المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصراع بين العلمنة والأسلمة سيزداد>>>>


عبدالله الحجيلان7
24-06-07, 01:10 am
الصراع بين العلمنة والأسلمة سيزداد

سيزداد الصراع بين علمنة الإسلام، وأسلمة الحداثة، وستنجح الأسلمة إن قدر الإسلاميون على طرح فكر عملي مستقبلي مستنير، تبنى آلياته ونظرياته وبرامجه، على الكتاب والسنة،وحقل التطبيق النبوي والراشدي، وأنتجوا مزيداً من الفكر الذي يحتضن أسس التقدم الحضاري، وأنتجوا البدائل، التي تقطع المسافة الحضارية، بين محطة التابع في الثرى، ومحطة المتبوع في الثريا.
هل يمكن تقديم نموذج إسلامي ناجح,دون أن يكون حضنا واسعاً, لقيم المجتمع المدني وللإبداع العلمي والتقني الذي نشأ في ظل الغرب, وتلوينه وتوطينه لينسجم مع البيئة ?, ونحن بين أمرين:إما أن نقدم الإسلام مشروعاً تنويريا تجديديا,كي نبقي , أو أن نلقى في آخر قاطرة من قطار الحضارة, ولن ينفعنا إذاك أن ينقش القرآن في صدرونا أو في مصاحفنا, لأن دوره لن يتجاوز دور أي نقش في متحف الآثار, الدين الإسلامي ليس بيانا ضد الحضارة والحداثة والنهوض, فالدين مشروع حضاري يجمع بين قيم الإيمان والعقلانية, والتوسط والاعتدال, وإن لم نفعل ذلك, فلنرتقب صفعة الحداثة, التي تجعلنا نخر للأذقان صرعى, إذن من ينعزل عن فهم العالم, لن يزيد المسلمين إلا ذلاً, ولن يزيد الدعوة الإسلامية إلا انكماشا.
إدراك روح العصر الذي جعلته العولمة كالقرية الواحدة, يجنب كثيراً من قنابل تدمير الذات الفردية والاجتماعية, ومن الانتحار العبثي بدون مكسب.
في الخلافة العثمانية درس بليغ, لمن أراد قراءة الحقائق, كما هي لا كما يريد, لقد سقط الرجل المريض ,لأن مصير كل مريض الموت, ليس لقلة المصاحف والقراء, بل للجهل المطبق, الذي جعل مجلس المبعوثان, يتصور أن الجيش يمكن أن تنتصر بواخره في عرض البحر, بقراءة صحيح البخاري, فيعرض على الأعضاء مشروع قرار, بالموافقة على شراء كميات من النسخ, يقرأها الجنود للبركة (ولا أدري هل يحسنون العربية) دون أن يدرك -كما قال أحد معارضي القرار- أن السفن الجواري, بالبخار تجري لا بقراءة البخاري.
و(أتاتورك) ليس نبتا خارج البيئة, فالبيئة هي التي أنتجته, فشل مشروع الخلافة استدعى نجاح مشروع الدولة العلمانية, هذا درس ينبغي أن يستوعبه دعاة الإصلاح الإسلامي, وهو أن المشكلة الأساسية التي نعاني منها اليوم؛ ليست في العقيدة-حسب التوصيف العباسي- بل قيم المجتمع المدني ، وفي الروح الجماعية والتقنية، هي في ضمور الفقه الحضاري الذي يحمي العقيدة والأخلاق. وفي ذلك تذكرة تعلمنا; أن الناس إن لم يجدوا في الدين ثقافة مدنية, تقدم لهم الحلول الواقعية, وتنهض بالأمة, فسيتطلعون إلى الرحلة إلى باريس.
قبل هبوب العاصفة
لا خيار أمامنا إذن: إما أن يكون الإسلام مشروعا شاملا للتقدم في الدنيا والآخرة معا،تنويريا, وإما الانبهار والذوبان والانقراض.
وهذا يؤكد ما يعيد فيه ويبدئ كثير من المصلحين من أن المشكلة التي يعاني منها المسلمون, هي مشكلة حضارية, ولكن أهم أسبابها, جدب في الأفكار والمفاهيم والقيم الفاعلة, التي تشحن الفعالية الاجتماعية, وتنهض بالناس خطوة خطوة، في حقول المجتمع المدني والتقنية.
وإن لم تنشط الأسلمة فكريا لطرح المبادرات، وابتكار الحلول، واقتحام الأسوار، ونزع أستار المخبوء، واكتشاف المجهول، بشجاعة العقول والقلوب. فإن النتيجة في المستقبل المنظور، هي تكثيف وتسريع، لسيطرة الحضارة الأطلسية، أي أن العلمنة -محمولة فوق قطار الحداثة-آتية لا ريب فيها، لأن المجتمعات الإسلامية ستتهافت على مغريات الحداثة والعولمة‘ وما تحمله من علمنة في الثقافة والسلوك معا، لإنها ستكون كما قال الشاعر:
رأي البرق شاميا فحن إلى الشرق×
ولو لاح غربيا لحن الى الغرب


الصحوة الدينية لن تفلح حتى تكون حضارية
1-كيف استبدت نزعة الرهبنة بمفهوم الدين؟
إذا أردنا أن نصحو صحوة دينية,ألا ينبغي أن تكون صحوة تجمع بين حرارة العقيدة وإستنارتها> وهذا يعني أمورا غفلت عن أهميتها الثقافة الدينية منذ أمد بعيد، أهمها قيم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، ومنها العقلانية والتقنية والحداثة الإدارية والمادية،أي أن ندرك التحدي الذي يقتحم حصوننا, وهذا يعني أن تكون صحوتنا الدينية صحوة حضارية, أي أن ندرك أن الدين مشروع للتقدم في الدنيا والآخرة, لكي ندرك أن التحدي الذي يقتحم حصوننا تحد حضاري, وهذا يعنى أن نعيد النظر في المفاهيم السائدة بعد عصر الراشدين, التي حصرت الدين وجزأته, واستقرت في الذهن والسلوك الجمعي, فأصبحت مسلمات, وأفرزت نظاما تربويا دينيا مترهلا مضطربا.
فإذا أردنا أن نفهم الثقافة الإسلامية الصحيحة, حق فهمها, فلابد أن نستوعب مفهوم الدين.
عندما نصف مدرسة, ونقول: إنها دينية ينبغي أن تكون دينية موضوعاً, ودينية مفهوماً وروحاً, بأن تستوعب هذه المدرسة الخطاب الديني الشامل,فلا تهمش قيم المجتمع المدني والعقلانية والتقنية.
التعليم الديني الشائع, يكرس القطيعة المعرفية, بين التقدم الروحي والأخلاقي, والتقدم الاجتماعي والعمراني, وهذه القطيعة المعرفية الثقافية, تفرز قطيعة تربوية اجتماعية, أي أن ثقافة القطيعة بين الدنيا والآخرة, تفضي إلى ترسيخ قيم القطيعة, بين (الإيمان) و(العمران). ولابد من إعادة ربط الحبل المقطوع, بين العبادتين العبادة الروحية, والعبادة العمرانية.
وبذلك يسقط الحاجز المتوهم بين الديني والدنيوي, وينتهي الانفصام بين الشق الروحي, والشق المادي من العبادة, فالجانبان يتكاملان, فالطائر لا يطير إلا بجناحين, وطريق الفلاح في الدنيا والآخرة; لا يُمْشىَ بقدم واحدة, بل بقدمين, ولذلك ينبغي أن يتآلف المفهومان, كما يتآلف الجسد والروح في الإنسان. ألم يأن لنا أن ندرك أنه ينبغي أن تستمد الأمة من إيمانها, طاقة تدفعها إلى التفوق في عمرانها? ليتكرس الاهتمام بثقافة العمران, في الخطاب الديني. فلا يحتقر المتدين العلوم الطبيعة والكونية, ولا يخرج المثقف الديني مسائلها من ميدان وعظه وحثه واهتمامه, بذلك يمكن بناء ثقافة دينية, تدرك ما يضطرب في بحر الحياة, من علوم وأشياء, وفنون وآراء, ومذاهب وأناس, كي لا تنعزل الثقافة الدينية بالناس وتنكمش بهم, وتفرز الجهل بروح العصر, وتغفل عن التوازن, وتقتل حيوية التفكير, وتفاعل الأذهان, وتفاعل الجماعات.2-
أليس التمدين جزءاً أساسيا من التدين؟
أي لا يكتمل فقه الدين إلا به?.
أوليس ذلك هو مفهوم الفقه, الذي تكرر في القرآن الكريم. قبل أن تحصره المتون بالشعائر, ثم تحصر فقه الشعائر بالتلقين الجاف.
وهذا الفقه هو الذي يحمى الأمة من الانبهار, بما في العالم المتقدم, من أفكار وأشياء واختراع, ويتيح لكل مقتدر أن يجتهد في تخصصه, ويوظف علمه لخدمة أمته.
ولكن لم يدرك هذه الحقيقة, عدد كبير من من رسموا الاتجاه العام ;في الثقافة الدينية,ولاسيما في القرون المتأخرة, فترسب احتقار العمران والحضارة ,في الذهن والسلوك.
فنال قيم العمران والحضارة, في الخطاب الديني استبعاد تارة, وتضييق وتسفيه تارة ثانية, وحصرت في نطاق الضرورة القصوى, في أغلب الأحيان, فضعف الابتكار والإبداع, وكان ضعفها إيذانا بسقوط الحضارة, لأن الناس اتجهوا إلى منطقة الأمن والسلامة, لاسيما وفيها مايجذب من يبتغي الدنيا; إلى حقلها المغناطيسي; من الرزق والوجاهة, فانشغلوا بالجانب الروحي والشعائري من الدين, والجانب اللغوي والأدبي, وأكثروا من الشرح والاختصار, والتكرار والاجترار, وقللوا من قدر الجانب العمراني ورموزه حينا , وأحاطوه وأحاطوهم; بالاتهام حينا آخر.
هذه المفاهيم التي صكتها الصياغة العباسية للفكر الإسلامي في المجتمع العباسي, لم تكن تجسيدا صافيا للإسلام، بقدر ما كانت صياغة مناسبة لمشكلات وتحديات ومعطيات في المناخ الاجتماعي.

كتبه / ع . ح