيلة آنذاك كانت ضرورة لا غنى عنها في مجتمع ما قبل (الدولة - الوطن)، ولا سيما في صحراء يلفها الخوف والجوع وندرة الموارد الطبيعية من كل جانب. غير أنها اليوم، وبعد ظهور (الدولة - الوطن) لم يعد لها ما يبرر وجودها، فهي (الآن) لا تحمل في مضامينها إلا مضموناً واحداً هو (التعصب العنصري) ليس إلا. كل الوظائف الاجتماعية التي كانت تقوم بها (القبيلة) في الماضي يقوم بها تكوين (الوطن) في العصر الحاضر. لذلك فإن إعادة إحياء القبيلة هو إحياء للتعصب (العنصري) بكل ما تحمله العنصرية من مضامين كريهة يرفضها أول من يرفضها الشعوب المتحضرة.
ولأننا حديثو عهد بمفهوم (الوطن) فإننا يجب أن نتنبه إلى كل الممارسات التي تتعارض مع هذا المفهوم، وتمس الوحدة الوطنية، وتؤجج النعرات العنصرية من جديد.
،،،