oldman
05-08-07, 01:39 am
أوجب الله على هذه الأمة واجبات عامة، لابد للأمة من القيام بها وأدائها، فإن قام بها البعض سقط الإثم عن البقية، وإن قصروا أثمت الأمة جمعاء - وذلك مايسمى بفرض الكفاية - ومن أوجب
فروض الكفاية وأهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد قال عز وجل
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض )
فهم يتحدثون باسمك، ويقومون بهذا الواجب نيابة عنك، ولئن تخلى هؤلاء وغيرهم ممن يقوم بهذا الواجب فسوف ينالك الإثم لأنك من الأمة ومخاطب بهذا الواجب الشرعي .
ولما كان ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) أمراً ربانياً من أجله بعث الله تعالى الأنبياء والرسل كما في
قوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
(سورة النحل 36 )
ولما كان ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) من أوصاف سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم , دالاً عليه
قوله تعالى { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر } ( سورة الأعراف 157 )
ولما كان ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) من صفات المؤمنين الصالحين متمثلاً بـ
قوله تعالى : { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين }. ( سورة التوبة 112 )
لما كان الأمر الرباني بإقامة التوحيد والنهي عن الشرك , والنهي عن المنكرات والأمر بالخيرات , سبباً لإقامة هذه الشعيرة المباركة , والتي لا يبغضها ولا يعرقل سيرها إلا من في قلبه مرض
..!
من هذا المنطلق الشرعي نقول :
إليكم أيها الأبطال , إليكم حماة الفضيلة , إليكم يامن سهرتم ونحن نيام , إليكم أيها الشرفاء , أهل الغيرة , وأهل الخيرية , وأهل الفضل السابق المشهود لكم به من كل فرد في المجتمع
...
إليكم أصدق الدعوات نرفعها إلى الله تعالى بأن يوفقكم ويسدد خطاكم , ويرد كيد كل كائد بكم ومتربص في نحره , من كبراء الخارج وأعوانهم من شياطين الإنس في الداخل ...
إخواننا رجال الحسبة
: أنتم والله تاج شرف يُرفع على جبين الأمة , كيف لا وقد رفع الباري جل شأنه ذكركم في كتابه
قال سبحانه وتعالى :
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( سورة آل عمران 104)
فأي فلاح وأي شرف , خصكم الله تعالى به , وأنتم له أهل ..
هنيئا لكم هذا الإختصاص يامن قمتم وتقومون به تحت راية واحدة حق قيام بإذن الله..
يا خيــــرنا .. يا فخــــرنا .. يا ذخـرنا ** حــق عــــلي بمثلكم أن أفخـــــرا
وأن الأمر بالمعروف،والنهي عن المنكر عبادة يتعدى نفع صاحبها إلى غيره وتستضيف خير المأمور بها إلى خيره، وهي الجهاد الأكبر الذي تقاتل فيه عواصي النفوس وتضرب فيه رؤوس الشهوات،
التي هي أمنع من معاقد الرؤوس، فقتيله يحيا بقتله، وجريحه يؤسى بجراحه ونصله، وبمثل هذا الجهاد تستنزل أمداد النعم مضعفه، كما تستنزل أمداد النصر ردفة، فأقدم عليه ذا عزم باتر، وطرف ساهر،
وقدم ثابت صابر، حتى تظل لمعاقل الشيطان فاتحا، وتكون فيمن دعا إلى الله وعمل صالحا .
حمايتهم لأعراض المسلمات، فلله كم من فتاة حصان رزان كادت أن يدنس عرضها فأدركوها بعد رحمة الله في اللحظات الأخيرة، وكم من عائلة شريفة عفيفة حموها من تدنيس السمعة وتلطيخ الشرف .
أخي الكريم : إنها نماذج يطول استقصاء بعضها، لن تسمعهـا من أصحابها ، وهل تريد من مسلم أغلى مايملك عرضه أن يتحدث بما حصل له، أو كيف أنقذت ابنته، أو ابنه ؟
فتاة كانت على علاقة مع شاب سيء والتقت معه في الخلوة مرارا وصار بينها وبينه كل سوء غير مايوجب الحد، وفي ليلة ليلاء، وقد بقي على زواجها ليلتان فقط، كانت معه فتناولا الطعام سوية في أحد
المطاعم، وبيناهما في الطريق إلى أحد أوكار الفساد، وقد أوقعها في خدعة ووافقت له على تدنيس عرضها، وتلطيخ شرفها، وإلحاق العار بأهلها، إذا برجال الهيئة يقبضون عليهما - عفوا ينقذونهما من
الفاحشة- فكأنما استيقظت الفتاة المسكينة من سباتها فلهجت لهم بالشكر والثناء على حمايتها وإنقاذها .
فتاة بعد أن تزوجت زوجا صالحا سافرت معه للخارج فما كان من زميلها وخليلها إلا أن اتصل بها هناك، بعد حصولـه على هاتفهـا اتصل مهددا لها بإرسال بعض الصور والأشرطة لزوجها، إن لم توافق
على تدنيسه لعرضها بعد أن فاته ذلك أيام العشرة المحرمة، وحين أن علم أنها ستقدم لأهلها ، ولم ؟ لأجل أن تضع مولودها الأول . فأسقط في يد المسكينة، وحارت العفيفة، أتستطيع إخبار زوجها ؟!
وهل تطيق أن تبوح له بشيء من الأمر ؟ لكنها اتصلت على أخيها الذي وجد ملجأه في مركز الهيئة، فتوصلوا إليه، وأتلفوا مالديه بعد تعزيره بما يستحق . ولكم أن تتخيلوا ما موقف والدها بعد ذلك،
وكيف كانت مشاعر إخوتها وكأني بأمها العفيفة المصونة،تختلط دموع فرحها مع أصوات دعائها الصادق لهؤلاء الذين أنقذوها وابنتها .
مركزاً واحداً في مدينة الرياض قبض على عصابة جاءت من خارج البلاد بحجة العمرة ثم دخلت الرياض قوامها ثلاثة عشر عضوا، بل ثلاث عشرة داعرة تمارس البغاء الرخيص . وأن مركزا واحدا
قبض على (11) مروج للمخدرات ليس في عام، ولا شهر، بل في أسبوع واحد، وأن المركز نفسه قبض على (88) مصنعا للخمر في عام واحد . وكم هم أعضاء هذا المركز إنهم ستة من
الشباب فقط .
كم ستفعل هذه البغايا في هذا المجتمع المحافظ النزيه ؟ وكم من شاب سيدمره بائع السموم هذا المروج ؟ بل كم من منزل سينهار، ويقضي عليه هؤلاء المجرمون . بعد ذلك، ألا توافقني أخي من
محاسنهم حماية المجتمع من الفساد والجريمة .
مجرم محترف له عشر سوابق ضبط في جريمة تصنيع الخمر، هداه الله على يديهم، تحول بعد ذلك إلى داع لله واعظ .
وذات ليلة قبضوا على مروج للهروين فجاء شاب في العام السادس من العقد الثاني من عمره ( 16) سنه، يتهادى يسقط تاره وينهض أخرى، إنه يريد جرعة من الهروين وبعد جهد هؤلاء هداه الله على يديهم، فجاء والده المسكين للمركز ومشاعر الفرحة والسعادة تملأ فؤاده، جاء ليعبر لهم عما في قلبه من ود، وعما يكنه من عرفان وتمناهم أن يطلبوا ثمنا، وأنى أن يفعلوا . فلم يجد إلا أن يقسم على رئيس المركز أن يسمح له بتقبيل رأسه، وهو يوقن أن هذا ليس الثمن الذي يقدمه لهم، لكنه وسيلة للتعبير عن بعض المشاعر الصادقة .
امرأة اعتادت الفساد ومخالطة الشباب من غير المحارم تبكي وتعلن توبتها في المركز بعد أن وقف أحد الأعضاء ينصحها ويعضها وهو تحت وابل المطر، وقد تجاوبت عيناه مع السماء فهو يبكي، فتقول أدركت فعلا أنه رجل صادق .
شاب يلاحق فتاة في الشوارع ويقف ينتظرها عند مشغل تجاري، تنهمر عيناه بالبكاء ويعلن التوبة على يد العضو إياه الذي سمع منه الموعظة .
امرأة يقبض عليها المرة الخامسة في قضية بيع للعرض، وممارسة للبغاء يهديها الله على أيديهم .
وليست هي الوحيدة، ولا هذه النماذج يتيمة فذلك غيض من فيض، وقطرات من بحر .
مروج للمخدرات يستفيق من غفلة بعد رعاية وحسن معاملة أحدهم . فما أن خرج من السجن حتى جاء يبحث عنه شاكرا، والآن حين تراه لاتصدق تاريخه السيء .
فلو سألتك بعد ذلك عنهم لقلت بأعلى صوتك ( استنقاذ الكثير من أوحال الفساد وإنقاذهم من طريق الضلال) .
من محاسنهم فهي مساهمتهم في دفع العقوبة الإلهية التي تنزل حين يقارف المنكر، ولا يجد من ينكره . ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )
( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )
كم مجرم قبض عليه هؤلاء، وكم من عصابة محترفة للفساد والرذيلة، وكم من مروج للمخدرات، ومصنّع للخمور . أتظن أن مواجهة هؤلاء أمرا سهلا ؟ . وبأي قوة يواجهه هؤلاء الرجال أولئك
العتاة، جلاوزة الإجرام، وعصابات الفساد ؟ . أليسوا يخاطرون بحياتهم وأرواحهم عندما يواجهون أولئك ؟ أليست هذه من
المحاسن ؟ .
ومع هذه الجهود، وحماية الأعراض، ومواجهة الفساد، والتضحيات الغالية، يحمون أعراض من لايتورع عن الخوض في أعراضهم، ويقدمون الخير لمن لايكف لسانه عنهم . فمع هذا الجهد ينظر البعض إليهم شزرا، فيسمعون النقد اللاذع، ويقرأون في وجوه البعض أمارات عدة يجمعها عدم الرضا عنهم . ومما يزيد الطين بلة، والهم غماً، صدور النقد والتجريح من بعض الأخيار ، وطلاب العلم
الذين ينتظر منهم فوق الكف عن الإساءة : الإعانة، والتأييد .
فما حال من يرى الإساءة ممن أحسن إليه، ونكران الجميل لمن أهداه إليه ، أو ليست من المحاسن : تحمل الأذى النفسي، ومواجهة إحسانهم بالإساءة ? بلى والله .
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " ( رواه ابن ماجه ) بل يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فيقول في حديث حذيفة " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم " ( أخرجه أحمد والترمذي ) . إذا فحين يقصر الناس في هذا الواجب الشرعي يستحقون لهذه العقوبة الشنيعة، ألا وهي انغلاق أبواب السماء، ومن يفتحها ؟ إنهم أولوا البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض .
فبقيام هؤلاء وغيرهم بهذا الواجب، تندفع هذه العقوبة، وينفتح للناس هذا الباب .
ألا يخطيء هؤلاء؟
أولا :-
أليس البشر عرضة للخطأ، وهل رأيت في حياتك أحدا خلا من الخطأ ؟ تفكر في أعز أصدقائك وأقربهم إليك ألا تجد منه عيبا ؟ ألم يرتكب ضدك خطأ يوما من الدهر ؟
إذا كنت في كل الأمور معاتبا *** صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فهل كون هؤلاء في هذا المجال يجعلنا نريد منهم العصمة ؟ فليست لأحد بعد أنبياء الله .
ثانيا :-
هل عرف التاريخ أبر وأطهر ممن اختارهم الله لصحبة نبيه، وهل سطر أحد في صفحاته أنصع مما سطره ذاك الجيل الفريد ، ومع ذلك فهل سلموا من الخطأ؟ جاء رجل جاهل فبال في طائفة المسجد ،
فماذا كان من أولئك رضوان الله عليهم ؟ لقد انتهروه ، وفي غير ما حادثة يقول أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أضرب عنق فلان، وقد يكون لم يرتكب مايوصله إلى ذلك . فهل أنكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلظ عليهم ؟ أليسوا قد وقعوا - رضوان الله عليهم - في الخطأ في أسلوب الإنكار . وهل تريد بشرا في هذا العصر أفضل من أولئك ؟!
ثالثا :-
الخطأ حين يقع فلا يتحمله إلا صاحبه، فلِم يؤخذ الجميع بجريرة الواحد ؟ والناس لايلفت انتباهم إلا الخطأ، فيرون رجال الحسبة مررا ولاتبقى في مخيلتهم المواقف المشرفة، وحين يرون خطأً يرتسم في أذهانهم، وهكذا البشر .
رابعاً:-
الهيئة جهاز حكومي كسائر الأجهزة، فهل هم وحدهم يقعون في الخطأ ؟ أفليس لرجال المرور تجاوزات، ورجال الشرطة، ورجال الجمارك …أوليس هناك أخطاء لرجال الصحة والبلديات قد يذهب
ضحيتها أرواح بريئة ؟! وهكذا سائر الموظفين فلم هؤلاء وحدهم ؟ أم أن وراء الأكمة ماوراءها .
خامسا :-
من أبسط قواعد العدل والمنهج الشرعي أن تذكر المحاسن مع المساويء ، والإنجازات مع التجاوزات، أوليس صلى الله عليه وسلم عفا عن رجل أفشى سرا عسكريا خطيرا للأعداء لأنه شهد بدراً ؟
أننسى العشر السابقة مقابل خطأ واحد ؟ وهل سمعتم من المتحدثين عن المزالق والتجاوزات من يردفها بحسنة واحدة مما قلنا ومالم نقل، فأين العدل ياأمة العدل ؟!
سادسا :-
هل تفضل هذا المتحدث يوما بزيارة أحد المراكز ليرى صدق ماسمع، وليبدي النصيحة، ويناقش أصحاب الشأن ؟ أليس هذا هو الواجب الشرعي، وبعض مايمليه منطق العدل والإنصاف، حينئذ يدرك
الأمر على حقيقته ويطلع على ما كان خافيا عليه من قبل، ويجد الإجابة على أي تساؤل يطرحه . ويسمع للنصيحة الصادقة حين تصدر منه .
سابعا :-
هب أن المساويء ربت على المحاسن، والتجاوزات طغت على الإنجازات، هب ذلك جدلا، ولو كان محالا حقيقة، فما الحل ؟ . أهو الحملة الشعواء، والتجريح اللاذع، والثلب اللامسؤول ؟ أم هو
الإصلاح، والمناصحة ؟ ولو وصل الأمر إلى هذا الحد . أفيترك واجب الأمر والنهي، وتوصد أبواب الإصلاح بهذه الحجة ، أم نسلك سبيل الإصلاح والتغيير ؟ فهل الوسائل التي يسلكها الكثير من
الناس الآن، وسائل إصلاح فعلية ؟ وهل تخدم أم تهدم ؟ . وبأي منطق عقلي، أو مستند شرعي تدرج هذه الأساليب الهوجاء في قائمة الغيرة على المجتمع والسعي لإصلاحه ؟
ثامنا :-
ثمة رجلان :
الأول
يرى المنكر فتأخذه الحمية لدين الله، والغيرة على حرماته ، فيتحرك الدم في عروقه غضبا لله وانتصارا لدينه ؛ فينكر بأسلوب خاطيء، ويسيء وهو يريد الإصلاح .
وأما الثاني
فيرى المنكر بملء عينيه، ويسمع عن انتهاك حرمات الله، ومع ذلك لايلفظ ببنت شفه، ولا يحرك لديه ساكنا، لأنه ليس وكيلا لآدم على ذريته، ولن يحجز السيل بعباءته-كما يقول البعض- واحتكم إليك الرجلان . فأيهما أكثر خطأ، وأيهما أكبر جرما ؟ وإياك أن تحكم عقلك، ومنطقك البشري . فالحكم ليس إلا لله ولشرعه ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . فهل من اجتهد فأخطأ، أشد خطأً
ممن يتخلى عن الواجب الشرعي بحجج باردة، ومنطق بشري . دون عذر أو مبرر . وهب أن الأول كان أشد خطأً، وأعظم إثما، فهل صفحة الثاني بيضاء نقية؟. وإذا تحمل الأول 70% من
الخطأ فلم لايحوّل جزء من الحملة، ويوجه بعض النقد لصاحب الـ 30% ؟ إنه المنطق المعكوس . أما إن أردت الفصل فالأول أخطأ من حيث أراد الصواب، والله يغفر له بل يجزيه أجر على
اجتهاده، وأما الآخر فقد قصر لسكوته عن المنكر وسيسأل يوم القيامة (ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تنكره). وما أكثر الصنف الثاني الذي يرى المنكر بعينه وعيانه، فلا يصنع شيئاً، ولا يحرك
ساكناً!! فله شأن غير هذا، والأمر يعني غيره. فهل سمعنا في المجالس من ينقد هؤلاء الساكتين، ويبين خطأهم تلميحاً أو تصريحاً؟!. فإن كان الحديث عن رجال الحسبة وأخطائهم مبعثه الغيرة
على الدين، فلِمَ لم تفعل الغيرة فعلها هنا؟. أو ليس هذا خطأ؟
تاسعاً:
التثبت في الأخبار من صفات العقلاء، فضلاً عن أنه منهج شرعي، فهل نحن نسلك هذا المنهج في التعامل مع الأخبار التي نسمعها عن هؤلاء، فقد يروي لك أحدهم خبراً وقد عاقبوه، أو قبضوا عليه،
وتُسلّم بكل ما يقول، ومثل هذا ولو كان عدلاً فهو خصم، فهل تسمع قول أحد الخصمين وحده. فكيف لو كان فاسقاً، أو غير موثوق، أو لا يتورّع عن الكذب، والنقص والزيادة؟
وقفة مع الشائعات
ولنقف وقفة يسيرة مع الشائعات التي كثيراً ما نسمعها، وللأسف نتعامل معها بغير المنهج الشرعي.
القسم الأول:
وهذا باطل جملة وتفصيلاً، فقد تلقى أحد رؤساء المراكز مكالمة هاتفية تستفسر عن حالة قتل حصلت له، وآخر تلقى تعزية في عضوين جالسين أمامه وأما ثالثة الأثافي فرجل تلقى مكالمة للتأكد من أن
عضواً سينفذ فيه القصاص غداً الجمعة، لأنه اختصم مع شخص فقتله خطأ يوم الثلاثاء، وانظر كيف يحمل الخبر مقومات كذبه، ومع ذلك ينطلي على بعض العقلاء، فقتل الخطأ لا قصاص فيه، وكيف يتم
التحقيق، والحكم، والتّصديق من هيئة التمييز ثم من المجلس الأعلى للقضاء، والأمر بالتنفيذ من الجهة التي تملكه في يوم واحد. وأمثلة ذلك كثيرة.
أن تروج الإشاعة وتلوكها الألسن، ويرددها الكثير، ومع ذلك فلا أصل لها.
القسم الثاني:
أما الثاني فهو صحيح جملة، لكن تفاصيله غير صحيحة، بل قد تكون أضعاف الأصل، قصة شهدت بعض فصولها في أحد المراكز، وقد قبض على رجل أجنبي حقيقة وحكماً، وهو طرف في قضية تمتد
إلى الدعارة، وبيع لحم الخنزير، فبينما هو في غرفة التوقيف، إذا به يخنق نفسه منتحراً، ثم سمعت بعد ذلك من أكثر من مصدر، أنهم قاموا بضربه حتى فارق الحياة، أرأيتم كيف تفارق هذه الأخبار
الحقيقة، بل وأحد الناقلين طالب علم وللأسف.
القسم الثالث:
وثالث الإشاعات أن يرى الناقل خبراً لا يدرك تفاصيله، فيجتهد -رحمه الله- في تفسير الخبر، قائلاً: رأيت بعيني، وسمعت بأذني، وشممت بأنفي، كذا وكذا. قبض مرة رجال الحسبة على
مروج للمخدرات واحتاج منهم ذلك لبعض العراك، وكان الأمر وقت الأذان، أتدري ماذا قال الحاضرون، وبم فسروا الحدث؟ أترك لك استنباط ذلك. مع قصة لها شبيهة، مع ثالثة قبضوا فيها على شاب
يعتدي على امرأة أثناء خروجها من أحد المحلات التجارية فتستنجد المسكينة، برجال الهيئة القريبين منها، فيقبضون على صاحب النزوة، وفي آخر السوق يراهم أحد المارة، فيعلق. ألأجل تأخره عن
الصلاة تفعلون به ذلك ؟ إنها مواقف كثيرة من هذا القبيل، فثمت فرق بين رواية الخبر وتفسيره، والحديث عن أبعاده، وكثيراً ما يخلط المستمع للخبر بين الرواية، والتفسير.
القسم الرابع:
أما هذه فيكون الراوي فيها هو صاحب القضية، فيعمد إلى حذف بعض المقاطع المهمة، ليصور نفسه بريئاً، وجميع الناس ظلموا المسكين الغافل، كان المذكور يعاكس في السوق، ويتعرّض للحرائر، فيحول
بينه هؤلاء وبين تحقيق شهوته فتسمع الرواية. "كنت في السوق فقبض عليّ دون جريمة، ودون تهمة". تماماً كما يفعل الطالب الكسول فيصور مشكلته لوالده، وكأنه مظلوم تمالأ الجميع عليه وهو
مسكين بريء، فحين يقدم للمدرسة يرى مواضع حذفها الراوي، هي أهم فصول المشكلة. وقد يكون راوي القصة لا يشهد الصلاة أصلاً، أو من المعروفين بالفسق، أو من الذين لا يتورّعون عن الكذب،
وما أكثر هذا الصنف، فبأي منطق يطعن في الأخبار العدول، بخبر من الكذب أهون عليه من شرب الماء ؟
القسم الخامس:
وقد تصدق الخامسة، وحينئذ فما الموقف الشرعي؟! أهو التندر بها في المجالس، أم المناصحة بعد التأكد، ومقارنتها بالمحاسن؟! فالماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.
الناس تجاههم
كيف يتعامل الناس مع هؤلاء الرجال؟ وما مواقفهم منهم؟ إنهم أصناف :
الصنف الأول:
من يتعاون معهم، ويشعر أنهم يقومون بالواجب نيابة عنه، ويدافعون عن عرضه، وعرض إخوانه، فهو ينافح عنهم، ويؤازرهم، ويشعر أن قضيتهم قضيته.
الصنف الثاني:
من يقع فيهم، ويتحدّث عن مثالبهم، وينتقدهم، دون إشارة إلى محاسنهم، وهؤلاء الصنف ليسوا فئة واحدة.
فأولهم رجل عدوّ للدين يسوؤه أن يرى راية الدين والحق عالية.
وثانيهم رجل صاحب شهوة، ونزوة، يقطع عليه هؤلاء شهوته.
وأما الثالث، فرجل خَيّر فاضل مستقيم، يحب الخير وأهله، ويمقت الشرّ وأعوانه، ولو دعته نفسه لمقارفة شهوة، أو السير وراء نزوة، فلن يدعوه ذلك للوقوف ضد الخير ولسان حاله:
أحبّ الصّالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارتهم معاصـي *** وإن كنا سويًّا في البضاعة
والصنف الثالث
إنما أتى من جهله بواقعهم، وسماعه لبعض أخطائهم، والناس أعداء ما جهلوا.
الصنف الثالث: من لا يعنيه الأمر في قليل ولا كثير، ولا يشعر أن له ناقة في الأمر أو جملاً، فلسان حاله يقول: مالي وهؤلاء وجدوا أو لم . صدق ما يقال أو لم.؟ وهمه هل سيخسر متجري،
أو ينقص مرتبي؟ أو أفقد منزل؟ إنه المنطق الأناني، منطق من يعيش لنفسه لا لأمته.
أخي الغيور أعرف أن الكثير ممن يروج هذه الإشاعات ممن لا يقصد الإساءة إنما أتى من جهله بواقع هؤلاء الذين لاجتهادهم لا يتحدثون عن منجزاتهم، ولم يجدوا من يفتح لهم المجال، إلا صحفي سار
يشوه السمعة إما بمقال غير مسئول، أو مقابلة مع أحد المسئولين منهم يزيد فيها ويحذف، ناهيك عن الأسلوب غير المؤدب في طرح الأسئلة على أمثال هؤلاء. فلنستنطق لغة الأرقام، ونفتح صفحة من سجل الإحصاءات لنرى بعض منجزات هؤلاء التي لم تجد من يتحدّث عنها.
أخي الكريم
، أتدري من الرابح ومن الخاسر في هذه الحملة ضد هذا الجهاز الذي عرفته الأمة من صدر الإسلام واسع الصلاحيات، شامخ البنيان، ساري الأمر على الصغير والكبير؟ إنه أحد اثنين لا ثالث لهما
مغرض يُريد الإفساد، أو طائش يُريد فتح أبواب شهوة أغلقها عليه هؤلاء.
أخي الكريم
إياك والمنطق المعكوس، منطق الأنانية والفردية، ممن يقول وما مسئوليتي في الأمر، وما علاقتي وشأني في هذا وذاك؟ أنسيت يا أخي أنك عضو في أمة، وأنك تنتمي لمجتمع، فحين تتخلى أنت عن
مسئوليتك، ويعتقد الآخر أنه غير مسئول، ويقول الثالث هذا ليس من شأني، فمن يتبنى قضايا الأمة، ومن يحمل هموم المجتمع.؟!
أتعلم يا أخي، أن من ذبّ عن عرض أخيه، ذبّ الله عن وجهه النار يوم القيامة، فلم لا تخلص النية، وتحتسب في الأمر، وتقول كلمة في الدفاع عن هؤلاء. لا عن عاطفة واندفاع، ولا عن حماس فائر
إنما عن واقع ومعرفة.
رسالة للمحتسب.
أخي المحتسب
، ندرك تمام الإدراك ما تقوم به -حفظك الله- من جهد، وما تبذله -رعاك الله- من تضحيات.
ولئن كان السكوت عن الشكر، وغضّ الطرف عن الجهود الخيرة، عدم عرفان للجميل، وعدم وفاء لصاحب الفضل.
لئن كان الأمر كذلك فليته وقف هاهنا. ليتك يا أخي نجوت كفافاً لا عليك ولا لك، وليت الذين تدافع عن أعراضهم، وتحمي مجتمعاتهم كفّوا عن عرضك، ورعوا حرمتك. وإن كان الواجب هو
العرفان، والوفاء.
أخي االمحتسب
، إن هذا مما يزيدك منزلة عند من تعمل من أجله، وتضحي في سبيله. فهل سواء -أخي المحتسب- من يعمل وهو يتلقى الدعم والتأييد، ومن تنكر جهوده، وتدفن محاسنه، بل يتلذذ الناس بالولوغ في عرضه؟. نعم أخي أجزم أنك تدرك الإجابة.
إننا يا أخانا الفاضل مع رجائنا أن تقف المعركة، وأن يتورّع الجميع عن الولوغ في الأعراض البريئة، نقول: -وما تلقاه لا يسرنا أبداً- لقد أضفت إلى عملك عملاً آخر، ألا وهو ما وعد الله صاحبه بالجزاء من غير حساب ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)) نعم أخي، إنه باب آخر من أبواب العبادة، ومنقبة أخرى لك لن ينساها الأوفياء.
أخي المحتسب
، لقد قيل قبلك لمن هو خير منك ((ما نراك اتبعك إلا الذين هم أرَاذلُنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين)). ((لئن لم تنته… لتكونن من المرجومين.. من المخرجين.. وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولو لا رَهْطُك لرجمناك..). وغير ذلك كثير، أو لا تودّ أن تتشبه بهؤلاء، فمن تشبه بقوم فهو منهم. أخي الكريم، ومع هذه الكآبة، والمضايقة، هناك
ألسنة جادّة، صادقة تلهج بالثناء عليك، بل والدعاء والتضرعّ لك، نعم، وليسوا -يا أخي- قلة، وإن لم تسمعهم فنحن نسمعهم، وما فعلوا ذلك إلا لأنك قائم بالحقّ، فهم يرجون وجه الله. أفليس لك من العزاء أن تنال مع أجر الصابرين، ثناء الصّادقين، ودعاء الرّاكعين السّاجدين؟.
سيروا إخواننا على بركة الله ولا تلتفتوا لأهل الأهواء , فالصراخ لا يكون إلا على قدر الألم ..
ولنا أن نتخيل المجتمع بلا هيئات ؟؟
بلا أمر بمعروف ونهي عن منكر ؟؟
بلا فضيلة يدعى لها , أو ورذية يحذر منها وينهى عنها ؟؟؟
أولئك الناعقين والناعقات , في الصحف خاصة , ووسائل الإعلام عامة , ممن ضاقوا ذراعاً بالإصلاح الذي يقوم به رجال الحسبة , ووصل بهم الحال للمطالبة بحل هذا الجهاز المبارك
والقائمين عليه بأسلوب مباشر أو غير مباشر , وإن كان البعض منهم يرى أن كلامه نقداً على حد زعمه , وهو أبعد مايكون عن النقد , وإلا لكانوا سلكوا سبله ,
تلك الدعاوى السقيمة , لن يهدأ لها بال , ولن يسعد بها حال , إلا بحل هذا الجهاز المبارك , ليشابهوا بني إسرائيل !!
قال تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون } ( 6 )
فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى , ونعوذ بالله من تمني اللعنات والعيش فيها بعد أن جعلنا الله تعالى : خير أمة أخرجت للناس , بإقامة هذه الشعيرة المباركة ..
فيا أهل الحسبة :
بالله عليكم كونوا كما عهدناكم , ولا يفت في عزائمكم دعاوى المرجفين , وكونوا لكل رذيلة بالمرصاد , ولا تنشغلوا بالأقزام والرد عليهم , عن رسالتكم التي خصكم الله تعالى بها , وأوجبها سبحانه على كل مسلم
قال صلى الله عليه وسلم :
(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
كم غافل أرشدتموه إلى الهدى *** إذ عاد من بعد الضلالة مبصرا
وإذا أتينا للبيوت بمــــــــنكر *** عصروا القلوب إذا رأوه تحسرا
ياعائل الأجيال أدركهـــــــم *** ولا تطرح ذنوبهم عليك فتكفرا
مابالهم ماطاق حمل ذنوبهم *** يدعوا لوزرهم بالفساد ليؤزرا
من يدعو للمعروف يجزبمثله *** والله أكثر للفتى إن أكثــــــــــرا
اللهم سدد هم , وثبت أقدامهم , ورد كيد كل كائد بهم ومتربص في نحره ...
فروض الكفاية وأهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد قال عز وجل
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض )
فهم يتحدثون باسمك، ويقومون بهذا الواجب نيابة عنك، ولئن تخلى هؤلاء وغيرهم ممن يقوم بهذا الواجب فسوف ينالك الإثم لأنك من الأمة ومخاطب بهذا الواجب الشرعي .
ولما كان ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) أمراً ربانياً من أجله بعث الله تعالى الأنبياء والرسل كما في
قوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
(سورة النحل 36 )
ولما كان ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) من أوصاف سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم , دالاً عليه
قوله تعالى { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر } ( سورة الأعراف 157 )
ولما كان ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) من صفات المؤمنين الصالحين متمثلاً بـ
قوله تعالى : { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين }. ( سورة التوبة 112 )
لما كان الأمر الرباني بإقامة التوحيد والنهي عن الشرك , والنهي عن المنكرات والأمر بالخيرات , سبباً لإقامة هذه الشعيرة المباركة , والتي لا يبغضها ولا يعرقل سيرها إلا من في قلبه مرض
..!
من هذا المنطلق الشرعي نقول :
إليكم أيها الأبطال , إليكم حماة الفضيلة , إليكم يامن سهرتم ونحن نيام , إليكم أيها الشرفاء , أهل الغيرة , وأهل الخيرية , وأهل الفضل السابق المشهود لكم به من كل فرد في المجتمع
...
إليكم أصدق الدعوات نرفعها إلى الله تعالى بأن يوفقكم ويسدد خطاكم , ويرد كيد كل كائد بكم ومتربص في نحره , من كبراء الخارج وأعوانهم من شياطين الإنس في الداخل ...
إخواننا رجال الحسبة
: أنتم والله تاج شرف يُرفع على جبين الأمة , كيف لا وقد رفع الباري جل شأنه ذكركم في كتابه
قال سبحانه وتعالى :
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( سورة آل عمران 104)
فأي فلاح وأي شرف , خصكم الله تعالى به , وأنتم له أهل ..
هنيئا لكم هذا الإختصاص يامن قمتم وتقومون به تحت راية واحدة حق قيام بإذن الله..
يا خيــــرنا .. يا فخــــرنا .. يا ذخـرنا ** حــق عــــلي بمثلكم أن أفخـــــرا
وأن الأمر بالمعروف،والنهي عن المنكر عبادة يتعدى نفع صاحبها إلى غيره وتستضيف خير المأمور بها إلى خيره، وهي الجهاد الأكبر الذي تقاتل فيه عواصي النفوس وتضرب فيه رؤوس الشهوات،
التي هي أمنع من معاقد الرؤوس، فقتيله يحيا بقتله، وجريحه يؤسى بجراحه ونصله، وبمثل هذا الجهاد تستنزل أمداد النعم مضعفه، كما تستنزل أمداد النصر ردفة، فأقدم عليه ذا عزم باتر، وطرف ساهر،
وقدم ثابت صابر، حتى تظل لمعاقل الشيطان فاتحا، وتكون فيمن دعا إلى الله وعمل صالحا .
حمايتهم لأعراض المسلمات، فلله كم من فتاة حصان رزان كادت أن يدنس عرضها فأدركوها بعد رحمة الله في اللحظات الأخيرة، وكم من عائلة شريفة عفيفة حموها من تدنيس السمعة وتلطيخ الشرف .
أخي الكريم : إنها نماذج يطول استقصاء بعضها، لن تسمعهـا من أصحابها ، وهل تريد من مسلم أغلى مايملك عرضه أن يتحدث بما حصل له، أو كيف أنقذت ابنته، أو ابنه ؟
فتاة كانت على علاقة مع شاب سيء والتقت معه في الخلوة مرارا وصار بينها وبينه كل سوء غير مايوجب الحد، وفي ليلة ليلاء، وقد بقي على زواجها ليلتان فقط، كانت معه فتناولا الطعام سوية في أحد
المطاعم، وبيناهما في الطريق إلى أحد أوكار الفساد، وقد أوقعها في خدعة ووافقت له على تدنيس عرضها، وتلطيخ شرفها، وإلحاق العار بأهلها، إذا برجال الهيئة يقبضون عليهما - عفوا ينقذونهما من
الفاحشة- فكأنما استيقظت الفتاة المسكينة من سباتها فلهجت لهم بالشكر والثناء على حمايتها وإنقاذها .
فتاة بعد أن تزوجت زوجا صالحا سافرت معه للخارج فما كان من زميلها وخليلها إلا أن اتصل بها هناك، بعد حصولـه على هاتفهـا اتصل مهددا لها بإرسال بعض الصور والأشرطة لزوجها، إن لم توافق
على تدنيسه لعرضها بعد أن فاته ذلك أيام العشرة المحرمة، وحين أن علم أنها ستقدم لأهلها ، ولم ؟ لأجل أن تضع مولودها الأول . فأسقط في يد المسكينة، وحارت العفيفة، أتستطيع إخبار زوجها ؟!
وهل تطيق أن تبوح له بشيء من الأمر ؟ لكنها اتصلت على أخيها الذي وجد ملجأه في مركز الهيئة، فتوصلوا إليه، وأتلفوا مالديه بعد تعزيره بما يستحق . ولكم أن تتخيلوا ما موقف والدها بعد ذلك،
وكيف كانت مشاعر إخوتها وكأني بأمها العفيفة المصونة،تختلط دموع فرحها مع أصوات دعائها الصادق لهؤلاء الذين أنقذوها وابنتها .
مركزاً واحداً في مدينة الرياض قبض على عصابة جاءت من خارج البلاد بحجة العمرة ثم دخلت الرياض قوامها ثلاثة عشر عضوا، بل ثلاث عشرة داعرة تمارس البغاء الرخيص . وأن مركزا واحدا
قبض على (11) مروج للمخدرات ليس في عام، ولا شهر، بل في أسبوع واحد، وأن المركز نفسه قبض على (88) مصنعا للخمر في عام واحد . وكم هم أعضاء هذا المركز إنهم ستة من
الشباب فقط .
كم ستفعل هذه البغايا في هذا المجتمع المحافظ النزيه ؟ وكم من شاب سيدمره بائع السموم هذا المروج ؟ بل كم من منزل سينهار، ويقضي عليه هؤلاء المجرمون . بعد ذلك، ألا توافقني أخي من
محاسنهم حماية المجتمع من الفساد والجريمة .
مجرم محترف له عشر سوابق ضبط في جريمة تصنيع الخمر، هداه الله على يديهم، تحول بعد ذلك إلى داع لله واعظ .
وذات ليلة قبضوا على مروج للهروين فجاء شاب في العام السادس من العقد الثاني من عمره ( 16) سنه، يتهادى يسقط تاره وينهض أخرى، إنه يريد جرعة من الهروين وبعد جهد هؤلاء هداه الله على يديهم، فجاء والده المسكين للمركز ومشاعر الفرحة والسعادة تملأ فؤاده، جاء ليعبر لهم عما في قلبه من ود، وعما يكنه من عرفان وتمناهم أن يطلبوا ثمنا، وأنى أن يفعلوا . فلم يجد إلا أن يقسم على رئيس المركز أن يسمح له بتقبيل رأسه، وهو يوقن أن هذا ليس الثمن الذي يقدمه لهم، لكنه وسيلة للتعبير عن بعض المشاعر الصادقة .
امرأة اعتادت الفساد ومخالطة الشباب من غير المحارم تبكي وتعلن توبتها في المركز بعد أن وقف أحد الأعضاء ينصحها ويعضها وهو تحت وابل المطر، وقد تجاوبت عيناه مع السماء فهو يبكي، فتقول أدركت فعلا أنه رجل صادق .
شاب يلاحق فتاة في الشوارع ويقف ينتظرها عند مشغل تجاري، تنهمر عيناه بالبكاء ويعلن التوبة على يد العضو إياه الذي سمع منه الموعظة .
امرأة يقبض عليها المرة الخامسة في قضية بيع للعرض، وممارسة للبغاء يهديها الله على أيديهم .
وليست هي الوحيدة، ولا هذه النماذج يتيمة فذلك غيض من فيض، وقطرات من بحر .
مروج للمخدرات يستفيق من غفلة بعد رعاية وحسن معاملة أحدهم . فما أن خرج من السجن حتى جاء يبحث عنه شاكرا، والآن حين تراه لاتصدق تاريخه السيء .
فلو سألتك بعد ذلك عنهم لقلت بأعلى صوتك ( استنقاذ الكثير من أوحال الفساد وإنقاذهم من طريق الضلال) .
من محاسنهم فهي مساهمتهم في دفع العقوبة الإلهية التي تنزل حين يقارف المنكر، ولا يجد من ينكره . ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )
( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )
كم مجرم قبض عليه هؤلاء، وكم من عصابة محترفة للفساد والرذيلة، وكم من مروج للمخدرات، ومصنّع للخمور . أتظن أن مواجهة هؤلاء أمرا سهلا ؟ . وبأي قوة يواجهه هؤلاء الرجال أولئك
العتاة، جلاوزة الإجرام، وعصابات الفساد ؟ . أليسوا يخاطرون بحياتهم وأرواحهم عندما يواجهون أولئك ؟ أليست هذه من
المحاسن ؟ .
ومع هذه الجهود، وحماية الأعراض، ومواجهة الفساد، والتضحيات الغالية، يحمون أعراض من لايتورع عن الخوض في أعراضهم، ويقدمون الخير لمن لايكف لسانه عنهم . فمع هذا الجهد ينظر البعض إليهم شزرا، فيسمعون النقد اللاذع، ويقرأون في وجوه البعض أمارات عدة يجمعها عدم الرضا عنهم . ومما يزيد الطين بلة، والهم غماً، صدور النقد والتجريح من بعض الأخيار ، وطلاب العلم
الذين ينتظر منهم فوق الكف عن الإساءة : الإعانة، والتأييد .
فما حال من يرى الإساءة ممن أحسن إليه، ونكران الجميل لمن أهداه إليه ، أو ليست من المحاسن : تحمل الأذى النفسي، ومواجهة إحسانهم بالإساءة ? بلى والله .
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " ( رواه ابن ماجه ) بل يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فيقول في حديث حذيفة " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم " ( أخرجه أحمد والترمذي ) . إذا فحين يقصر الناس في هذا الواجب الشرعي يستحقون لهذه العقوبة الشنيعة، ألا وهي انغلاق أبواب السماء، ومن يفتحها ؟ إنهم أولوا البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض .
فبقيام هؤلاء وغيرهم بهذا الواجب، تندفع هذه العقوبة، وينفتح للناس هذا الباب .
ألا يخطيء هؤلاء؟
أولا :-
أليس البشر عرضة للخطأ، وهل رأيت في حياتك أحدا خلا من الخطأ ؟ تفكر في أعز أصدقائك وأقربهم إليك ألا تجد منه عيبا ؟ ألم يرتكب ضدك خطأ يوما من الدهر ؟
إذا كنت في كل الأمور معاتبا *** صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فهل كون هؤلاء في هذا المجال يجعلنا نريد منهم العصمة ؟ فليست لأحد بعد أنبياء الله .
ثانيا :-
هل عرف التاريخ أبر وأطهر ممن اختارهم الله لصحبة نبيه، وهل سطر أحد في صفحاته أنصع مما سطره ذاك الجيل الفريد ، ومع ذلك فهل سلموا من الخطأ؟ جاء رجل جاهل فبال في طائفة المسجد ،
فماذا كان من أولئك رضوان الله عليهم ؟ لقد انتهروه ، وفي غير ما حادثة يقول أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أضرب عنق فلان، وقد يكون لم يرتكب مايوصله إلى ذلك . فهل أنكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلظ عليهم ؟ أليسوا قد وقعوا - رضوان الله عليهم - في الخطأ في أسلوب الإنكار . وهل تريد بشرا في هذا العصر أفضل من أولئك ؟!
ثالثا :-
الخطأ حين يقع فلا يتحمله إلا صاحبه، فلِم يؤخذ الجميع بجريرة الواحد ؟ والناس لايلفت انتباهم إلا الخطأ، فيرون رجال الحسبة مررا ولاتبقى في مخيلتهم المواقف المشرفة، وحين يرون خطأً يرتسم في أذهانهم، وهكذا البشر .
رابعاً:-
الهيئة جهاز حكومي كسائر الأجهزة، فهل هم وحدهم يقعون في الخطأ ؟ أفليس لرجال المرور تجاوزات، ورجال الشرطة، ورجال الجمارك …أوليس هناك أخطاء لرجال الصحة والبلديات قد يذهب
ضحيتها أرواح بريئة ؟! وهكذا سائر الموظفين فلم هؤلاء وحدهم ؟ أم أن وراء الأكمة ماوراءها .
خامسا :-
من أبسط قواعد العدل والمنهج الشرعي أن تذكر المحاسن مع المساويء ، والإنجازات مع التجاوزات، أوليس صلى الله عليه وسلم عفا عن رجل أفشى سرا عسكريا خطيرا للأعداء لأنه شهد بدراً ؟
أننسى العشر السابقة مقابل خطأ واحد ؟ وهل سمعتم من المتحدثين عن المزالق والتجاوزات من يردفها بحسنة واحدة مما قلنا ومالم نقل، فأين العدل ياأمة العدل ؟!
سادسا :-
هل تفضل هذا المتحدث يوما بزيارة أحد المراكز ليرى صدق ماسمع، وليبدي النصيحة، ويناقش أصحاب الشأن ؟ أليس هذا هو الواجب الشرعي، وبعض مايمليه منطق العدل والإنصاف، حينئذ يدرك
الأمر على حقيقته ويطلع على ما كان خافيا عليه من قبل، ويجد الإجابة على أي تساؤل يطرحه . ويسمع للنصيحة الصادقة حين تصدر منه .
سابعا :-
هب أن المساويء ربت على المحاسن، والتجاوزات طغت على الإنجازات، هب ذلك جدلا، ولو كان محالا حقيقة، فما الحل ؟ . أهو الحملة الشعواء، والتجريح اللاذع، والثلب اللامسؤول ؟ أم هو
الإصلاح، والمناصحة ؟ ولو وصل الأمر إلى هذا الحد . أفيترك واجب الأمر والنهي، وتوصد أبواب الإصلاح بهذه الحجة ، أم نسلك سبيل الإصلاح والتغيير ؟ فهل الوسائل التي يسلكها الكثير من
الناس الآن، وسائل إصلاح فعلية ؟ وهل تخدم أم تهدم ؟ . وبأي منطق عقلي، أو مستند شرعي تدرج هذه الأساليب الهوجاء في قائمة الغيرة على المجتمع والسعي لإصلاحه ؟
ثامنا :-
ثمة رجلان :
الأول
يرى المنكر فتأخذه الحمية لدين الله، والغيرة على حرماته ، فيتحرك الدم في عروقه غضبا لله وانتصارا لدينه ؛ فينكر بأسلوب خاطيء، ويسيء وهو يريد الإصلاح .
وأما الثاني
فيرى المنكر بملء عينيه، ويسمع عن انتهاك حرمات الله، ومع ذلك لايلفظ ببنت شفه، ولا يحرك لديه ساكنا، لأنه ليس وكيلا لآدم على ذريته، ولن يحجز السيل بعباءته-كما يقول البعض- واحتكم إليك الرجلان . فأيهما أكثر خطأ، وأيهما أكبر جرما ؟ وإياك أن تحكم عقلك، ومنطقك البشري . فالحكم ليس إلا لله ولشرعه ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . فهل من اجتهد فأخطأ، أشد خطأً
ممن يتخلى عن الواجب الشرعي بحجج باردة، ومنطق بشري . دون عذر أو مبرر . وهب أن الأول كان أشد خطأً، وأعظم إثما، فهل صفحة الثاني بيضاء نقية؟. وإذا تحمل الأول 70% من
الخطأ فلم لايحوّل جزء من الحملة، ويوجه بعض النقد لصاحب الـ 30% ؟ إنه المنطق المعكوس . أما إن أردت الفصل فالأول أخطأ من حيث أراد الصواب، والله يغفر له بل يجزيه أجر على
اجتهاده، وأما الآخر فقد قصر لسكوته عن المنكر وسيسأل يوم القيامة (ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تنكره). وما أكثر الصنف الثاني الذي يرى المنكر بعينه وعيانه، فلا يصنع شيئاً، ولا يحرك
ساكناً!! فله شأن غير هذا، والأمر يعني غيره. فهل سمعنا في المجالس من ينقد هؤلاء الساكتين، ويبين خطأهم تلميحاً أو تصريحاً؟!. فإن كان الحديث عن رجال الحسبة وأخطائهم مبعثه الغيرة
على الدين، فلِمَ لم تفعل الغيرة فعلها هنا؟. أو ليس هذا خطأ؟
تاسعاً:
التثبت في الأخبار من صفات العقلاء، فضلاً عن أنه منهج شرعي، فهل نحن نسلك هذا المنهج في التعامل مع الأخبار التي نسمعها عن هؤلاء، فقد يروي لك أحدهم خبراً وقد عاقبوه، أو قبضوا عليه،
وتُسلّم بكل ما يقول، ومثل هذا ولو كان عدلاً فهو خصم، فهل تسمع قول أحد الخصمين وحده. فكيف لو كان فاسقاً، أو غير موثوق، أو لا يتورّع عن الكذب، والنقص والزيادة؟
وقفة مع الشائعات
ولنقف وقفة يسيرة مع الشائعات التي كثيراً ما نسمعها، وللأسف نتعامل معها بغير المنهج الشرعي.
القسم الأول:
وهذا باطل جملة وتفصيلاً، فقد تلقى أحد رؤساء المراكز مكالمة هاتفية تستفسر عن حالة قتل حصلت له، وآخر تلقى تعزية في عضوين جالسين أمامه وأما ثالثة الأثافي فرجل تلقى مكالمة للتأكد من أن
عضواً سينفذ فيه القصاص غداً الجمعة، لأنه اختصم مع شخص فقتله خطأ يوم الثلاثاء، وانظر كيف يحمل الخبر مقومات كذبه، ومع ذلك ينطلي على بعض العقلاء، فقتل الخطأ لا قصاص فيه، وكيف يتم
التحقيق، والحكم، والتّصديق من هيئة التمييز ثم من المجلس الأعلى للقضاء، والأمر بالتنفيذ من الجهة التي تملكه في يوم واحد. وأمثلة ذلك كثيرة.
أن تروج الإشاعة وتلوكها الألسن، ويرددها الكثير، ومع ذلك فلا أصل لها.
القسم الثاني:
أما الثاني فهو صحيح جملة، لكن تفاصيله غير صحيحة، بل قد تكون أضعاف الأصل، قصة شهدت بعض فصولها في أحد المراكز، وقد قبض على رجل أجنبي حقيقة وحكماً، وهو طرف في قضية تمتد
إلى الدعارة، وبيع لحم الخنزير، فبينما هو في غرفة التوقيف، إذا به يخنق نفسه منتحراً، ثم سمعت بعد ذلك من أكثر من مصدر، أنهم قاموا بضربه حتى فارق الحياة، أرأيتم كيف تفارق هذه الأخبار
الحقيقة، بل وأحد الناقلين طالب علم وللأسف.
القسم الثالث:
وثالث الإشاعات أن يرى الناقل خبراً لا يدرك تفاصيله، فيجتهد -رحمه الله- في تفسير الخبر، قائلاً: رأيت بعيني، وسمعت بأذني، وشممت بأنفي، كذا وكذا. قبض مرة رجال الحسبة على
مروج للمخدرات واحتاج منهم ذلك لبعض العراك، وكان الأمر وقت الأذان، أتدري ماذا قال الحاضرون، وبم فسروا الحدث؟ أترك لك استنباط ذلك. مع قصة لها شبيهة، مع ثالثة قبضوا فيها على شاب
يعتدي على امرأة أثناء خروجها من أحد المحلات التجارية فتستنجد المسكينة، برجال الهيئة القريبين منها، فيقبضون على صاحب النزوة، وفي آخر السوق يراهم أحد المارة، فيعلق. ألأجل تأخره عن
الصلاة تفعلون به ذلك ؟ إنها مواقف كثيرة من هذا القبيل، فثمت فرق بين رواية الخبر وتفسيره، والحديث عن أبعاده، وكثيراً ما يخلط المستمع للخبر بين الرواية، والتفسير.
القسم الرابع:
أما هذه فيكون الراوي فيها هو صاحب القضية، فيعمد إلى حذف بعض المقاطع المهمة، ليصور نفسه بريئاً، وجميع الناس ظلموا المسكين الغافل، كان المذكور يعاكس في السوق، ويتعرّض للحرائر، فيحول
بينه هؤلاء وبين تحقيق شهوته فتسمع الرواية. "كنت في السوق فقبض عليّ دون جريمة، ودون تهمة". تماماً كما يفعل الطالب الكسول فيصور مشكلته لوالده، وكأنه مظلوم تمالأ الجميع عليه وهو
مسكين بريء، فحين يقدم للمدرسة يرى مواضع حذفها الراوي، هي أهم فصول المشكلة. وقد يكون راوي القصة لا يشهد الصلاة أصلاً، أو من المعروفين بالفسق، أو من الذين لا يتورّعون عن الكذب،
وما أكثر هذا الصنف، فبأي منطق يطعن في الأخبار العدول، بخبر من الكذب أهون عليه من شرب الماء ؟
القسم الخامس:
وقد تصدق الخامسة، وحينئذ فما الموقف الشرعي؟! أهو التندر بها في المجالس، أم المناصحة بعد التأكد، ومقارنتها بالمحاسن؟! فالماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.
الناس تجاههم
كيف يتعامل الناس مع هؤلاء الرجال؟ وما مواقفهم منهم؟ إنهم أصناف :
الصنف الأول:
من يتعاون معهم، ويشعر أنهم يقومون بالواجب نيابة عنه، ويدافعون عن عرضه، وعرض إخوانه، فهو ينافح عنهم، ويؤازرهم، ويشعر أن قضيتهم قضيته.
الصنف الثاني:
من يقع فيهم، ويتحدّث عن مثالبهم، وينتقدهم، دون إشارة إلى محاسنهم، وهؤلاء الصنف ليسوا فئة واحدة.
فأولهم رجل عدوّ للدين يسوؤه أن يرى راية الدين والحق عالية.
وثانيهم رجل صاحب شهوة، ونزوة، يقطع عليه هؤلاء شهوته.
وأما الثالث، فرجل خَيّر فاضل مستقيم، يحب الخير وأهله، ويمقت الشرّ وأعوانه، ولو دعته نفسه لمقارفة شهوة، أو السير وراء نزوة، فلن يدعوه ذلك للوقوف ضد الخير ولسان حاله:
أحبّ الصّالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارتهم معاصـي *** وإن كنا سويًّا في البضاعة
والصنف الثالث
إنما أتى من جهله بواقعهم، وسماعه لبعض أخطائهم، والناس أعداء ما جهلوا.
الصنف الثالث: من لا يعنيه الأمر في قليل ولا كثير، ولا يشعر أن له ناقة في الأمر أو جملاً، فلسان حاله يقول: مالي وهؤلاء وجدوا أو لم . صدق ما يقال أو لم.؟ وهمه هل سيخسر متجري،
أو ينقص مرتبي؟ أو أفقد منزل؟ إنه المنطق الأناني، منطق من يعيش لنفسه لا لأمته.
أخي الغيور أعرف أن الكثير ممن يروج هذه الإشاعات ممن لا يقصد الإساءة إنما أتى من جهله بواقع هؤلاء الذين لاجتهادهم لا يتحدثون عن منجزاتهم، ولم يجدوا من يفتح لهم المجال، إلا صحفي سار
يشوه السمعة إما بمقال غير مسئول، أو مقابلة مع أحد المسئولين منهم يزيد فيها ويحذف، ناهيك عن الأسلوب غير المؤدب في طرح الأسئلة على أمثال هؤلاء. فلنستنطق لغة الأرقام، ونفتح صفحة من سجل الإحصاءات لنرى بعض منجزات هؤلاء التي لم تجد من يتحدّث عنها.
أخي الكريم
، أتدري من الرابح ومن الخاسر في هذه الحملة ضد هذا الجهاز الذي عرفته الأمة من صدر الإسلام واسع الصلاحيات، شامخ البنيان، ساري الأمر على الصغير والكبير؟ إنه أحد اثنين لا ثالث لهما
مغرض يُريد الإفساد، أو طائش يُريد فتح أبواب شهوة أغلقها عليه هؤلاء.
أخي الكريم
إياك والمنطق المعكوس، منطق الأنانية والفردية، ممن يقول وما مسئوليتي في الأمر، وما علاقتي وشأني في هذا وذاك؟ أنسيت يا أخي أنك عضو في أمة، وأنك تنتمي لمجتمع، فحين تتخلى أنت عن
مسئوليتك، ويعتقد الآخر أنه غير مسئول، ويقول الثالث هذا ليس من شأني، فمن يتبنى قضايا الأمة، ومن يحمل هموم المجتمع.؟!
أتعلم يا أخي، أن من ذبّ عن عرض أخيه، ذبّ الله عن وجهه النار يوم القيامة، فلم لا تخلص النية، وتحتسب في الأمر، وتقول كلمة في الدفاع عن هؤلاء. لا عن عاطفة واندفاع، ولا عن حماس فائر
إنما عن واقع ومعرفة.
رسالة للمحتسب.
أخي المحتسب
، ندرك تمام الإدراك ما تقوم به -حفظك الله- من جهد، وما تبذله -رعاك الله- من تضحيات.
ولئن كان السكوت عن الشكر، وغضّ الطرف عن الجهود الخيرة، عدم عرفان للجميل، وعدم وفاء لصاحب الفضل.
لئن كان الأمر كذلك فليته وقف هاهنا. ليتك يا أخي نجوت كفافاً لا عليك ولا لك، وليت الذين تدافع عن أعراضهم، وتحمي مجتمعاتهم كفّوا عن عرضك، ورعوا حرمتك. وإن كان الواجب هو
العرفان، والوفاء.
أخي االمحتسب
، إن هذا مما يزيدك منزلة عند من تعمل من أجله، وتضحي في سبيله. فهل سواء -أخي المحتسب- من يعمل وهو يتلقى الدعم والتأييد، ومن تنكر جهوده، وتدفن محاسنه، بل يتلذذ الناس بالولوغ في عرضه؟. نعم أخي أجزم أنك تدرك الإجابة.
إننا يا أخانا الفاضل مع رجائنا أن تقف المعركة، وأن يتورّع الجميع عن الولوغ في الأعراض البريئة، نقول: -وما تلقاه لا يسرنا أبداً- لقد أضفت إلى عملك عملاً آخر، ألا وهو ما وعد الله صاحبه بالجزاء من غير حساب ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)) نعم أخي، إنه باب آخر من أبواب العبادة، ومنقبة أخرى لك لن ينساها الأوفياء.
أخي المحتسب
، لقد قيل قبلك لمن هو خير منك ((ما نراك اتبعك إلا الذين هم أرَاذلُنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين)). ((لئن لم تنته… لتكونن من المرجومين.. من المخرجين.. وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولو لا رَهْطُك لرجمناك..). وغير ذلك كثير، أو لا تودّ أن تتشبه بهؤلاء، فمن تشبه بقوم فهو منهم. أخي الكريم، ومع هذه الكآبة، والمضايقة، هناك
ألسنة جادّة، صادقة تلهج بالثناء عليك، بل والدعاء والتضرعّ لك، نعم، وليسوا -يا أخي- قلة، وإن لم تسمعهم فنحن نسمعهم، وما فعلوا ذلك إلا لأنك قائم بالحقّ، فهم يرجون وجه الله. أفليس لك من العزاء أن تنال مع أجر الصابرين، ثناء الصّادقين، ودعاء الرّاكعين السّاجدين؟.
سيروا إخواننا على بركة الله ولا تلتفتوا لأهل الأهواء , فالصراخ لا يكون إلا على قدر الألم ..
ولنا أن نتخيل المجتمع بلا هيئات ؟؟
بلا أمر بمعروف ونهي عن منكر ؟؟
بلا فضيلة يدعى لها , أو ورذية يحذر منها وينهى عنها ؟؟؟
أولئك الناعقين والناعقات , في الصحف خاصة , ووسائل الإعلام عامة , ممن ضاقوا ذراعاً بالإصلاح الذي يقوم به رجال الحسبة , ووصل بهم الحال للمطالبة بحل هذا الجهاز المبارك
والقائمين عليه بأسلوب مباشر أو غير مباشر , وإن كان البعض منهم يرى أن كلامه نقداً على حد زعمه , وهو أبعد مايكون عن النقد , وإلا لكانوا سلكوا سبله ,
تلك الدعاوى السقيمة , لن يهدأ لها بال , ولن يسعد بها حال , إلا بحل هذا الجهاز المبارك , ليشابهوا بني إسرائيل !!
قال تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون } ( 6 )
فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى , ونعوذ بالله من تمني اللعنات والعيش فيها بعد أن جعلنا الله تعالى : خير أمة أخرجت للناس , بإقامة هذه الشعيرة المباركة ..
فيا أهل الحسبة :
بالله عليكم كونوا كما عهدناكم , ولا يفت في عزائمكم دعاوى المرجفين , وكونوا لكل رذيلة بالمرصاد , ولا تنشغلوا بالأقزام والرد عليهم , عن رسالتكم التي خصكم الله تعالى بها , وأوجبها سبحانه على كل مسلم
قال صلى الله عليه وسلم :
(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
كم غافل أرشدتموه إلى الهدى *** إذ عاد من بعد الضلالة مبصرا
وإذا أتينا للبيوت بمــــــــنكر *** عصروا القلوب إذا رأوه تحسرا
ياعائل الأجيال أدركهـــــــم *** ولا تطرح ذنوبهم عليك فتكفرا
مابالهم ماطاق حمل ذنوبهم *** يدعوا لوزرهم بالفساد ليؤزرا
من يدعو للمعروف يجزبمثله *** والله أكثر للفتى إن أكثــــــــــرا
اللهم سدد هم , وثبت أقدامهم , ورد كيد كل كائد بهم ومتربص في نحره ...