تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ملح الأرض


عنيزاوي
21-10-07, 09:46 pm
موضوع جميل نقلته لكم وأود من كل من يعرف عن مثل هذه الشخصيات وأحداثها بأن يتكرم بذكر مثل هذه القصص مع مراعاة التالي :
ألا يذكر الاسم على الاطلاق
الايذكر اسماء آخرين في القصة
ألا تكون القصة فيها من المخالفة الشرعية أو الاجتماعية

أترككم مع المقال :

عرفت منذ مراهقتي بعضاً من العقلاء المميزين الذين بإمكانك أن تقترب منهم وتسامرهم وتشعر بالطمأنينة معهم والثقة بأنه لا أحد منهم سيخدعك أوينصب عليك، ربما عليك فقط أن تقوم أنت نيابة عنهم أحياناً بالفصل بين الحقيقة والخيال، بين آمالهم وواقعهم، بين أحلامهم المتعثرة وأوصاب قلوبهم المدنفة، وتقوم مع بعضهم بمساعدته على ترتيب كلماته المبعثرة التي نفثها إليك، أوإيجاد تراتبية منطقية تبني بها الفكرة التي يريدون إيصالها.
كان منهم فئة إذا لزمت غرزها وكنت كالمريد بين يدي الشيخ ستجد من بين ركام كلماتهم حكماً لاينطق بها إلا الحكماء والعارفون، وقف أحدهم يوماً أمام المصلى الكبير جنوب بريدة، وبعد انصراف الناس من صلاة الاستسقاء، قاموا بقلب بشوتهم وغترهم وجعلوا بطانتها مما يلي السماء، تفاؤلاً بأن يقلب الله حالهم من الجدب إلى الغيث، فقال بأعلى صوته " اقلبوا قلوبكم، ولا تقلبوا بشوتكم".كان مهموماً باستجلاء أيادي الإنسان الملطخة بالفساد والذنوب التي حملت السماء على أن تمنع قطرها عن العباد، كان دائماً يبحث عن إنسان يتجسد به الشر ليمكننا الخلاص منه قرباناً لتعود أرض الجزيرة مروجاً وأنهاراً.ذات مرة توضأت لأداء صلاة المغرب في مسجد الحميدي جنوب بريدة ورأيته واقفاً خارج المسجد أمام العتبة، يستجلي وجوه الداخلين ويتمعن فيها، وحين اقتربت منه وهممت بدخول المسجد صرخ بأعلى صوته وقال " إنه هو. هو، هذا الذي منع الله عنكم المطر بسببه" التفتُّ إليه مذعوراً، فإذا به يشير إلي، كان عابس الوجه، لم يلق له أحد بالاً، أصابه اليأس ثم مضى.

كنت تجدهم يطلبون الرزق في سوق وسط البلد في الوسعة، وفي سوق الخضار، وفي الجردة، ويصادفونك في صلاة الجنازة في الجامع الكبير ثم تشييعها إلى الدفن، وبعضهم يعملون في تنظيف المساجد، أوخدمة القضاة وكتاب العدل، كثير منهم لايتخلفون عن الصلاة في الجماعة، يحافظون على صلاة الفجر، ويقوم بعضهم بالوعظ في مساجد المدينة أو في القرى، مرشدين قطعان البشر الهائمين على وجوههم، كان أبوعلي أحدهم وكان يوبخ الناس على الإسراف في الأطعمة ورميها في القمامة، وبحرقة لانظير لها طالب مراراً بأن لاننسى ماضينا وتاريخنا القريب، وأن لاتغرنا المدنية وننسى مراكبنا الأولى، كان يذكرنا دائماً بأن علينا أن نكون أوفياء للحمار، أسِفاً كيف هجرناه وأهملناه، في وقت كان يجب علينا أن نقوم برعاية هذا المخلوق الرائع الصبور والحرص على تكاثره واستمرار نسله ، لهذا السبب كانت بلدة قصيبا شمال بريدة تحتل مكانة في سويداء قلبه لاتضاهيها أي بقعة أخرى ليس لأنها فقط مسقط رأسه بل لأنها موطن معظم الحميرالتي كانت تجلب للمدينة للمهنة والركوب، قبل طفرة النفط، قصيبا كانت مغناطيس أفئدة حمر المنطقة ومهوى أفئدتها ومرابعها الأولى، ولا تسل عن أحزانه وهو يحكي لك قصص مآسيها بعد أن هجرها الناس، وغدت هائمة على وجهها.

طالب أبو علي مراراً وعلى مدى سنوات أن نتبرع من جيوبنا بشراء الأشرطة الفسفورية البراقة حتى لاتذهب تلك المخلوقات المسكينة ضحية حوادث السير على الطرق السريعة ليلاً، لحفظ أرواحنا أولاً وللحيلولة دون فناء ذلك المخلوق الحزين، وجهة نظره هذه سمعتها منه عام 1987 ، وحين أصيب بخيبة أمل من الناس لم يتردد في أن يقوم بزيارة عدد من أمراء المناطق وآخرين من أصحاب القرار في محاولة منه لشرح ما آل إليه حال الحمير، مطالباً بإنشاء جمعية لحمايتها، وفي الحالات النادرة التي أفلح في الولوج إلى مجالس ولاة الأمر وقام بشرح وجهة نظره وإدهاش مخاطبيه وإجبارهم على الضحك، كان يعود إلى أهله محملاً بالهدايا والشرهات، ولكنها كانت تتبخر في يوم واحد حينما يقرر أن يشتري مشلحاً بخمسة آلاف ريال من سوق المعيقلية في الرياض ليبيعه صباح الغد في سوق المجلس ببريدة بسبعمائة ريال، ويصرف ماتبقى في طلعة برية مع بضعة عشر من أصحابه، لكن أكثر خطبه إثارة هي تلك الكلمة الشهيرة التي ألقاها في مسجد الصايغ عام 1985، منذراً بأن المسيح الدجال قد ظهر، ولكنه زف البشرى للمصلين وطمأنهم بأن المسيح بن مريم له بالمرصاد، معلناً بأنه الآن منشغل بتناول القهوة في منزل عائلة الجريش في الشقة السفلى، وبعدها سيتفرغ لسحق الدجال.
كانوا يستجيبون لأي دعوة عرس أو وليمة توجه لهم، وكان عندهم من اللباقة والحياء مايمنعهم من دخول وليمة لم توجه لهم دعوة حضورها، بعضهم يختار أن يطوف قريباً من باب الدار في أبهى لباس وأنضر صورة، وهو يذكر الله ويدعو لك بسعة الرزق وطول العمر، وحينما تراه يرمقك بعينيه المنكسرتين سيغلبك الخجل وتدعوه مرغماً ، غالباً ماكانوا يشاركون في تشييع الجنائز والدعاء للميت بعد دفنه دعوات مخلصة، وهل سيستجيب الله إلا لهم؟ أوهل هناك ماهو أكثر طهراً من قلوبهم؟ لم يكن فيهم حليق أو مدخن أو من عرف عنه الاعتداء على أحد من الناس أو التحرش بامرأة. بعض من أولئك المسالمين الذين اختار بعض أقاربهم أن يخضعوهم للعلاج النفسي اختفت منهم تلك الهالة وذلك الإشراق على محياهم ، وتلاشت تلك الحكمة التي كانت تنطقها طيور أرواحهم. وكالعصافير تماماً حين توصد عليها الأقفاص كانوا يفارقون الحياة بعد برهة قليلة من إيداعهم المصحات وكأنهم أبناء الطبيعة التي أفسدتها يد الإنسان.
(انتهت المقالة) وكاتبها منصور النقيدان

وقبل أن أترككم سأورد قصة سمعتها في أحد المجالس والعتب على الراوي :

هذا واحد من أبناء بريده عرف عنه حب الدعوة وتحمل ما يواجهه منها فقام بعد صلاة الجمعة وصعد المنبر في أحد الجوامع ببريده وبدأ يتحدث وكأنه تجاوز قليلا بحق الدولة ولم تكن الحرية كما هي الان ولمح أثناء حديثه وجوها يعرف بأنها تعمل في المباحث سبق لها أن أوقفته واخذت عليه تعهدات .... فأنهى خطبته ونزل بهيبته وهو يرتدي المشلح وبدأ (يتفنقس ) أمام المصلين وعندما رأوه هكذا نجا من العقوبة وخرج سالما

اليسوا فعلا ملح الارض


يتفنقس = يتشقلب = يسوي دحرجة

نسيم الشمال
21-10-07, 11:14 pm
أخوي العنيزاوي شكرا على النقل
و جوزيت خيرا