البرحيه
05-10-07, 07:34 am
الـــــــــــــــــــــــــــسلام عليكم ورحمة الله...
كتاب يصدر قريباً يتناول معارك مسلسل «طاش»
قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي
يصدر قريباً كتاب ‘’معارك طاش ما طاش: قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي’’ تقول فيه مؤلفته الكاتبة الصحافية والباحثة الاجتماعية بدرية البشر إن فتوى تحريم المسلسل هزمت، وذلك ضمن طروحات من المتوقع أن تثير جدلاً واسعاً لكونها تتناول موضوعات حساسة داخل المجتمع السعودي. وكان مسلسل ‘’طاش ما طاش’’ قد أثار ردود فعل واسعة بين مؤيد للمسلسل وحقه في ‘’التعبير عن الرأي وممارسة النقد وتعرية الظواهر السلبية’’، وبين معارض اعتبر ما يطرحه ‘’مساساً بقيم المجتمع السعودي وتشويهاً لصورته’’. وتتناول البشر، وهي زوجة ناصر القصبي أحد نجمي المسلسل الشهيرين، الفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية في ديسمبر/ كانون الأول من العام ,2000 بتحريم إنتاج ‘’طاش ما طاش’’، وترويجه، وعرضه، وما أثارته الفتوى من ردود فعل متباينة، معتبرة أن ‘’انشقاقاً على كل المستويات قد حدث في الموقف من الفتوى’’، فلم ‘’تبث إعلاميا، وتجاهلتها الصحف’’ رغم توزيعها ‘’بصورة علنية في المساجد والمدارس’’، مستخلصة أن ‘’استمرار التلفزيون الحكومي في عرض المسلسل، وتوالي جنيه أعلى إيراد إعلاني، يعكس استمرار مشاهدته، وهو ما يعني هزيمة الفتوى’’. وتستعرض المؤلفة في كتابها خمس حلقات اعتبرتها الأكثر إثارة لموقف المعارضين للمسلسل، وهي ‘’من دون محرم’’، و’’وشو من لحية’’، و’’إرهابي أكاديمي’’، و’’وا تعليماه’’، و’’صالون الهيئة’’، وقدّمت ملخصاً للحلقات، ولردود الفعل عليها. وتصنف البشر المعارضين للمسلسل إلى ثلاث فئات رئيسة، كانت أولها ‘’المعارضون بسبب ما اعتبروه مساساً بقيمتهم كما في معركة اللهجات’’، والفئة الثانية سمتهم ‘’المنقلبون’’ وهم من ‘’الكتاب والصحافيين والمنتجين والأكاديميين، الذين لم يترددوا في المطالبة علناً بفرض الرقابة على المسلسل’’، والفئة الثالثة ‘’المتشددون المعارضون للمسلسل على أساس ما يعتبرونه مفاهيم دينية مقدّسة’’.
بدرية البشر: الفتوى ضد «طاش ما طاش» هُزمت
في حوار مطول ومثير مع ‘’العربية. نت’’ تعتبر بدرية البشر أن ‘’كل جديد في السعودية مر عبر بواية التحريم’’، قائلة إن المجتمع السعودي عانى ‘’ذهنية التحريم التي تجعل المرء كلما التفت خلفه يشعر بأنه قد خرج من قاع مظلم.. وكيف أن المذياع والسيارة والتلفزيون وتعليم البنات كانت من أكبر المحرمات، بينما هي اليوم من أبسط أبجديات حياة المواطن السعودي’’.
ولدى سؤالها عن سبب تركيزها على ‘’رفض الإسلاميين للمسلسل’’ رغم محدودية تقبل النقد لدى معظم الأطراف في السعودية، بررت موقفها بأن المعارضين من غير الإسلاميين لم يمتلكوا ‘’السلطة ذاتها التي امتلكتها فئة الإسلاميين الذين سيطروا على كل منافذ المجتمع’’. هذا فضلاً أن ‘’هم وحدهم الفئة التي تجرأت على التحريض على القتل، وهو ما يدل على أنها تخطت حدود التعبير عن الرأي لتعلن فكراً مسلحاً بالتكفير والتحريض السافر على قتل المخالف’’.
فيما يأتي مقتطفات من الحوار مع بدرية البشر:
؟ في إحدى جلسات الحوار الوطني، قلت ‘’إن كل جديد في السعودية مرّ عبر بوابة التحريم’’، وثمة ترديد، وشرح موسع لهذه المقولة في الفصل الأول من الكتاب، إلا أن هذا يوحي بأن فكرة الفصل سابقة على المناسبة، أي أنك أردتي أن تعبري عن هذه الفكرة، أكثر من وضع تمهيد تاريخي لتحريم ‘’طاش ما طاش’’؟
- هذا السؤال يعيدني لفكرة تثير حقيقة أنني في هذا الكتاب لم أبتعد كثيراً عن منطقة اشتغالي البحثي الذي كنت حضرته لنيل درجة الدكتوراه والذي اعتمد على فكرة بحث ‘’قبول العولمة في الخليج العربي: الرياض ودبي نموذجاً’’، وقد عملت في الجزء الميداني على قياس مدى قبول مجتمع الخليج لوسائل العولمة التي حصرتها في ثلاث وسائل هي (الإنترنت والستلايت والهاتف المحمول) بوصفها وسائل اتصال عالمية ذات مضامين جديدة على المجتمع، وقد اكتشفت أن هذه الوسائل الثلاث واجهت ممانعة استخدمت الأيديولوجية ذاتها في الرفض، أيديولوجية ‘’تحريمية’’ لم تفلح في منع دخول هذه الوسائل بقدر ما ساهمت في تأخيرها وإثارة الريبة لدى الناس بشأنها، وإثراء أصحاب السوق السوداء الذين يتاجرون، ويتجرون، بسبب هذه الممانعات التحريمية.
؟ عرضتِ للسياق التاريخي في الفصل الأول لتمثلات ذهنية التحريم في السعودية، هل تريدين القول للقارئ إننا أمام قصة مكررة، حركة تدعم وتنمو، ثم تتمرد وتواجه، وينتهي الأمر بسقوط الحركة وتلبية معظم مطالبها؟
- تماماً كما قلت، نحن في ظاهرة الحرب على طاش ما طاش أمام قصة تتكرر بالسيناريو نفسه، تستطيع أن تحذف اسم البرنامج وتضع أمامه ما شئت من القضايا، الانتخابات البلدية، قيادة المرأة للسيارة، مدارس البنات، المذياع، القصة هي ذاتها، تبدو وكأننا أمام مشروع كبير لهدم المجتمع والأخلاق والدين، وكأن أعمدة هذا المجتمع من الكارتون سيطيح بها كل عاصف ولو كان خطوة تنموية أو برنامج فني.
؟ ألا تلاحظين أن القدرة على تقبل النقد في السعودية محدودة لدى جميع الأطراف، فلماذا ركزتِ على رفض الإسلاميين من دون غيرهم؟
- لاشك أن المجتمعات التي تتسم ثقافتها بالمحافظة هي مجتمعات شديدة الحساسية، وربما الرفض للنقد، وللقراءة المعلنة، فهي تريد على الدوام أن تداري أسرارها، وتكتم أخطاءها، على أمل أن يموت الخطأ أو يصححه الله من عنده، لكننا اليوم ندخل مرحلة لم يعد فيها الستر مفهوم ثقافي، بل نحن أمام مرحلة يتقدم فيها العقل باتجاه المواجهة والمعرفة والشفافية ولم يعد بالإمكان إخفاء الأخطاء أو العيوب.
أما لماذا توسعت في نقد موقف الإسلاميين من دون غيرهم، فقد ذكرت في الفصل الثاني أن المعارضين هم ثلاث فئات، وقد كانت فئة الإسلاميين هي الفئة الأخيرة، لكن لماذا خصصت لها فصلاً خاصاً لأنه، وبكل بساطة، لم تمتلك الفئتان الأخريان السلطة ذاتها التي امتلكتها فئة الإسلاميين الذين سيطروا على كل منافذ المجتمع، المدارس، والإعلام، والشارع، والمنابر، وساهمت في هذا الاكتساح الأموال التي تصب عليهم من كل حدب وصوب.
؟ في معركة تحريم ‘’طاش ما طاش’’ أظهرت هزيمة الفتوى، وكأنها حالة أولى من نوعها، ألا ترين أن الفتوى مهزومة في حالات أخرى كثيرة؟
- صحيح ما ذكرتموه أن بعض الفتاوى غير المعمول بها قد سبقت فتوى ‘’طاش ما طاش’’، إلا أن كل فتوى من الفتاوى التي ذكرتها ظلت ذات قيمة وذات سلطة تفرض نفسها في الشارع السعودي، فرجل الهيئة يصادر أنماط العباءات متى ما داهم المحل ووجد أنماطاً مخالفة، والمرأة يمكن أن تطرد من السوق إن لم تستجب لنداء رجل الهيئة بتغطية وجهها، لكن ‘’فتوى طاش’’ لم تستطع أن توقف المسلسل من القناة السعودية، وهي قناة ضمن التلفزيون الحكومي، ومن هنا جاءت السابقة، وكما ذكرت في كتابي أن الصحف لم تنشر الفتوى في اليوم التالي لصدورها بقرار من مسؤول كبير.
؟ هل كونك زوجة لأحد بطلي العمل، ومنتجيه، يشكل برأيك إضافة لقربك من الفريق؟ أم أن هذا عبء على موضوعيتك كباحثة؟
- كوني زوجة لأحد أبطال العمل جعلني أكثر قرباً للحدث من دون شك، فمشاركة زوجي في العمل جعلتني قريبةً من قراءة كل ما ينشر عن العمل، وعلى مقربة من رسائل الدعم والخصام، بل أيضاً قذف بي في حياة من الضجيج الخطر، الذي لا يمكن احتماله، حين أصبح العمل محرماً، فقد كنا كعائلة نتلقى ما تهبط به سماء الغضب، وسماء الحب في آن واحد، وكنت كأم أعاني أحياناً من أن تلمس موجات الغضب أسماع وأذهان أطفالي الذين تورطوا معنا في حلقة التحريم، ما جعلهم يعودون إلينا بأسئلة، وحنق، ودهشة، من عالم الكبار الذي يختصم بسبب مسلسل يشارك فيه والدهم.
؟ هل شاهد ناصر الكتاب؟ وإن كان فعل فما هو تعليقه؟
- عندما عشت ظاهرة الحرب على ‘’طاش’’ اقترحت على ناصر أن يقوم أحد بجمع هذه المفردات، وكنت أتحاشى أن أكون أنا من يفعل ذلك، وعندما أدركت أن الأمر لن يهتم به أحد، قمت أنا بالدور، عرضت الفكرة على ناصر الذي عاش الحماس والتوتر اللذين عشتهما نفسيهما. الفكرة جيدة، لكن أنا زوجة أحد المشاركين في ‘’طاش ما طاش’’.
هل سيقبل القارئ هذه الفكرة؟ وهل سيتهمني بالتحيز؟.. قررت البدء بكتابة العمل وكنت على الدوام أمرر ما أكتب لناصر الذي تتعثر قراءته له بسبب مشاغله الكثيرة بالعمل، مرة يقول إنني متحيزة للعمل فيحذرني، ومرة يشجعني.
؟ كتبتِ في الكتاب بصفتك البحثية عن معركتي التشهير، والتحريض على القتل، وبودي أن تحدثيني عن انعكاس هاتين المعركتين على بدرية الزوجة، وبدرية الأم؟
- أنت تعرف أنني من الوسط القريب من مصادمات الرأي الحادة، والعنيفة، وتجربتي الكتابية كانت تجعلني بشكل مستمر على اتصال ببعض القصص التي تنسج وتحاك في حال ظهر في الأفق رأي لا يروق لأصحاب المؤامرات والريبة، والساعين إلى تشويه النوايا وتفسيرها على هواهم، لكن مما لاشك فيه أن الكاتب مهما كان معروفاً ومقروءاً، لا يساوي الشهرة ذاتها التي يمنحها التلفزيون لنجومه، كما أن جمهور التلفزيون ليسوا مثل الجمهور القارئ.
الكتاب يكشف عمليات تشهـير وتحريض على قتل الفنانين
يحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان ‘’ذهنية التحريم’’، والمؤلفة استهلت هذا الفصل بتحرير مصطلح ‘’ذهنية التحريم’’، ويمكن هنا على سبيل الإيجاز القول إنها ذهنية يشترك فيها جموع من الناس على الجمود الفكري، والانغلاق العقلي، بما يجعلهم يتعاملون مع كل معتقداتهم على أنها مطلقة وأبدية، ومتسامية على الواقع، وأحادية التفسير، ولا سبيل لاجتهاد بقصد تفاسير أخرى، فضلاً عن تجريم كل نقد يقدّم للمعتقدات، أو لتفسيرها، ومواجهة كل ناقد بشتى الوسائل، ومن بينها عنف اللفظ والفعل، وهو ما يجعلنا نواجه شخصية متطرفة، ليست المشكلة معها في موقفها الديني، بقدر ما هي في حالتها المرضية التي يجسدّها التعصب للرأي على حساب إعمال العقل.
إخوان من طاع الله
بعد ذلك انتقلت المؤلفة إلى استعراض تاريخي للحركات التي اعتبرتها ممثلة لذهنية التحريم في المجتمع السعودي، فاستعرضت حركة الإخوان (1921-1927)، وأبرزت في هذا السياق التمرد التدريجي للإخوان ضد الملك عبدالعزيز، وخصوصاً بعد انضمام الحجاز إلى الدولة الجديدة، القديمة، وإعلان الملك عن نيته في توقف الفتوحات، والاتجاه إلى العمل على تنمية واستقرار المملكة الوليدة.
قبل أن تتفاقم الأمور مع عقد الملك معاهدات مع بريطانيا، وقبوله بترسيم الحدود، وإفساحه المجال أمام مخترعات حديثة - آنذاك - مثل التلغراف والهاتف والإذاعة والسيارة، ورفضه لمطلب الإخوان بمحاربة الشيعة السعوديين، بحسبانهم من غير المسلمين، وبلغت الأحداث ذروتها بمواجهة عسكرية حاسمة، انتصر فيها الملك.
علماء من طاع الله
ثم، وبحسب المؤلفة، أعلن الملك أن العلماء - علماء الدين حصراً - هم الجناح الثاني للحكم السياسي في البلاد، وحاول أن يتعاطى مع معارضتهم للمخترعات الحديثة، واحتجاجهم على إدراج مواد علمية في تعليم البنين، بأكبر قدر ممكن من سعة الصدر، إلا أنه أدخل المخترعات، والمواد التي عارضها العلماء، وحرموها. وركزت البشر في الصفحات التالية على أبرز ملامح الموقف المتشدد لذهنية التحريم، انطلاقاً من النظرة المتوجسة التي حملها العلماء حيال التعليم، ومن ذلك موقفهم من مضامين المواد العلمية التي اعتبروها مخالفة للشريعة، كالقول بكروية الأرض في مادة الجغرافيا، وفكرة تعليم البنات، والتشبه بالكفّار في النشاط اللاصفي للبنين، واتهام المعلمين المستقدمين في العالم العربي - حينها - بالزندقة والإلحاد، ومروراً برؤيتهم المتشددة لوسائل الإعلام، والترفيه.
حركة جيهمان
ثم تحولت المؤلفة إلى عرض تاريخي لحركة جيهمان العتيبي، التي احتل أنصارها، بقيادته، الحرم المكي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ,1979 وذكرت أن جماعة تحركت في الوقت نفسه لاحتلال المسجد النبوي في المدينة المنورة، غير أن السلطات الأمنية تمكنت من منعها. إثر ذلك، وبطريقة الاسترجاع، أعادت البشر القارئ إلى منتصف ستينات القرن العشرين حيث تألفت ‘’الجماعة السلفية المحتسبة’’، التي عرفت لاحقاً باسم ‘’أهل الحديث’’، وانبثقت هذه الجماعة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وانشطرت من هذه الجماعة الخلية التي قادها جيهمان العتيبي، وفارقت الخلية الجماعة في مسألة وجوب الولاء للحكم السعودي، واتخذت بهذا المعنى من الإخوان مثالاً تاريخياً.
الصحوة
أعادت المؤلفة رواية القصة الأفغانية، والمواجهة الأميركية السوفيتية، والدعم الخليجي، حتى دقت ساعة العودة، بعد خروج المحتل الروسي، وتقاتل المجاهدين الأفغان، فعاد المجاهدون السعوديون إلى حيث لا جهاد، وأصبحوا ينشدون إعادة عقارب الساعة، إلى حيث كان أجدادهم - إخوان من طاع الله - يخوضون معركة ‘’مقدّسة’’ ضد الحداثة، وفي مواجهة حركة الزمن، حتى لاحت فرصة التعبير عن الذات بمواجهة الحكم السعودي في موقفين متزامنين، هما السماح بالاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت في أغسطس/ آب من العام ,1990 ومظاهرة نسائية لقيادة السيارة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، فتعاملت الحكومة بحزم رد الفعل ‘’الصحوي’’ تجاه الموقف الأول، واستعملت فتاوى العلماء، في مقابل التغاضي عن رد الفعل على الموقف الثاني، بل والاستجابة لها، وإن بحدود. وعلى الأثر انتقلت البشر إلى عرض عن ‘’السرورية’’ بوصفه تياراً فرعياً لتيار الإخوان المسلمين الوافد عربياً، وبحسب المؤلفة فهو تيار متطرف، استغل شعارات دينية لتمرير أفكاره السياسية، واستفاد من مجاملة رسمية، ودعم من رجال أعمال، وقد أطلق التيار الفرعي منظومة إعلامية، وحارب قيم التسامح والتعددية والديمقراطية، واعتبر هذا التيار حكومة ‘’طالبان’’ نموذجه التطبيقي الأقرب للمثالية.
منعطف سبتمبر
أنجبت حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، الحرب على الإرهاب، والقضاء على الحلم الطالباني في أفغانستان، ووصلت حرب القاعدة إلى الرياض، وبالتزامن مع كل ذلك نشط خطاب صحافي نقدي تجاه الأصولية، فهوجمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعاظمت المطالب بتغيير المناهج الدينية، وانتقدت الرئاسة العامة لتعليم البنات، التي جاءت الخطوة الرسمية بإلغائها لتلهب موقف الممانعة في ذهنية التحريم، وبذلت محاولات عدة للحد من الإجراءات الإصلاحية، من التعاون دولياً في مواجهة الإرهاب، إلى تقديم مسرحية في كلية خاصة.
في عيون الصحافة
خصصت المؤلفة الفصل الثاني من الكتاب لردود الفعل على المسلسل المعبّر عنها صحافياً، من خلال الأخبار والتقارير، ومقالات الرأي، وبعد تعريف موجز بالمسلسل، سعت البشر إلى تأطير الممارسة النقدية التي قام عليها المسلسل، لتصفها بنقطة تحول في السلوك الإعلامي المحلي، حيث إن الإعلام عمل باستمرار أن يكون جزءاً من خطاب رسمي مشغول بإبراز المنجز، وظل النقد الإعلامي محصوراً في مجموعة من كتّاب الرأي في الصحافي، الذين يحدهم الانتشار الضيق، والرقابة الصارمة، فضلاً عن عوامل مساندة لنجاح لمسلسل، مثل السخرية، واعتماد اللهجات المحكية. ونتيجة تمثيل المسلسل تحولاً في الخطاب الإعلامي السائد، كان من الطبيعي أن يثير ردود فعل واسعة، ومتباينة، قبل أن يفتح مع جزئه السادس للمشاهدين المجال للمشاركة في وضع أفكار حلقات المسلسل، بما جعل ‘’الشعب يكتب، والشعب يشاهد’’. ثم استعرضت البشر ردود الفعل المتباينة على المسلسل الذي مثلما قسم الشارع السعودي بين مؤيد ومعارض، اختلف حوله المسؤولون الحكوميون، وبدأت بالتأييد، الذي جاوز المحلي، إلى الخليجي والعربي، كما اهتمت برصد الشهادات الدولية المتوالية التي حظي بها العمل.
المعارضون
وصنفت البشر المعارضين إلى ثلاث فئات رئيسة، أولها المعارضون بسبب ما اعتبروها مساساً بقيمتهم كما في ‘’معركة اللهجات’’، والفئة الثانية ‘’المنقلبون’’ وهم فئة من الكتاب والصحافيين والمنتجين والأكاديميين، الذين لم يترددوا في المطالبة علناً بفرض الرقابة على المسلسل، وعدم ترك الفرصة له على النحو القائم. أما الفئة الثالثة (المتشددون) فهم المعارضون للمسلسل على أساس ما يعتبرونه مفاهيم دينية مقدّسة، وهم الذين ساءهم طرح النماذج الشائكة التي عبرت عن علاقة بين المظهر المتدين والسلوك المشين، وعلاقة التعليم بالإرهاب، وموضوع الاختلاط، وقيادة المرأة للسيارة، وحدود حجاب المرأة، وقد قررت المؤلفة أن تخصص الفصل الثالث كاملاً لهذه الفئة.
معركة التحريم
استعرضت البشر في مطلع الفصل الثالث خمس حلقات، اعتبرتها الأكثر إثارة لموقف الإسلاميين المعارض للمسلسل، وهي ‘’من دون محرم’’، و’’وشو من لحية’’، و’’إرهابي أكاديمي’’، و’’وا تعليماه’’، و’’صالون الهيئة’’، وقدّمت ملخصاً للحلقات، ولردود الفعل عليها.
ثم انتقلت إلى الفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية في ديسمبر/ كانون الأول من العام ,2000 بتحريم إنتاج ‘’طاش ما طاش’’، وترويجه، وعرضه، وما أثارته الفتوى من ردود فعل متباينة، واعتبرت المؤلفة أن انشقاقاً على كل المستويات قد حدث في الموقف من الفتوى، فلم تبث إعلامياً، وتجاهلتها الصحف استجابة لقرار حكومي، ولكنها وزعت بصورة علنية في المساجد والمدارس، وتفاوتت مواقف الناس منها، إلا أن الخلاصة المفيدة تمثلت في استمرار التلفزيون الحكومي في عرض المسلسل، وتوالي جنيه أعلى إيراد إعلاني، بما يعكس استمرار مشاهدته، وهو ما يعني هزيمة الفتوى.
معركة التشهير
وتحول أنصار الفتوى، المنهزمين، إلى أساليب بديلة لمعالجة الوضع، ولوقف المسلسل، قتم اللجوء إلى سلاح التشهير، وتوالت منشورات التحريم ضد المسلسل على شكل مطبوعات صغيرة توزع في المساجد، فضلاً عن تخصيص بعض الخطب في الجوامع للتعريض بالمسلسل، وتخصيص قسم من دعاء القنوت ضد العمل والقائمين عليه.
إلى ذلك، وفي العام ,2003 قام أربعون شخصاً بالتوجه لمبنى التلفزيون بالرياض لمنع عرض ‘’طاش ما طاش’’، وتم رفض مطلبهم، وتفريقهم بهدوء، وتجاهلت الصحف بتوجيه مباشر الكتابة عن الحادثة، عدا صحيفة ‘’الحياة’’، والتي دفعت الثمن بمنع عددها من دخول السوق السعودي.
ثم قام محامي برفع دعوى ‘’احتساب’’ ضد المسلسل، وتحديداً ضد حلقتي ‘’توت بيروت’’، و’’سور الحريم’’، إذ إنهما تسيئان للمجتمع السعودي، قبل قيام مجموعة من ‘’الهاكرز’’ بتخريب موقع ‘’طاش ما طاش’’ على الإنترنت.
معركة التحريض على القتل
وهي معركة ثالثة، عرفها فريق المسلسل، بعد حوادث سبتمبر/ أيلول ,2001 وبعد الظهور الحديث للتفجيرات في الرياض، في مايو/ أيار ,2003 حيث تحمل ‘’طاش ما طاش’’ مسؤوليته في طرح جاد، وجريء، بشأن جذور الإرهاب، فاستفز ذلك قوى متعددة، بعضها مستفز سلفاً.
فظهرت الدعوة علناً في منتديات الإنترنت لتصفية بطلي المسلسل، ونشرت خرائط لمنزلي القصبي والسدحان لمن يرغب في تأديبهما، قبل ظهور تصريحات واضحة عبر أكثر من موقع إسلامي، فمنهم من وعد شيخه بتنفيذ عملية انتحارية، ومنهم من أشاد بفكرة إحياء سنة الاغتيال.
......
قرأة لكـــم الأخ العزيز.. .. ياكوف...
نقل لمنتدى بريدة .. من طرفي انا البرحية
كتاب يصدر قريباً يتناول معارك مسلسل «طاش»
قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي
يصدر قريباً كتاب ‘’معارك طاش ما طاش: قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي’’ تقول فيه مؤلفته الكاتبة الصحافية والباحثة الاجتماعية بدرية البشر إن فتوى تحريم المسلسل هزمت، وذلك ضمن طروحات من المتوقع أن تثير جدلاً واسعاً لكونها تتناول موضوعات حساسة داخل المجتمع السعودي. وكان مسلسل ‘’طاش ما طاش’’ قد أثار ردود فعل واسعة بين مؤيد للمسلسل وحقه في ‘’التعبير عن الرأي وممارسة النقد وتعرية الظواهر السلبية’’، وبين معارض اعتبر ما يطرحه ‘’مساساً بقيم المجتمع السعودي وتشويهاً لصورته’’. وتتناول البشر، وهي زوجة ناصر القصبي أحد نجمي المسلسل الشهيرين، الفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية في ديسمبر/ كانون الأول من العام ,2000 بتحريم إنتاج ‘’طاش ما طاش’’، وترويجه، وعرضه، وما أثارته الفتوى من ردود فعل متباينة، معتبرة أن ‘’انشقاقاً على كل المستويات قد حدث في الموقف من الفتوى’’، فلم ‘’تبث إعلاميا، وتجاهلتها الصحف’’ رغم توزيعها ‘’بصورة علنية في المساجد والمدارس’’، مستخلصة أن ‘’استمرار التلفزيون الحكومي في عرض المسلسل، وتوالي جنيه أعلى إيراد إعلاني، يعكس استمرار مشاهدته، وهو ما يعني هزيمة الفتوى’’. وتستعرض المؤلفة في كتابها خمس حلقات اعتبرتها الأكثر إثارة لموقف المعارضين للمسلسل، وهي ‘’من دون محرم’’، و’’وشو من لحية’’، و’’إرهابي أكاديمي’’، و’’وا تعليماه’’، و’’صالون الهيئة’’، وقدّمت ملخصاً للحلقات، ولردود الفعل عليها. وتصنف البشر المعارضين للمسلسل إلى ثلاث فئات رئيسة، كانت أولها ‘’المعارضون بسبب ما اعتبروه مساساً بقيمتهم كما في معركة اللهجات’’، والفئة الثانية سمتهم ‘’المنقلبون’’ وهم من ‘’الكتاب والصحافيين والمنتجين والأكاديميين، الذين لم يترددوا في المطالبة علناً بفرض الرقابة على المسلسل’’، والفئة الثالثة ‘’المتشددون المعارضون للمسلسل على أساس ما يعتبرونه مفاهيم دينية مقدّسة’’.
بدرية البشر: الفتوى ضد «طاش ما طاش» هُزمت
في حوار مطول ومثير مع ‘’العربية. نت’’ تعتبر بدرية البشر أن ‘’كل جديد في السعودية مر عبر بواية التحريم’’، قائلة إن المجتمع السعودي عانى ‘’ذهنية التحريم التي تجعل المرء كلما التفت خلفه يشعر بأنه قد خرج من قاع مظلم.. وكيف أن المذياع والسيارة والتلفزيون وتعليم البنات كانت من أكبر المحرمات، بينما هي اليوم من أبسط أبجديات حياة المواطن السعودي’’.
ولدى سؤالها عن سبب تركيزها على ‘’رفض الإسلاميين للمسلسل’’ رغم محدودية تقبل النقد لدى معظم الأطراف في السعودية، بررت موقفها بأن المعارضين من غير الإسلاميين لم يمتلكوا ‘’السلطة ذاتها التي امتلكتها فئة الإسلاميين الذين سيطروا على كل منافذ المجتمع’’. هذا فضلاً أن ‘’هم وحدهم الفئة التي تجرأت على التحريض على القتل، وهو ما يدل على أنها تخطت حدود التعبير عن الرأي لتعلن فكراً مسلحاً بالتكفير والتحريض السافر على قتل المخالف’’.
فيما يأتي مقتطفات من الحوار مع بدرية البشر:
؟ في إحدى جلسات الحوار الوطني، قلت ‘’إن كل جديد في السعودية مرّ عبر بوابة التحريم’’، وثمة ترديد، وشرح موسع لهذه المقولة في الفصل الأول من الكتاب، إلا أن هذا يوحي بأن فكرة الفصل سابقة على المناسبة، أي أنك أردتي أن تعبري عن هذه الفكرة، أكثر من وضع تمهيد تاريخي لتحريم ‘’طاش ما طاش’’؟
- هذا السؤال يعيدني لفكرة تثير حقيقة أنني في هذا الكتاب لم أبتعد كثيراً عن منطقة اشتغالي البحثي الذي كنت حضرته لنيل درجة الدكتوراه والذي اعتمد على فكرة بحث ‘’قبول العولمة في الخليج العربي: الرياض ودبي نموذجاً’’، وقد عملت في الجزء الميداني على قياس مدى قبول مجتمع الخليج لوسائل العولمة التي حصرتها في ثلاث وسائل هي (الإنترنت والستلايت والهاتف المحمول) بوصفها وسائل اتصال عالمية ذات مضامين جديدة على المجتمع، وقد اكتشفت أن هذه الوسائل الثلاث واجهت ممانعة استخدمت الأيديولوجية ذاتها في الرفض، أيديولوجية ‘’تحريمية’’ لم تفلح في منع دخول هذه الوسائل بقدر ما ساهمت في تأخيرها وإثارة الريبة لدى الناس بشأنها، وإثراء أصحاب السوق السوداء الذين يتاجرون، ويتجرون، بسبب هذه الممانعات التحريمية.
؟ عرضتِ للسياق التاريخي في الفصل الأول لتمثلات ذهنية التحريم في السعودية، هل تريدين القول للقارئ إننا أمام قصة مكررة، حركة تدعم وتنمو، ثم تتمرد وتواجه، وينتهي الأمر بسقوط الحركة وتلبية معظم مطالبها؟
- تماماً كما قلت، نحن في ظاهرة الحرب على طاش ما طاش أمام قصة تتكرر بالسيناريو نفسه، تستطيع أن تحذف اسم البرنامج وتضع أمامه ما شئت من القضايا، الانتخابات البلدية، قيادة المرأة للسيارة، مدارس البنات، المذياع، القصة هي ذاتها، تبدو وكأننا أمام مشروع كبير لهدم المجتمع والأخلاق والدين، وكأن أعمدة هذا المجتمع من الكارتون سيطيح بها كل عاصف ولو كان خطوة تنموية أو برنامج فني.
؟ ألا تلاحظين أن القدرة على تقبل النقد في السعودية محدودة لدى جميع الأطراف، فلماذا ركزتِ على رفض الإسلاميين من دون غيرهم؟
- لاشك أن المجتمعات التي تتسم ثقافتها بالمحافظة هي مجتمعات شديدة الحساسية، وربما الرفض للنقد، وللقراءة المعلنة، فهي تريد على الدوام أن تداري أسرارها، وتكتم أخطاءها، على أمل أن يموت الخطأ أو يصححه الله من عنده، لكننا اليوم ندخل مرحلة لم يعد فيها الستر مفهوم ثقافي، بل نحن أمام مرحلة يتقدم فيها العقل باتجاه المواجهة والمعرفة والشفافية ولم يعد بالإمكان إخفاء الأخطاء أو العيوب.
أما لماذا توسعت في نقد موقف الإسلاميين من دون غيرهم، فقد ذكرت في الفصل الثاني أن المعارضين هم ثلاث فئات، وقد كانت فئة الإسلاميين هي الفئة الأخيرة، لكن لماذا خصصت لها فصلاً خاصاً لأنه، وبكل بساطة، لم تمتلك الفئتان الأخريان السلطة ذاتها التي امتلكتها فئة الإسلاميين الذين سيطروا على كل منافذ المجتمع، المدارس، والإعلام، والشارع، والمنابر، وساهمت في هذا الاكتساح الأموال التي تصب عليهم من كل حدب وصوب.
؟ في معركة تحريم ‘’طاش ما طاش’’ أظهرت هزيمة الفتوى، وكأنها حالة أولى من نوعها، ألا ترين أن الفتوى مهزومة في حالات أخرى كثيرة؟
- صحيح ما ذكرتموه أن بعض الفتاوى غير المعمول بها قد سبقت فتوى ‘’طاش ما طاش’’، إلا أن كل فتوى من الفتاوى التي ذكرتها ظلت ذات قيمة وذات سلطة تفرض نفسها في الشارع السعودي، فرجل الهيئة يصادر أنماط العباءات متى ما داهم المحل ووجد أنماطاً مخالفة، والمرأة يمكن أن تطرد من السوق إن لم تستجب لنداء رجل الهيئة بتغطية وجهها، لكن ‘’فتوى طاش’’ لم تستطع أن توقف المسلسل من القناة السعودية، وهي قناة ضمن التلفزيون الحكومي، ومن هنا جاءت السابقة، وكما ذكرت في كتابي أن الصحف لم تنشر الفتوى في اليوم التالي لصدورها بقرار من مسؤول كبير.
؟ هل كونك زوجة لأحد بطلي العمل، ومنتجيه، يشكل برأيك إضافة لقربك من الفريق؟ أم أن هذا عبء على موضوعيتك كباحثة؟
- كوني زوجة لأحد أبطال العمل جعلني أكثر قرباً للحدث من دون شك، فمشاركة زوجي في العمل جعلتني قريبةً من قراءة كل ما ينشر عن العمل، وعلى مقربة من رسائل الدعم والخصام، بل أيضاً قذف بي في حياة من الضجيج الخطر، الذي لا يمكن احتماله، حين أصبح العمل محرماً، فقد كنا كعائلة نتلقى ما تهبط به سماء الغضب، وسماء الحب في آن واحد، وكنت كأم أعاني أحياناً من أن تلمس موجات الغضب أسماع وأذهان أطفالي الذين تورطوا معنا في حلقة التحريم، ما جعلهم يعودون إلينا بأسئلة، وحنق، ودهشة، من عالم الكبار الذي يختصم بسبب مسلسل يشارك فيه والدهم.
؟ هل شاهد ناصر الكتاب؟ وإن كان فعل فما هو تعليقه؟
- عندما عشت ظاهرة الحرب على ‘’طاش’’ اقترحت على ناصر أن يقوم أحد بجمع هذه المفردات، وكنت أتحاشى أن أكون أنا من يفعل ذلك، وعندما أدركت أن الأمر لن يهتم به أحد، قمت أنا بالدور، عرضت الفكرة على ناصر الذي عاش الحماس والتوتر اللذين عشتهما نفسيهما. الفكرة جيدة، لكن أنا زوجة أحد المشاركين في ‘’طاش ما طاش’’.
هل سيقبل القارئ هذه الفكرة؟ وهل سيتهمني بالتحيز؟.. قررت البدء بكتابة العمل وكنت على الدوام أمرر ما أكتب لناصر الذي تتعثر قراءته له بسبب مشاغله الكثيرة بالعمل، مرة يقول إنني متحيزة للعمل فيحذرني، ومرة يشجعني.
؟ كتبتِ في الكتاب بصفتك البحثية عن معركتي التشهير، والتحريض على القتل، وبودي أن تحدثيني عن انعكاس هاتين المعركتين على بدرية الزوجة، وبدرية الأم؟
- أنت تعرف أنني من الوسط القريب من مصادمات الرأي الحادة، والعنيفة، وتجربتي الكتابية كانت تجعلني بشكل مستمر على اتصال ببعض القصص التي تنسج وتحاك في حال ظهر في الأفق رأي لا يروق لأصحاب المؤامرات والريبة، والساعين إلى تشويه النوايا وتفسيرها على هواهم، لكن مما لاشك فيه أن الكاتب مهما كان معروفاً ومقروءاً، لا يساوي الشهرة ذاتها التي يمنحها التلفزيون لنجومه، كما أن جمهور التلفزيون ليسوا مثل الجمهور القارئ.
الكتاب يكشف عمليات تشهـير وتحريض على قتل الفنانين
يحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان ‘’ذهنية التحريم’’، والمؤلفة استهلت هذا الفصل بتحرير مصطلح ‘’ذهنية التحريم’’، ويمكن هنا على سبيل الإيجاز القول إنها ذهنية يشترك فيها جموع من الناس على الجمود الفكري، والانغلاق العقلي، بما يجعلهم يتعاملون مع كل معتقداتهم على أنها مطلقة وأبدية، ومتسامية على الواقع، وأحادية التفسير، ولا سبيل لاجتهاد بقصد تفاسير أخرى، فضلاً عن تجريم كل نقد يقدّم للمعتقدات، أو لتفسيرها، ومواجهة كل ناقد بشتى الوسائل، ومن بينها عنف اللفظ والفعل، وهو ما يجعلنا نواجه شخصية متطرفة، ليست المشكلة معها في موقفها الديني، بقدر ما هي في حالتها المرضية التي يجسدّها التعصب للرأي على حساب إعمال العقل.
إخوان من طاع الله
بعد ذلك انتقلت المؤلفة إلى استعراض تاريخي للحركات التي اعتبرتها ممثلة لذهنية التحريم في المجتمع السعودي، فاستعرضت حركة الإخوان (1921-1927)، وأبرزت في هذا السياق التمرد التدريجي للإخوان ضد الملك عبدالعزيز، وخصوصاً بعد انضمام الحجاز إلى الدولة الجديدة، القديمة، وإعلان الملك عن نيته في توقف الفتوحات، والاتجاه إلى العمل على تنمية واستقرار المملكة الوليدة.
قبل أن تتفاقم الأمور مع عقد الملك معاهدات مع بريطانيا، وقبوله بترسيم الحدود، وإفساحه المجال أمام مخترعات حديثة - آنذاك - مثل التلغراف والهاتف والإذاعة والسيارة، ورفضه لمطلب الإخوان بمحاربة الشيعة السعوديين، بحسبانهم من غير المسلمين، وبلغت الأحداث ذروتها بمواجهة عسكرية حاسمة، انتصر فيها الملك.
علماء من طاع الله
ثم، وبحسب المؤلفة، أعلن الملك أن العلماء - علماء الدين حصراً - هم الجناح الثاني للحكم السياسي في البلاد، وحاول أن يتعاطى مع معارضتهم للمخترعات الحديثة، واحتجاجهم على إدراج مواد علمية في تعليم البنين، بأكبر قدر ممكن من سعة الصدر، إلا أنه أدخل المخترعات، والمواد التي عارضها العلماء، وحرموها. وركزت البشر في الصفحات التالية على أبرز ملامح الموقف المتشدد لذهنية التحريم، انطلاقاً من النظرة المتوجسة التي حملها العلماء حيال التعليم، ومن ذلك موقفهم من مضامين المواد العلمية التي اعتبروها مخالفة للشريعة، كالقول بكروية الأرض في مادة الجغرافيا، وفكرة تعليم البنات، والتشبه بالكفّار في النشاط اللاصفي للبنين، واتهام المعلمين المستقدمين في العالم العربي - حينها - بالزندقة والإلحاد، ومروراً برؤيتهم المتشددة لوسائل الإعلام، والترفيه.
حركة جيهمان
ثم تحولت المؤلفة إلى عرض تاريخي لحركة جيهمان العتيبي، التي احتل أنصارها، بقيادته، الحرم المكي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ,1979 وذكرت أن جماعة تحركت في الوقت نفسه لاحتلال المسجد النبوي في المدينة المنورة، غير أن السلطات الأمنية تمكنت من منعها. إثر ذلك، وبطريقة الاسترجاع، أعادت البشر القارئ إلى منتصف ستينات القرن العشرين حيث تألفت ‘’الجماعة السلفية المحتسبة’’، التي عرفت لاحقاً باسم ‘’أهل الحديث’’، وانبثقت هذه الجماعة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وانشطرت من هذه الجماعة الخلية التي قادها جيهمان العتيبي، وفارقت الخلية الجماعة في مسألة وجوب الولاء للحكم السعودي، واتخذت بهذا المعنى من الإخوان مثالاً تاريخياً.
الصحوة
أعادت المؤلفة رواية القصة الأفغانية، والمواجهة الأميركية السوفيتية، والدعم الخليجي، حتى دقت ساعة العودة، بعد خروج المحتل الروسي، وتقاتل المجاهدين الأفغان، فعاد المجاهدون السعوديون إلى حيث لا جهاد، وأصبحوا ينشدون إعادة عقارب الساعة، إلى حيث كان أجدادهم - إخوان من طاع الله - يخوضون معركة ‘’مقدّسة’’ ضد الحداثة، وفي مواجهة حركة الزمن، حتى لاحت فرصة التعبير عن الذات بمواجهة الحكم السعودي في موقفين متزامنين، هما السماح بالاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت في أغسطس/ آب من العام ,1990 ومظاهرة نسائية لقيادة السيارة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، فتعاملت الحكومة بحزم رد الفعل ‘’الصحوي’’ تجاه الموقف الأول، واستعملت فتاوى العلماء، في مقابل التغاضي عن رد الفعل على الموقف الثاني، بل والاستجابة لها، وإن بحدود. وعلى الأثر انتقلت البشر إلى عرض عن ‘’السرورية’’ بوصفه تياراً فرعياً لتيار الإخوان المسلمين الوافد عربياً، وبحسب المؤلفة فهو تيار متطرف، استغل شعارات دينية لتمرير أفكاره السياسية، واستفاد من مجاملة رسمية، ودعم من رجال أعمال، وقد أطلق التيار الفرعي منظومة إعلامية، وحارب قيم التسامح والتعددية والديمقراطية، واعتبر هذا التيار حكومة ‘’طالبان’’ نموذجه التطبيقي الأقرب للمثالية.
منعطف سبتمبر
أنجبت حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، الحرب على الإرهاب، والقضاء على الحلم الطالباني في أفغانستان، ووصلت حرب القاعدة إلى الرياض، وبالتزامن مع كل ذلك نشط خطاب صحافي نقدي تجاه الأصولية، فهوجمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعاظمت المطالب بتغيير المناهج الدينية، وانتقدت الرئاسة العامة لتعليم البنات، التي جاءت الخطوة الرسمية بإلغائها لتلهب موقف الممانعة في ذهنية التحريم، وبذلت محاولات عدة للحد من الإجراءات الإصلاحية، من التعاون دولياً في مواجهة الإرهاب، إلى تقديم مسرحية في كلية خاصة.
في عيون الصحافة
خصصت المؤلفة الفصل الثاني من الكتاب لردود الفعل على المسلسل المعبّر عنها صحافياً، من خلال الأخبار والتقارير، ومقالات الرأي، وبعد تعريف موجز بالمسلسل، سعت البشر إلى تأطير الممارسة النقدية التي قام عليها المسلسل، لتصفها بنقطة تحول في السلوك الإعلامي المحلي، حيث إن الإعلام عمل باستمرار أن يكون جزءاً من خطاب رسمي مشغول بإبراز المنجز، وظل النقد الإعلامي محصوراً في مجموعة من كتّاب الرأي في الصحافي، الذين يحدهم الانتشار الضيق، والرقابة الصارمة، فضلاً عن عوامل مساندة لنجاح لمسلسل، مثل السخرية، واعتماد اللهجات المحكية. ونتيجة تمثيل المسلسل تحولاً في الخطاب الإعلامي السائد، كان من الطبيعي أن يثير ردود فعل واسعة، ومتباينة، قبل أن يفتح مع جزئه السادس للمشاهدين المجال للمشاركة في وضع أفكار حلقات المسلسل، بما جعل ‘’الشعب يكتب، والشعب يشاهد’’. ثم استعرضت البشر ردود الفعل المتباينة على المسلسل الذي مثلما قسم الشارع السعودي بين مؤيد ومعارض، اختلف حوله المسؤولون الحكوميون، وبدأت بالتأييد، الذي جاوز المحلي، إلى الخليجي والعربي، كما اهتمت برصد الشهادات الدولية المتوالية التي حظي بها العمل.
المعارضون
وصنفت البشر المعارضين إلى ثلاث فئات رئيسة، أولها المعارضون بسبب ما اعتبروها مساساً بقيمتهم كما في ‘’معركة اللهجات’’، والفئة الثانية ‘’المنقلبون’’ وهم فئة من الكتاب والصحافيين والمنتجين والأكاديميين، الذين لم يترددوا في المطالبة علناً بفرض الرقابة على المسلسل، وعدم ترك الفرصة له على النحو القائم. أما الفئة الثالثة (المتشددون) فهم المعارضون للمسلسل على أساس ما يعتبرونه مفاهيم دينية مقدّسة، وهم الذين ساءهم طرح النماذج الشائكة التي عبرت عن علاقة بين المظهر المتدين والسلوك المشين، وعلاقة التعليم بالإرهاب، وموضوع الاختلاط، وقيادة المرأة للسيارة، وحدود حجاب المرأة، وقد قررت المؤلفة أن تخصص الفصل الثالث كاملاً لهذه الفئة.
معركة التحريم
استعرضت البشر في مطلع الفصل الثالث خمس حلقات، اعتبرتها الأكثر إثارة لموقف الإسلاميين المعارض للمسلسل، وهي ‘’من دون محرم’’، و’’وشو من لحية’’، و’’إرهابي أكاديمي’’، و’’وا تعليماه’’، و’’صالون الهيئة’’، وقدّمت ملخصاً للحلقات، ولردود الفعل عليها.
ثم انتقلت إلى الفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية في ديسمبر/ كانون الأول من العام ,2000 بتحريم إنتاج ‘’طاش ما طاش’’، وترويجه، وعرضه، وما أثارته الفتوى من ردود فعل متباينة، واعتبرت المؤلفة أن انشقاقاً على كل المستويات قد حدث في الموقف من الفتوى، فلم تبث إعلامياً، وتجاهلتها الصحف استجابة لقرار حكومي، ولكنها وزعت بصورة علنية في المساجد والمدارس، وتفاوتت مواقف الناس منها، إلا أن الخلاصة المفيدة تمثلت في استمرار التلفزيون الحكومي في عرض المسلسل، وتوالي جنيه أعلى إيراد إعلاني، بما يعكس استمرار مشاهدته، وهو ما يعني هزيمة الفتوى.
معركة التشهير
وتحول أنصار الفتوى، المنهزمين، إلى أساليب بديلة لمعالجة الوضع، ولوقف المسلسل، قتم اللجوء إلى سلاح التشهير، وتوالت منشورات التحريم ضد المسلسل على شكل مطبوعات صغيرة توزع في المساجد، فضلاً عن تخصيص بعض الخطب في الجوامع للتعريض بالمسلسل، وتخصيص قسم من دعاء القنوت ضد العمل والقائمين عليه.
إلى ذلك، وفي العام ,2003 قام أربعون شخصاً بالتوجه لمبنى التلفزيون بالرياض لمنع عرض ‘’طاش ما طاش’’، وتم رفض مطلبهم، وتفريقهم بهدوء، وتجاهلت الصحف بتوجيه مباشر الكتابة عن الحادثة، عدا صحيفة ‘’الحياة’’، والتي دفعت الثمن بمنع عددها من دخول السوق السعودي.
ثم قام محامي برفع دعوى ‘’احتساب’’ ضد المسلسل، وتحديداً ضد حلقتي ‘’توت بيروت’’، و’’سور الحريم’’، إذ إنهما تسيئان للمجتمع السعودي، قبل قيام مجموعة من ‘’الهاكرز’’ بتخريب موقع ‘’طاش ما طاش’’ على الإنترنت.
معركة التحريض على القتل
وهي معركة ثالثة، عرفها فريق المسلسل، بعد حوادث سبتمبر/ أيلول ,2001 وبعد الظهور الحديث للتفجيرات في الرياض، في مايو/ أيار ,2003 حيث تحمل ‘’طاش ما طاش’’ مسؤوليته في طرح جاد، وجريء، بشأن جذور الإرهاب، فاستفز ذلك قوى متعددة، بعضها مستفز سلفاً.
فظهرت الدعوة علناً في منتديات الإنترنت لتصفية بطلي المسلسل، ونشرت خرائط لمنزلي القصبي والسدحان لمن يرغب في تأديبهما، قبل ظهور تصريحات واضحة عبر أكثر من موقع إسلامي، فمنهم من وعد شيخه بتنفيذ عملية انتحارية، ومنهم من أشاد بفكرة إحياء سنة الاغتيال.
......
قرأة لكـــم الأخ العزيز.. .. ياكوف...
نقل لمنتدى بريدة .. من طرفي انا البرحية