المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هنا بغداد!


hedaya
22-01-07, 06:31 am
لما بدت لي بغداد من كوة الطيارة، تلوح في وهج الظهيرة. كأنها حلم الوصال يلوح لعاشق، أقبلت أنظر إليها من خلال الزجاج، وأقبل الماضي، ماضي بغداد، ينظر إلي من خلال السنين وارتدت بي الذكرى ألفا وخمسمائة مرحلة في طريق الزمان، ثم وقفت بي أشاهد مواكب الأيام موكبا إثر موكب، كفلم في سينما تعرض فصوله (قصة بغداد) ولو كنت أستطيع أن أعرض الفلم كله لأحسستم أنكم تعيشون معي في قلب التاريخ وتحيون معي أشخاصا في هذه القصة العبقرية التأليف والإخراج... عبارات قالها الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عندما وصل بغداد

وهل يمكن وصف بغداد وشمس السلام تسطع عليها.. بعد أن شيدت حضارتها وبنت مجدها.. في كل تاريخها.. فصارت كما قال الله عز وجل (( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ))

هنا بغداد دار السلم والقيم هنا.. بغداد مهد النور والقلم
فعندما تستنشق هواءها.. ستنستنشق عبق الماضي وأصالته .. وروعة الأمس ومجده..

ولكن .. لا يمكن للحياة أن تسير على وتيرة واحدة .. فقد حصل موقفين لبغداد الأبية لا يمكن أن تنساها الأيام ولا أن تمحوها الساعات.. سجلت بغداد فيها أجلّ المواقف والبطولات التي جعلت العدو يرجع ذليلا خاسرا.. وذلك:
( عندما دخل المغول بغداد في الخامس من صفر 656هـ 1258م بعد مقاومة عنيفة , وفتكوا بأهلها سبعة أيام أو تزيد , وتم تخريب المدينة وحرقها وقتل سكانها وبذلك انتهى الحكم العباسي)
( فهاجم المغول المدينة واحتلوا دار الخلافة, واسروا الخليفة, وأجبروه أن يبوح لهم بمواضع الذخيرة أو الدفائن السرية, وبعد ذلك أعدموه بخنقه بين الزرابي, وذلك لأن المغول كان لديهم خوف موروث مصدره خرافي من إراقة الدماء الملكية)

وها نحن الآن في القرن الحادي والعشرين الميلادي, وأمريكا على أسوار بغداد..
اقتحمت القوات الأمريكية أمس ( السابع من نيسان - الخامس من صفر ) قلب بغداد, وهاجمت القصر الجمهوري في المجمع الرئاسي الذي يضم مباني رسمية عدة, واحتدمت المعارك للسيطرة عليه لساعات ..)

كان الخامس من صفر في المرتين يوما عنيفا في تاريخ بغداد شهدت فيه دماءا وأشلاء ودمارا.. ولكن الحر لا يستسلم مهما كانت الظروف.. ففي المرة الثانية ومع طول المدة وتجبر المعتدي ثلاث سنوات في أرضها اعترف بمصادر رسمية (وهو الذي يعرف في العالم أنه الدولة العظمى ) أنه إن لم ينهزم فهو لم ينتصر في العراق وقد خسرت دولته أكثر من 3 آلاف قتيل و450 مليار دولار..


http://img444.imageshack.us/img444/2517/baghdadwl6.jpg


ثم ترك العراق في حالة فوضى ولم يحقق أي هدف من عدوانه..
نعم .. إن مقاومة أبطال العراق هزت أعظم دولة في العالم التي باتت لا تعرف كيف تنسحب من هذا التيار الذي دخلته بثقة تامة من النصر..
حتى إن التيار الذي يرفض و يدين حرب العراق قد طغى على التيار الذي يوافقها ..
في قناة الجزيرة قالت أم بريطانية ذهب ابنها لحرب العراق.. ( أدرك أن ابني ذهب ليقتل من أجل لا شيء ..إنهم يبذلون قصار جهدهم ليرسلوا الأبرياء ليموتوا هناك )

ولكن .. كما كتب الشيخ علي الطنطاوي عن بغداد بعد أيام التتار كلمات توقد الأمل في النفوس: (( ونهضت بغداد من سقطتها، ووقفت بغداد على قدميها، وبُعثت بغداد من جديد، فإذا هي اليوم أجل جلالا، وأوسع سعة، وأكثر سكانا، من بغداد الماضي )) فكذا سيكتب التاريخ عن نهضتها الثانية..

رباه .. فامنن عليها وعلينا بنصر قريب .. واجعل أعيننا تقر برؤيتها عزيزة صامدة مسالمة ..

وأنتم أيها الشعب المسالم .. سلاما لكم
سلاما لبطولتكم وأمجادكم .. سلاما لصمودكم .. وسيعود الفجر والنور ليعمر دياركم .. و.. سلاما بغداد




مصدر: كتاب بغداد (علي الطنطاوي)
مصدر: كتاب نحن والغرب على ضوء السنن الربانية نموذج العراق وأمريكا (منير الغضبان )






هداية