ابن أبيه
24-10-07, 07:55 pm
.
هذه مجموعة من الحكايات التي اختطفتها ذاكرتي من أجزاء مظلمة وأخرى مضيئة من ذاكرة مدينتي بريدة التي لا أجد أي سبب يدفعني لبغضها أو لمحبتها والتعلق بها .
في هذه الأقاصيص ؛ الأسماء فقط غير حقيقية ..
( ليلة القانون )
بريدة : 1398هـ
مكتنزة الجسم لكن ليس إلى حد أن تكون سمينة ، جسدها البض المفتول لا ينم عن حياة الفلاحين التي يحياها أهلها ، دائمة الابتسامة ، نكتها الظريفة ومقالبها وقفشاتها قادرة على خلق البسمة على أكثر الوجوه وجوماً .
لا زلت أتذكرها في ثوبها الروز الأزرق الغامق الذي تتناثر عليه نقوش حمراء لزهرة متفتحة ، كانت مزنة تخطر بثوبها الأزرق وتمرر يدها المكتنزة على صدرها وخصرها ، وتبتسم نصف ابتسامة وهي تشاهد علامات الدهشة والإعجاب في وجوهنا الصغيرة ونحن نشاهد محتويات ( الروشن )
الدوشق الكبير ، والوسادة المطرزة بعبارة ( أحلام سعيدة ) ، والطشت المخصص لوضوء وغسل العريس وعروسته ، ورائحة البخور الجاوني التي تعبق بها الغرفة الطينية التي تم استحداثها في ( الطاية ) من أجل هذا العرس خصيصاً .
كانت تلك اليلة ليلة ( القانون ) والشمس تميل للغروب ولم تكن ماكينة الكهرباء التي تنير بيوت القرية قد عملت بعد .
الاستعدادات لليلة القانون لم تكن كبيرة ، حيث إن هذه الليلة هي ليلة الزواج الثانية حيث يتم ( العرس ) في بيت أهل العروس ، ثم ( الرحيل ) في بيت أهل العريس في الليلة الثالثة، ويقدم في كليهما الطعام ، أما الليلة الثانية التي هي ( القانون ) والتي كانت مخصصة للنساء فقط ولا يدعى إليها إلا الأكثر قرابة فلم يكن يقدم فيها سوى الحليب فقط ، وكانت هي الليلة المفضلة بالنسبة لي في ليالي الزواجات فلطالما أحببت الحليب المحلى المغلي والمحلى بالسكر الذي يقدم في مثل هذه الليلة .
كنت أحاول استراق السمع من أمي وهي تنظر إلى العروس وتحادث خالتي بوشوشة لم تخل من خبث نسائي لم أفهم معناه إلا بعدما كبرت .
كان أهلي في غاية السعادة ، ولم أكن أفهم لماذا يشعر الناس بالسعادة عندما يتخلصون من بنتهم ، لكنني لم أشغل نفسي بالتفكير كثيراً حيث كنت مشغولاً باللهو مع الصغار في الفرجة على ذبح ناقة العرس ، وترديد الأهازيج حول ( عيسى الطباخ ) واللعب بنار القدر الكبير جداً والموضوع على كرسي من الحديد مثبت بإحكام فوق جذوع الأثل المشتعلة .
كنا نلعب بالنار ، فيهجم علينا فجأة بـ( ملاسه ) الضخم فنهرب مرددين :
أبو جوهر .. أبو جوهر .. أبو جوهر ..
وكنا نضنها شكلاً من أشكال السب ، إلى أن اكتشفنا لاحقاً أنه اسم ابنه البكر ، فخاب أملنا باستفزازه .
وين العريس ؟ وراه ما صلى معنا الفجر ؟
قالها ابن خالتي لأخيه الأكبر مندهشاً ، والذي أجابه :
العريس مهب لازم يصلي العصر يا ( دبشه )
التقطت الحوار متعجباً !!
لماذا يضربنا والدي من أجل صلاة الفجر في المسجد ، بينما بإمكان العريس أن يتركها دون أي سبب ؟؟
ظل هذا السؤال في ذهني عصياً على الفهم ..
لكني أدركت بعدما كبرت أن هذه أحد التناقضات الكبرى في ثقافة مدينتي ، إنهم يمنحون صكوك الغفران لكل الأشياء التي تعودوا عليها ..
لكنهم يحاسبون بغاية القسوة عندما يختلف الأمر مع ما تعودوا عليه ، ويعتبرونه منكراً عظيماً ..
(( من يملك القانون في أوطاننا
هو الذي يملك حق عزفه ... ))
هذه مجموعة من الحكايات التي اختطفتها ذاكرتي من أجزاء مظلمة وأخرى مضيئة من ذاكرة مدينتي بريدة التي لا أجد أي سبب يدفعني لبغضها أو لمحبتها والتعلق بها .
في هذه الأقاصيص ؛ الأسماء فقط غير حقيقية ..
( ليلة القانون )
بريدة : 1398هـ
مكتنزة الجسم لكن ليس إلى حد أن تكون سمينة ، جسدها البض المفتول لا ينم عن حياة الفلاحين التي يحياها أهلها ، دائمة الابتسامة ، نكتها الظريفة ومقالبها وقفشاتها قادرة على خلق البسمة على أكثر الوجوه وجوماً .
لا زلت أتذكرها في ثوبها الروز الأزرق الغامق الذي تتناثر عليه نقوش حمراء لزهرة متفتحة ، كانت مزنة تخطر بثوبها الأزرق وتمرر يدها المكتنزة على صدرها وخصرها ، وتبتسم نصف ابتسامة وهي تشاهد علامات الدهشة والإعجاب في وجوهنا الصغيرة ونحن نشاهد محتويات ( الروشن )
الدوشق الكبير ، والوسادة المطرزة بعبارة ( أحلام سعيدة ) ، والطشت المخصص لوضوء وغسل العريس وعروسته ، ورائحة البخور الجاوني التي تعبق بها الغرفة الطينية التي تم استحداثها في ( الطاية ) من أجل هذا العرس خصيصاً .
كانت تلك اليلة ليلة ( القانون ) والشمس تميل للغروب ولم تكن ماكينة الكهرباء التي تنير بيوت القرية قد عملت بعد .
الاستعدادات لليلة القانون لم تكن كبيرة ، حيث إن هذه الليلة هي ليلة الزواج الثانية حيث يتم ( العرس ) في بيت أهل العروس ، ثم ( الرحيل ) في بيت أهل العريس في الليلة الثالثة، ويقدم في كليهما الطعام ، أما الليلة الثانية التي هي ( القانون ) والتي كانت مخصصة للنساء فقط ولا يدعى إليها إلا الأكثر قرابة فلم يكن يقدم فيها سوى الحليب فقط ، وكانت هي الليلة المفضلة بالنسبة لي في ليالي الزواجات فلطالما أحببت الحليب المحلى المغلي والمحلى بالسكر الذي يقدم في مثل هذه الليلة .
كنت أحاول استراق السمع من أمي وهي تنظر إلى العروس وتحادث خالتي بوشوشة لم تخل من خبث نسائي لم أفهم معناه إلا بعدما كبرت .
كان أهلي في غاية السعادة ، ولم أكن أفهم لماذا يشعر الناس بالسعادة عندما يتخلصون من بنتهم ، لكنني لم أشغل نفسي بالتفكير كثيراً حيث كنت مشغولاً باللهو مع الصغار في الفرجة على ذبح ناقة العرس ، وترديد الأهازيج حول ( عيسى الطباخ ) واللعب بنار القدر الكبير جداً والموضوع على كرسي من الحديد مثبت بإحكام فوق جذوع الأثل المشتعلة .
كنا نلعب بالنار ، فيهجم علينا فجأة بـ( ملاسه ) الضخم فنهرب مرددين :
أبو جوهر .. أبو جوهر .. أبو جوهر ..
وكنا نضنها شكلاً من أشكال السب ، إلى أن اكتشفنا لاحقاً أنه اسم ابنه البكر ، فخاب أملنا باستفزازه .
وين العريس ؟ وراه ما صلى معنا الفجر ؟
قالها ابن خالتي لأخيه الأكبر مندهشاً ، والذي أجابه :
العريس مهب لازم يصلي العصر يا ( دبشه )
التقطت الحوار متعجباً !!
لماذا يضربنا والدي من أجل صلاة الفجر في المسجد ، بينما بإمكان العريس أن يتركها دون أي سبب ؟؟
ظل هذا السؤال في ذهني عصياً على الفهم ..
لكني أدركت بعدما كبرت أن هذه أحد التناقضات الكبرى في ثقافة مدينتي ، إنهم يمنحون صكوك الغفران لكل الأشياء التي تعودوا عليها ..
لكنهم يحاسبون بغاية القسوة عندما يختلف الأمر مع ما تعودوا عليه ، ويعتبرونه منكراً عظيماً ..
(( من يملك القانون في أوطاننا
هو الذي يملك حق عزفه ... ))