تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الثقافة بوصفها ضرورة


مصطفى معروفي
04-08-07, 11:47 pm
1-الثقافة والمثقف[محاولة تعريف]:
إن للثقافة تعاريف مختلفة ومتنوعة ، وقد عدها بعضهم فوصلت عنده إلى 160تعريفا ، وهي في كثير من جوانبها مرادفة لكلمة حضارة ، ولكن أسوق هنا واحدا من التعاريف التي أميل إليها وأحبذها ،وهوأن:"الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة، كمركب كلي ونمو تراكمي.. مكون من مُحَصِّلة العلوم، والمعارف، والأفكار، والمعتقدات، والفنون، والآداب، والاخلاق، والقوانين، والأعراف، والتقاليد، والمدركات الذهنية والحسية، والموروثات التاريخية، واللغوية، والبيئية.. التي تصوغ فكر الانسان وتمنحه الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي في الحياة..).
ولعل أطرف تعريف بقي عالقا بذهني منذ يفاعة سني هو :"الثقافة هي ما يبقى في الذاكرة بعد أن ننسى كل شيء".
ويبدو أن تنوع وتعدد تعاريفها يشي بعدم الحسم فيها .
أما المثقف فهو الشخص الذي يكتسب ذهنيا الأشياء المذكورة أعلاه.
لكن ثمة نظرة أو نظرات إلى هذا المثقف نفسه ،من حيث طبيعته ومن حيث وظيفته.ولعل من أبرز المفكرين الذين تعرضوا لهذه المسألة المفكر الإيطالي غرامشي.
فالمثقف عند هذا المفكر هو مثقف نموذجي وعضوي.
والمثقف النموذجي عنده نوعان ،النوع الأول هو الذي يخلق المعرفة ،بمعنى أنه ينظر - من التنظير - ، وله رؤية خاصة للكون.والنوع الثاني هو الذي يطبق النظرية في الواقع العملي ، فهو ينزل أفكار المنظر من واقعها المجرد إلى العالم المحسوس ،وطبعا هو يعطي نموذجين لهذا المثقف لا أريد ذكر اسميهما هنا.
ثم إن المثقف العضوي عند غرامشي هو الذي له دراية بحقل عمله ، بغض النظر عن مستواه الدراسي ،وبغض النظر عن كونه ملما بالأبجدية أم لا.فهو مثلا في نظره يعتبر الفلاح مثقفا عضويا ،حتى ولو كان لا يعرف القراءة والكتابة،باعتبار أن له إلمام ودراية بحقل عمله ،كما يعتبر السقاء - بائع الماء - مثقفا عضويا كذلك ،باعتبار أن له طرقه وأساليبه في التعامل مع الماء كبضاعة انطلاقا من حصوله عليها إلى نهاية ترويجها وتصريفها.
هذا غيض من فيض في موضوع الثقافة ،والآن أتناول الموضوع من زاوية الثقافة بوصفها ضرورة ، يحتاجها المرء في واقعه المعيش، إذ" ليس يحيا المرء بالخبز وحده " كما قال سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا السلام.
2-الثقافة بوصفها ضرورة:
الثقافة غذاء للعقل ،تنميه وتعمل على توسيع أفقه،هذه حقيقة لا يختلف فيها اثنان،فكل عقل بلا ثقافة يظل عقلا يشكو من الفاقة والعوز.
لكن إذا كنا مرة بعد مرة نتساءل عن الجدوى من الثقافة وعن النتيجة التي يمكن أن يحصل عليها المرء وهو يجهد نفسه ويبذل كل ما في وسعه في سبيل الحصول على زاد ثقافي ،فإن الإجابة عن هذا التساؤل تكون كالتالي:الثقافة تحمل نتيجتها معها،بمعنى أن الجزاء نحصل عليه أثناء عملية التثقيف وبعدها،وهوذلك الإحساس المعنوي الذي ينتابنا كلما حصلنا على أفكار ومعلومات جديدة ،إنه إحساس بالمتعة لا يعرفه إلا من أوتي قدرة على التذوق والفهم ،و من يشكل له التثقيف هما ملازما له في كل الأحوال.
إن الذين ينظرون إلى الثقافة من زاوية مادية صرفة لهم نظر قاصر،وأستسمح عن وصفي إياهم بهذا الوصف ،لأنهم نفعيون بكل ما تحمل كلمة نفعية من معان ودلالات قدحية.إنني لا أغفل ولا أهمل الجانب المادي – أقصد الجانب المالي بالضبط- ودوره في الحياة،فهو يكاد يكون كل شئ في واقعنا الحالي ،بيد أن هناك طرقا أخرى تؤدي إلى المال ، وقد تكون الثقافة إحدى هذه الطرق.
العصر الحاضر هو عصر الماديات بامتياز،وهوالعصر الذي تلقت فيه القيم الأخلاقية والإجتماعية النبيلة ضربات قاسية وموجعة ،سببها الجشع والاستغلال السئ للمعطيات التقنية ـ حتى لا أقول المعطيات العلمية ـ أي أن سبب تلك الضربات الخالية من الرحمة في المحصلة النهائية هو الحيف والغبن الماديان اللذان يلحقان فئة من الناس دون أخرى.
إن هذا الطغيان المادي أثر بشكل سلبي على الإنسان ، وبالتالي قام بزحزحة قيمه النبيلة من مكانها قصد تعطيلها أخيرا،فبسبب عذا الطغيان المادي بات المرء ينظر إلى الثقافة وإلى التثقيف كلون من الترف العقلي أو كمضيعة للوقت لا طائل من ورائه،في مقابل ذلك بات ينظر إلى التهافت على المال وتكديسه نظرة تقديسية ،ذلك أن المال لا الثقافة هو الذي يستطيع وحده أن يكتري منزلا ويشتري سيارة وأن يدفع في فاتورة الماء والكهرباء..الخ..الخ..وإذا فما الفائدة من الجري واللهاث وراء الثقافة ؟
هذه النظرة بكل ما تحمله من تنقيص وازدراء للثقافة ليست عامة ،وبالتالي لا يمكن أن نسحبها على الجميع ،فثم فئة أخرى لها وجهة نظر أخرى في الموضوع مخالفة ،بحيث إنها ترى في الثقافة ضرورة لا غنى للمرء عنها ،وهي تغتنم كل الفرص المواتية من أجل تحسين مستواها الثقافي ،فهي تقرأ وتكتب ،وتحضر الندوات والمحاضرات ،وتزور المعارض والمتاحف وتشاهد الأفلام والمسرحيات وتسمع الأغاني الجميلة الجيدة، وتساهم في كل نقاش جاد وهادف إلى آخر ذلك ،مما يساهم في تنمية الوعي ورقيه.وهي إذ تفعل ذلك يزداد فهمها وتعطشها لكل ما هو ثقافي حتى يصير لديها هذا الأخير هما يوميا وهاجسا مصاحبا على مدار الساعة.مثل هذه الفئة هي التي حفظت لنا التراث الحضاري عبر القرون والأجيال،ولولاها لكنا نعيش الآن في ظلام دامس .
إن الذين يقللون من أهمية الثقافة لا يعرفون للثقافة معنى ،بل أكاد أقول لا يعرفون للحضارة وللإنسان قيمة ،ولذا نطلب منهم أن يلجوا أبواب الثقافة وسيتأكدون بأنفسهم أن نظرتهم التبخيسية لها هي نظرة غير صائبة،وأنا ضامن لهم أنهم إذا دخلوا باب الثقافة سيحبون المكوث والبقاء هناك ،لأن فردوسها يغري بذلك .
في النهاية أزعم أن الحياة بلا ثقافة هي حياة لا تستحق أن تعاش ،فمن سيتفضل ويثبت لي عكس هذا؟

الناقد1
05-08-07, 01:53 am
نغاث بحرف منك " اليوم " فننتشي *** وتخضر قيعان الهوى بتهلل

أقول هذا بعد أن مسني " أنا وبعض الكتاب " ضر الاحباط من بضاعة مزجاة ألقاها علينا صبية باسم " الثقافة "
تحدثوا في كل أمر *** خطير كي يقال مثقفونا

العزيز مصطفى معروفي
أرحب بك أجمل ترحيب ، ونثمن تواجدك بيننا ، وإن كنا نأمل بالمزيد من الجهد والاثراء " متى استطعت إلى ذلك سبيلا " :)

الحديث عن الثقافة وجع وألم أيها العزيز
الثقافة بوضعها الحالي هي ألم أكثر منها أمل ، هي خرافة أكثر منها حقيقة
حينما تفجر التقدم التقني في هذا العصر بشكل مذهل ، تعددت مصادر المعرفة وأصبح الواحد منا يقتطف المعلومة بأقل جهد وهو متكأ على أريكته
بينما في السابق كان هذا أكثر من خيال ، حيث كانوا يتكبدون مشاق السفر في سبيل المعلومة
مع هذا الانفتاح وجدت قنوات تفاعلية للتخاطب مع الآخرين " بعد أن كنا متلقين فقط " هذا التخاطب يكون بأريحية وحرية يستحيل أن تجدها على الواقع ، فلك الحق أن تصنع الشخصية التي تشاء ، تقول فيها ما تشاء ، كيفما تشاء ، تزعل من تشاء ، وترضي من تشاء ، بيدك الأمر ، ولا رقيب عليك سوا من يعلم السر وأخفى
فلذلك في الانترنت يقول الانسان كل شي يخطر في باله ، ولايمكن أن يتحمل تبعات ذلك في الواقع " سوا عند من لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها "، فقد يرى أحد هؤلاء الصبية أن كلامه أحياناً مهما وجميلا ، بينما يراه القارئ عبثا وسخفاً وتهرباً بكثرة " البربرة " التي لا طائل من ورائها
لذلك فلابد أن نميز الغثاء الذي أفرزته قنوات التواصل ، حيث بات البعض يدعي أنه هو المثقف النحرير ، بينما هو في حقيقته شخصية من ورق !
هذا أحد نماذجها
http://buraydh.com/forum/showthread.php?t=121180
هؤلاء لايمتون إلى الثقافة بصلة ، وإنما هم أحد المخرجات السلبية للتقنية الحديثة
هذا عن الغثاء ، وهؤلاء هم المطبلون " الهارفون بمالايعرفون "

أما الخبث
فأعني به ، مايقتنيه لنا متسولي السفارات ، ولاعقي جزم كل ماهو غربي
أذكر هنا مقولة هاشم صالح يصف حال النموذج الليبرالي العربي يقول: «كالفلاح الفقير الذي يقف خجلاً بنفسه أمام الغني الموثر، يقف مثقفنا العربي أمام نظيره الغربي، وهو يكاد يتهم نفسه ويعتذر عن شكله غير اللائق و (لغته غير الحضارية)، و (دينه المتخلف) ويستحسن المثقف الغربي منه هذا الموقف ويساعده على الغوص فيه أكثر فأكثر حتى ليكاد يلعن نفسه أو يخرج من جلده لكي يصبح حضارياً أو حداثياً مقبولاً!»

هؤلاء من اعني بالخبث
جاءوا لنا بالعلمانية فردت في وجوههم
فجاءوا بالليبرالية ، ونمقوها وصاروا يتحدثون بوصفهم النخبة الثقافية ، وبوصفهم مصدر حلول مشاكل الأمة ، ولكن حينما يطلب منهم مشروع نهضوي تقدمي واضح تجدهم يعومون في عموميات الليبرالية ، ثم يعود ليصادر الثقافة له وحده ، وأنه هو من يستطيع فهم الليبرالية ، وماذاك إلا لمسك زمام مسمى " مثقف " ومن ثم إملاء إرادتهم بوصفهم " مثقفين " يملكون حلولاً لكل مآسينا !
لذا فلم أعجب من قول أحدهم :أن السبب في عجزنا " نحن " عن فهم الليبرالية ، هو عجز اللغة العربية عن احتواء كل معاني الليبرالية !
هؤلاء حينما عجزوا عن انزال النصوص التشريعية على أرض الواقع وعلى النوازل والمستجدات " بفعل انعدام أدوات الاجتهاد الشرعي لديهم " راحوا يتحسسون تجارب بشرية قاصرة ، فجاءوا بها لسنزلوها على واقعنا !
ولذا هم وقعوا النكارة في القول
وهذا مثال
http://buraydh.com/forum/showthread.php?t=120756

إذاً
أعتقد ان المثقف هو الذي يسجل حضوره في مجتمعه عبر الأحداث السياسية والاجتماعية ، وذلك من خلال الحرف والكلمة
ولكن لو قلنا بهذا فقط سيدخل شعراء القبيلة والتخلف العاميين في هذا ، وسيدخل في هذا من اسميهم " عربات فارغة تزعجنا بالضجيج "
هؤلاء قد يسجلوا حضورهم في أحداث سياسية أو اجتماعية من خلال الكلمة ، ولكن حضورهم هذا يقود المجتمع نحو الهاوية
لذا لابد أن يكون هذا المغير مثقفاً متعلماً
بالنسبة لمثقف فهذه أعتقد ليست لكل أحد ، الغالبية العظمى من الكتاب والمبدعين هم بمنزلة قارئ ، أما المثقف بوصفه الكامل فهو نادر
لذا لابد أن نفرق بين القارئ المطلع ، وبين المثقف المؤثر في محيط مجتمعه

بالنسبة للحديث عن الثقافة كمفهوم شامل ، فمن يوغل في بحر هذا النعيم ، فإنه ينظر إلى من هو خارج هذا النعيم نظرة شفقة ورحمة
ويكفي ماتحدثه من تغير في ذاتك حيث الروية والثقة في النفس حين اتخاذ القرار ، واستشراف المستقبل بنظرة تمعن وإدراك
كما ينظر المتبحر في أمات الكتب وبحورها ، إلى بعض من دخلوا في هذا المجال " اعتباطاً " بفعل ترف التقنية ، وباتوا يأخذون من بحور العلم التي نثرت في الشبكة العنكبوتية قطرة ، فيضيفوها على " بربرتهم " وركيك قولهم ليخرجوها لنا كنتاج ثقافي " زعموا "
هؤلاء يمارسون هواية " فقط " كهوايتهم في جمع طوابع البريد ، وكروت الشحن الفارغة :) .... وهم بكثرة يؤكدها ضعف الاقبال على مثل هذا الموضوع ، والنزوح الجماعي نحو مواضيع السخف والاثارة

بانتظار جديدك

دمت بخير

مصطفى معروفي
06-08-07, 10:41 pm
أخي الكريم الناقد1:
أرى أن الحديث عن المثقف الكامل هو حديث باطل أصلا لسبب بسيط وهو أن المثقف نفسه لا يرى لنفسه الكمال مهما بلغ شأوه الثقافي،فأنا أتصور المثقف مثله مثل صندوق بدون أبعاد لا يملؤه شيئ،وهو في حاجة دائمة للملء.
أما بالنسبة للبيرالية فليس كل شخص عن نفسه ليبرالي هو مثقف،فكثير من الأشخاص ومنهم أعضاء في أحزاب سياسية تتبنى الخيار الليبرالي حين يتحدثون عن الليبرالية في تجمع خطابي أو في ندوة صحافية أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني تراهم يتحدثون عن أمر لا يفقهون فيه شيئا،ويرددون كلمات ومفاهيم مبسترة لا تقدم ولا تؤخر في التعريف بالليبرالية شيئا،إذاً ،فأن يكون المرء ليبراليا لا يعني أنه مثقف بالضرورة.
تسلم أخي الناقد1 على المرور الكريم.
دمت في رعاية المولى.