بريدة.. معشوقتي
26-06-07, 04:04 am
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أنقل لكم ( مقالاُ ) جميلاً وأكثر من رائع للكاتبه " مرام مكاوي" من صحيفة الوطن
تدافع في مقالها عن تدريس اللغة العربية في المدارس العامه.
== === ==
سوري" ربنا!
هذه هي المرة الأولى منذ أن بدأت الكتابة في الرأي منذ أربع سنوات، التي أعود فيها لموضوع بعينه للمرة الثالثة وخلال فترة قصيرة نسبياً، فقد كنتُ من أوائل من كتبوا حول قضية التعليم الأجنبي، وقد توالت المقالات والآراء بعد ذلك، وكالعادة نحن منقسمون إلى معسكرين. ففي صحيفة الوطن مثلاً كتب ثلاثة من الكتّاب وعلى الأقل ضد القرار، وكتب ثلاثة آخرون معه. وبما أنني من معسكر المعارضين، فقد قرأت باهتمام كتابات الطرف الآخر. ولم أنزعج من هذه الكتابات، فالاختلاف العلني، وباستخدام الحجة والمنطق، وفي صحيفة واحدة، أمرٌ صحي. لكن هناك عدة أسباب جعلتني أرغب في أن أرد على بعض ما جاء في هذه المقالات.
فأولا: إن معظمها اتهمت المعارضين للقرار بأنهم ينطلقون من عاطفة جياشة وحسب، وكأنهم لم يقرؤوا كل ما استشهدنا به من أخبار ومقتطفات من كتب وآراء وتجارب مشابهة. ثانياً: إن الزملاء والزميلات لم يقدموا لنا بدورهم حججاً مقنعة لرأيهم، بل رددواً كلاماً إنشائياً عن العولمة، وعالمية اللغة الإنجليزية، وثالثاً: إنهم لم يجيبوا على تساؤلاتنا الأخرى فيما يتعلق بمن سيقوم بعملية التدريس؟ ومن سيتحمل النفقات؟ وماذا سنفعل بخريجينا من المعلمين والمعلمات؟ وعما إذا كان سيتم تنقية علم الأحياء مثلاً من الشوائب الدارونية الإلحادية؟
اخترت أن أرد على الزميل الدكتور عبدالله الفوزان، لأنه كان آخر المدلين بدلوهم في هذا المجال، وأيضاً لأنه دخل في حوار جميل، مع معالي الدكتور أحمد الرشيد، والذي فصل فيه عن موضوع التعليم الأجنبي، وكيف أن التجربة محدودة بأربع مدارس فقط، والحقيقة أن ما ذكره جديد علينا، وهو يختلف كلياً عما سبق نشره، فهل تراجعت الوزارة قليلاً للتخفيف من حدة الانتقادات؟ ثم هل هناك جهة محايدة لتحكم على فشل أو نجاح التجربة؟ وما مدة هذه التجربة؟ أم إن الأمر سيدبر بليل كما حصل مع القرار الأول الذي لم يطرح للبحث أو النقاش. فإذا كانت قضايا تافهة جداً بالمقارنة مع قضايا التعليم، يتم طرحها على مجلس الشورى، فلماذا اختلف الأمر الآن؟ أما بالنسبة لمقولة أننا نحاول فرض الوصاية على الأهل، فجوابي هو وما الجديد؟ نحن في بلد يشرع الوصاية على كل شيء، فلماذا يكون التعليم استثناء؟!
ويقول الدكتور الفوزان: "إني أتعجب من أشخاص شنوا هجوماً على "البرامج الدولية" دفاعاً عن اللغة العربية كما يذهبون مع أنهم قد أمضوا سنوات وسنوات يدرسون في الغرب جميع العلوم باللغة الإنجليزية (...)، فهل سألوا أنفسهم ما هو الضرر "المدمر" الذي لحق بلغتهم العربية إثر دراستهم في الغرب؟".
فاسمح لي يا زميل الحرف بأن أجيب على تعجبك، ولأكرر مرة أخرى أنني حين كتبت لم أكتب من فراغ بل من تجربتي وتجارب الآخرين، والتجربة خير برهان. فكاتبة هذه السطور ليست فقط دارسة في الغرب، بل إحدى مواليده، وذهبت في بداية حياتي إلى مدرسة في مدينة (دندي) الأسكتلندية، ولعبت مع (اميلي) و(ميشيل)، قبل أن أعرف (أمل) و(هدى)، وكتبت اسمي للمرة الأولى بالأحرف اللاتينية. وقد شاهدت معاناة أختي التي تكبرني بصفين فقط مع اللغة العربية عند عودتها، رغم أننا كنا مازلنا في المرحلة الابتدائية، فقد اضطرت للذهاب إلى معلمة خاصة بعد الدوام المدرسي من أجل تصحيح مخارج الحروف وتعلم العربية، التي كانت تفهمها لكن ترفضها كلغة تعليم، حتى إنها كانت تحل جداول الضرب بالإنجليزية ثم تترجمها للعربية. ولكن لأن دراستها في المدرسة بعد العودة كانت بالعربية، فقد أجادتها تماماً، ولها الآن قلم جميلٌ يمنعها الكسل والخجل من أن تطربنا به. إذن فلو لم تنته دراسة والدي في تلك الفترة، ولو أنه أصر على إدخالنا إلى مدرسة عالمية في السعودية، بحجة عدم تغير نظام التعليم علينا، لما كنتُ اليوم هنا بينكم أخط هذه السطور، ولكانت شقيقتي مازالت تقرأ القرآن بلكنة أعجمية.
بل سأزيدك بأنني أعترف بتأثير اللغة الإنجليزية على لغتي خلال السنوات الخمس الماضية فقط، هذا وأنا كاتبة محترفة. فمع أن كتابتي الأسبوعية لـ"الوطن" قد حفظت لي - بحمد الله- لغتي وسيولة قلمي، لكن التأثير لا بد حاصل. مثلاً قبل أسابيع كنت أعد موضوعاً علمياً باللغة العربية عن الثورة الجديدة في عالم الإنترنت، لإحدى مطبوعاتنا العربية، ونظراً لأنني درستُ منذ الجامعة في جدة بالإنجليزية، وكتبتُ وأكتب عن تخصصي التقني باللغة الإنجليزية، فلا تتخيل مدى الصعوبة التي شعرت بها عند كتابة المقال. أحسست بأن قلمي لا يتدفق بالشكل المعتاد حين أحاول أن أشرح معلومة درستها بالإنجليزية، فقد احترت في كيفية ترجمة المصطلحات، وبدا أن الكلمات الإنجليزية تسابق العربية في ذهني وقتها، واختفت متعة الكتابة. ومع ذلك أتممتُ المقال لإيماني بضرورة نقل العلوم للعربية. هذا ناهيك عن العادة السيئة التي اكتسبتها من حشر الكلمات الإنجليزية في كلامي (دون قصد)، وهي عادة أتمنى الخلاص منها حال عودتي للوطن.
فإذا كان هذا يحصل معي أنا المتيمة بحب العربية، والمعتزة بديني وحضارتي وتاريخي، فكيف تتخيل أن يكون الوضع مع أولئك الذين ينظرون بدونية تجاه كل ما هو عربي ومسلم وأصيل؟ فمازلت أذكر الصدمة التي شعرت بها في الجامعة حين أعلنت فتاة من الطبقة المخملية بأنها ستسمي ابنها (بنجامن) ومعناه(وفقاً لأختنا التي تجيد العبرية!): "عبدالله"، إذ يبدو أن اسم "عبدالله" بالعربية، يعتبر بالنسبة لها " دقة قديمة".
والمشكلة يا دكتور، هو أن هذه الطبقة ذاتها، هي التي ستقبل بفرح على هذه البرامج الجديدة، وهي الطبقة صاحبة المال والنفوذ، مما سيكونون في أماكن الإدارة وصنع القرار في الوزارات والشركات والمؤسسات. وهنا مكمن الخوف، فنعم لن يجبر أحدٌ على أن يعلم ابنه أو ابنته في هذه المدارس، لكن حين يقبل عليها علية القوم، فسيتبعهم القادرون من العامة، وبعد ذلك في المستقبل فإن هؤلاء سيجبروننا على تبني الإنجليزية. فقد نشر موقع العربية نت خبراً يتحدث عن أن الكثير من الشركات في مصر مثلاً أصبحت ترفض توظيف خريجي المدارس المصرية العربية، وتشترط أن يكون المتقدم خريج مدارس اللغات، أو الجامعة الأمريكية، في تمييز طبقي واضح! ولسنا بعيدين عن هذا، فهناك من يفعل هذا في كبرى شركاتنا الوطنية، فتجده يشترط شهادة أمريكية.
وسألت شابة عربية، درست منهج البكالوريا الفرنسي في بلدها، ثم درست في الجامعة الأمريكية ببيروت، وحين سألتها حين يأتي الأمر إلى القراءة والكتابة فأي لغة تجد نفسها متقنة لها أكثر؟ فقالت بشكل عام الفرنسية، وفي تخصصي بالإنجليزية، وأتعس كتابة لي هي باللغة العربية. ولأنها لم تدرس البكالوريا العربية، فهي لا تعرف الكثير عن التاريخ العربي، رغم أنها ولدت وعاشت حتى السنة الماضية فقط في لبنان.
يا زميلي الفاضل، بإمكانك اليوم أن تجلس مع الكثير من الشباب والبنات العرب، ممن تعلموا تعليماً أجنبياً، لتكتشف بأن بعضهم لم يقرأ ولا كتاباً واحداً بالعربية، بل بعضهم يقرأ كتب الكتّاب العرب مترجمة بالإنجليزية أو الفرنسية، لأننا أمة مهزومة، لم تخرج من مرحلة جلد الذات إلى مرحلة العمل والبناء، ولأنها أمة مرتهنة إلى حد بعيد إلى الخارج، وإلا هل هناك أمة أخرى تفاخر الأمهات فيها بأن أطفالهن لا يجيدون لغتهن؟
نحن إذ ندافع عن العربية، وعن التعليم بها، فلسنا ضد اللغة الإنجليزية الجميلة، والتي أنا مع تدريسها كلغة ثانية وبشكل مكثف منذ الابتدائية، وإنما نحن نمارس شكلاً من أشكال المقاومة ضد العولمة بمعناها السيئ، وضد ذوباننا كأمة وبقايا حضارة. فالطوفان العولمي أقوى من أي وقت مضى الآن، والضعف في اللغة تأثيراته بعيدة المدى. أخشى أن يأتي يومٌ ندعو فيه (نحن العرب) الله بالإنجليزية، كما فعل طفل صديقتي حين طلبت منه أمه أن يستغفر الله لأنه ضحك في صلاته، فقال ببراءة: "سوري" ربنا!
* كاتبة سعودية، وطالبة دراسات عليا بالمملكة المتحدة!
مرام عبدالرحمن مكاوي
كاتبة سعودية من مدينة جدة، وطالبة دكتوراة في المملكة المتحدة. المدونة تحوي مقالاتي المنشورة في جريدة الوطن ابتداء من يناير 2006 بالإضافة إلى مقالات أخرى منشورة وغير منشورة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أنقل لكم ( مقالاُ ) جميلاً وأكثر من رائع للكاتبه " مرام مكاوي" من صحيفة الوطن
تدافع في مقالها عن تدريس اللغة العربية في المدارس العامه.
== === ==
سوري" ربنا!
هذه هي المرة الأولى منذ أن بدأت الكتابة في الرأي منذ أربع سنوات، التي أعود فيها لموضوع بعينه للمرة الثالثة وخلال فترة قصيرة نسبياً، فقد كنتُ من أوائل من كتبوا حول قضية التعليم الأجنبي، وقد توالت المقالات والآراء بعد ذلك، وكالعادة نحن منقسمون إلى معسكرين. ففي صحيفة الوطن مثلاً كتب ثلاثة من الكتّاب وعلى الأقل ضد القرار، وكتب ثلاثة آخرون معه. وبما أنني من معسكر المعارضين، فقد قرأت باهتمام كتابات الطرف الآخر. ولم أنزعج من هذه الكتابات، فالاختلاف العلني، وباستخدام الحجة والمنطق، وفي صحيفة واحدة، أمرٌ صحي. لكن هناك عدة أسباب جعلتني أرغب في أن أرد على بعض ما جاء في هذه المقالات.
فأولا: إن معظمها اتهمت المعارضين للقرار بأنهم ينطلقون من عاطفة جياشة وحسب، وكأنهم لم يقرؤوا كل ما استشهدنا به من أخبار ومقتطفات من كتب وآراء وتجارب مشابهة. ثانياً: إن الزملاء والزميلات لم يقدموا لنا بدورهم حججاً مقنعة لرأيهم، بل رددواً كلاماً إنشائياً عن العولمة، وعالمية اللغة الإنجليزية، وثالثاً: إنهم لم يجيبوا على تساؤلاتنا الأخرى فيما يتعلق بمن سيقوم بعملية التدريس؟ ومن سيتحمل النفقات؟ وماذا سنفعل بخريجينا من المعلمين والمعلمات؟ وعما إذا كان سيتم تنقية علم الأحياء مثلاً من الشوائب الدارونية الإلحادية؟
اخترت أن أرد على الزميل الدكتور عبدالله الفوزان، لأنه كان آخر المدلين بدلوهم في هذا المجال، وأيضاً لأنه دخل في حوار جميل، مع معالي الدكتور أحمد الرشيد، والذي فصل فيه عن موضوع التعليم الأجنبي، وكيف أن التجربة محدودة بأربع مدارس فقط، والحقيقة أن ما ذكره جديد علينا، وهو يختلف كلياً عما سبق نشره، فهل تراجعت الوزارة قليلاً للتخفيف من حدة الانتقادات؟ ثم هل هناك جهة محايدة لتحكم على فشل أو نجاح التجربة؟ وما مدة هذه التجربة؟ أم إن الأمر سيدبر بليل كما حصل مع القرار الأول الذي لم يطرح للبحث أو النقاش. فإذا كانت قضايا تافهة جداً بالمقارنة مع قضايا التعليم، يتم طرحها على مجلس الشورى، فلماذا اختلف الأمر الآن؟ أما بالنسبة لمقولة أننا نحاول فرض الوصاية على الأهل، فجوابي هو وما الجديد؟ نحن في بلد يشرع الوصاية على كل شيء، فلماذا يكون التعليم استثناء؟!
ويقول الدكتور الفوزان: "إني أتعجب من أشخاص شنوا هجوماً على "البرامج الدولية" دفاعاً عن اللغة العربية كما يذهبون مع أنهم قد أمضوا سنوات وسنوات يدرسون في الغرب جميع العلوم باللغة الإنجليزية (...)، فهل سألوا أنفسهم ما هو الضرر "المدمر" الذي لحق بلغتهم العربية إثر دراستهم في الغرب؟".
فاسمح لي يا زميل الحرف بأن أجيب على تعجبك، ولأكرر مرة أخرى أنني حين كتبت لم أكتب من فراغ بل من تجربتي وتجارب الآخرين، والتجربة خير برهان. فكاتبة هذه السطور ليست فقط دارسة في الغرب، بل إحدى مواليده، وذهبت في بداية حياتي إلى مدرسة في مدينة (دندي) الأسكتلندية، ولعبت مع (اميلي) و(ميشيل)، قبل أن أعرف (أمل) و(هدى)، وكتبت اسمي للمرة الأولى بالأحرف اللاتينية. وقد شاهدت معاناة أختي التي تكبرني بصفين فقط مع اللغة العربية عند عودتها، رغم أننا كنا مازلنا في المرحلة الابتدائية، فقد اضطرت للذهاب إلى معلمة خاصة بعد الدوام المدرسي من أجل تصحيح مخارج الحروف وتعلم العربية، التي كانت تفهمها لكن ترفضها كلغة تعليم، حتى إنها كانت تحل جداول الضرب بالإنجليزية ثم تترجمها للعربية. ولكن لأن دراستها في المدرسة بعد العودة كانت بالعربية، فقد أجادتها تماماً، ولها الآن قلم جميلٌ يمنعها الكسل والخجل من أن تطربنا به. إذن فلو لم تنته دراسة والدي في تلك الفترة، ولو أنه أصر على إدخالنا إلى مدرسة عالمية في السعودية، بحجة عدم تغير نظام التعليم علينا، لما كنتُ اليوم هنا بينكم أخط هذه السطور، ولكانت شقيقتي مازالت تقرأ القرآن بلكنة أعجمية.
بل سأزيدك بأنني أعترف بتأثير اللغة الإنجليزية على لغتي خلال السنوات الخمس الماضية فقط، هذا وأنا كاتبة محترفة. فمع أن كتابتي الأسبوعية لـ"الوطن" قد حفظت لي - بحمد الله- لغتي وسيولة قلمي، لكن التأثير لا بد حاصل. مثلاً قبل أسابيع كنت أعد موضوعاً علمياً باللغة العربية عن الثورة الجديدة في عالم الإنترنت، لإحدى مطبوعاتنا العربية، ونظراً لأنني درستُ منذ الجامعة في جدة بالإنجليزية، وكتبتُ وأكتب عن تخصصي التقني باللغة الإنجليزية، فلا تتخيل مدى الصعوبة التي شعرت بها عند كتابة المقال. أحسست بأن قلمي لا يتدفق بالشكل المعتاد حين أحاول أن أشرح معلومة درستها بالإنجليزية، فقد احترت في كيفية ترجمة المصطلحات، وبدا أن الكلمات الإنجليزية تسابق العربية في ذهني وقتها، واختفت متعة الكتابة. ومع ذلك أتممتُ المقال لإيماني بضرورة نقل العلوم للعربية. هذا ناهيك عن العادة السيئة التي اكتسبتها من حشر الكلمات الإنجليزية في كلامي (دون قصد)، وهي عادة أتمنى الخلاص منها حال عودتي للوطن.
فإذا كان هذا يحصل معي أنا المتيمة بحب العربية، والمعتزة بديني وحضارتي وتاريخي، فكيف تتخيل أن يكون الوضع مع أولئك الذين ينظرون بدونية تجاه كل ما هو عربي ومسلم وأصيل؟ فمازلت أذكر الصدمة التي شعرت بها في الجامعة حين أعلنت فتاة من الطبقة المخملية بأنها ستسمي ابنها (بنجامن) ومعناه(وفقاً لأختنا التي تجيد العبرية!): "عبدالله"، إذ يبدو أن اسم "عبدالله" بالعربية، يعتبر بالنسبة لها " دقة قديمة".
والمشكلة يا دكتور، هو أن هذه الطبقة ذاتها، هي التي ستقبل بفرح على هذه البرامج الجديدة، وهي الطبقة صاحبة المال والنفوذ، مما سيكونون في أماكن الإدارة وصنع القرار في الوزارات والشركات والمؤسسات. وهنا مكمن الخوف، فنعم لن يجبر أحدٌ على أن يعلم ابنه أو ابنته في هذه المدارس، لكن حين يقبل عليها علية القوم، فسيتبعهم القادرون من العامة، وبعد ذلك في المستقبل فإن هؤلاء سيجبروننا على تبني الإنجليزية. فقد نشر موقع العربية نت خبراً يتحدث عن أن الكثير من الشركات في مصر مثلاً أصبحت ترفض توظيف خريجي المدارس المصرية العربية، وتشترط أن يكون المتقدم خريج مدارس اللغات، أو الجامعة الأمريكية، في تمييز طبقي واضح! ولسنا بعيدين عن هذا، فهناك من يفعل هذا في كبرى شركاتنا الوطنية، فتجده يشترط شهادة أمريكية.
وسألت شابة عربية، درست منهج البكالوريا الفرنسي في بلدها، ثم درست في الجامعة الأمريكية ببيروت، وحين سألتها حين يأتي الأمر إلى القراءة والكتابة فأي لغة تجد نفسها متقنة لها أكثر؟ فقالت بشكل عام الفرنسية، وفي تخصصي بالإنجليزية، وأتعس كتابة لي هي باللغة العربية. ولأنها لم تدرس البكالوريا العربية، فهي لا تعرف الكثير عن التاريخ العربي، رغم أنها ولدت وعاشت حتى السنة الماضية فقط في لبنان.
يا زميلي الفاضل، بإمكانك اليوم أن تجلس مع الكثير من الشباب والبنات العرب، ممن تعلموا تعليماً أجنبياً، لتكتشف بأن بعضهم لم يقرأ ولا كتاباً واحداً بالعربية، بل بعضهم يقرأ كتب الكتّاب العرب مترجمة بالإنجليزية أو الفرنسية، لأننا أمة مهزومة، لم تخرج من مرحلة جلد الذات إلى مرحلة العمل والبناء، ولأنها أمة مرتهنة إلى حد بعيد إلى الخارج، وإلا هل هناك أمة أخرى تفاخر الأمهات فيها بأن أطفالهن لا يجيدون لغتهن؟
نحن إذ ندافع عن العربية، وعن التعليم بها، فلسنا ضد اللغة الإنجليزية الجميلة، والتي أنا مع تدريسها كلغة ثانية وبشكل مكثف منذ الابتدائية، وإنما نحن نمارس شكلاً من أشكال المقاومة ضد العولمة بمعناها السيئ، وضد ذوباننا كأمة وبقايا حضارة. فالطوفان العولمي أقوى من أي وقت مضى الآن، والضعف في اللغة تأثيراته بعيدة المدى. أخشى أن يأتي يومٌ ندعو فيه (نحن العرب) الله بالإنجليزية، كما فعل طفل صديقتي حين طلبت منه أمه أن يستغفر الله لأنه ضحك في صلاته، فقال ببراءة: "سوري" ربنا!
* كاتبة سعودية، وطالبة دراسات عليا بالمملكة المتحدة!
مرام عبدالرحمن مكاوي
كاتبة سعودية من مدينة جدة، وطالبة دكتوراة في المملكة المتحدة. المدونة تحوي مقالاتي المنشورة في جريدة الوطن ابتداء من يناير 2006 بالإضافة إلى مقالات أخرى منشورة وغير منشورة.