المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سر الشعر


عبدالله الوشمي
20-09-07, 08:25 am
يردّنا الشعر فيما يرد، إلى حقيقة الحياة وجوهرها. وللأسف إن الجزء الأكبر من حياتنا النفسية يشذ عن هذه القاعدة، لا يخضع لأي منطق وليس له دوافع أو علل أو شروط خارجية. إن ما ننكره من الحياة، هو كل ما كان بلا لون ولا شكل ولا رائحة ولا وزن ولا كيان والهواء والماء والمكان والزمان، وهذه أشياء، هي في الحقيقة جوهرية للشاعر. وهذا هو الفرق بين الشاعر وعامة الناس هنا وفي كل مكان. إن المشاعر المتوقدة في الشعر، لها علاقة خارجية وداخلية. والشاعر بمقدرته الخلاقة يمزج بينهما في ديمومة مستمرة، فيتجدد دون انقطاع حتى ولو بقي هو ذاته. فالشاعر، بطبعه في التطور يتقدم على الدوام غير ناظر إلى الوراء، وهو في كل قصيدة ولادة جديدة، على ما في ذلك من عسر ومخاض. لكنه بهذه الطريقة يظهر على برهان جديد: في أن اللحظة الشعرية هي الإمساك بالزمن، ويمكن أن نتصور شعره مثل غضب يستمر خمسة أيام، مثلاً، ثم لا يعود غضباً. نعم، مهما لانت الكلمة عند الشاعر فإنه يكتبها بغضب القلب وعصب الشعر. إن أحاسيس الشاعر تخضع لتقلبات من هذا النوع: هل يتغير الشعور ويظل مع ذلك هو ذاته؟ أم يصبح بسبب تحولاته شعوراً آخر؟ هل هو إحساس واحد يتألف من سلسلة من الحالات المتنوعة؟ أم أن كل حالة من قصائده تشكل إحساساً مستقلاً؟ إن وحدة الشعور في الشعر تتوالد بعضها من بعض دون توقف. إن الشاعر يتلقى جميع التبدلات في القصيدة، ومع ذلك تظل محتفظة بفرادتها. ولكن، متى وكيف تتم هذه الوحدة وتصبح كاملة؟ لا يوجد منذ بدء اللغة تجربة شعور محددة، بل توجد تجارب وتجاذب بين الشعر واللغة مرشحة ومؤهلة لأن تصبح القصيدة شعراً.. إنها معادلة صعبة جداً، لا يتقنها إلا الشعراء العباقرة. إن الانفعال في الشعر ليس أمراً ناجزاً جاهزاً، بل مشروع يظل دائماً في طور التكوين.. إن الألم مثلاً، كي يحقق نفسه يجب أن يمر بكل الحالات: إحساس. معاناة. ردة فعل أصيلة. إرادة. هرب. دفاع. هجوم. وجع. فضول.. هكذا تولد القصيدة عند الشاعر العظيم. وكما أن الحب يندرج من الشهوة إلى الوجد إلى الشوق إلى الهيام، هكذا تتأرجح القصيدة بين قلب الشاعر وروحه.. تتلبس عنده اشكالاً عدة تتصف باللاتحديد. إن الحافز الذي يثيره الشاعر يتوقف إلى حد بعيد عليه. إن ما يجتذب الجائع لا يستهوي الجريح إطلاقاً. أن تتعلق بمقتنياتك وأن تتمسك بشرفك ليس نوعاً واحداً من الحب. إن تيار الشعر يجب أن لا يتوقف عند الشاعر المتمكن من موهبته، إننا نراه بوضوح دون الحاجة إلى مجهر. فكلما تعمقنا في القصيدة الأصيلة يتوضح إدراكنا وتكتشف أمامنا القيمة الجمالية المبهرة في الشعر. إن الشاعر الحقيقي قادر على أن يثير انتباهنا على الدوام لأنه مزيج من مشاعر عدة، إلا عندما يتوقف، ليتيح لنا أخيراً أن نلقي نظرة عامة على القصيدة من أولها إلى آخرها. يقول الناقد البريطاني روبرت ميزيل: إنك لو طرحت على نفسك هذا السؤال: من أنا؟ لما استطعت أن تجيب.. ولتراءيت لنفسك من الخارج ككتلة من المادة. إنك تحزن حيناً، وتفرح حيناً آخر، وتغضب الآن وتهدأ بعد حين. هكذا يخلق لك الشاعر جواً من عنده تندمج فيه، فتصبح حالتك النفسية هي أشبه بثياب تخلعها عنك وتستبدلها بأخرى. إنها ليست ملكاً لك. إنها ليست جزءاً منك للحظة خاطفة عندما تنبهر بالقصيدة التي تركها بين يديك الشاعر، غير آبه بما ستشكل عندك من مشاعر. ومع هذا يذهلك أن تجد نفسك أمام نص ساحر يتلاعب بمشاعرك كأنك أنت القصيدة والشاعر. إنك هنا في حضرة الشاعر تختلف عما تكون في السينما أو في معرض تشكيلي. هنا المشاهدة، وهناك الإحساس. الإحساس بالشاعر وبشعره. إننا كناس عاديين لا نعرف جيداً ما يجب علينا أن نفكره عن تكويننا الذاتي.. ولكنك في الوقت ذاته لا تستطيع أن تقول لا أقرأ شعراً. إن الشعر الجيد، بقدرة قادر يجعلك إنساناً من مجموعة صفات قد تدهشك بينك وبين نفسك. وبذات الوقت تصبح مخلوقاً يعرف ما يريده. هذا هو سر الشعر والشعر، قد لا يخطر ببالك، بعد أن تتعود قراءته أنك أصبحت مخلوقاً يعرف ما يريده وما عليه فعله. وهذه الصفات التي وضعها الشعر بين يديك حددت لك اتجاه الحياة. ولكن هذه الحياة تظل جزءاً من الشاعر الذي أعطاك هذه المتعة الخفية حيث تصبح أنت والشاعر كيانين في كيان واحد.

منقووووول

بدر بن عبدالله الدخيل
20-09-07, 05:50 pm
يعطيك العافية ابو تركي على النقل الأكثر من رائع

كل الود