وليد الطريقي
16-06-07, 08:49 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم رجل الضخور ورمال السياسة انه اول من وضع اساس وصناعة النفط بالمملكة العربية السعودية
انه رجل اختار الصعب وتعلم وثابر لينعم ابناء ديرته بخيرات ما وصل الية من علوم وقد تحقق ذلك
http://www.jsad.net/jsadnews/m-alsayf-book.JPG
عبد الله الطريقي اول وزير للنفط بالمملكة العربية السعودي صاحب المجد المنسي الا من البعض
تعريف
عبدالله الطريقي، أول وزير نفط سعودي، كان ميلاده في محافظة الزلفي (250 كلم شمال الرياض) في العام 1918 ، بينما يحسب المؤرخ حمد الجاسر عُمْر الطريقي، بناء على الأحداث، بحسبةٍ يتبين منها أن الطريقي أكبر بثماني سنوات كاملة، أي أنه مولود في العام 1910. تعود أصول عائلته إلى وادي الدواسر (جنوب الرياض)، وقد قدم أجدادهم إلى الزلفي مع بدايات القرن الثالث عشر الهجري
في الزلفي تعلم على شيخها مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن، كما هو معتاد آنذاك، ثم انتقل إلى الكويت مع والده وعمره ست سنوات، وأكمل دراسته النظامية هناك، ثم ما لبث حتى انتقل إلى الهند، وهناك ألتقى بعبدالله المحمد الفوزان، وكان شيخ تجار العرب في الهند، والذي اقترح عليه الذهاب في بعثة دراسية خارجية، وتوسّط له في إنجازها، فكانت القاهرة، محطته التالية.
جرأة وذكاء مبكرين
يُذكر أن "الطريقي مر على الملك عبدالعزيز في الرياض أثناء رحلته إلى القاهرة، وفي مجلس الملك عبدالعزيز، طرح الطريقي مقترحاً بأن تكون مدينة (مكة) منطقة مستقلة تديرها هيئة تمثل المسلمين من أنحاء العالم لتصنع أنموذجا من الفاتيكان بقالبٍ إسلامي، فكانت تلك علامة جرأة ونبوغ وتصوّر مبكر وقراءة منطقية". وقد نقل تلك القصة (روبرت ليسي) الذي أرّخ لحياة الراحل.
مراحل الدراسة
في العام 1933 كان الطريقي قد انتظم في الثانوية الخديوية ثم في ثانوية [حلوان]، وفيها تخرج وانتقل للدراسة في كلية العلوم بجامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا) متخصصا في الكيمياء الجيولوجية، ليتخرّج منها في العام 1945، وقد ترك خلفه سيرة حسنة، ومسيرة مشرّفة أثناء دراسته الجامعية، وهو ما جعله يُرشح من قبل الملك عبدالعزيز، شخصيا، للإبتعاث إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لإكمال الماجستير، وهكذا حصل إذ انتقل للدراسة في جامعة تكساس وأحرز فيها درجة الماجستير في الجيولوجيا وكانت رسالته عن "جيولوجيا المملكة العربية السعودية" وكان ذلك بعد عامين من ابتعاثه، وعاد من هناك نحو وطنه بعد أن تزوج في المرة الأولى من امرأة أميركية أنجبت له بكره (صخر).
بعد الماجستير
لم تكن الأمور على ما يرام حال عودته، إذ كان للإنقطاع الطويل عن السعودية، (كان قد غادرها وعمره ست سنوات وربما لم يزرها إلا مرات قليلة قصيرة) دور في إصابته بما يشبه الصدمة الحضارية، لا سيما وهو خريج الدراسات العليا في الجامعة الأميركية، في وقت لم يكن فيه للجامعات وجود؛ لا في السعودية ولا دول الخليج كلها. لاحظ الطريقي أنه يعيش حياة مختلفة وبنظريات جديدة وحضارية، وكأنه " ساذج بين عقلاء " كما وصف نفسه في مقال روى فيه بمرارة، تجربته بعد عودته من البعثة، مع الحكومة ومع المجتمع، وهو المقال الذي كادت توقف بسببه مجلة اليمامة عام 1954، لنشرها إياه، لولا أنها وقعت تعهدا وقدمت الإعتذار!
مشوار النفط
بعد عودته من أميركا انخرط مباشرة موظفا في وزارة المالية، في العام 1948، وبعدها بعدة سنوات عُيّن مسؤولاً عن مكتب مراقبة حسابات الحكومة على الدخل النفطي من شركة أرامكو في الظهران، وتلك كانت خطوته الأولى، في درب النفط (العربي)، كما يحب الطريقي أن يسميه!
في 1954 أصبح مسؤولا عن قطاع النفط في وزارة المالية بتعيينه مديرا عاماً لشؤون الزيت والمعادن بجدة، وفي 1959 كان الطريقي إلى جانب حافظ وهبة أول سعوديَيْن ينضمان لمجلس إدارة شركة أرامكو. وخلال بدايات عمله مراقبا لحسابات الحكومة على أرامكو. ودخل في خلافات عديدة مع إدارة الشركة الأمريكية الأم، حول حسابات مداخيل النفط. وفي 1960 صدر التشكيل الوزاري الجديد وأنشئت أول وزارة للنفط والثروة المعدنية، وعيّن الطريقي وزيرا لها، وفي 1962 وبعد سنة واربع اشهر من تعيينه اعفي الطريقي من منصبه.
تأسيس أوبك
يعتبر الطريقي المؤسس الرئيسي لمنظة الدول المنتجة للنفط (أوبك) وفرعها العربي (أوابك).
.
طالب بعدم حرق الغاز الطبيعي من آبار النفط وأنها طاقة يمكن استخدامها.
استرد خلال ترأسه لأرامكو - حينما كانت مجمع من الشركات الأمريكية - نصف ميزانية الدولة وعمل على إلغاء الامتيازات وزيادة حصة الدولة فيها.
ساهم بإرساء قواعد المحاصصة واشراك الجانب الوطني في العمل البترولي والذي كان سببا في إثراء الدولة .
له عدة مؤلفات ومقالات وأوراق مجموعة في كتاب "عبد الله الطريقي الاعمال الكاملة
عبدالله الطريقي: بين صخور النفط.. ورمال السياسة
عبدالله القفاري
ظاهرة الانطواء على مخزون تجربة وعمل وطني حتى الرحيل الأخير لها معنى، وهي ظاهرة تحمل دلالاتها السلبية في مجتمع تتطلع أجياله للقراءة في تجربة عمل وطني لم تعد سوى اشارات في مجالس عابرة وأحياناً تخون الذاكرة حتى محاولة استعادتها
؟ مرت المملكة بمراحل تاريخية مؤثرة ومهمة وحاسمة منذ نشأتها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، القراءة في تاريخ المملكة منذ عهد المؤسس والموحد متعة واكتشاف ودروس تاريخية تكتسب أهميتها وقيمتها أيضا من قدرتها - آنذاك - على صياغة أجندة وطنية في مواجهة التحولات والمستجدات والعوامل المؤثرة داخلياً وخارجياً.
من المراحل الأكثر أهمية التي صاغت المملكة العربية السعودية مرحلة اكتشاف النفظ وتفجر تلك الثروة الهائله على الساحل الشرقي للمملكة وما صاحبها من تغيرات في أنماط الحياة والتأثيرات الثقافية ونشوء أول طبقة عمالية حول حقول الزيت ونمو معدلات التنمية الوطنية وتوجيه تلك الثروة لخدمة مشروع وطن مترامي الأطراف.. قراءة تلك المرحله التي لم يكتب فيها الكثير على مستوى العلاقات المتبادلة بين النفط والسياسة في المنطقة.. وتأثيراتها في صياغة ثقافة تلك المرحلة بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. تبدو مهمه ولها أبعاد تتجاوز مسألة التاريخ إلى مستوى اكتشاف ملامح مرحلة وتأثيراتها والنتائج التي ترتبت عليها فيما بعد.
لا يمكن أن تذكر بدايات العمل المؤسسي في أدوار الدولة في سيطرتها على ثرواتها الطبيعية وعلاقتها بشركات النفط ومحاولة تحسين شروط الامتيازات النفطية لصالح المملكة دون أن يكون لاسم شخص مثل عبدالله الطريقي أول وزير للبترول في المملكة حضور وإضاءة في تلك المرحلة، لا يمكن الحديث عن نشأة منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) دون الإشارة لإحدى الشخصيات الفاعلة في تأسيسها.. لا يمكن الحديث عن تجاذبات النفط والسياسة في مرحلة صاخبة ومؤثرة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي دون الإشارة إلى صاحب شعار "نفط العرب للعرب"، ولا يمكن الحديث أيضاً عن انكسار الحلم القومي العربي التي أخذت من عمر شاب الكثير وهو الذي عاش عواصف السياسة ومعارك شركات النفط وصخب اليومي آنذاك، دون الإشارة إلى أحد مؤسسي مركز دراسات الوحدة العربية عبدالله الطريقي.
الأستاذ محمد السيف التقط المبادرة في كتابة أول سيرة ذاتية لعبدالله الطريقي، واعتقد أنه قدم عملاً يستحق الإشادة والإشارة، فهو كاتب سيرة متميز وباحث متقص وكتابه لا يؤرخ لشخصية فقط، بل يلقي الضوء على تحولات حاسمة من عمر المنطقة حتى تكاد تكون سيرة رجل مثل عبدالله الطريقي هي سيرة مرحلة صاخبة وغنيه ومؤثرة.
أن يعود عبدالله الطريقي للمملكة عام 1948حاملاً معه شهادة الماجستير في هندسة النفط من جامعة تكساس ومحملاً بوعي تلك المرحلة وهو يحمل في جيناته روح التحدي في بيئة بالكاد تدخل مرحلة التعليم الأولي وفي بلد يصارع للخروج من وعي القبيلة لشروط الدولة.. يعني أننا أمام شخصية مختلفة تركت خلفها آثارها ونجاحاتها واحباطاتها وانكساراتها أيضاً، واكتشاف شخصية عبدالله الطريقي ليس فقط في شهادته العلمية التي حصل عليها كأول مبتعث سعودي لأمريكا ولا في تخصصه الأكثر ندرة آنذاك.
اكتشاف شخصية عبدالله الطريقي تكمن في جينات التحدي التي يحملها داخله والتي صبغت روحه وشخصيته بالحدية والتوثب وعقله المؤمن بأمته واكتشافه المبكر لمعنى تلك الثروة ومستقبلها التي بدأت تتدفق لتعلن أن للتاريخ طفرة قادمة ستحمل معها تحديات قاسية ومتطلبات طموحات واسعة، مواجهتها تتطلب ما هو أكثر منتت قصة اختصاص أو حلم شاب مؤمن بعروبته وخياراته القومية التي كسبت مقوماتها بالشعارات - آنذاك - ولم تقدم النموذج الحلم.. حتى لحظة الانكسار التي عاد بعدها عبدالله الطريقي ليتوحد بذاته وهو يعلن حالة استسلامه لقدره ويعانق تلك الجذورة الإيمانية المعتزلة حتى اللحظة الأخيرة في حياته.
عبدالله الطريقي بما له وبما عليه، يبقى شخصية وطنية لا جدال في استحقاقه لشرف المواطنة واسهامه في العمل الوطني من أجل مستقبل بلاده، في قراءة تاريخ رجل مثل عبدالله الطريقي علينا ان نكتشف ظلال المرحلة حتى تأخذ تلك القراءة استحقاقها الوطني أولاً والعربي ثانيا.
كتاب الأستاذ محمد السيف بكل ما فيه من إعادة اعتبار ولفتة وفاء لهذه الشخصية وبكل ما فيه من لمحات جميلة ورائعة في اكتشاف أبعاد رحلة الطريقي من مرحلة التكوين الأولى إلى مرحلة الدراسة إلى العمل في مديرية النفط والمعادن إلى الوزارة ثم العمل الاستشاري وتنقلاته بين عواصم الدول العربية التي عمل فيها.. ظل - هذا الكتاب - شهادات تاريخية لكنه كان يحاذر الدخول في مفاصل مهمة وحاسمة في رحلة عبدالله الطريقي، وإذا أقدر هذا الجهد الكبير الذي بذل فيه وتلك المكابدة لتقديم تلك الصورة الوفية عن رحلة هذا الوطني الكبير، إلا أن تقديم عبدالله الطريقي على طريقة لا غالب ولا مغلوب ولا انتصار ولا انكسار ولا علو ولا تراجع.. والحذر الشديد من ابقاء تلك السيرة في منطقة الظلال المحايدة ربما افقد هذا العمل بعض بريقه وتطلع قارئه لإجابة بعض اسئلته الحائرة.
توقفت عن تساؤل الأستاذ فهد العريفي - رحمه الله - وهو يخاطب الطريقي (هل دونت مذكراتك للتاريخ لتكون مرجعاً لتلك الحقبة في تاريخ النفط)، وكم كانت الإجابة محبطة (ابداً لم اسطر حرفاً، وأنا الان يكاد الندم ان ينكد علي حياتي، وعلى استعداد أن أملي ذكرياتي على من يتطوع لكتابتها)، على مدى خمسة عشر عاماً تقريباً أصدر الطريقي مجلته "البترول والغاز العربي" وكتب فيها الكثير، لكنه للأسف لم يكتب الشيء الأكثر أهمية للتاريخ والأجيال، ثقافة التدوين للمذكرات غائبة للأسف الشديد، وهي في نظري ليست فقط قصة ذكريات ولكن تحمل معها تدفق تجربة وقراءة مرحلة وربما إضاءات نقدية مهمة لابعاد رحلة، ولذلك احترم تجربة الأستاذ محمد السيف وهو يلقي الضوء على رحلة تلك الشخصية، لكن أقدر أيضاً أنه ليس بمقدوره أن يقرأ في الدرس الأخير في سجل وعي وعقل رجل عاش حتى الثمانين من العمر وربما كان الحصاد الأكثر أهمية والدروس الأكثر قيمة هي تلك التي انطوى عليها عبدالله الطريقي حتى رحيله الصامت في القاهرة.
ظاهرة الانطواء على مخزون تجربة وعمل وطني حتى الرحيل الأخير لها معنى، وهي ظاهرة تحمل دلالاتها السلبية في مجتمع تتطلع أجياله للقراءة في تجربة عمل وطني لم تعد سوى اشارات في مجالس عابرة وأحياناً تخون الذاكرة حتى محاولة استعادتها، اقدر ان هناك تجارب ثرية لكن لا أفهم هذا التردد الغريب عند الاقتراب من حاجز الكتابة أو الاستكتاب.
من اللافت في عمل الاستاذ محمد السيف وهو يقرأ في سجل رجل مثل الطريقي، تلك الشهادات الصحفية المحلية إبان عمل الأستاذ الطريقي كمدير للبترول والمعادن أو كوزير والتي لم أقرأها بمعزل عن تاريخها الذي كتبت فيها في الخمسينيات وأوائل الستينيات، تلك النصوص تحمل في داخلها قيمة ويمكن أن تكون مادة دراسية تحليلية مقارنة بين صحافة الأفراد في الخمسينيات والستينيات وبين صحافة اليوم، أقولها بثقة إن لغة تلك المقالات من حيث المباشرة والمضمون - ولا يهم مناسباتها أو أسلوب كتابتها - أكثر تقدما بمراحل من اللغة التي تكتب بها كثير من مقالات اليوم ولكنها حتماً لم تخل من رائحة الصراع في مرحلة لها سماتها وعلاقاتها ورموزها.
لفت انتباهي مقالان في صحفية القصيم للأستاذ يعقوب الرشيد وجه فيها نقداً لاذعاً واتهاما صريحاً للأستاذ عبدالله الطريقي، عناصرها تحمل دلالات يمكن للقارئ في سجل مرحلة ان يكتشف أبعادها، إنها حالة صراع أيضاً تعبر عنها مقالات هنا وهناك ومصالح تتدافع لها أقلام وتوجهات، تلك المادة شيقة فعلاً وتحتاج من المهتمين بقراءة صحافة مرحلة أن تصبح مادة دراسية تكشف أبعاد مرحلة صاخبة ومؤثرة يتداخل فيها الوطني بالإقليمي والسياسي بالإداري والقوى الخفية بالقوى الظاهرة وتلعب فيها الصحافة آنذاك دوراً يأخذ الرأي فيها المساحة الأوسع فلم تكن صحافة خبر ولا تحقيق.
اعتقد أن انجاز عبدالله الطريقي الحقيقي لم يكن في سوى في إبان عمله في الخمسينيات والستينيات إبان صراعه مع شركات النفط لتحقيق شروط أفضل في اقتسام العوائد، وفي إنشاء تكتل الدول النفطية لمواجهة مصالح وتكتلات الشركات النفطية، واعتقد أن عبدالله الطريقي هو نتاج مرحلة وعي مبكر بمستقبل وتأثيرات النفط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لو عزلت عن سياقها النفطي لم تقدم الكثير.
عبدالله الطريقي لم يكن مفكراً ولا منظراً.. ولكنه رجل وطني عاش بين خبرته وحلمه، حمل منذ وقت مبكر الوعي بأهمية امتلاك الدولة لثرواتها النفطية التي كانت في تلك المرحلة مادة الصراع في المنطقة وعناوينها القادمة، ودعا لتوظيفها على الوجه الذي يخدم مصالحها الوطنية والقومية واكتشاف عبر جهد ذاتي دؤوب أساليب الشركات النفطية التي كانت تستهدف جني أكبر قدر من العوائد والسيطرة على صناعة النفط والأسعار وهي تتجاوز مصالح الدول والشعوب التي تملك الثروات، لكنه كان أيضاً تعبيراً في مرحلة تاريخية ما عن وعي سياسي لا بد أن يقرأ في محبط ظروف تكوينه وتشكله وتاريخيته، وهو الذي عندما اكتشف تواضع الحقائق أمام الحلم العربي الكبير وخذلان أنظمة الشعارات وتواضع الإنجاز انطوى على عزلته وصمته الطويل
ايضا................
مقال جميل للكاتب محمد آل الشيخ عن كتاب رائع وشخصيه وطنية عظيمه .
الطريقي والوطن
عن دار رياض الريس للكتب والنشر صدر مؤخراً للكاتب السعودي محمد السيف كتاب بعنوان: (عبدالله الطريقي صخور النفط ورمال السياسة). الكتاب رصد دقيق، وبلغة أدبية راقية، لسيرة رمز من رموز هذا الوطن، والمؤسسين الرواد الأوائل للإدارة البترولية في المملكة.
من (الزلفي) حيث (يطأطئ جبل طويق الشهير هامته) - كما يقول المؤلف - ابتدأت مسيرة هذا الرجل، لتمر بمحطات جغرافية وعلمية وعملية متعددة، ابتدأت بجامع الزلفي الكبير طالباً عند المطوع (ابن عمر) الذي علمه الحرف الأول في مسيرته العلمية، فالكويت والمدرسة الأحمدية، فالهند، فالقاهرة وثانوية حلوان، وبعدها جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً)، ثم أمريكا و(جامعة تكساس) في مدينة أوستن، وفي الختام العمل في أرض الوطن حتى نال شرف تأسيس وزارة البترول والثروة المعدنية وكان أول وزير لها؛ ولتنتهي هذه المسيرة العلمية الغنية والعملية بمقبرة النسيم في الرياض حيث مثواه الدنيوي الأخير، بعد تاريخ حافل ومليء بالإنجازات الوطنية، سيتحدث عنها مؤرخو التنمية في هذه البلاد طويلاً.
من يقرأ الكتاب سيلحظ أن مؤلفه بذل فيه جهداً كبيراً، وبحث ونقب عن كل شاردة وواردة في حياة هذا الرمز، وسافر والتقى بأصدقائه ومعاصريه خارج البلاد إضافة إلى من هم في الداخل، وانتهى بعد هذا الجهد إلى هذا الكتاب (الثري)، والذي سيبقى أحد المراجع الهامة لتاريخ صناعة النفط في هذه البلاد للأجيال القادمة.
وأنا هنا سأتحدث على وجه التحديد عن نقطتين وجدت أن عبدالله الطريقي تميّز بهما، وهما جديرتان بأن يسلط عليهما الضوء ويُحتفى بهما، وهما تتعلقان بذوبان (الأنا) عند هذا الرائد في الأرض والهوية الوطنية، في زمن أصبحت (الأنا) تتقدم على الوطن، و(الذات) وإيثارها تحتل في ممارسات البعض محلاً بارزاً، لتصبح الأرض - بالتالي - قضية ثانوية أمام انتفاخ الذات، عبدالله الطريقي عندما يتحدث عن إنجازاته لا ينسبها لنفسه، وإنما ينسبها لبلده الذي كان يشغل فيه منصباً وظيفياً، سواء عندما ترك المنصب، وعاش وعمل خارج البلاد أو عندما كان في المنصب، الموقف ذات الموقف، لم يتغير ولم يتبدل. وكان في اختلافه مع بعض قرارات الحكومة عندما ترك عمله الوظيفي يؤكد هذا الموقف ولا يحيد عنه قيد أنملة. يقول - مثلاً - في رد له في جريدة (الرأي العام) الكويتية بعد أن ترك منصب وزير البترول كما جاء في الكتاب: (قضية المحاسبة على أساس السعر المعلن أثارتها السعودية في مؤتمر البترول الثاني عام 1960م، ومسألة تنفيق العائدات أثارتها السعودية في مؤتمر البترول الثالث، ومسألة تحديد الإنتاج بحيث يتناسب مع الطلب في الأسواق أثارتها المملكة).
وعندما سأله أحد الصحفيين عن موقفه المختلف مع حكومته بعد خروجه منها قال: (أنا أنتقد حكومتي لأنهم بني وطني وأهلي وعشيرتي وأنا أهتم ببقائهم. أنا أعيش في السعودية، وأقول للحكماء ماذا أفكر فيه أمامهم، هذا لأني قلق عليهم وليس لأني ضدهم)!!
ويقول المؤلف: (وحينما تحدث السيد أحمد زكي يماني، خلفه في وزارة البترول والثروة المعدنية عن المشاركة، وأنها كانت (حلمه) الأول، كتب الطريقي في افتتاحية مجلته (نفط العرب) قائلاً: (يحلو للسيد أحمد زكي يماني أن يتفلسف أحياناً ويقول إن المشاركة كانت (حلمه) الأول منذ البداية، والذين كانوا يتابعون الأحداث النفطية في الخمسينات يعرفون أن (السعودية) كانت قد رفعت شعار المشاركة من البئر إلى السيارة، وأنها قد حققت ذلك في اتفاقيتها مع الشركة اليابانية في نهاية الخمسينات).
ورغم هذه الذهنية المتقدة بكل ما هو (عملي) ووطني في الوقت ذاته، فلابد من القول إن (النزعة) الناصرية الديماغوجية التي اتسمت بها بعض مواقف وكتابات الطريقي كانت قد (أساءت) له عند كثيرين، وكاتب هذه السطور واحد منهم. غير أنني بعد أن تأملت مواقفه، وقرأت بعض المقاطع التي أوردها المؤلف في الكتاب عن بعض مقالاته ومواقفه من الناصرية، وجدت أن أهمية عبدالله الطريقي كرمز ورائد تكمن (حصراً) في أنه واحد من أهم (التكنوقراط) السعوديين تاريخياً، وعندما يخرج الطريقي في الرؤية والكتابة والتنظير عن (الشأن التكنوقراطي) المتخصص، فليس ثمة ما يُميزه عن متعلمي الحقبة الزمنية التي ينتمي إليها، حيث الإيديولوجيات العروبية آنذاك، ومنها الناصرية، تأسر بوهجها وإعلامها الجميع بمن فيهم التكنوقراطيون السعوديون. ومن الظلم وعدم العدالة (محاكمة) مواقف الطريقي على أساس نتائج اليوم، بعد أن اتضح للجميع (عوار) الناصرية، وكوارثها، ليس على مصر فحسب، وإنما على المنطقة برمتها.
ومن أهم ما يلحظه القارئ في حياة عبد الله الطريقي العملية، وما اشتهر عنه، حسه الوطني و(أمانته) عندما كان يؤدي عمله في وزارة البترول والثروة المعدنية. فالطريقي - مثلاً - عندما كان يختار موظفيه والعاملين معه كان يختارهم حسب (الكفاءة) إلى درجة التطرف أحياناً، فالكفاءة هي التي تهمه قبل أي شأن آخر، ولعل من أهم تشوهات العاملين في الجهاز البيروقراطي الحكومي في المملكة عندما يختارون موظفيهم كانت - وما تزال للأسف - تقديم القرابة، و الانتماء المناطقي، أو الانتماء للبلدة أو للقرية، على الكفاءة، وأحياناً الخبرة والتجربة، بشكل يخل بالأمانة، الطريقي ضرب بهذه المفاهيم الخاطئة عرض الحائط، ورفع شعار (الكفاءة أولاً)؛ وهذا يؤكد ما ذهبت إليه في الحلقة الأولى من هذا المقال من أن هذا الرمز تضمحل لديه (الأنا) على مختلف مستوياتها ليصبح الوطن هو (ذاته) التي يعمل دائماً على نصرتها وتأكيدها. ورغم أن هذه الخصلة قد شاعت واشتهرت في سيرته العملية، إلا أن المؤلف لم يعرها - في رأيي - ما تستحق من الاهتمام.
ويورد مؤلف الكتاب حادثة تحمل كثيراً من الدلالات، وتؤكد مدى أمانة الرجل، وإيثاره مصالح وطنه على مصالحه الشخصية؛ عندما عرضت عليه في فندق السان جورج في بيروت (رشوة) بلغت رقماً وصل إلى ملايين الدولارات مقابل (صمته) على تجاوزات شركات النفط غير أنه رفض - كما يقول المؤلف - مقدماً المبادئ على المال. ومهما تكن تحفظات المشككين في صحة هذه الرواية، إلا أن معاصري الطريقي قد أثبتوا نزاهته، وزهده في المال. يقول - مثلاً - معاصره (علي محمد فخرو) الوزير البحريني في شهادته التي أوردها المؤلف وهو يتحدث عنه: (وهذا يقودنا إلى شعوري الدائم في كل جلساتنا بأننا كنا أمام إنسان شبه متصوف، لا يريد من الدنيا إلا ضرورياتها). ويقول (الشيخ عبد العزيز التويجري) معلقاً على وثيقة أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بابتعاث الطريقي وأحد زملائه للدراسة في أمريكا كما جاء في الكتاب: (عرفنا المرحوم عبدالله الطريقي معرفة تامة، وعرف الناس أجمع فيه النزاهة، والإخلاص، والرجولة في التعبير عن آرائه. تولى وزارة البترول وخرج منها طاهر اليد والضمير، عاش البساطة إلى أن توفاه الله). ومهما يكن الأمر فإن الطريقي - بلا شك - لم يحاول أن يستغل منصبه ومكانته في صناعة القرار النفطي (للإثراء) غير المشروع، ولا بد أنه قاوم كثيراً من الإغراءات من قبل شركات النفط، وعاش كبيراً ومخلصاً ونقياً وأميناً، وسيبقى في التاريخ كذلك بكل تأكيد.
ولا يمكن الحديث عن عبد الله الطريقي دون التطرق إلى دوره في إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي كان الطريقي ومعه وزير النفط والتعدين الفنزويلي (خوان بابلو بيريز الفونسو) مهندسي تأسيس هذه المنظمة، بعد أن اجتمع الاثنان لأول مرة في نادٍ لليخوت بالقاهرة - كما جاء في الكتاب - وصاغا ما عُرِفَ فيما بعد (باتفاقية السادة)، التي كانت الأساس الذي انبثقت عنه المنظمة ذائعة الصيت (أوبك). كانت أوبك من أهم المنظمات التي أقيمت لحماية حقوق الدول المصدرة للنفط في وجه الشركات والدول المستهلكة، في حقبة من الزمن كانت فيها السيطرة تكاد أن تكون شبه مطلقة للشركات والدول المستهلكة. يقول الطريقي بعد عام من تأسيس هذه المنظمة كما جاء في الكتاب: (ونحن نعتقد أن وحدة التفكير البترولي وتنظيمه وتوحيد أساليبه كفيل بإيجاد حل للمشاكل المعلقة منذ سنوات، كما نعتقد أنه بمزيج من الحنكة والحكمة تستطيع مؤسسة الدول المصدرة للبترول أن تخرج إلى العالم المتمدن الذي يستفيد من هذه الثروة الطبيعة بروح جديدة من المشاركة في خيراته على أساس من العدالة والتعاون). وها نحن اليوم وعلى بعد أكثر من أربعة عقود من تاريخ تأسيس هذه المنظمة نحكم أن (استشرافه) للمستقبل آنذاك كان استشراف ورؤية خبير متمكن، وكان كزارع الزيتون الذي كان يزرع ليقطف الأبناء والأحفاد ما تغرسه يداه.
وسوف أختم بمقولة تحمل كثيراً من الدلائل للدكتور روبرت فيتالس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا في أمريكا، يقول: (كل من يرغب الاطلاع على تاريخ العالم العربي، كيف كان في السابق، وإلى أين يتجه، عليه أن يقرأ حياة الطريقي الذي يستحق أن يكون موضوعاً لعديد من الأطروحات والكتب الوثائقية). ولعل هذا الكتاب الذي أتحدث عنه هنا يكون باكورة أعمال بحثية أخرى لا حقة تتحدث بشكل تخصصي وتفصيلي عن إنجازات عبد الله الطريقي في صناعة النفط في المملكة.
--------------------------------------------------------------------
نعم هذا هو عبد الله بن حمود الطريقي اول وزير للبترول بالمملكة العربية السعودية المسمى بالكنز المفقود
رحمة الله تعالى فقد توفي في عام 1997 في مدينة القاهرة ودفن بمقبرة النسيم بالرياض عن عمر ناهز الثمانيين
نعم انها رحلة من العناء اثمرت عن انجازات جعلت المملكة العربية السعودية من الدول العالمية والتي لا يشق لها عبار في تصنيع النفط
نعم رجل الضخور ورمال السياسة انه اول من وضع اساس وصناعة النفط بالمملكة العربية السعودية
انه رجل اختار الصعب وتعلم وثابر لينعم ابناء ديرته بخيرات ما وصل الية من علوم وقد تحقق ذلك
http://www.jsad.net/jsadnews/m-alsayf-book.JPG
عبد الله الطريقي اول وزير للنفط بالمملكة العربية السعودي صاحب المجد المنسي الا من البعض
تعريف
عبدالله الطريقي، أول وزير نفط سعودي، كان ميلاده في محافظة الزلفي (250 كلم شمال الرياض) في العام 1918 ، بينما يحسب المؤرخ حمد الجاسر عُمْر الطريقي، بناء على الأحداث، بحسبةٍ يتبين منها أن الطريقي أكبر بثماني سنوات كاملة، أي أنه مولود في العام 1910. تعود أصول عائلته إلى وادي الدواسر (جنوب الرياض)، وقد قدم أجدادهم إلى الزلفي مع بدايات القرن الثالث عشر الهجري
في الزلفي تعلم على شيخها مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن، كما هو معتاد آنذاك، ثم انتقل إلى الكويت مع والده وعمره ست سنوات، وأكمل دراسته النظامية هناك، ثم ما لبث حتى انتقل إلى الهند، وهناك ألتقى بعبدالله المحمد الفوزان، وكان شيخ تجار العرب في الهند، والذي اقترح عليه الذهاب في بعثة دراسية خارجية، وتوسّط له في إنجازها، فكانت القاهرة، محطته التالية.
جرأة وذكاء مبكرين
يُذكر أن "الطريقي مر على الملك عبدالعزيز في الرياض أثناء رحلته إلى القاهرة، وفي مجلس الملك عبدالعزيز، طرح الطريقي مقترحاً بأن تكون مدينة (مكة) منطقة مستقلة تديرها هيئة تمثل المسلمين من أنحاء العالم لتصنع أنموذجا من الفاتيكان بقالبٍ إسلامي، فكانت تلك علامة جرأة ونبوغ وتصوّر مبكر وقراءة منطقية". وقد نقل تلك القصة (روبرت ليسي) الذي أرّخ لحياة الراحل.
مراحل الدراسة
في العام 1933 كان الطريقي قد انتظم في الثانوية الخديوية ثم في ثانوية [حلوان]، وفيها تخرج وانتقل للدراسة في كلية العلوم بجامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا) متخصصا في الكيمياء الجيولوجية، ليتخرّج منها في العام 1945، وقد ترك خلفه سيرة حسنة، ومسيرة مشرّفة أثناء دراسته الجامعية، وهو ما جعله يُرشح من قبل الملك عبدالعزيز، شخصيا، للإبتعاث إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لإكمال الماجستير، وهكذا حصل إذ انتقل للدراسة في جامعة تكساس وأحرز فيها درجة الماجستير في الجيولوجيا وكانت رسالته عن "جيولوجيا المملكة العربية السعودية" وكان ذلك بعد عامين من ابتعاثه، وعاد من هناك نحو وطنه بعد أن تزوج في المرة الأولى من امرأة أميركية أنجبت له بكره (صخر).
بعد الماجستير
لم تكن الأمور على ما يرام حال عودته، إذ كان للإنقطاع الطويل عن السعودية، (كان قد غادرها وعمره ست سنوات وربما لم يزرها إلا مرات قليلة قصيرة) دور في إصابته بما يشبه الصدمة الحضارية، لا سيما وهو خريج الدراسات العليا في الجامعة الأميركية، في وقت لم يكن فيه للجامعات وجود؛ لا في السعودية ولا دول الخليج كلها. لاحظ الطريقي أنه يعيش حياة مختلفة وبنظريات جديدة وحضارية، وكأنه " ساذج بين عقلاء " كما وصف نفسه في مقال روى فيه بمرارة، تجربته بعد عودته من البعثة، مع الحكومة ومع المجتمع، وهو المقال الذي كادت توقف بسببه مجلة اليمامة عام 1954، لنشرها إياه، لولا أنها وقعت تعهدا وقدمت الإعتذار!
مشوار النفط
بعد عودته من أميركا انخرط مباشرة موظفا في وزارة المالية، في العام 1948، وبعدها بعدة سنوات عُيّن مسؤولاً عن مكتب مراقبة حسابات الحكومة على الدخل النفطي من شركة أرامكو في الظهران، وتلك كانت خطوته الأولى، في درب النفط (العربي)، كما يحب الطريقي أن يسميه!
في 1954 أصبح مسؤولا عن قطاع النفط في وزارة المالية بتعيينه مديرا عاماً لشؤون الزيت والمعادن بجدة، وفي 1959 كان الطريقي إلى جانب حافظ وهبة أول سعوديَيْن ينضمان لمجلس إدارة شركة أرامكو. وخلال بدايات عمله مراقبا لحسابات الحكومة على أرامكو. ودخل في خلافات عديدة مع إدارة الشركة الأمريكية الأم، حول حسابات مداخيل النفط. وفي 1960 صدر التشكيل الوزاري الجديد وأنشئت أول وزارة للنفط والثروة المعدنية، وعيّن الطريقي وزيرا لها، وفي 1962 وبعد سنة واربع اشهر من تعيينه اعفي الطريقي من منصبه.
تأسيس أوبك
يعتبر الطريقي المؤسس الرئيسي لمنظة الدول المنتجة للنفط (أوبك) وفرعها العربي (أوابك).
.
طالب بعدم حرق الغاز الطبيعي من آبار النفط وأنها طاقة يمكن استخدامها.
استرد خلال ترأسه لأرامكو - حينما كانت مجمع من الشركات الأمريكية - نصف ميزانية الدولة وعمل على إلغاء الامتيازات وزيادة حصة الدولة فيها.
ساهم بإرساء قواعد المحاصصة واشراك الجانب الوطني في العمل البترولي والذي كان سببا في إثراء الدولة .
له عدة مؤلفات ومقالات وأوراق مجموعة في كتاب "عبد الله الطريقي الاعمال الكاملة
عبدالله الطريقي: بين صخور النفط.. ورمال السياسة
عبدالله القفاري
ظاهرة الانطواء على مخزون تجربة وعمل وطني حتى الرحيل الأخير لها معنى، وهي ظاهرة تحمل دلالاتها السلبية في مجتمع تتطلع أجياله للقراءة في تجربة عمل وطني لم تعد سوى اشارات في مجالس عابرة وأحياناً تخون الذاكرة حتى محاولة استعادتها
؟ مرت المملكة بمراحل تاريخية مؤثرة ومهمة وحاسمة منذ نشأتها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، القراءة في تاريخ المملكة منذ عهد المؤسس والموحد متعة واكتشاف ودروس تاريخية تكتسب أهميتها وقيمتها أيضا من قدرتها - آنذاك - على صياغة أجندة وطنية في مواجهة التحولات والمستجدات والعوامل المؤثرة داخلياً وخارجياً.
من المراحل الأكثر أهمية التي صاغت المملكة العربية السعودية مرحلة اكتشاف النفظ وتفجر تلك الثروة الهائله على الساحل الشرقي للمملكة وما صاحبها من تغيرات في أنماط الحياة والتأثيرات الثقافية ونشوء أول طبقة عمالية حول حقول الزيت ونمو معدلات التنمية الوطنية وتوجيه تلك الثروة لخدمة مشروع وطن مترامي الأطراف.. قراءة تلك المرحله التي لم يكتب فيها الكثير على مستوى العلاقات المتبادلة بين النفط والسياسة في المنطقة.. وتأثيراتها في صياغة ثقافة تلك المرحلة بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. تبدو مهمه ولها أبعاد تتجاوز مسألة التاريخ إلى مستوى اكتشاف ملامح مرحلة وتأثيراتها والنتائج التي ترتبت عليها فيما بعد.
لا يمكن أن تذكر بدايات العمل المؤسسي في أدوار الدولة في سيطرتها على ثرواتها الطبيعية وعلاقتها بشركات النفط ومحاولة تحسين شروط الامتيازات النفطية لصالح المملكة دون أن يكون لاسم شخص مثل عبدالله الطريقي أول وزير للبترول في المملكة حضور وإضاءة في تلك المرحلة، لا يمكن الحديث عن نشأة منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) دون الإشارة لإحدى الشخصيات الفاعلة في تأسيسها.. لا يمكن الحديث عن تجاذبات النفط والسياسة في مرحلة صاخبة ومؤثرة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي دون الإشارة إلى صاحب شعار "نفط العرب للعرب"، ولا يمكن الحديث أيضاً عن انكسار الحلم القومي العربي التي أخذت من عمر شاب الكثير وهو الذي عاش عواصف السياسة ومعارك شركات النفط وصخب اليومي آنذاك، دون الإشارة إلى أحد مؤسسي مركز دراسات الوحدة العربية عبدالله الطريقي.
الأستاذ محمد السيف التقط المبادرة في كتابة أول سيرة ذاتية لعبدالله الطريقي، واعتقد أنه قدم عملاً يستحق الإشادة والإشارة، فهو كاتب سيرة متميز وباحث متقص وكتابه لا يؤرخ لشخصية فقط، بل يلقي الضوء على تحولات حاسمة من عمر المنطقة حتى تكاد تكون سيرة رجل مثل عبدالله الطريقي هي سيرة مرحلة صاخبة وغنيه ومؤثرة.
أن يعود عبدالله الطريقي للمملكة عام 1948حاملاً معه شهادة الماجستير في هندسة النفط من جامعة تكساس ومحملاً بوعي تلك المرحلة وهو يحمل في جيناته روح التحدي في بيئة بالكاد تدخل مرحلة التعليم الأولي وفي بلد يصارع للخروج من وعي القبيلة لشروط الدولة.. يعني أننا أمام شخصية مختلفة تركت خلفها آثارها ونجاحاتها واحباطاتها وانكساراتها أيضاً، واكتشاف شخصية عبدالله الطريقي ليس فقط في شهادته العلمية التي حصل عليها كأول مبتعث سعودي لأمريكا ولا في تخصصه الأكثر ندرة آنذاك.
اكتشاف شخصية عبدالله الطريقي تكمن في جينات التحدي التي يحملها داخله والتي صبغت روحه وشخصيته بالحدية والتوثب وعقله المؤمن بأمته واكتشافه المبكر لمعنى تلك الثروة ومستقبلها التي بدأت تتدفق لتعلن أن للتاريخ طفرة قادمة ستحمل معها تحديات قاسية ومتطلبات طموحات واسعة، مواجهتها تتطلب ما هو أكثر منتت قصة اختصاص أو حلم شاب مؤمن بعروبته وخياراته القومية التي كسبت مقوماتها بالشعارات - آنذاك - ولم تقدم النموذج الحلم.. حتى لحظة الانكسار التي عاد بعدها عبدالله الطريقي ليتوحد بذاته وهو يعلن حالة استسلامه لقدره ويعانق تلك الجذورة الإيمانية المعتزلة حتى اللحظة الأخيرة في حياته.
عبدالله الطريقي بما له وبما عليه، يبقى شخصية وطنية لا جدال في استحقاقه لشرف المواطنة واسهامه في العمل الوطني من أجل مستقبل بلاده، في قراءة تاريخ رجل مثل عبدالله الطريقي علينا ان نكتشف ظلال المرحلة حتى تأخذ تلك القراءة استحقاقها الوطني أولاً والعربي ثانيا.
كتاب الأستاذ محمد السيف بكل ما فيه من إعادة اعتبار ولفتة وفاء لهذه الشخصية وبكل ما فيه من لمحات جميلة ورائعة في اكتشاف أبعاد رحلة الطريقي من مرحلة التكوين الأولى إلى مرحلة الدراسة إلى العمل في مديرية النفط والمعادن إلى الوزارة ثم العمل الاستشاري وتنقلاته بين عواصم الدول العربية التي عمل فيها.. ظل - هذا الكتاب - شهادات تاريخية لكنه كان يحاذر الدخول في مفاصل مهمة وحاسمة في رحلة عبدالله الطريقي، وإذا أقدر هذا الجهد الكبير الذي بذل فيه وتلك المكابدة لتقديم تلك الصورة الوفية عن رحلة هذا الوطني الكبير، إلا أن تقديم عبدالله الطريقي على طريقة لا غالب ولا مغلوب ولا انتصار ولا انكسار ولا علو ولا تراجع.. والحذر الشديد من ابقاء تلك السيرة في منطقة الظلال المحايدة ربما افقد هذا العمل بعض بريقه وتطلع قارئه لإجابة بعض اسئلته الحائرة.
توقفت عن تساؤل الأستاذ فهد العريفي - رحمه الله - وهو يخاطب الطريقي (هل دونت مذكراتك للتاريخ لتكون مرجعاً لتلك الحقبة في تاريخ النفط)، وكم كانت الإجابة محبطة (ابداً لم اسطر حرفاً، وأنا الان يكاد الندم ان ينكد علي حياتي، وعلى استعداد أن أملي ذكرياتي على من يتطوع لكتابتها)، على مدى خمسة عشر عاماً تقريباً أصدر الطريقي مجلته "البترول والغاز العربي" وكتب فيها الكثير، لكنه للأسف لم يكتب الشيء الأكثر أهمية للتاريخ والأجيال، ثقافة التدوين للمذكرات غائبة للأسف الشديد، وهي في نظري ليست فقط قصة ذكريات ولكن تحمل معها تدفق تجربة وقراءة مرحلة وربما إضاءات نقدية مهمة لابعاد رحلة، ولذلك احترم تجربة الأستاذ محمد السيف وهو يلقي الضوء على رحلة تلك الشخصية، لكن أقدر أيضاً أنه ليس بمقدوره أن يقرأ في الدرس الأخير في سجل وعي وعقل رجل عاش حتى الثمانين من العمر وربما كان الحصاد الأكثر أهمية والدروس الأكثر قيمة هي تلك التي انطوى عليها عبدالله الطريقي حتى رحيله الصامت في القاهرة.
ظاهرة الانطواء على مخزون تجربة وعمل وطني حتى الرحيل الأخير لها معنى، وهي ظاهرة تحمل دلالاتها السلبية في مجتمع تتطلع أجياله للقراءة في تجربة عمل وطني لم تعد سوى اشارات في مجالس عابرة وأحياناً تخون الذاكرة حتى محاولة استعادتها، اقدر ان هناك تجارب ثرية لكن لا أفهم هذا التردد الغريب عند الاقتراب من حاجز الكتابة أو الاستكتاب.
من اللافت في عمل الاستاذ محمد السيف وهو يقرأ في سجل رجل مثل الطريقي، تلك الشهادات الصحفية المحلية إبان عمل الأستاذ الطريقي كمدير للبترول والمعادن أو كوزير والتي لم أقرأها بمعزل عن تاريخها الذي كتبت فيها في الخمسينيات وأوائل الستينيات، تلك النصوص تحمل في داخلها قيمة ويمكن أن تكون مادة دراسية تحليلية مقارنة بين صحافة الأفراد في الخمسينيات والستينيات وبين صحافة اليوم، أقولها بثقة إن لغة تلك المقالات من حيث المباشرة والمضمون - ولا يهم مناسباتها أو أسلوب كتابتها - أكثر تقدما بمراحل من اللغة التي تكتب بها كثير من مقالات اليوم ولكنها حتماً لم تخل من رائحة الصراع في مرحلة لها سماتها وعلاقاتها ورموزها.
لفت انتباهي مقالان في صحفية القصيم للأستاذ يعقوب الرشيد وجه فيها نقداً لاذعاً واتهاما صريحاً للأستاذ عبدالله الطريقي، عناصرها تحمل دلالات يمكن للقارئ في سجل مرحلة ان يكتشف أبعادها، إنها حالة صراع أيضاً تعبر عنها مقالات هنا وهناك ومصالح تتدافع لها أقلام وتوجهات، تلك المادة شيقة فعلاً وتحتاج من المهتمين بقراءة صحافة مرحلة أن تصبح مادة دراسية تكشف أبعاد مرحلة صاخبة ومؤثرة يتداخل فيها الوطني بالإقليمي والسياسي بالإداري والقوى الخفية بالقوى الظاهرة وتلعب فيها الصحافة آنذاك دوراً يأخذ الرأي فيها المساحة الأوسع فلم تكن صحافة خبر ولا تحقيق.
اعتقد أن انجاز عبدالله الطريقي الحقيقي لم يكن في سوى في إبان عمله في الخمسينيات والستينيات إبان صراعه مع شركات النفط لتحقيق شروط أفضل في اقتسام العوائد، وفي إنشاء تكتل الدول النفطية لمواجهة مصالح وتكتلات الشركات النفطية، واعتقد أن عبدالله الطريقي هو نتاج مرحلة وعي مبكر بمستقبل وتأثيرات النفط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لو عزلت عن سياقها النفطي لم تقدم الكثير.
عبدالله الطريقي لم يكن مفكراً ولا منظراً.. ولكنه رجل وطني عاش بين خبرته وحلمه، حمل منذ وقت مبكر الوعي بأهمية امتلاك الدولة لثرواتها النفطية التي كانت في تلك المرحلة مادة الصراع في المنطقة وعناوينها القادمة، ودعا لتوظيفها على الوجه الذي يخدم مصالحها الوطنية والقومية واكتشاف عبر جهد ذاتي دؤوب أساليب الشركات النفطية التي كانت تستهدف جني أكبر قدر من العوائد والسيطرة على صناعة النفط والأسعار وهي تتجاوز مصالح الدول والشعوب التي تملك الثروات، لكنه كان أيضاً تعبيراً في مرحلة تاريخية ما عن وعي سياسي لا بد أن يقرأ في محبط ظروف تكوينه وتشكله وتاريخيته، وهو الذي عندما اكتشف تواضع الحقائق أمام الحلم العربي الكبير وخذلان أنظمة الشعارات وتواضع الإنجاز انطوى على عزلته وصمته الطويل
ايضا................
مقال جميل للكاتب محمد آل الشيخ عن كتاب رائع وشخصيه وطنية عظيمه .
الطريقي والوطن
عن دار رياض الريس للكتب والنشر صدر مؤخراً للكاتب السعودي محمد السيف كتاب بعنوان: (عبدالله الطريقي صخور النفط ورمال السياسة). الكتاب رصد دقيق، وبلغة أدبية راقية، لسيرة رمز من رموز هذا الوطن، والمؤسسين الرواد الأوائل للإدارة البترولية في المملكة.
من (الزلفي) حيث (يطأطئ جبل طويق الشهير هامته) - كما يقول المؤلف - ابتدأت مسيرة هذا الرجل، لتمر بمحطات جغرافية وعلمية وعملية متعددة، ابتدأت بجامع الزلفي الكبير طالباً عند المطوع (ابن عمر) الذي علمه الحرف الأول في مسيرته العلمية، فالكويت والمدرسة الأحمدية، فالهند، فالقاهرة وثانوية حلوان، وبعدها جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً)، ثم أمريكا و(جامعة تكساس) في مدينة أوستن، وفي الختام العمل في أرض الوطن حتى نال شرف تأسيس وزارة البترول والثروة المعدنية وكان أول وزير لها؛ ولتنتهي هذه المسيرة العلمية الغنية والعملية بمقبرة النسيم في الرياض حيث مثواه الدنيوي الأخير، بعد تاريخ حافل ومليء بالإنجازات الوطنية، سيتحدث عنها مؤرخو التنمية في هذه البلاد طويلاً.
من يقرأ الكتاب سيلحظ أن مؤلفه بذل فيه جهداً كبيراً، وبحث ونقب عن كل شاردة وواردة في حياة هذا الرمز، وسافر والتقى بأصدقائه ومعاصريه خارج البلاد إضافة إلى من هم في الداخل، وانتهى بعد هذا الجهد إلى هذا الكتاب (الثري)، والذي سيبقى أحد المراجع الهامة لتاريخ صناعة النفط في هذه البلاد للأجيال القادمة.
وأنا هنا سأتحدث على وجه التحديد عن نقطتين وجدت أن عبدالله الطريقي تميّز بهما، وهما جديرتان بأن يسلط عليهما الضوء ويُحتفى بهما، وهما تتعلقان بذوبان (الأنا) عند هذا الرائد في الأرض والهوية الوطنية، في زمن أصبحت (الأنا) تتقدم على الوطن، و(الذات) وإيثارها تحتل في ممارسات البعض محلاً بارزاً، لتصبح الأرض - بالتالي - قضية ثانوية أمام انتفاخ الذات، عبدالله الطريقي عندما يتحدث عن إنجازاته لا ينسبها لنفسه، وإنما ينسبها لبلده الذي كان يشغل فيه منصباً وظيفياً، سواء عندما ترك المنصب، وعاش وعمل خارج البلاد أو عندما كان في المنصب، الموقف ذات الموقف، لم يتغير ولم يتبدل. وكان في اختلافه مع بعض قرارات الحكومة عندما ترك عمله الوظيفي يؤكد هذا الموقف ولا يحيد عنه قيد أنملة. يقول - مثلاً - في رد له في جريدة (الرأي العام) الكويتية بعد أن ترك منصب وزير البترول كما جاء في الكتاب: (قضية المحاسبة على أساس السعر المعلن أثارتها السعودية في مؤتمر البترول الثاني عام 1960م، ومسألة تنفيق العائدات أثارتها السعودية في مؤتمر البترول الثالث، ومسألة تحديد الإنتاج بحيث يتناسب مع الطلب في الأسواق أثارتها المملكة).
وعندما سأله أحد الصحفيين عن موقفه المختلف مع حكومته بعد خروجه منها قال: (أنا أنتقد حكومتي لأنهم بني وطني وأهلي وعشيرتي وأنا أهتم ببقائهم. أنا أعيش في السعودية، وأقول للحكماء ماذا أفكر فيه أمامهم، هذا لأني قلق عليهم وليس لأني ضدهم)!!
ويقول المؤلف: (وحينما تحدث السيد أحمد زكي يماني، خلفه في وزارة البترول والثروة المعدنية عن المشاركة، وأنها كانت (حلمه) الأول، كتب الطريقي في افتتاحية مجلته (نفط العرب) قائلاً: (يحلو للسيد أحمد زكي يماني أن يتفلسف أحياناً ويقول إن المشاركة كانت (حلمه) الأول منذ البداية، والذين كانوا يتابعون الأحداث النفطية في الخمسينات يعرفون أن (السعودية) كانت قد رفعت شعار المشاركة من البئر إلى السيارة، وأنها قد حققت ذلك في اتفاقيتها مع الشركة اليابانية في نهاية الخمسينات).
ورغم هذه الذهنية المتقدة بكل ما هو (عملي) ووطني في الوقت ذاته، فلابد من القول إن (النزعة) الناصرية الديماغوجية التي اتسمت بها بعض مواقف وكتابات الطريقي كانت قد (أساءت) له عند كثيرين، وكاتب هذه السطور واحد منهم. غير أنني بعد أن تأملت مواقفه، وقرأت بعض المقاطع التي أوردها المؤلف في الكتاب عن بعض مقالاته ومواقفه من الناصرية، وجدت أن أهمية عبدالله الطريقي كرمز ورائد تكمن (حصراً) في أنه واحد من أهم (التكنوقراط) السعوديين تاريخياً، وعندما يخرج الطريقي في الرؤية والكتابة والتنظير عن (الشأن التكنوقراطي) المتخصص، فليس ثمة ما يُميزه عن متعلمي الحقبة الزمنية التي ينتمي إليها، حيث الإيديولوجيات العروبية آنذاك، ومنها الناصرية، تأسر بوهجها وإعلامها الجميع بمن فيهم التكنوقراطيون السعوديون. ومن الظلم وعدم العدالة (محاكمة) مواقف الطريقي على أساس نتائج اليوم، بعد أن اتضح للجميع (عوار) الناصرية، وكوارثها، ليس على مصر فحسب، وإنما على المنطقة برمتها.
ومن أهم ما يلحظه القارئ في حياة عبد الله الطريقي العملية، وما اشتهر عنه، حسه الوطني و(أمانته) عندما كان يؤدي عمله في وزارة البترول والثروة المعدنية. فالطريقي - مثلاً - عندما كان يختار موظفيه والعاملين معه كان يختارهم حسب (الكفاءة) إلى درجة التطرف أحياناً، فالكفاءة هي التي تهمه قبل أي شأن آخر، ولعل من أهم تشوهات العاملين في الجهاز البيروقراطي الحكومي في المملكة عندما يختارون موظفيهم كانت - وما تزال للأسف - تقديم القرابة، و الانتماء المناطقي، أو الانتماء للبلدة أو للقرية، على الكفاءة، وأحياناً الخبرة والتجربة، بشكل يخل بالأمانة، الطريقي ضرب بهذه المفاهيم الخاطئة عرض الحائط، ورفع شعار (الكفاءة أولاً)؛ وهذا يؤكد ما ذهبت إليه في الحلقة الأولى من هذا المقال من أن هذا الرمز تضمحل لديه (الأنا) على مختلف مستوياتها ليصبح الوطن هو (ذاته) التي يعمل دائماً على نصرتها وتأكيدها. ورغم أن هذه الخصلة قد شاعت واشتهرت في سيرته العملية، إلا أن المؤلف لم يعرها - في رأيي - ما تستحق من الاهتمام.
ويورد مؤلف الكتاب حادثة تحمل كثيراً من الدلالات، وتؤكد مدى أمانة الرجل، وإيثاره مصالح وطنه على مصالحه الشخصية؛ عندما عرضت عليه في فندق السان جورج في بيروت (رشوة) بلغت رقماً وصل إلى ملايين الدولارات مقابل (صمته) على تجاوزات شركات النفط غير أنه رفض - كما يقول المؤلف - مقدماً المبادئ على المال. ومهما تكن تحفظات المشككين في صحة هذه الرواية، إلا أن معاصري الطريقي قد أثبتوا نزاهته، وزهده في المال. يقول - مثلاً - معاصره (علي محمد فخرو) الوزير البحريني في شهادته التي أوردها المؤلف وهو يتحدث عنه: (وهذا يقودنا إلى شعوري الدائم في كل جلساتنا بأننا كنا أمام إنسان شبه متصوف، لا يريد من الدنيا إلا ضرورياتها). ويقول (الشيخ عبد العزيز التويجري) معلقاً على وثيقة أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بابتعاث الطريقي وأحد زملائه للدراسة في أمريكا كما جاء في الكتاب: (عرفنا المرحوم عبدالله الطريقي معرفة تامة، وعرف الناس أجمع فيه النزاهة، والإخلاص، والرجولة في التعبير عن آرائه. تولى وزارة البترول وخرج منها طاهر اليد والضمير، عاش البساطة إلى أن توفاه الله). ومهما يكن الأمر فإن الطريقي - بلا شك - لم يحاول أن يستغل منصبه ومكانته في صناعة القرار النفطي (للإثراء) غير المشروع، ولا بد أنه قاوم كثيراً من الإغراءات من قبل شركات النفط، وعاش كبيراً ومخلصاً ونقياً وأميناً، وسيبقى في التاريخ كذلك بكل تأكيد.
ولا يمكن الحديث عن عبد الله الطريقي دون التطرق إلى دوره في إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي كان الطريقي ومعه وزير النفط والتعدين الفنزويلي (خوان بابلو بيريز الفونسو) مهندسي تأسيس هذه المنظمة، بعد أن اجتمع الاثنان لأول مرة في نادٍ لليخوت بالقاهرة - كما جاء في الكتاب - وصاغا ما عُرِفَ فيما بعد (باتفاقية السادة)، التي كانت الأساس الذي انبثقت عنه المنظمة ذائعة الصيت (أوبك). كانت أوبك من أهم المنظمات التي أقيمت لحماية حقوق الدول المصدرة للنفط في وجه الشركات والدول المستهلكة، في حقبة من الزمن كانت فيها السيطرة تكاد أن تكون شبه مطلقة للشركات والدول المستهلكة. يقول الطريقي بعد عام من تأسيس هذه المنظمة كما جاء في الكتاب: (ونحن نعتقد أن وحدة التفكير البترولي وتنظيمه وتوحيد أساليبه كفيل بإيجاد حل للمشاكل المعلقة منذ سنوات، كما نعتقد أنه بمزيج من الحنكة والحكمة تستطيع مؤسسة الدول المصدرة للبترول أن تخرج إلى العالم المتمدن الذي يستفيد من هذه الثروة الطبيعة بروح جديدة من المشاركة في خيراته على أساس من العدالة والتعاون). وها نحن اليوم وعلى بعد أكثر من أربعة عقود من تاريخ تأسيس هذه المنظمة نحكم أن (استشرافه) للمستقبل آنذاك كان استشراف ورؤية خبير متمكن، وكان كزارع الزيتون الذي كان يزرع ليقطف الأبناء والأحفاد ما تغرسه يداه.
وسوف أختم بمقولة تحمل كثيراً من الدلائل للدكتور روبرت فيتالس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا في أمريكا، يقول: (كل من يرغب الاطلاع على تاريخ العالم العربي، كيف كان في السابق، وإلى أين يتجه، عليه أن يقرأ حياة الطريقي الذي يستحق أن يكون موضوعاً لعديد من الأطروحات والكتب الوثائقية). ولعل هذا الكتاب الذي أتحدث عنه هنا يكون باكورة أعمال بحثية أخرى لا حقة تتحدث بشكل تخصصي وتفصيلي عن إنجازات عبد الله الطريقي في صناعة النفط في المملكة.
--------------------------------------------------------------------
نعم هذا هو عبد الله بن حمود الطريقي اول وزير للبترول بالمملكة العربية السعودية المسمى بالكنز المفقود
رحمة الله تعالى فقد توفي في عام 1997 في مدينة القاهرة ودفن بمقبرة النسيم بالرياض عن عمر ناهز الثمانيين
نعم انها رحلة من العناء اثمرت عن انجازات جعلت المملكة العربية السعودية من الدول العالمية والتي لا يشق لها عبار في تصنيع النفط