المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دعوةٌ إلى الائتلاف ونبذِ أسباب الفرقة


ناصرالكاتب
21-01-07, 04:14 pm
بسم الله الرحمن الرحيم

لا يشك عاقل في أنَّ الفرقةَ في الدين من أعظم مصائب الأمَّة؛ إذ إنَّ في الافتراق إضعافٌ للجماعة، وجماعة الحق إن ضعفت عجزت عن تحقيق الكثير من مصالحها. قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، وعن مجاهدٍ في قوله تعالى: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قال: «نصركم، وقد ذهب ريحُ أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] حين نازعوه»اهـ [فتح القدير: تفسير سورة الأنفال].

وللاجتماع أسباب، وللفرقة أسباب، ولعلي أقف عند بعض أسباب أولئك، فأقول:

1- الإخلاص والتجرُّد لله عزَّ وجل، فإن فسَد القصدُ فسَد العمل.

2- العلم، فالجاهل يقع في المحظور لظنِّه أنه مشروع، ويعترض على بعض الشرع لظنِّه أنه ليس من الشرع.

3- إنَّ الأخذ بهذا الدين العظيم كله هو من أعظم أسباب الاجتماع على الحق، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله –بعد ذكره لآياتٍ في النهي عن التفرق وبيان أسبابه-: «...فظهر أنَّ سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به ظاهرًا وباطنًا» [أضواء من فتاوى شيخ الإسلام: 1/ 27].

وقال عن سبب الفرقة : «وسبب الفرقة ترك حظ مما أمرَ الله به العبد، والبغي» [المصدر السابق].
قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الشورى:14].
قال الشيخ: «والبغي إمَّا تضييع للحق أو تعدٍّ للحد؛ فهو إمَّا ترك واجب، أو فعل محرَّم»اهـ [السابق: 1/ 25].

4- الاعتصام بالكتاب والسنَّة سبب من أعظم أسباب الاجتماع، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] فالاعتصام بحبل الله نجاة وعصمة.
والتفرق في الدين منشأه الإخلال في الاعتصام بالدين. قال الشوكاني رحمه الله: «ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين» [فتح القدير تفسير هذه الآية].

ومن أسباب التفرق: الإحداث في دين الله قال ابن تيميَّة: «البدعةُ مقرونةٌ بالفرقة»اهـ.

5- ومن أسباب الاجتماع التناصح، وردم منكر العقائد والأعمال.
قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 104 ، 105].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «ينهى تبارك وتعالى هذه الأمَّة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع قيام الحجة عليهم». [تفسير ابن كثير لتلك الآيات].

ومن أسباب الفرقة: ترك النصيحة، والسكوت عن الأفكار المحدَثة التي إن تُرِكَتْ تبنَّاها طوائف تفترق عن جماعة الحق بما انتحلت وتبنَّت.
قال الخطَّابي –رحمه الله-:
«...لو تُرِكَ النَّاسُ متفرِّقِين؛ لتفرَّقَتْ الآراء والنحل، ولكثُرت الأديان والملل، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول، وهذا والله الذي عابَه الله عزَّ وجل من التفرُّق في كتابِه»اهـ.


[عن كتاب: «زجر المتهاون بضرر قاعدة (المعذرة والتعاون)» تأليف حمد العثمان، ومراجعة الشيخ صالح الفوزان، وتقريظ الشيخ عبد المحسن العبَّاد].

6- ومن أسباب الاجتماع: الرفق؛ فكما أنَّ النقد منهجٌ شرعي، فالرفق –أيضا- منهجٌ شرعي؛ فما جُعِل الرفق في شيء إلا زانه، ومن الرفق: مراعاة مدارك الناس، وشرح المقدمات التي تمهد العقل لإدراك الحقائق.

ومن أسباب الفرقة الأخذ بالعنف، وعدم التفريق بين الجاهل البسيط والمجادل العنيد.

7- ومن أسباب الألفة والاجتماع: العفو والتسامح مع من أخطأ في حقك، فعليك أن تعتذر له وتعفو عن زلته، وإن كان سفيهًا فأعرِض عن سفهه قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].

وأما التسامح مع من أحدث في الدين والتغاضي عنه؛ فليس لك إذ هو من حقوق الدين، لا مِنْ حقوقك أنت!
[وانظر: سلسلة شرح الرسائل، للفوزان: 25، وما بعدها]

8- من أسباب الاجتماع: التثبت من الشائعات، ومن أسباب الاختلاف المذموم: تناقل الشائعات، والتعويل عليها؛ دون تثبُّتٍ.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6]. قال قتادة: فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «التبين من الله، والعجلة من الشيطان» [توفيق الرحمن في دروس القرآن لآل مبارك: (4/ 130)].


هذا ما تيسَّر ذكرُه، فعلينا أن نتمسَّك بأسباب الاجتماع الحقيقية؛ كالإخلاص، والعلم، الاعتصام بالوحي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونبذ البدع ومجانبة أصحابها.

وأنْ نتقي أسباب الفرقة؛ كالهوى، والجهل، والبدع، والسكوت عنها والتهوين من أمرها، والحسد، وعدم التبت من الشائعات...

فإن حصل شيء من الخلاف عملنا بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59].
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

ناصر الكاتب
أُعِيدَ تحريره في:
2 / 1 / 1428هـ.

لمبة شارع
22-01-07, 12:52 am
مثل هذه الرسالة ينبغي ان تعلو ماسواها

امرؤ القيس
22-01-07, 01:13 am
نشكر لك هذه الكلمات التي تنير الطرق لنا

عبدالله الحلوه
22-01-07, 12:55 pm
بارك الله فيك وفيما كتبت اخي ناصر

تقبل تحياتي