المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حمزه المزيني يهاجم حسن مفتي في مقاله اليوم


الناقد1
12-04-07, 02:28 pm
http://www.u11p.com/folder3/U11P_ua9T2vBnoU.jpg

حمزة قبلان المزيني
هذا بعد ماذا؟
نشرت صحيفة "الحياة" الأسبوع الماضي مقابلة طويلة مع واحد من أشهر كتّاب منتدى "الساحات السياسية" المتطرف. ذلكم هو من سمى نفسه بـ"الخفاش الأسود"، وهو أحد الأسماء الكثيرة التي يستخدمها، وآخرها: حسن مفتي.
وقد فاق "الخفاش الأسود" أقرانه في ذلك العالم الموحش بالبذاءة المفرطة وانتفاء الورع عن قول الزور والتطاول على الناس. وأغراه بذلك أن التفَّ حوله جيش كثيف من المناصرين الذين يتلقون ما يقوله بالتسليم والتطبيل، وأن أحدا لا يستطيع الرد عليه إلا إن كان يستطيع الدخول إلى تلك العوالم الخفية، وهو ما يصعب على غير المبتلين بها المتلذِّذين بممارساتها غير الأخلاقية.
وزعم في المقابلة أنه اعتزل ما كان عليه من شطط وصل فيه إلى حدود غير معقولة في التجني على فئات كثيرة من المواطنين السعوديين. ووصف الفترة المبكرة التي كان فاعلا فيها بأنها "تتسم بعدم الموضوعية وتجاوز جميع الخطوط الحمر... والإسراف في نقد الدولة ونقد أشخاص معينين...".
كما اعترف بأن "العدل أحيانا يغيب (عما يكتبه) إما لقصور في النظر، أو لضغوط معينة..."، وأن ما يحرِّكه "أحيانا يكون انبعاثا شخصيا مغلفا بالغيرة الدينية، وأحيانا يكون انتصارا للنفس، وهذا موجود وبكثرة في مقالاتي، ولا أنكر هذا". وسبب ذلك كله أنه لا يجامل في مبادئه الأخلاقية فضلا عن مبادئه الدينية!
ومع ما ارتكبه من تجاوزات في ذلك المنتدى، يقول إنه "لا يحمل حقدا على أحد"، وإن حدة مقالاته "... تنتهي بانتهاء المقال، ولو قابلت خصمي في الشارع لما ترددت في السلام عليه طالما أن ديننا واحد!".
ولم ينس في تلك المقابلة أن يعظ كتّاب الإنترنت بأنه "ينبغي على الإنسان ألا يقوِّم الأشخاص وفق موقف يراه أو يتخذه، وألا يتهم أحدا في نيته أو مبادئه أو عقيدته، بسبب وجهة نظر يتبناها، ولكن يجب تغليب جانب حسن الظن بالناس دائما". وأنه "ينبغي التعاطي بموضوعية مع الأحداث، وعدم التسرع، وضبط النفس، وتقوى الله تعالى في إصدار الأحكام، والجانب الأهم الذي نغفل عنه جميعا هو جانب محاسبة النفس..."!
ويأتي اعترافه واعتزاله متأخرين كثيرا، ومع ذلك فربما يكونان بداية جديدة لمسار صحيح، لو صدق فيهما. لكن هناك ما يشهد بأن هذا أقرب إلى المحال. وسيخيب أمل قراء المقابلة والنصائح التي أسداها لأتباعه، وتمنوا أن يكون صادقا فيها وفي مغادرته ذلك العالم المظلم. ويتبين هذا من رسالة نشرت في "الساحات السياسية" نفسها يزعم أحد رفقاء دربه أنه تلقاها منه بعد نشر المقابلة.
وتتضمن الرسالة بعض التوضيحات عن قراره الاعتزال. وأهم من ذلك ما تضمنته عما ينوي أن يفعله بعد خروجه من ظلمات الساحات السياسية إلى النور والعلن، فيقول:
"موقفي من التيار العلماني المتأمرك، أو التيار العلماني الشهواني، مع أنهم لا يشكلون في حقيقة الأمر تياراً يشار إليه أو يعبأ به، أقول كان موقفي منهم ولم يزل حتى ألقى الله على هذه العقيدة، العداوة القائمة على أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، من البراءة والحرب، والتقرب إلى الله ديانةً بفضحهم وهتك أستارهم والسخرية بهم وتسفيه أحلامهم، ومقارعتهم بالسنان واللسان، وعقيدتي فيهم قائمة ولم تزل على قول الله جل وعلا (هم العدو فاحذرهم) و(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) و(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون).
وأن الحقد الذي أكنه في قلبي عليهم لا يعدله حقد امرئٍ على وجه البسيطة، وأن جهادهم بالهتك والفضح عندي هو أعظم من جهاد الكفار على مختلف الجبهات، وأن حربي السابقة معهم في هذا المنتدى كانت بالأسلحة التقليدية (أقولها مجازاً) أما حربي اللاحقة معهم بحولٍ من الله فستكون بالأسلحة النووية وباسمي الصريح وصورتي، سأحرص على جمع كل كلمةٍ ورصد كل خبرٍ عنهم، وشهود كل محفلٍ، وتقييد كل نفسٍ، ولن أوفر فرصة تسديد اللكمات إليهم، ما خفق في فؤادي نبض، وما جرى في وريدي دم، وعلى هذه العقيدة ألقى الله بحولٍ من الله وأسأله الثبات عليها".
ويعني هذا الخطاب العنيف أن التغير الذي يزعمه ربما لا يتجاوز توقُّفه عن التعرض للحكومة لخوفه من عواقب ذلك، أو "لخجله" من التعامل الإنساني الراقي الذي عامله به بعض المسؤولين فيها، إن صدق.
أما تطرفه المعهود فلن يتخلى عنه، بل سيستمر فيه وسينضم إلى أولئك الذين دأبوا على تصنيف الكتّاب والمثقفين السعوديين ورميهم بأبشع التهم الكاذبة التي تصل إلى حد الخيانة الوطنية. فهو سيكون، إذن، عضوا فاعلا في الثقافة الإقصائية التي شكونا منها طويلا، وهي التي لا يتورع أقطابُها عن استخدام الوسائل جميعها في سبيل الانتصار للنفس وزرع الشقاق والضغينة في مجتمعنا.
لهذا لا يمكن أن نحمل نصائحه المجانية لكتّاب الإنترنت بتقوى الله والعدل وعدم اتهام الناس على محمل الجد، لأنها لا تعني شيئا، وسيكون أول المنتقضين عليها. وهي لا تعدو أن تكون بقايا من خطاب تعوَّد عليه من غير أن يترك أثرا على سلوكه الذي ينافي هذا الخطاب.
وتنبع تلك النصائح التي لم يعمل هو نفسه بها من صفة التناقض التي يبدو أنها متأصلة فيه. ومنها التناقض الجذري بين التعاليم الإسلامية التي توجب التقوى والممارسات التي كان يلتذ بها إذا خلا إلى مفاتيح الحاسوب.
ومن شواهد هذا التناقض ما يعرفه القراء الكرام الآن، إذ كان إماما لأحد المساجد في الرياض، وكان يصلي بالناس ويقرأ عليهم من القرآن الكريم ما يتنافى، تنافيا جذريا، مع ممارساته الخفية. وخَدع بمظهره وسلوكه الظاهر جماعةَ ذلك المسجد فاكتسب ثقتهم واطمئنانهم إلى إمامته. لكنه لم يأبه يوما بما كان يرتكبه من غش لهؤلاء المؤمنين الذين ينصتون إلى قراءته ويأتمون به ويحسنون الظن به. ولم يحمله ذلك يوما على أن يتوقف ليحاسب نفسه عن هذا الغش البيِّن لجماعة المسجد.
وهناك ما هو أكثر إيلاماً وأبشع غشاً.
فقد كنت واحدا ممن يصلُّون خلفه طوال السنة الماضية، وأنا لا أعرفه، وكان يراني أصلي مؤتما به. وكان "يتفضل" أحيانا بإلقاء السلام عليّ وأنا جالس في انتظار الصلاة، أو وأنا داخل إلى المسجد أو خارج منه.
لكنه كان يرجع إلى بيته ويكتب عني أبشع ما يمكن أن يُكتب. فقد كان ما يكتبه عني، وعن غيري، مشحونا بالشتائم البذيئة والألفاظ النابية، والتشبيه بالحيوانات، ولم يكن يتورع عن السخرية بخلقة الناس وألوانهم. وكان يكذب علي ويتهكم كثيرا بي. وكان فاعلا مؤثرا في تأليب المغرضين علي حتى أدى ذلك إلى ما يعرفه الناس الآن.
ويضاف إلى قدرته على التعايش مع التناقض بين شخصية الإمام المتبتل وكاتب الإنترنت الذي لا يقيم للأخلاق وزنا أنه لم يرع حق الجار، مع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفى الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه. ولم تمنعه المروءة كذلك من التعرض لجاره بسوء خاصة أنه يراه في المسجد عند كل صلاة. فأية أخلاق بعد هذا وأية مروءة؟!
ووصل غشه إلى وزارة الشؤون الإسلامية، فقد خدعها بما يظهر على سمته من مظاهر ارتبطت في أذهان الناس بالصلاح والاستقامة، وهو ما جعلها تُقصِّر في استقصاء تاريخ حياته التي تشهد بتلبسه بالتطرف اللفظي، في الأقل، وهو من أشد أنواع التطرف.
أما اعترافه بأنه يعاني من الاندفاع وعدم القدرة على كبح جماح نفسه مما وصل به، كما يقول، إلى "... تجريد إخوة لنا من دينهم ومعتقداتهم..." فشهادة مهمة على أن من المستحيل عليه أن يتغير.
ليس قصدي من الكتابة عن هذه الشخصية المتناقضة الانتصار لنفسي، لكني أردت أن أبيِّن أن قدرة (حسن مفتي) "الخفاش الأسود" على التعايش لفترة طويلة مع التناقض بين تعاليم الإسلام التي تثمر التقوى والعدل وبين ممارساته التي تخالفها وتخرج عليها إنما تمثل دليلا على أن "الصحوة المباركة!"، وهو أحد ضحاياها، ليست إلا مشروعا سياسيا اتخذ من الإسلام أيديولوجيا للهيمنة. ومن أهم ما يميز هذه الأيديولوجيا أنها فصمت العروة الوثقى بين التدين والأخلاق. فقد تحوَّل التدين عند كثير من الناس، بسببها، إلى مظاهر وممارسات طقوسية خارجية آلية تخلو من الروح ولا تباشر القلوب ولا توجِّه السلوك، خاصة ما يتصل منه بالتعامل مع الناس، بالإضافة إلى تحويلها الدين إلى شعارات سياسية لمنازلة الخصوم المتوَهَّمين.
كما تؤكد ظاهرة "الخفاش الأسود" أنه لا يزال أمامنا، مع الأسف، طريق طويل حتى نحقق ما نأمله من "... مواجهة ظاهرة الإرهاب في جذورها الفكرية، وسياقها الاجتماعي..."، كما جاء في البيان عن جلسة مجلس الوزراء الموقر هذا الأسبوع.

*أكاديمي وكاتب سعودي

الــمــصــدر (http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2386&id=69&Rname=25)