العودة   منتدى بريدة > المنتديات الأدبية > ديوانية الشعر والأدب

الملاحظات

ديوانية الشعر والأدب كل مايتعلق بالشعر والأدب من نظم الكاتب أو من منقوله

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 23-04-07, 10:10 am   رقم المشاركة : 16
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(14)

لاح هلالُ محرم كقاربٍ وحيد تائهٍ في لجة لا متناهية من الظلمات....
بدت السماء شاحبة، مائجة كمحيطٍ في عينيها السوداوين...
ابتعدت عن النافذة وهي تتنهد، وجلست على حافة السرير تنظر للباب بإستغراق...
أتجرؤ؟!!
و وقفت على قدميها بتصميم...توجهت إلى غرفته و رفعت أناملها لتخدش بابه...وقبل أن تطرقه انفتح على مصراعيه ولاح لها صاحب العينين الخضراوين..تبخرت شجاعتها وهي تتراجع للوراء، أخفضت يدها وضمتها خلف ظهرها وهي تطرق للأرض.
قالت بسرعة وبصوتٍ هامس:
- أريد أن أزور خالي إن لم يكن لديك مانع.
وعادت لتتنهد وكأنها أزاحت حملاً ثقيلاً عن صدرها...
وانتظرت رده لكن لا جواب...
وأخيراً رفعت رأسها إليه بتوجس....
كان يجول ببصره حول ملابسها المكونة من قميص وبنطالٍ أسودا اللون ما خلا من ورود بيضاء صغيرة ناعمة زينت حاشيته...
خشيت أن يطلب منها أن تغير ملابسها كما حدث في ذلك اليوم، لكنها لن تقبل هذه المرة، هذا من معتقدات مذهبها بل من صميمها ولا يحق له أن يفرض رأيهُ عليها...
و رفعت نظرها إليه بتحدي لكن عيناه بدتا حينها خاويتان من أي تعبير، سأل بجمود:
- الآن؟!
- أ...لا، بل في الغد، كلهم يجتمعون يوم الجمعة.
وأوصد غرفته ولم يعلق وكأن في صمته الإجابة، فشعرت بالإحباط دون أن تدري السبب..
وسار عنها وهي تتابع خياله، فنادته بإنكسار :
- عمر!!
التفت إليها وهو يرفع حاجبيه بتساؤل:
- نعم؟!
ولم تدر ما تقول وحين أحست بطول صمتها أردفت:
- أريدُ أن أذهب هناك طيلة الأيام العشرة من محرم.
- لا مانع لدي حتى لو بقيتِ لديهم للأبد !!!
وصفق الباب خلفه..

أينما رأته تحاشته وأخذت تمكث ساعاتٍ طوال في غرفتها على غير العادة، حتى أن "ناصر" لا حظ ذلك...
- ما بك؟!
- لاشئ..
- هل أنتِ مريضة؟! أتريدين أن أذهب بك إلى الطبيب؟
- قلتُ لك ليس بي شئ.
ونهضت من سريرها لكأنها تريد أن تثبت ذلك...
ابتسمت ابتسامةً باهتة و هي تقترب منه، وجلست على الكرسي بمحاذاته....
سألته بلطف:
- ماذا تقرأ؟!
- كتاب..
- ألا تسأم من قراءة هذه الكتب، أنا أفضل قراءة المجلات..
وأطبق ما بيده وهي يقول بتفكير:
- كيف أقولها لكِ يا عزيزتي، ولكن من المعروف- واعذريني- أن النساء رؤوسهن فارغة!!
- أنا رأسي فارغ!!
و مدت يدها لتضربه على صدره لكن قلبها لم يطاوعها فمست كتفه وكأنها تمسُّ ريشة، ردت بعتاب:
- هذا وأنا زوجتك وأمامك تهينني!!
- أبداً هذه ليست إهانة وإنما حقيقة..
وضحك بخفوت، أما هي فنظرت إليه بغضب في بادئ الأمر ثم ما لبث أن تلاشى وهي تراه يبتسمُ لها معتذراً:
- كنتُ أمزح معك..
- لا تتعب نفسك فلن أسامحك. ردت بدلع.
- هيا "شيووم" أنا آسف.
- تريدني أن أسامحك؟!
- هذا جل ما أتمناه.
- إذن أحضر لي هدية.
- فقط؟!
وأشار بأصبعه إلى عينيه وهو يقول لها بحنان:
- لو طلبتِ عيني فلن أتأخر..
نظرت إليه بحبٍّ جارف تجاوز حدود المكان والزمان...
كيف أغفلته، كيف سهت عنه، كيف لم تقدِّر ذلك القلب الذي طالما أغرقها بحنانه، بدفئه...
كيف تناست هذا كله في ذروة رغبتها بطفل!!!
وأخذ يتحدث و يعلق ضاحكاً وهي لا تسمع فقط تراقبه، تتأمله، هذا هو زوجها، أمسها ويومها ومستقبلها..
هو كل شئ بالنسبةِ لها، كل شيء...
وانتبه لشرودها فعلّق:
- بمن أنتِ سارحة الآن، أعترفي؟!
- لن أخبرك.
- إذن سأكمل قراءة كتابي.
- كلا، انتظر، كنتُ أفكر بك..
- ألم أقل أن رأسكن فارغ!!!
وابتسم، ولم تغضب هذه المرة بل أخذت تنظر إليه من جديد بحنو وهو يقلب الصفحات التي بين يديه...
أي خطيئةٍ كانت سترتكبُ بحقه؟!!!
بدا النهار صحواً، خالياً من الضباب ومن النجوم!!
الوقت يمر بطيئاً كسلحفاة كسول، حتى تلك الأشعة الذهبية المنتشرة في الأفق لا تلبث أن تتغلل لجسدك، تمنحك سمرة وشيئاً من الاكتئاب!!!
والحديث بينهما بات مقتضباً لكأنهما أصمان لا يتعاملان إلا بلغة الإشارات!!
الحياة هكذا لا تُطاق وقديماً قالوا: "جنة من غير ناس، ما تنداس"...إنها تفضل الجحيم الذي يذيقها إياه على صمته، فعلى الأقل تحس بالحياة تدبُّ فيها، تشعر بأنها كيان موجود، وليس حطاماً رُكن على الرف...
أم تراه ذلك السادي قد صيرها مع الأيام "ماسوشية"!!!و وصلا، وما أن توقفت السيارة حتى ترجلت منها دون أن تنتظره، ودفعت الباب الذي كان نصفه مفتوحاً...ولجت إلى الداخل وابتسامة كبيرة على شفتيها وما أن رأتها "ندى" حتى هتفت بإسمها وهرعت لتعانقها...
وشعرت بالسعادة تغمرها وهي تراهم مجتمعين كلهم عدا، عدا "شيماء"!!!وسألت عنها:- أين هي؟!
- إنها تستيقظ متأخرة هذه الأيام..
والتفتت إلى خالها وهو يمد يدهُ إليها:
- اقتربي يا ابنتي، أريدُ أن أراكِ عن كثب، فلا أدري إلى متى يريد ابني "العاق" أن يخفيكِ عنّا!!
وجلست بجانبه وهي تطرق رأسها خجلاً...
- أخيراً أحضرتها هنا.. ردّ الأب بعتب.
- زوجتي ولا أستطيع الاستغناء عنها...
ورفعت رأسها بسرعة لتراه يبتسم وهو يصافح أخوته...إنه يجيد هذه التمثيلية جيداً...دور السعيد!!هي ليست مثله، لا تُجيد التمثيل لا هنا ولا هناك!!!وتقدم من والده فسقطت عيناهُ عليها وسرعان ما تلاشت الابتسامة عن شفتيه...انسحبت بهدوء، إلى الوراء، إلى لا مكان!!!ووقف خالها ليعانقه وهو يربت على ظهره وهو يمازحه:- لقد أصبحت نحيلاً...والتفت إلى "غدير" وهو يسألها بلوم:- ألا تطعمينه يا "غدير"؟!وبدت وكأنها أخذت على حين غرة من سؤاله، بانت علامات الذنب على وجهها حمراء مهينة والعيون ترصدها لتتلقف إجابتها..ماذا تقول لهم، أنهُ يأمرها بأن تعدَّ له طعاماً كل يوم وحين يجهز يرفض تناوله وهكذا دواليك!!عضت على شفتيها دون أن تنبس ببنت شفه وهي ترمش عيناها بسرعة كأنها تريد أن تجعل منها ستاراً يحجبها عن الآخرين....وأحست بيدين دافئتين على كتفتيها فسرت في جسدها رعدة كالتيار...التفتت إليه خلفها و بلا شعور وضعت كفها على إحدى يديه، تستمد منها الأمان!!وضع يده الأخرى على يدها وهو يضغط عليها بخفة:- أنا و زوجتي أحرار، كفاكم فضولاً!!وعادت الضحكات والهمهمات لتسري في المكان....
وابتعدت اليد هي الأخرى!!!
- لم قلتِ له أنني من أريدُ ذلك؟!
- لم يكن ليأبه بي لو طلبته بإسمي، ثم ألم تقولي أنكِ لا تملكين قطعاً سوداء كافية في خزانتك!!
- أنتِ مستحيلة!!
- كفي عن الثرثرة، إنه ينتظرنا.
وتناولت "ندى" حقيبتها وهي تدفع "غدير" أمامها...
لم يكن "المجمع" بعيداً فسرعان ما وفدوا هناك...
سارت الفتاتان معاً يتبعهما "عمر" بصبر...كانت "ندى" تقفز من محل لآخر وهي تجر "غدير" من يدها و تلقي عليها محاضرة عن الموضة وخطوط الأزياء!!!- "ندى" لقد تعبت، فلنسترح هنا..لكن الأخيرة لم تكن تسمعها، كانت تصوب عينيها بدهشة في زاوية ما...
- ماذا بك؟!- تصوري من هنا!!!- من؟!- المدير!!! قالتها بصوتٍ عال.
- أخفضي صوتك، "عمر" وراءنا، ثم أين هو لا أراه.
- ذاك الذي يحتسي القهوة في "لاميزون دي كافيه".
- يوجد عشرات الأشخاص هناك، كيف لي أن أعرفه!!- تعالي سأريكِ إياه عن كثب...
- ماذا عن "عمر"؟
استدارت "ندى" إلى ذاك الأخير وهي تشير إليه بأن يأتي:
- أخي العزيز سنذهب إلى ذاك المحل، صدقني هذا آخر مكان سندخله.
- كم مرة قلتِ ذلك!!
- عمر!!
- لقد تأخر الوقت، هي 5 دقائق إن لم تنتهي أخذتُ زوجتي وتركتك هنا..
- هي من تريد أن تذهب إلى هناك وليس أنا.لكزتها "غدير" في ذراعها وهي تخاطبه بخجل:
- إنها تكذب، لم أقل ذلك.
ونظر إليها وعلى شفتيه وميض إبتسامة صغيرة لكن "ندى" قطعت عليهما المشهد وسحبتها معها وهي تخاطبه من بعيد:
- انتظرنا هنا، لن نتأخر.
و اختبئتا خلف عمودٍ كبير، قالت بصوتٍ منخفض:
- ذاك هو، الذي يعبث بـ"اللاب توب"، حتى في المجمع لا ينفك عن العمل!!
- آه، هذا هو المدير إذن، لا بأس به!!
- لأنكِ لا ذوق لكِ، هذا أفظع وأسمج رجل عرفته بعد "براد بيت"!!
- من هذا براد بيت؟!
- جارنا الذي يسكن في البيت المجاور!!
- هيا لقد تأخرنا، "عمر" سيغضب.
- لا عليكِ منه، ما دمتِ معي فلن يقول شيئاً...
واستدارت "غدير" إلى حيثُ تركاه، كان مندمجاً في حديثه مع أحد الأشخاص...
أحقاً ما تقول؟!!
وتأملته في وقفته تلك وقد نست ما حولهبالفعل هو لا يرد لها أي طلب، ليتهُ يبقى لطيفاً هكذا للأبد!!
- انظري...
وضحكت "ندى" بخفوت:- يبدو أنها أفلتت من شرطة الآداب..ونظرت "غدير" إلى حيثُ التفًّ الناس حول شقراء طويلة، ملابسها كانت حدِّث ولا حرج!!
- كأني قرأتُ مرة قانوناً ينص بالحد الأقصى لطول "التنورة"... علقت "ندى".
- إنها فاتنة جداً..
- أنا أحلى منها!!!!ثم أردفت:- اسمعي دعينا نذهب لأحد حراس الأمن ونبلِّغ عنها..
- هذا أحدهم، قد انضمّ مع المتفرجين!! ربما كانت نجمةً سينمائية؟!
- ليست كذلك، أنا أعرفهم كلهم.وصدت للجانب الآخر وما لبثت أن شهقت بصوتٍ عالٍ:- انظري كيف يطالعها قليلُ الأدب، عديم التربية..
- من؟!
- ومن غيره!! المدير...
- وما شأنكِ أنتِ؟!
- ما شأني؟! أهذا سؤال تسأليني إياه، هذا مديري، مديري أنا ألا تفهمين؟!
وتابعت بحرارة:
- ثم، أنسيتِ نحنُ نعمل معه ومعظمنا فتيات، إذا تفتحت عيناهُ الآن على هذه المرأة فربما ستتفتح عيناهُ علي وهذا هو الاحتمال الأكبر!! ثم على بقية الفتيات!!!!
- !!!!!!!
- سأفضحه، سأخبر كل من معنا في العمل عن سلوكه المشين!!
- أين ستذهبين أيتها المجنونة؟!
- ألا ترينه، يكادُ يقفُ لها كلما مرت بجانبه، اتركيني سؤأدبه، سأريه من هي "ندى"..
وأفلتت من قبضة "غدير" وهي تمشي كالسيل الهادر...و وصلت إلى طاولته وهي تدقُّ الأرض بقدمها اليمنى، قالت بصوتٍ مصرور:
- ألا تخجل من نفسك؟! رجل في مركزك وسنك ينظر لهذه الأشكال...
وأجفل من وجودها المفاجئ أمامه هكذا...ضربت يداً بيد وهي تردد:
- رجال آخر زمن، آخر زمن، تتظاهرون أمامنا بالشرف والأدب وحين نغفل عنكم ولو لثانية أظهرتم وجهكم الحقيقي..
- ......................- وأنا أتعب نفسي يومياً أمام المرآة ولم تقل لي شيئاً مرةً واحدة حتى لم تكن تنظر إلي!!!
- .....................
- أتعرف كم أتكبد في بداية كل شهر وأنا أتبضع في السوق كي أشتري شالاً بلون حذائي..
ورفعت قدمها قليلاً لتريه حذائها الزهري:
- ألا تراه جميلاً؟!! ألا يعجبك ذوقي؟!
أخذ يطالعها مصعوقاً دون أن توقف لسانها...
- ثم ماذا بها كي تنظر إليها دوني أقصد دون الفتيات المحترمات، أتعتقد أن عينيها فعلاً زرقاوان، كذابة، كذابة، ثم كذابة، تلك عدسات ملونة، كلها صناعية محقونة بـ"البوتكس" و "الكيلاكوجين"، أما أنا فمحلية مائة بالمائة...
ثم استدركت وكأنها تذكرت شيئاً ما:- ماعدا رموشي، فلقد سقطت من العقص واستخدام الماسكرا والسبب أنت!!!وصاحت بصوتٍ عال:
- أجل أنت، لا تنظر إليًّ هكذا، قالوا رموش العين تذبح وسقطت رموشي كلها وأنت كالجمل في مكانك...- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- أرجوك لا تبرر ولا تكلمني، ما بيننا قد انتهى والسبب عيناك الفارغتان، أرجوك يكفي لا تحاول معي..ولوت شفتيها بقرف وهي تعطيه ظهرها وبقيت هكذا برهة ثم عادت لتستدر وعيناها نصف مغمضتان:- وداعاً..وسارت عنه كما جاءت وآلالاف الشياطين تتراقص أمام عينيها حتى أنها تجاوزت "غدير" دون أن تشعر....
ولم تنتبه لها "غدير" هي الأخرى، كانت عيناها شاردتان في "عمر" الذي يبدو أنه تناسى وجودها ووجود أخته وأخذ يحدق في تلك المرأة الشقراء كبقية الرجال...
وغاص قلبها، شعرت بأنها تهوي وتعود لتطفو مرةً أخرى على رمالٍ لا قرار لها...
وأشتعل شئ في صدرها، شئ غريب، غريب ومهين في آنٍ واحد!!وتمنت لو أنها لم تأتي إلى هنا، بل الأسوأ أنها تمنت لو أن زوجها لا يملك عينان!!!!
وقبضت على حقيبتها بقوة وهي تقاوم الاضطراب الذي يعتمل بداخلها، حزينة وة، ثائرة وخامدة، كنبعٍ فوار في بركةٍ آسنة كانت هي تلك اللحظة....وسمعت صوتاً يناديها فالتفتت لندى:
- أنتِ هنا وأنا أبحثُ عنكِ في كل مكان...
- .....................
- لم تسأليني ماذا فعلتُ به!! لقد أدبته!!
"يا لحظك، ماذا عن ذاك؟!!"
- تصوري لم ينبس ببنت شفه، يبدو أنهُ خجل من نفسه...
- ....................
- أتعتقدين أنهُ سيقول لي شيئاً في الغد عما فعلتهُ اليوم، لا أتصور سيفضح نفسه حينها..
ثم أردفت بقلق:- لقد صرختُ عليه، ولكن إذا واجهني سأنفي كل شئ، سأنفي حتى أنني رأيته بالمرة!!
- ما رأيك يا "غدير"؟!
- لم لا تتكلمين؟! أين عمر؟!!
"إنهُ هناك لم يخفض عينيه عن تلك المرأة ولو لبرهة، نسيني منذُ أن رآها"..- لقد رأيته، هيا تأخرنا فلنذهب بسرعة قبل أن يحدث شئ لا تُحمد عقباه.."ماذا بعد ذلك؟!"...وسارت معها بإنكسار و بشئ من خفي حنين ووصلوا إليه دون أن ينتبه، مسّت "ندى" كتفه وهي تقول بعجل:
- هيا، لقد انتهينا من الشراء..
- لا أرى في أيديكما شيئاً..
- سنأتي يوماً آخر، لم تعجبنا بضاعتهم!!!
والتفت إلى "غدير"، كانت تطالع الأرض دون أن تسمع ما يقولا..
خاطبها بقلق:
- ما بك؟!
- ..........
- غدير!!
ورفعت رأسها وهي تنظر لعينيه الخضراوين بألم:
- لا شيء..
- هيا بنا إذن..
وركب الثلاثة السيارة صامتين، كلٌّ سارح في خطى أفكاره....
وما أن نزلت "ندى" حتى عاد ليخاطبها من جديد:
- ما بك؟!
- قلتُ لك ليس بي شيء. صاحت بعصبية.
رفع حاجبيه بدهشة ثم هزّ رأسه وهو يتابع القيادة..
و مدّ يده ليضغط على زر المسجل وكانت نشرة الأخبار...
وانقطت النشرة فجأة فطالعته بحدة وهي تقول:
- رأسي يؤلمني، لا أريدُ أن أسمع شيئاً!!!
وما أن وصلا حتى خرجت بسرعة دون أن تغلق الباب، لحقها وكانت بإنتظاره!!!ألقت بحقيبتها على الأرض، فسألها بإستنكار:
- ماذا جرى لكِ هذا المساء!!
- ماذا جرى لي أم ماذا جرى لك أيها المحترم!!!
- أنا لا أفهم شيئاً مما تقولين..
انفجرت في وجهه وهي تنظر له بإزدراء:
- تخالني لم أرك كيف تنظر إليها؟!
- عمن تتكلمين؟!
- عن تلك المرأة التي لم تبعد ناظريك عنها منذُ أن دخلت..
- أنا لم أرى أحداً ولم التفت لأحد.
- لا تكذب..
- انتبهي للسانك..
- بالطبع ستنكر، فهذا طبعكم دوماً، الغش والخداع يجري بدمائكم..
- لا يهمني إن صدقتني أم لا... ردّ بنفاذ صبر.
- لم لم تذهب إليها أو ربما أخذت رقمها دون أن أدري!! وغطت وجهها وهي تبكي بصمت.
وأمسكها من ذراعها وهو يصرخ بشراسة:
- قلتُ لكِ لم أفعل شيئاً.
- أنت كاذب..
- اخرسي..
وانكمشت في مكانها وهي تغمض عينيها بقوة...
أردف وهو يصيح:- وحتى لو كنتُ أنظر إليها فعلاً فهذا من حقي!!
فتحت عيناها وهي تردد كلامه بإستنكار:
- من حقك؟!
- أجل من حقي..
- أنسيت أنك متزوج؟!
- حقاً، لم يخبرني أحد بذلك من قبل!! قالها بسخرية.وهدأت ثائرتها قليلاً وهي تفرُّ بنظراتها للأرض...
وأردف وهو يتأمل تعابير وجهها بإنتباه شديد:
- وليكن بمعلومك أنني أفكر جاداً بالزواج بأخرى.
ورفعت وجهها الذي أحتقن فجأة وهي تردد دون تصديق:
- ماذا؟!
- ما سمعته يا عزيزتي..
- كلا، لن تتزوج، لن تتزوج. صاحت بجنون.
- آسف، لم تتركي لي خياراً آخر، لا تقلقي لن أطلقك، سأبقيكِ على ذمتي معززة ومكرمة هنا أو عند والدي إذا شئتِ!!أسمعت عن الدجاجة التي ترقص ألماً؟!
وكأنّ مسّاً أصابها من كلماته التي رنّت في أذنيها كالسندان، أخذت تضربه على صدره بما تبقى لها من قوة، كانت تشهق بتقطع وهو واقف بلا حراك ينظر لها بإهتمام...
أمسكت ياقة قميصه بكلتا يديها وبكاءها يرتفع:
- لن تتزوج أسمعت!!
- أمنعيني إن استطعتِ. ردّ بهدوء.
مسحت أنفها وهي تقول بتهديد:
- سأخبر خالي، سأخبره بما تودُّ فعله.
وبرقت عيناه بغضب:
- أتخالينني طفلاً كي تهددينني بوالدي؟! لا تضطرني أن أفعلها والآن!!
- لن تقدر، لن تجرؤ... صرخت.
ورفع أصبعه في الهواء بتصميم:
- والله العــ....
وضعت يدها بسرعة على فمه بإرتياع قبل أن يكمل...
نظرت إلى عينيه بتوسل ودموعها تذرف بملوحة وبمرارة تمرغ بها قلبها...
لكن عيناه قالتا شيئاً آخر، لا زالتا صلبتان، لم تستجيبا لتوسلها الصامت...
وتهاوت يدها إلى جانبها بضعف وكادت أن تهوي هي الأخرى لكنهُ أمسكها فدفنت وجهها في صدره وهي تنشج بصوتٍ خافت كنشيج الميازيب في مواسم المطر!!حينها فقط أطبق عينيه بألم..."سامحيني يا عزيزتي، كان لا بد أن أقول هذا، ليس من أجلي فقط بل لأجلك، لا زلتِ صغيرة ولا تفهمين!!"..

- "جميلة".."ندى" كفاكما. صاحت "أشجان" بيأس.لم تبالي "ندى" بصياحها وأردفت وهي تغرز أصبعها في جيد "جميلة".- اشكري ربكِ لولاي لكنتِ جثةً مجهولة الهوية!!
- لولاكِ أم لولا خوفك من المدير لأنهُ حينها كان سيطردك شرّ طردة.شهقت بصوتٍ عالٍ وهي تضع كلتا يديها على خصرها:
- سيطردني؟! كم أنتِ واثقةٌ بنفسك، يا عزيزتي المدير لا يقدر أن يستغني عني ولو للحظة واحدة، وكل طلباتي لديه أوامر، أتسمعين!!ضحكت "جميلة" بجفاء وهي ترد بسخرية:
- لا يستغني عنك؟!! لا أدري من تلك التي يمسح بها الأرض يومياً وكأنها ذبابة، لا شي!!
- أخرسي يا مدمنة "الحشيش".
- أنا مدمنة "حشيش"، أشهدي عليها يا "أشجان" أمام المدير عندما يأتي، وأمام الشرطة لأني سأشتكيكِ بتهمة القذف والتشهير العلني.
كتفت "ندى" ذراعيها وهي تعلق بإستهزاء:
- أخفتني، بُصيلات شعري ستسقط رعباً من تهديدك.
وأردفت بصوتٍ مصرور:- أنتِ ومديرك والشرطة تحت حذائي هذا ولو أنكم لا تساوون فردةً واحدةً منه!! وبإشارة واحدة من أصبعي سفرتكم إلى بلادكم لأنكم لا تبدون "بحرانيين" مائة بالمائة، لا بد أنكم من المجنسين!!!وشعرت بلكزة خلفها فأخذت تحكُ ذراعها وهي تتابع:
- لا تنظري إليّ هكذا أيتها البلهاء الغيورة، أجل غيورة لأنني أجملُ منكِ وأصغر سناً والكل يحبني حتى مديرك المغرور وإن أظهر خلاف ذلك!! لو رأيته البارحة كيف كان يلاحقني في المجمع لكنني...
وعادت اللكزة أقوى من السابق فاستدارت للخلف وهي تتأفف:
- ماذا لقد حطمتِ ذ.....
ولجمت لسانها وفمها مفتوح تطالع الخيال الذي ظهر أمامها فجأة بذهول، وحين استوعبت شخصه صرخت صرخةً قوية زلزلت المكان...
وقطعت صرختها وهي تغطي وجهها بكفيها و تدورُ في مكانها كالعمياء...
وداست على قدم "أشجان" دون أن تدري ولم تعتذر رغم صراخ تلك الأخيرة، كانت الصدمة قد شلت حواسها وهي تستعيد في مخيلتها ما قالته عنه..- قفي مكانك.. صاح فيها بغضب.
وجمدت في مكانها كتمثال وكفاها لازالا يحجبان وجهها.
- ويدكِ أيضاً أبعديها!!
وامتثلت لأمره وعيناها نصف مغمضتان، فبان لها ذقنه ورقبته فقط...بللت شفتيها وهي تقول بهمس:
- أبي صدمته شاحنة البارحة و و..زوجة أخي ستلد، أجل ستلد اليوم!!!
- .................
- برأيك ماذا ستنجب ولداً أم بنتاً، حقيقةً أنا أفضل البنات، ماذا عنك؟!وحاولت أن تبتسم لكن وجهه المكفهر حطم معنوياتها فازدردت ريقها وهي تقول بتقطع:
- أنا..أنا مريضة، الطبيب شخص حالتي وقال أنني أعاني من شئ غريب لم يكتشفوه بعد، أتصدق!!! سترك يا رب...وقضمت أظافرها وهي تردد هذه العبارة في سرها بحرارة..ورفعت رأسها وكأنها تذكرت شيئاً مهماً:
- هل سمعت هذا الخبر: حزب الله قرر قصف "تل أبيب"..







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:12 am   رقم المشاركة : 17
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

- خبر قديم، أعرف...
- آه، حلا شيحا تطلقت من زوجها، لكن ربما لا تعرفها.
وتوقفت عن القضم وهي تقول بتباكِ:
- أريدُ أن أذهب للحمام.وأرادت أن تخطو إلى البعيد قليلاً لكن جذعه كان لها بالمرصاد..وأشار إلى مكتبه فكادت تخر مغشياً عليها وهي تندبُ حظها العاثر:
- غداً، غداً إن شاء الله سآتي مع والدي لنحل الموضوع.
وبكت في خاطرها بصمت، وسمعت صوته يسخر بقسوة :
- والدك في المستشفى الآن، أنسيتي؟!أدارت وجهها المضطرب في وجه "أشجان" الذي بدا صغيراً جداً، بدا ضبابياً!!!
ثم التفتت لجميلة كان وجهها جامداً هذه المرة، لم ترى ابتسامتها الشامتة على شفتيها!!
حتى هي تشفق علي، سترك يا رب!!وسارت إلى الأمام وقد مرًّ في ذهنها صورة معزة صغيرة ذبحها والدها بجانب بيتهم عندما انتقلوا إليه لأول مرة، وبعدها قاطعت اللحوم، رفضت أن تأكله لبضع سنوات لكن الوجبات السريعة حلت لها تلك العقدة..."مسكينة أيتها المعزة"!!! رددت..

لا أشتكي عليكَ للخلاّق
تمنعني يا سيدي أخلاقيلكنني أدعوهُ أن يجعلني
أقوى على احتمال ما أُلاقيحتى يظلّ لي أذاك راسماً
لي صورة الجبّارِ والعملاقِ!!!







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:15 am   رقم المشاركة : 18
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(15)
دخلت إلى مكتبه قبله و صوت الباب يُصفق خلفها بعنف..
صرّت عينيها و أذنيها بقوة...
و أخذت تدعو في سرها و تنذر عشرات النذور كي تسير الأمور على خير!!
جلس على مقعده الوثير وأصابعه تدقُّ على سطح الطاولة...
كانت الدقات تزحف إلى رأسها ببطء وقوة كدقات المطرقة على المسمار...
واستمرّ الدق هكذا وبدا سيد المكان تلك اللحظة...
فتحت إحدى عينيها المزمومتين بتوجس لتستشفّ معالم وجهه، لكنها لم ترى شيئاً!!!
لم ترى غضبه، غطرسته، أوداجه التي تنتفخ كلما رآها!!!
فقط كان يطالعها بإزدراء!!
فتحت كلتا عينيها وهي ترمشهما بسرعة وقد بهتت من نظرته تلك...
و رأته يسحب ورقة من على المنضدة و يكتب فيها بسرعة...
و هوى قلبها....
أرادت أن تتقدم لعلها تسترق شيئاً مما يخطه بيده، لكن رجلاها تجمدتا من الخوف...
تحركت شفتيها بإضطراب و أخيراً سألتهُ بصوتٍ غائب:
- ماذا..ماذا تكتب؟!
- ..................
- تكتبُ شيئاً عني، صح؟!!
- ..............
- صدقني، أنا لم أقصد أن أقول شيئاً مما سلف، أصلاً أنا لم أقل شيئاً!!!
- ...............
- هي من تحرضني، هي من تدفعني لقولِ ذلك، إنها تستخدم جهازاً ما بالتنويم المغناطيسي، لا أعرف اسمه، يجعل شفتاي تتحركان بما لا أعلم، إنها "ساحرة"!!!ورفع رأسه حينها لها فأسبلت عينيها وهي تتظاهر بالإستكانة و الضعف...
لكنها سرعان ما سمعت جرة القلم تعود من جديد..."لا فائدة من هذا الظالم، لا فائدة منه!!!"عادت لتقول بإستعطاف:- أرجوك، لا تضيع مستقبلي، أريد أن أتخرج هذا العام...
- ...........................
- أعدك أنني سأحسن سلوكي، سأتوقف عن الكذب، عن التمثيل، سأصادق "جميلة" أيضاً إذا شئت!!
- ..........................
- لا تكتب عني شيئاً، أنا لا ذنب لي، أنا خلقني الله هكذا، لكنني سأتغير، سأتغير بصدق...
- ........................- إذا علم والدي سيمرض، سيتقطع شمل عائلتنا، هم بحاجة لي، كلهم يعتمدون علي، أيرضيك أن نشحذ؟!!و انطلق صوت بكاءها ليرتفع وهو لا يتوقف عن الكتابة!!!أخذت تطالعه بحرقة وعيناها تكادان تقفزان من محجريهما من بروده...
- أليس لديك إحساس؟!
- ....................
- لقد أذليتُ نفسي لك أكثر من اللازم!!
- ...................
- حتى البكاء بكيت، ماذا تريدُ أكثر من هذا؟!
- ....................
- قلتُ لك توقف، توقف عن الكتابة!! صاحت بتهديد.
- اصمتــــــــــــــــــــي....وصرخ بغضب وهو يلقى القلم الذي بيده في الهواء...
تابعته بفزع وهو يتدحرج على الأرض ويصل لأصابع قدمها....
نقلت بصرها بين القلم وصاحبه وهي تقول بخوف:- أستاذ أنا....
- قلتُ لكِ أغلقي فمك، عندما أتكلم لا أريد أن يقاطعني أحد، صوتك هذا لا أريد أن أسمعه، مفهوم؟!!هزت رأسها بذل...
- أنا للآن لا أعرف أنتِ ماذا بالضبط!! أنا لم أصادف في حياتي العملية و التي ناهزت الاثنا عشر عاماً موظفة مثلك!!- بالطبع مثلي أنا لا يوجد، أتصدق!! الكثيرات يقلدنني ولكن أين الثرى من الثريا!! وأشارت لنفسها بحماس وقد نسيت نفسها.تحركت عضلة صغيرة أسفل فمه وبدا كما لو كان يصارع شيئاً يودُّ قوله..- أعوذُ بالله بالشيطان الرجيم..
- أنا شيطان؟!! سألته بإستنكار.
- اخرجي، اخرجي فوراً من هنا. صرخ بنفاذ صبر.
- لم تصرخ علي دائماً، ماذا فعلتُ لك؟!!
- ألا تفهمين ما يقال لكِ من الوهلة الأولى؟! أأنتِ صماء؟!
- حسناً سأخرج، لكن ماذا عن هذه الورقة ؟! كتفت ذراعيها.
- تريدين أن تعرفي ما بها؟!! سأل بتشفٍ.عادت لتهز رأسها بسرعة..مدّ الورقة إليها فأخذت تقرأها بنهم وعيناها لا تتوقفان عن الرمش، وبعد برهة امتقع وجهها وهي تطالعه...صاحت بصوتٍ عال:- ماذا؟!
- هذا أقل شئ تستحقينه!!
ردت بحقد:
- أستحقه؟! كل هذا لأني قلتُ عنك كلمتين!!- تعترفين بذلك أيضاً يا قليلة الأدب..
- أنا قليلة الأدب يا حيوان!!!!ووضعت يدها على فمها وهي تشهق بصوتٍ مكتوم....
تمنت أن تموت، أن تنشق الأرض وتبتلعها، أن يصاب المدير بالصمم لحظتها!!
ربما لم يسمع، لم يسمع!! أخذت تكرر في نفسها..
و تراجعت إلى الوراء وهي ترى وجهه يُظلم، يكفهر...
أخذت تتأتأ بإرتجاف:
- لا..لا تفهمني بشكلٍ خاطئ، هذه نظرية علمونا إياها في المدرسة.
- ......................
- أنت حيوان وأنا "ندى" و الناس حيوانات، ألم يقل "داروين" الإنسان حيوان ناطق!!!!
- ......................
- إذا كنت لا تصدقني سأحضر لك كتاب "الفلسفة" غداً.
- إذن اسمعي يا "حيوانة" منذُ الغد، لا بل منذُ اليوم سيطبق القرار، عملك هنا ينتهي الساعة التاسعة مساءاً ، وما أن تبدأ الفترة الثانية حتى تأتي إلى مكتبي كل يوم لأعلمك وأدربك فلدي أكوام من الملفات لا بد أن أنهيها، وأنتِ من فصيلة الحيوانات وتحتاجين للتدريب كي تفهمي!!!
- ....................
- تريدين أن أكرر عليكِ الكلام أم يكفيكِ هذا؟!
- ....................- أريد أن أسمع جواباً، يكفي أم لا؟! صرخ بغضب..و ألقت الورقة بسرعة من يدها وفرت من أمامه وهي تبكي بمرارة...
و تلقفتها "أشجان" في الخارج وهي تربت على ظهرها بحنو...
- هدئي من نفسك، هو دائماً هكذا. قالت بصوتٍ منخفض.
نزعت نفسها منها وهي تصرخ:
- هو حقير، ذاك هو..
- "ندى"!!
وأشارت إلى "جميلة" بحركة خفيفة لكنها لم تبال واستمرت في صياحها:
- تخيلي ماذا يريد أن يفعل بي؟!!
- ماذا؟! سألت "جميلة" ببراءة.فما كان منها إلا أن أزاحت "أشجان" عن طريقها وهي تقترب والشرار يتطاير من عينيها...وضعت "ندى" أصبعها على فمها وهي تردد بتهديد:- أصمتي، أنتِ السبب، أنتِ السبب في كل شئ..
تراجعت "جميلة" إلى الوراء بخوف وهي تنظر "لأشجان" بإستنجاد.- "ندى" كوني عاقلة.استدارت إليها وهي تعود للبكاء:
- عاقلة!! سيحبسني لديه كل يوم حتى المساء، كل يوم، كيف سأتحمله!!
- تحلي بالصبر، لم يبقى الشئ الكثير على فترة تدريبك. أخذت تواسيها.
صاحت بوعيد:
- لكنني سأجعله يندم، يندم على اللحظة التي وضع فيها هذا القرار، والأيام بيننا...واتجهت لمكتبها والفتاتان تراقبانها بوجل وما أن استقرت عليه حتى طالعتهما بجمود وهي تعضُّ على شفتيها بقوة...
وتلكأ لسانها كثيراً قبل أن ينطق:
- أأنا من فصيلة الحيوانات؟!!
وعادت لتنفجر في البكاء من جديد...

تطلعت إلى نفسها في المرآة بقلق وهي تعيد تصفيف شعرها ربما للمرة العاشرة لهذا اليوم!!!إنها تكره أعمال الزينة، تمقتها، تشعر بأنها تقيدها، تجعلها مصطنعة، كدميةٍ مشدودة!!!و مرت صورة "الشقراء" أمام عينيها فعاد الغضب الأعمى ليمزقها من جديد، ليفقدها صوابها ويأجج النار التي لا تلبث أن تتقد في صدرها كل حين...وألقت فرشاة شعرها بيأس...
إنها لا تستطيع أن تكون مثلها، ليس في هذه الفترة على الأقل!!!
ولمَ تحاول ذلك أصلاً؟!!
لم يا "غدير"، ماذا جرى لكِ، بتّ تكشفين أوراقكِ له وهو يستمتع بذلك...
يفتعل معكِ المشكلات ليذكركِ بها وبتلك التي ينوي الزواج بها، ثم يترككِ تحترقين وهو يبتسم!!!ماذا جرى لكِ أيتها الغبية، إلى أي مدى ستجركِ حماقتك، أوراقك لا بد أن تدفنيها كما تدفنين دفترك وتهيلين عليها التراب وتصمتي، تصمتي للأبد!!!
غرزت أصابعها كأنها تودُّ أن تُفيق نفسها من هذا الكابوس المريع، الكابوس الذي يقضُّ مضجعها ويحيل لياليها سواداً حالكاً لا نجوم فيه...
جلست على حافة السرير مطرقةً رأسها....
الأفكارُ تعصفُ بها كدوامة، كدائرة مفرغة لا قرار لها، ها هي تسمع صوت باب حجرته...
سيخرج، سيخرج منذُ الصباح، دائماً يخرج ولن يعود إلا متأخراً...
وتريدونها بعد ذلك أن تصمت!!!ألقت نفسها على السرير وجسدها يهتز بصمت...
ماذا جرى لكِ يا غدير، ماذا جرى؟!!!
سكبت لها عصير البرتقال وهي تنظر للخارج من نافذة المطبخ مستمتعةً بإرتشافه على جرعات...
حين يتحد الصباح مع الهدوء ينفرزُ في ذاتك شيئاً ما، شيئاً لا تعرف كنهه، لا تستطيع وصفه...
شئ جميل وشفاف، شئ يشبه الصفاء، يشبه النقاء، يلامس سريرتك، يهزُّ أوتارها فينبعث منها هدوء، راحة، سكينة عجيبة....
ما أجمل الصباح، وما أروع زقزقة العصافير حين تدغدع مسمعك!!!
وبقيت هكذا مأسورةً بجمال المنظر، بروعة الشمس والشجر والعصافير!!وبقي هو واقفاً عند الباب يتأملها بغموض...
وكأنها أحست بإحساس الأنثى بتلك النظرات، فاستدارت للخلف....
- صباح الخير.
وصمتت فترة قبل أن تتمتم بصوتٍ منخفض و حاجباها معقودان:- صباح النور.
ووضعت كأسها الذي لم تتمتع بإحتساءه بأكمله بجانب الحنفية، ومرت بجانبه لكنه لم يتزحزح عن الباب.
- لو سمحت!! قالت بإستنكار.
تنحى قليلاً وهو يعلق:
- يبدو أنكِ نسيتِ موضوعنا!!
- أي موضوع؟! سألته بشزر.
- موضوع الفحص!! لقد وصلت أدواتي المختبرية منذُ أسابيع...
- أنا و زوجي "ناصر" لا نفكر حالياً بالأطفال. ردت بحزم.
تطلع إليها بتثاقل وهي تبادله نظرة كراهية لم تفته..
- كما تشاءان، وإذا غيرتما رأيكما فأنا موجود..
مرّت من فرجة الباب دون أن تجيب عليه...
صعدت السلم وأحساسها بالقرف منه يتصاعد...يا لهُ من رجل يُثير الغثيان!!!

قفزت مذعورة من صوت صراخه....
أغلقت باب غرفتها خلفها وهي تتلفت بحيرة ماذا تفعل وأين تختبئ، فلا تدري أي شيطانٍ ركبهُ اليوم؟!!!لم تجد إلا الفراش ملاذاً، اختبأت فيه وهي تغطي نفسها، حتى إذا جاء ظنها نائمة وانتهى اليوم على خير!!!!كم هو جميل أن نحلم، وكم هي صعبة أن تتحقق الأحلام....دفع باب غرفتها وهو يصرخ:- غدييييييييييييييييير...تقدم منها وهو يهزها:- أنتِ، ألا تسمعين قومي، كيف تنامين في الظهيرة؟أبعدت الغطاء عن وجهها وهي تسأله بتقطع:
- أ..أ..ماذا، ماذا حدث؟
- أين قميصي الأخضر؟رفعت كتفيها بخوف بأن لا تدري.
حدجها بغضب وهو يزمجر:
- اذهبي وابحثي عنه فوراً.
- حـ..حسناً.
- هيا قومي، ماذا تنتظرين؟
وفزّت من جلستها ودمدمته تصل لأذنيها:- لا أدري لم تزوجت؟! ويقولون الزواج راحة!!!اتجهت للغسالة، فتشت بسرعة وهو خلفها لا يزال يدمدم.
- ليس هنا..
- اذن أين ذهب، كيف اختفى هكذا فجأة؟!
- ألبس لك شيئاً آخر.
- لا أريد إلا هو.
- لا تصرخ علي، لستُ أنا من ضيعه.
- صه، أصرخ كما أشاء في بيتي، أم لديكِ اعتراض يااا آنسة؟!وشرد ذهنها قليلاً...
لم يريده هو بالذات!!!!- يبدو أننا لن ننتهي من أحلام اليقظة اليوم، هيا...دفعها أمامه حتى غرفته، و بقي هو واقفاً عند الباب وهي تبحث في خزانة ملابسه:- ملابسي مكوية، إذا تجعدت أو لم تعيديها لمكانها ستضطرين إلى كيها من جديد.نظرت إليه والغيظ يكاد يفتتها، ودت لو تقطعه هو وملابسه!!!أي أسلوبٍ بات يتبعه معها هذه الأيام!!
كيف انتقلت الدفة إلى يده؟!!كله بسببها، تلك الشقراء الفارغة..
- لم أجده، ليس هنا..
- ابحثي جيداً...
وجالت ببصرها حول الغرفة وتوقفت عند طاولة الزينة...
رفعت إليه القميص والدهشة تعلوها:
- كان هنا أمامك ولم تره؟!! - لو كنتُ رأيته لما ناديتك، أعطنيه.
لقد سلبت عقلك، أصبحت لا ترى الآن!!!
لا تراني ولا ترى ما يدور حولك...
تطلعت إليه بألم وهي تسأله بمرارة:
- أين ستذهب ؟!
- وما شأنكِ أنتِ!!
- أريد أن أذهب معك، أنا لا أخرج أبداً من هنا..
- كل ليلة أوصلك إلى بيت خالك..
- و أين تذهب حينها؟!
- ومنذُ متى تسألين!!
- منذُ اليوم سأسأل..
- أذهب للمكان الذي يحلو لي، ولعلمك أنا لا أحب التدخل في خصوصياتي..- هذه ليست خصوصياتك وحدك، أنت تريدني أن أبقى جاهلة عمياء لا أعرف شيئاً عما يدور من ورائي!!!
- وما الذي تعتقدينه يدور وراءكِ يا آنسة؟! سألها بسخرية.
- لا تنادني هكذا. صاحت بغضب.
- اسمعي أنا متعبٌ الآن من العمل، ولا طاقة لي للشجار.
- إذن ابقى في البيت.
- لقد وعدتُ أصحابي بالقدوم.
- أصحابك؟!أخذت تكررها و هي تضحك بجفاف:
- لا تقل لي!! كل هذا الصياح والبحث المتحمس عن القميص، كل هذا من أجل عيون أصحابك!!
- أفهميها كما تشائين، وسواء صدقتِ أم لا فأنا رجل أهتم بمظهري الخارجي في كل الأحوال!!
- أنت كاذب منافق، غشاش. صاحت بإنفعال.
- غدير!! صرخ بتهديد.
- لا تنطق اسمي على لسانك، أنا أكرهك، أكرهك.
- اخرجي الآن قبل أن يحدث شئ لا تُحمد عقباه!! رد بصوتٍ .
كان صدرها يعلو ويهبط بإختناق، والثورة تدبّ في أعماقها كإعصار يريد أن يجرف كل من يقف أمامه بجنون...- أخرجي، أريد أن أغير ملابسي..
الأفكار تطحنها والوسواس الخناس لا يلبث أن يتراقص أمام عينيها، لا يلبث أن يهمس أذنيها بكلمات، باتت هاجسها الأخير...تطلعت فجأة إلى الكأس الموضوع على المنضدة ودون شعور تناولته:
- ارتده الآن، سيبدو لائقاً!!!
وانسكب الماء على القميص وعلى جزءٍ من ثيابه...تطلع مصدوماً إلى نفسه ولها لثانية، وبلا شعور مدّ يدهُ هو الآخر!!!
ورنّ في الغرفة صوت صفعة قوية استقرت على الخد مباشرة دون سابق إنذار..رفعت أناملها المرتجفة إلى خدها لتتحسسه، لتتحسس السياط الذي كوى جلدها...رفع يده إلى شعره بتوتر كما لو كان في حالة اعتذار...ترقرقت الدموع من عينيها وهي تنظر إليه وتهزّ رأسها دون تصديق...صفعها من أجل قميص؟!!كلا، ليس من أجل قميص، بل لأجلها، لأجلها هي أياً كانت...
و هرعت إلى غرفتها وهي توصدها خلفها بالمزلاج...وانزلقت أسفل الباب، على الأرض وأجهشت بالبكاء...

دقت الباب عدة مرات ورغم أنها سمعت كلمة "أدخل" إلا أنها كررت الطرق وبصوتٍ أعلى!!!وانفتح الباب على مصراعيه فحدجت الواقف أمامها بحقد ودخلت مباشرة وفي يدها ملف أبيض اللون..
و سمعت الباب يُغلق بعد لحظة فعاد الألم بقوة إلى معدتها...- اجلسي. ردّ ببرود.
لكنها بقيت واقفة كالتمثال دون أن تنبس ببنت شفه!!عاد إلى مقعده وهو يعبث بأدراجه دون أن يحول عينيه عنها..
- ستبقين واقفة هكذا إلى متى؟! ردّ بنفاذ صبر.لا جواب!!!!
وانتفخت أوداجه وهو ينظر إليها بغضب وهي تكتفي بالرمش فقط!!!
وضع يديه بتصميم على سطح المكتب واستطالت قامته في وضع الوقوف...اهتزَّ الملف الذي بيدها ونظرت إليه من طرف عينيها وما هي إلا ثانية حتى هرعت إلى الكرسي لتجلس عليه!!عاد إلى مقعده وهو يتنهد...وقال بعد قليل:- سنبدأ في جرد حسابات "المخازن الكبرى" أولاً، أنتِ ستقومين بـــ.....و توقف عن الكلام وهو يراقبها...كانت تضع قدماً على أخرى وتتصفح الملف الذي بيدها بتمعن، وفي كل حين ترفعه حتى يلاصق وجهها وهي تحرك رأسها!!!
- هل أنتِ مختلة عقلياً؟! سألها بإرتياب.
- .........................
- ماذا في يدك؟!
- ..................
- لم لا تتكلمين؟! أأصيب لسانك بالشلل!!!
- ................
وضرب بقبضته على الطاولة:
- أعطنيه، لعنةُ الله على الشيطان!!وتطلعت إليه ببلاهة وهي تشير إلى الملف بإصبعها..- أجل، أريدهُ هو، جيد أنكِ تفهمين!!ولمعت عيناها ببريقٍ ما سرعان ما أطفأته...
رفعت الملف عن حجرها وهي تمسكهُ لأعلى....
حركت يدها ناحيته لكنها سرعان ما أنحرفت بسرعة وأفلتته على الأرض!!!
فتحت فمها بدهشة وهي تهزُّ كتفيها كأن لا دخل لها، وهو جامدٌ في مكانه، مصعوق!!!أمالت بجذعها وألتقطته ومدت يدها لتمسح جبينها وهي تلهث من التعب!!!ثم زفرت وعادت لتشير إلى الملف بإصبعها....
ولم يُجب....
فعادت لترفعه إلى أعلى، إلى أقصى ما تستطيع وهي تنظر للملف بتفحص، ولوت فمها كأن شيئاً لم يعجبها فيه فأسقطته!!!
التفتت إليه وفمها مفتوح، عيناه تكادان تخرجان من محجريهما من منظرها...
عادت لتنثني من جديد وتلتقطه و تمدهُ ناحيته!!!
أطرق رأسه قليلاً وكأنهُ في حالة تفكير عميق...
ثم وقف فجأة فقفت هي الأخرى وهي تمدُّ الملف بأطراف أناملها، لكنهُ لم يأخذه بل دار نصف دورة حتى أصبح بمواجهتها...
وقبل أن تستوعب سحب الملف من يدها ولفه بأصابعه وهوى به على كتفها ...صاحت وهي تتراجع إلى الوراء وتمسك كتفها:
- أ تضربني أيضاً؟!!
- لأن الحيوانات هكذا، لا تفهم ولا تتكلم إلا بالضرب!!
- والله سأخبرُ والدي عنك والشرطة..
- تخبرينهم بماذا؟!
- أنك مددت يدك علي.. صرخت وهي تدقُ الأرض بقدمها.
- وأين شهودك؟!
شهقت دون تصديق...
- أنت لا تطاق، لا أريد أن أعمل معك..- اذهبي للوزارة الآن لتغيري مكان تدريبك إن كنتِ تقدرين.أخذت تندب حظها العاثر وهي تصيح بحرقة:
- أنا لا دخل لي، أريد أن أعود للبيت، كلهم عادوا إلى بيوتهم عداي أنا، كلهم يتناولون الغذاء وأنا جائعة، كلهم نائمون الآن وأنا أعمل وأعمل وأعمل وفي النهاية أُضرب ويُقال عني أني من "الحيوانات"!!!
- إذا أنهيتِ جرد كل هذه الملفات سأُعيدك إلى مكانك.
- أحتاج لسنة كاملة كي أنهي أوراق الزبالة تلك. ردت بإشمئزاز.تطلع إليها بشزر وهو يصرُّ على أسنانه:- اسمها أوراق العمل وليس أوراق الزبالة، كفي عن التحدث بسوقية..
- أصبحتُ سوقية أيضاً؟!! وأخذت تصيح.
لم يبالِ بصياحها وأردف:
- ثم كلما عملتِ بجد وإخلاص ونشاط حقيقي ستُنهينها في أسابيع.."أنا لا أقدر أن أتحملك يوماً واحداً ما بالك بأسابيع!!"- هيا عودي لمقعدك لنبدأ وكفي عن تصرفاتك الخرقاء!! "اصبر علي فقط، لن أكون "ندى" إن لم أجعلك تعضُّ أناملك ندماً لأنك وضعتني معك في مكانٍ واحد!!!"







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:16 am   رقم المشاركة : 19
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

أحنت جذعها لترتدي نعليها ولم تشعر إلا بيد تمس ظهرها...
رفعت رأسها فوراً بوجل...
- آسفة إن أخفتك، كيف حالك يا ابنتي..
وابتسمت "غدير" ابتسامةً كبيرة وهي تصافخ المرأة بحرارة:
- أنا بخير، كيف حالكِ أنتِ؟!- الحمد لله على كل حال..
ثم هتفت بسرعة:
- ماذا عن والدتك، هل أبلت من مرضها؟!!
- أمي؟!! تساءلت بدهشة.
- أجل والدتك، كانت مريضة وعلى فراشها المسكينة حين زرتها آخر مرة.
"أمي مريضة!!"
وشعرت بالإثم يعقد لسانها...الغصة ترتفع، تتضاعف جرعتها، و الذنب يبدو جلياً ونظرات المرأة تشهد على ذلك..." مريضة وأنا لا اعلم!!"أرجوكِ اصمتي، ومنذُ متى كنتِ تسألين، ألم تتوقي إلى الفكاكِ منها ومن صورتها المهشمة الضعيفة!!!ألم تريدي الخلاص، النسيان، أليست هي أول بصمة سوداء في حياتك، أليست هي السبب يا "غدير"؟!!
لم السؤال إذن؟!!
هي أيضاً لم تبالي، حضرت عرسك وخرجت وكأن ليس هذا بزفاف ابنتها...ربما منعها، ربما جاءت خلسة وعادت قبل أن يكتشف غيابها ذاك السكير!!لا... لا تبحثي لها الأعذار..لا أب لكِ، إذن لا أم لكِ!!هكذا هي المعادلة منذُ الأزل!!
وتجاوزت المرأة والكلمات تطنُّ في أذنيها كدبيبُ نحلة...المصائب لا تأتي فرادى أبداً، تأبى إلا أن تأتي كلها وعلى حين غرة...
مريضة!!!وماذا في ذلك، كلنا نمرض وهي كبرت في السن!!ماذا بعد ذلك؟!!ستموت!!!كلنا سنموت اليوم أو غداً، لا فرق!!!لم الحزن إذاً، لم الرثاء؟!!دع الخلق للخالق وسر في طريقك وحدك واصمت...اليوم وغداً ووراء الشمس ستسير وحدك، اعتد منذُ اليوم ولا تنظر للوراء...مريضة!!!ماذا تريدونني أن أفعل؟!أزورها مثلاً!! أهذا ما تريدونه؟!!كلا لن أفعل، لن أفعل أسمعتموني، لن أفعل...لا أريد العودة إلى هناك، لا أريد أن أذكر أي شئ، أي شئ...ربما كان رابضاً هناك وأنا تقتلني رؤيته..أنا لا ماضي لدي، كله ضاع، تمزق، ألقيته خلف ذاكرتي..
خلف الشمس!!!
ماذا تريدونني أن أفعل ها؟!!قلتُ لكم لا، لن أزورها، لن أفعل...أمي أنا مريضة!!!!
هراء!!!من قال ذلك؟!!و وصلت لشقتها بذهنٍ غائب...الأنورار مطفأة والسكون يتراقص بخفة حول المكان...
مدت أناملها لتتلمس مفاتيح الكهرباء...لتضيء المكان وشيئاً من روحها الهائمة، المنغمسة في الظلام...لم يعد حتى الآن وربما لن يعود!!!هذا أفضل، أنا لا أريد أحداً، فليذهبوا كلهم للجحيم!!!وأنا من وراءهم!!!وألقت بنفسها على سريرها وهي تدفن وجهها في وسادتها التي طالما تشربت دموعها، امتصت آلامها، همست لها بأسرارها وحدها..
ما أوفاها هذه الوسادة!!!و تركت لنفسها العنان وهي تجرُّ الدثار عليها...لم الحياة هكذا دوماً؟!!كحركة المد والجزر...ترفعك حيناً وتهبطُ بك حيناً آخر...لم هذا الكلام يا "غدير"، منذُ متى وكنتِ تقدمين آراءك عن الدنيا!!أعترفي، جاهري بما في جعبتك...هي السبب، هي، لم تمرض، ولم تأتي تلك المرأة لتخبرني بذلك؟!
استغفر الله، أتعترضين على أمر الله...يا عزيزتي: لا يُغني حذرٌ من قدر...أنا لا أشعر بالأسى حيالها، لا تهمني، ألا تفهمون، لذا لا تصدعوا رأسي بهمساتكم تلك...
صه، صه، صه أنا لستُ أكذب، أنا قلبي مات، مات منذُ زمن، مات وكان من الأحق أن يأدوه منذُ ولادتي، كان لا بد أن يدفنوه أو يدفنوني!!!بلا قلب أنا أفضل، بلا قلب أنا أعيش!!!!أمي ماتت، ماتت منذُ زمن وكفى...
ماتت وانتهى أمرها بالنسبة لي!!!ثم يأتي هو...
إذا تواجدت هي، فتش عن "هو"!!ذلك الكاذب، القاسي، صفعني لأني كشفته، فهمته..تريد أن تتزوج، فلتتزوج إلى الجحيم أنت ومن تريدها!!فقط كفّ عن ترديد ذلك على مسامعي...لا تخالوني أغار، لا تخالوني أحبه...
ما لكم تنظرون إليّ بريب؟!قلتُ لكم لا أحبه ألا تفهمون، مثلي أنا لا يعرف الحب، ومثله لا يستحق أن يُحب ذلك الغشاش!!!ولكن انتظر....
قبل أن تتزوج بأخرى، طلقني فأنا لم ولن أريدك...أتسمع، طلقني، تخالني سأبكي عليك إن أخذتها وطلقتني؟!!ذاك ما أصبو إليه، ذاك جلُّ ما أتمناه....لن أذرف عليك دمعةً واحدة، ولن أغضب، بل سأدعو لك ولها بالتوفيق...قلتُ لكم كفو عن التطلع إلي...
أنا لا أبكي لا عليها ولا عليه!!!أنا لا أحمل في قلبي شيئاً...لا أحمل إلا شقائي!!وأجهشت بالبكاء وهي تعصر الوسادة بيديها...ولم تنتبه أنهُ كان مستنداً منذُ زمن على الباب، يشاهد الجسد المهتز من تحت الدثار، يسمع تلك الشهقات المنفلتة رغم الوسادة المحيطة بها، يشاهد هذا كله و هو يقف ساكناً!!!وانطلق الصوت بعد برهة بهدوء، بخفوت كخفوت ذلك الضوء الشارد من القمر عبر زجاج النافذة...
- غدير!!!
وتوقف الرأس عن شجنه فجأة وكأن الصوت وحده كان كفيلاً بتجميده!!!
.
.
.
يوماً ما، أجل يوماً ما !!!
أغوصُ في عينيكِ كي أراكِ
فابقي بلا صوتٍ ولا حراكِعيناكِ يا قارئتي تحدّتا
حرفي فهبّ الحرفُ للعراكِلا تقرأي إلا الجلي واحذري
من الخفي فهو كالشراكِ







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:20 am   رقم المشاركة : 20
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

16)
كل شيء ساكن، كل شيء يصيغ السمع لصوت أقدامه على الأرضية!!
سقطت ظلاله عليها، شعرت بثقلها، بوطئتها كما لو كانت تتغلل عظامها، تسري في جسدها كالتيار!!!
لكنها لم تُزح رأسها، لم ترفعه، لازالت الوسادة الأثيرية تحتضنه، تحيطه كسياج!!!
وجلس على حافة السرير فاهتزَّ قلبها في عرشه...
- غدير!!!
لا صدى، لا صوت، لا إجابة!!وضع يده برفق على كتفها وهو يردف بهدوء:
- أعلم أنكِ مستيقظة، فلا تتظاهري بالنوم!!
كفت عن التنفس، أم لعل الهواء انعدم، تلاشى، تسرّب كذلك الضوء الشارد الذي تسلل للغرفة دون استئذان!!
- أريد أن أعتذر عما بدر مني ظهر هذا اليوم...وعادت لها ذكرى الصفعة، ذكرى الإهانة، ذكراها هي!!من أين جاء؟!
دفعت يده بعيداً عنها دون أن تنظر إليه وهي ترد بصوتٍ مبحوح:
- ابتعد عني..
تنهد وبعد برهة صمت قال:
- أنا آسف، لم أكن أقصد، أحياناً لا أتمالك أعصابي..
- لا أريد أعتذارك، لا أريدُ شيئاً منك، من فضلك أنا متعبة..وتهدج صوتها، اختنق في حنجرتها لكنها جاهدت كي يبقى موؤداً، في طي الكتمان...- أرجوك لا تبكي، أقسم أني نادم على ذلك..
رفعت رأسها بسرعة، بأنفة لتواجهه:
- أنا لا أبكي.
- لا تكفين عن الكذب أبداً!! وهذه الدموع التي تغرق وجهك!!
- أنا عائدة للتو من "المأتم".. أجابت بعصبية.
- ومن أوصلك إلى هناك؟!
- وما شأنك أنت؟!
- غدير!!
- أنا لا أحب أن يتدخل أحد في خصوصياتي كما لا تحب أنت، أسمعت؟!
- ما هذا الكلام الأحمق!!
- هذا كلامك أنت!! و منذُ اليوم سأفعل ما يحلو لي، أنا لم يعد يهمني شئ، أي شيء!! أخذت تصيح.
جرها من ذراعها عنوة للأمام حتى بات وجهها قريباً من وجهه...تلاقت عيناهما معاً، شعرت بأنها حطام، هشيم، يذوي بسرعة، يتردى في العاصفة ويتهاوى بضعف..نسيت كل غضبها، كل العذاب الذي سببهُ لها فقط وهي تغوص في عينيه...أيضحك علي؟!لاحت ابتسامة ضئيلة على شفتيه وهو يهمس:- يبدو أن الغيرة أفقدتكِ صوابك!!صرخت وهي تحاول أن تسحب يدها وتبتعد وقد أصابتها كلماته بالهلع.
- اترك يدي.أردف دون أن يعبأ بصياحها و بأنفاسها المتقطعة:- تهربين، دائماً تهربين، لم تخافين من نفسك؟!
هزت رأسها نافية وهي تردد بإختناق:
- أنا لا أفهم ما تقول!!أمسكها من كتفيها وهو يهزها :- انظري إلي، صارحيني، أفهميني كيف تحبين آخراً وتغارين علي؟!!- أنا..أنا...أغار؟! كلا، كلا..ونزعت نفسها وهي تضمُّ يديها نحو صدغها بخوف....
- كاذبة لا تُجيد الكذب!!
- أنا لا أكذب، ولا أريدك أن تكلمني، أخرج من هنا..أخذ يتأملها بنظرة عميقة وهي تشيح وجهها بإضطراب دون أن يستقر على جهةٍ محددة...
- كف عن التحديق بي هكذا.. صاحت بصوتٍ مبحوح.- ستخبريني بكل شيء يا "غدير" يوماً ما، أجل أنا واثق من ذلك..- ليس لدي شيء لأخبرك إياه ألا تفهم؟!- سنرى!!!ثم أردف بثقة عجيبة:
- سنستأنف حياتنا كأي زوجين، وأنا مستعد أن أنسى الماضي، أنسى كل شئ ونبدأ من جديد...
"الماضي ننساه!!! كيف لي أن أنسى؟!"وتطلعت إليه والخوف يغزو قلبها، لم هو واثقٌ من نفسه تماماً هكذا؟!لكن لا، لا يستطيع لا هو ولا غيره أن يجبرها على شيء، حتى الكلام!!!- والآن من أعادك إلى هنا؟!أجابته دون شعور:
- ناصر.
- لمَ لم تقولي لوالدي؟!!
- .....................
- غدير!!
- هاا. ردت بشرود.
- لمَ لم تقولي لوالدي؟
- خالي ينامُ مبكراً..
- لم لم تتصلي بي، أتخالينني سأرفض؟!
- أنا لا أجدك لا في البيت ولا على الهاتف. ردت بألم.
- ستجديني إذا شئتِ أن تجديني!! وابتسم بحنان...رفعت رأسها إليه والعذاب ينضح من وجهها...تلك النظرة العميقة في عينيه والصوت الحالم...لم هذه الثقة، أجبني؟!ألا تعرف أن "عمر" و "الغدير" لا يجتمعان أبداً؟!!هكذا هم منذ الأزل، هكذا كتب التاريخ!!!
وأين نحنُ والتاريخ، أين نحن وما خطهُ الزمن!!وقطع صوته خيالاتها، بعثرها، وضعها بعيداً هناك، في أقصى المكان...
- غداً سأوصلك، وكل ليلة تقريباً قبل أن أسافر..
أتراها سمعته يقول "سيسافر" أم أن ذهنها قد ارتحل، سافر هو الآخر مع خيالاته، اختبأ في تلك العينين العميقتين!!- تسافر!!وتطلعت إليه بكل جوارحها، تطلعت إلى عينيه، شفتيه، إلى خلجات وجهه لعلهُ يكذب ما تسمعه، يفنده، أو يأخذ روحها معه!!!- أجل سأسافر...- ستسافر!! عادت لتكرر دون تصديق.
- لقد اتفقتُ مع الرجل ولم يبقى إلا أن أذهب هناك!!- لمَ و أين؟! و غاب صوتها عن الوجود...- إلى سوريا بعد 5 أيامٍ، أما لمَ فأنتِ تعرفين!!!سوريا!!!ورأته، إن كانت ترى اللحظة!!رأتهُ يميل عليها ويمسك وجهها بين يديه وهي جامدة، ذاهلة عما حولها...طبع قبلةً طويلة على جبينها ثم همس:- تُصبحين على خير يا عزيزتي!!!
ونهض وهو يغلق الباب خلفه بخفوت!!أبقي في العقل شيء، أم أن الجنون أصل كل الأشياء!!!وضعت خدها على الوسادة ببطء وهي تغمض عينيها...إنها تريد أن تنام، لا تريد أن تفهم شيئاً و لا أن تذكر شيئاً!!ستنسى كل شيء وتنام، فغداً لا بد أن تستيقظ مبكراً وترحل!!!أجل ترحل.... و مدت أصابعها المرتجفة لتتلمس جبهتها الدافئة، أبقتها هكذا طويلاً ربما لتتزود من حرارتها في أيام شتوية قادمة!!!وانحدرت دمعة.....
تراقصت بخفة على خديها، ولمعت كذلك الضوء الشارد من النافذة!!!!
كانت يدها اليمنى موضوعة أسفل ذقنها وهي تراقب المدير بعينين تنعسان كل حين...." ألا يسأم هذا الرجل أبداً؟! أهو آدمي فعلاً أم آلة!!! لا يتوقف عن العمل لحظة، بالطبع يريد أن يكنز أكبر قدر من المال، لا بد أن حسابه يحوي عشرات الآلاف من الدنانير!!
عشرات الآلاف؟!! بل ربما وصل إلى مليون دينار، ومع ذلك لا يقدرني ولا يعطني شيئاً، ألا يعلم أنني مفلسة، ماذا سيضره لو أعطاني 100، 200، أهذا كثير؟!!"
ولكن...
"ما جاع فقير إلا بما متع به غني"، وأنى لهذا الظالم أن يشعر بي...وتنهدت بصوت مرتفع لعلهُ يسمعها!!!يا ربي ملل فظيع، إنه لا يتكلم جملتين كاملتين معي...كم اشتقت للثرثرة مع "أشجان" ، حتى "العقربة"، أرجوكم لا تصفوها هكذا!!!
كم أفتقدها، افتقد الشجار معها، قالب الثلج الموضوع أمامي حرمني من كل شيء...حتى العطور والمكياج الخفيف حُرمت منها بسببه، تعرفون أنا بدون شيء ألفت النظر ماذا لو وضعت شيئاً؟!!!آه، مشكلة، كل شيء مشكلة، ولكن هذا المدير أكبر مشكلة في حياتي!!!
أنا معتادة على النوم ظهراً في هذه الساعة، دماغي تبرمج على هذا، لا أستطيع أن أقاوم النعاس، لكن أخاف أن يصرخ علي كما حدث بالأمس، جعل قلبي يقفز في مكانه ولم أعد إلى طبيعتي إلا بعد أن أفرغت زجاجة مياه معدنية كاملة في جوفي!!!!كدتُ أموت بسببه، كل شيء يحدث بسببه، كان سيقضي على شبابي، قضى الله على الشيطان وعليه!!!!و عاد النعاس ليُداعب عينيها بخفة ورأسها يتثاقل وهي تقاوم....وأحست بشيء يدغدغ أصابع قدمها فأخذت تحركها بضيق...
ويبدو أن هذا "الشيء" كان مصراً على إزعاجها و حرمانها هو الآخر من النوم ولو للحظات!!!
حنت جذعها وهي ترمش أهدابها المتثاقلة بخمول...
تطلعت إليه وهو يتحرك بحركاتٍ عشوائية وكأنهُ يبحث عن أمرٍ ما...
رفعت رأسها بسرعة إلى المدير المنهمك في عمله بصدمة ثم صدت للأرض بنفس السرعة...
و ندت من فمها صرخة قوية وهي تبتعد عن الكرسي وتنفض ملابسها كالمجنونة...أجفل المدير في مكانه، ترك ما بيده وتقدم منها:- ماذا؟!
- صرصار، صرصار ركب على ثيابي. صرخت بفزع.
- أريني..- تريدني أن أريك ثيابي؟!! صاحت بإستنكار.- أنا قلتُ هذا؟! سأل بدهشة.أردفت من علو وهي تحك قدمها بفعل القشعريرة:- من تظن نفسك؟! أبي، أخي، زوجي لا سمح الله!!! ونظر لها بنظرة لو كانت تنطق لسطرت:هذا من آخر المستحيلات!!ثم هزّ رأسه وتوجه إلى مقعده وعاد لينهمك في عمله تاركاً إياها تغلي...نظرت إليه دون تصديق وهي توشك على تقطيع نفسها..."مستحيل، هذا ليس من البشر إطلاقاً، إنهُ لا يحس، بارد كالثلج!!"- أين تذهب؟! ابحث عنه واقتله...- لا شك أنهُ مات الآن بعد هذا القفز كله!!!فغرت فاهها والقشعريرة تقطع أوصالها كلها....- مات في ثيابي!!!!
- يجوز.."الصرصار مات في ثيابي أنا؟!!"تقدمت منه بغضب وهي تضرب الطاولة بيدها:- أنا لن أبقى في هذا المكان المليء بالحشرات!!
- .............................
- اليوم صرصار، غداً أفعى والله أعلم ماذا أيضاً!!
- ..........................
- أريد أن أعود لمكتبي.- قولي هذا منذُ البداية.. ردّ بهدوء دون أن يرفع ناظريه عن الأوراق.- والآن؟!
- أجلسي مكانك واعملي. ردّ بحزم.
- ماذا؟!
- كما سمعتِ يا آنسة. وعلت نبرة صوته.
- أنت ظالم، ظالم.. أخذت تصيح بحرارة.
- أبكي هناك، لا أريدُ إزعاجاً!!!وتوقفت عن الصياح وهي تعضُّ أناملها دون شعور....- عودي لمقعدك، لا أحب أن أرى أحداً واقفٌ على رأسي..- لا، مستحيل، مستحيل...وانفجرت في الصياح وهي تجلس على كرسيها رغماً عنها...ولكن....لا حياة لمن تنادي!!!







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:24 am   رقم المشاركة : 21
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

استندت على الباب بتعب وإحدى يديها ممتدة لضغط الجرس منذ فترة ليست بقصيرة...
الرياح تعصف وتنثر الغبار حولها و القشة تتمايل بعودها النحيل، ما لها والحضور هنا، مالها وعكس التيار!!!أخفضت يدها، باتت ترتعش كثيراً ولا تجدي أي نفع والجو عاصف لا تحتمله...وانتابتها قشعريرة فالتصقت أكثر بالباب....مال هذا الباب لا يُفتح!!! لطالما كان يفتح ويُغلق في وجوه الناس في اللحظة ذاتها!!!
ما بالهُ الآن أوقفَ حركته تماماً؟!!أتعود من حيث أتت؟! ومن أين أتت أصلاً؟!حيث يُجهز ضريحها بصمت، حيثُ يرفع نعشها بهدوء ويُطاف به بين الزوايا، لا تخافوا سأُضع قريباً في لحدي!! إنها مجرد أيام...بضعة أيام ليس إلا، ألم يقل هو ذلك!!!
الرياح تهدر بلا رحمة والباب لا يُفتح وهي تستكين على خشبه بخنوع....وسمعت حشرجة القفل فكادت تسقط.....أمسكت الجدار أرادت أن تلتحم به أو تختفي!!!
و تعلقت عيناها على الشبح الواقف أمامها....كان قصيراً و ممتلئاً...
لازال قصيراً ولكن أين ذهب الجسد؟!!أخذ يتأملها كما تتأمله لكنهُ كان أسرع منها...سرعان ما تجاوز الدرجات الرفيعة وغاب بهدوء مع الرياح، في نفس الاتجاه!!!!ولجت إلى الداخل وعيناها تسقطان سهواً على المكان، حيثُ عاشت سنين حياتها...خلعت نعليها ومشت حافية على الرمال كعادتها في باحتهم الكبيرة...وأحست بالراحة لأول مرة منذ أن وطئت هنا، راحة قديمة، بعيدة كالنجوم...وانساقت إلى شجرة اللوز الضخمة المزروعة بتحدي، ضاربة بمحاولات "حميد" في قلعها عرض الحائط....لا أخضر ولا يابس!!ماذا يريد إذن؟!!غريب أن تُثار الذكرى، كل الذكرى من مجرد النظر...أما نحتاجه هو ومضة، ومضة صغيرة فقط لينفتح الصندوق، صندوق الذاكرة؟!!أم أن الأشياء مخزونة هكذا في كل الحواس؟!!و تركت الجذع، لطالما تركته، وأخذت تبحث عنها...عن "هي"!!ولم تدخر جهداً في البحث عنها....كانت هناك، لطالما كانت هناك تطبخ وفي كل الأحوال!!!- السلام عليكم...وبدا لها أن والدتها لم تسمع صوتها الخافت فعادت لتلقي بالتحية من جديد لعلها تلتفت...و سقطت الملعقة الكبيرة، تهاوت كما تهاوت تلك المرأة الخمسينية على الأرض!!!!القلب الجزع يدمي، يتقطع هو الآخر وتلك المرأة تناديها، تفتح ذراعيها الرخوين لها.....منذُ صغرها وهي لا تُجيد لغةالإشارات، لم تفهم معنى أن تُحِب و تُحَب، إنها لا تعرف كيف أن تُعبر عن مشاعرها لأحد، هكذا هو قلبها مغلفٌ بجمود!!وانساقت لها رغماً عنها، رغماً عن جهلها بالإشارت، رغماً عن قلبها الجامد!!!!ارتمت في حضنها وهي تتشبث بها بقوة والأخيرة تمسح على رأسها وتحيطها بذراعه الآخر....
رفعت وجهاً أضناهُ السهر، قرحهُ البكاء:
- سامحيني، لم أكن أعلم أنكِ مريضة..
- أنا بخير منذُ أن رأيتك..
وسكتت كلتاهما، لم تعتد قط على الكلام معها بأريحية، أم أن البعد ألقى قيوده على الأم وابنتها!!!
أشارت إلى القدر الذي يغلي:
- ماذا تصنعين؟! رائحته لذيذة. وابتسمت ابتسامةً باهتة.
- "بحاري دجاج"، وجبتك المفضلة، لا بد أن تذوقيه أبقي حتى الغذاء.. قالتها بلهفة.
تلاشت الابتسامة على الشفتين، لم يتح لها أن تستقر أكثر، لا بد أن ترحل...
- لا أستطيع..
ثم أردفت لتبعد مخاوفها:
- كيف حالك وحال "مجيد"، لقد رأيتهُ للتو...
عاد الوجوم ليعتلي وجهها، ليستقر في أخاديده، ليسطر للناس قصة كانت يوماً ما أحد أبطالها...
- أخاكِ الصغير صار سكيراً، صيرهُ والده سكيراً مثله.."وماذا كنتِ ترتقبين من بذور تلك الثمرة؟!"
- كل يوم فضيحة، كل يوم تأتي الشرطة لتسأل عنه والجيران بدأو يشتكون...
ووضعت طرف خمارها على فمها وبكت بصمت...
البكاء بصمت، سمة مشتركة بيننا!!
و قدر الأم لا يختلف عن ابنتها أحياناً، أليس كذلك!!!أمسكت كفيها معاً وهي ترد بتهدج:
- اطلبي الطلاق منه ودعينا نعيشُ سوياً.رفعت الأم رأسها وفي وجهها طيف استسلام، يلوحُ دوماً على وجوههن، بل هو جزء منهن:
- ليس بعد هذا العمر يا ابنتي..
- ستتركيني مرةً أخرى. صاحت بلوعة.
- أنتِ معك زوجك، ماذا تريدين بي؟!ونكأت الجرح، لا زال ينزف صديداً، لازال يتقيح...
- زوجي!! أنا لا زوج لي، ليس لي أحد!!ودفنت نفسها في حجرها وهي تجهش بالبكاء..
وعاد دفاع الأمهات للصدارة، سألتها بوجل:
- ما هذا الكلام يا ابنتي؟! غدير، تكلمي..
- سيتزوج يا أمي، سيتزوج... رددت بخفوت.- كيف؟! لم يمر على زواجكما أسابيع!!!وصمتت تغالب عبراتها وهي تنظر لها بألم، بعذابٍ أزلي...
- غدير ماذا حدث بينكما؟!
- أنا لا أستطيع يا أمي، لا أقدر..- لا تستطيعين ماذا؟! أجيبي..استرسلت وكأتها تخاطب نفسها كالخيال:
- سأموتُ حينها، سأتدمر!! ليس من أجلي بل من أجله...- عم تتحدثين؟!عادت لتغوص في تلك العينين الحانيتين، ابتسمت بمرارة:- أنتِ لا تفهمين، لم تفهميني يوماً...
ونزعت نفسها منها انتزاعاً وهي تنظر لساعتها، وقفت بتعب، حدجتها بنظرة حزينة قبل أن تستدر:- انتبهي لنفسك..
وغادرت قبل أن تسمع صرختها المدوية...
أتُراها فهمت؟!!!
- وما ذنبي أنا؟!
- ذنبك أنه زوجك!!
- وهو أخوكِ أيضاً..أردفت بحنق:
- ماذا لو ذهبت إلى "السينما"، لم يرفض هذا المعقد..
- "ناصر" ليس معقداً..
- ومتخلف أيضاً!!
- سأخبره بما قلته عنه.
- اخبريه، انا لا أخاف منه ولا من أحد، العيش هنا أصبح لا يطاق، لا أكاد أهرب من السجان الذي في المكتب، حتى أُصدم بآخر هنا!!! لم تنغصون علي حياتي؟!!!- ما الأمر؟! من الذي ينغص عليكِ حياتك؟!!
والتفتت الفتاتان إلى الصوت القادم، ابتسمت "ندى" ابتسامةً كبيرة وهي تخاطب "شيماء" بتزلف:- أنا ليس لي أخ إلا "عمر" وهو أكبر منه وكلماته هي التي أنفذها بالحرف الواحد!!وهرعت إلى أخيها وهي تمسكه بدلع:
- كيف حالك يا أخي؟!
- ماذا تريدين؟!
- "عمور"!! نادته بعتب.
- نعم؟!
- أريد أن أذهب للسينما.
- لا.شهقت:
- لماذا؟!- ليس لدينا نساء يذهبن للسينما!!
وابتعدت عنه وهي تصيح بغضب:
- ولم تذهب أنت؟!
- أنا رجل!!
- كل ما تفعلونه أنتم حلال في حلال، ونحنُ أي شيء نريده حرام في حرام..
- اذهبي وشاهدي الأفلام في التلفاز، لم يمنعك أحد.
- أريد أن أشاهدها في السينما، لقد وعدتُ صديقتي "أشجان"..
- اعتذري منها.
- هذه المرة الثالثة التي اعتذر لها، ماذا أقول لها؟! قالت بإستعطاف.
- قولي لها الحقيقة، أخوتي غير موافقين.
- تريد أن تهتز صورتي في أوساط المجتمع الراقي، سيضحكون علي!!
- هذا الموضوع انتهى بالنسبة لي فلا تتعبي نفسك.- متخلف آخر!! كلكم متخلفون، معقدون!! تمتمت بحقد.
- ماذا قلتِ؟! سألها.
- أقول متى أتزوج وأرتاح من هذا السجن ومنكم!!
- ألا تخجلين من أحد!!
صاحت بإستنكار:
- حتى الخجل تريدونني أن أخجل رغماً عني!! كل شيء بالاستبداد، بالديكتاتورية!! أين منظمة "حقوق الإنسان" لتأخذكم؟!!
- لا حول ولا قوة إلا بالله...و سار عنها .....ندت من فم "شيماء" ضحكة، فنظرت إليها "ندى" بغيظ:
- صدقيني، حينها سأذهب إلى السينما كل يوم، صباحاً وظهراً ومساءاً.
- وأفرضي أن زوج المستقبل لم يقبل هو الآخر؟!
- أتمزحين!! هذا أول شرطي كي أوافق عليه...
وركبت الدرج وهي تفكر ماذا تقول لأشجان!!!.
.
.
.
.
.أترى النجوم بعرسك ما تراقصت جباهها....
وإنما غطت وجهها ناحبةً للمصابا.....أترى الشمس ما تشعشعت أنوارها...
وإنما رسمت دموعاً واضطرابا.....ما بال الشموع في عرسك لم تضئ..
ما بال دمك صار حنةً للترابا..







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:30 am   رقم المشاركة : 22
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(17)

خرج من بيت والده وهو يُدخل هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين في جيب بنطاله...ساق سيارته على عجل وهو يضرب يده اليسرى على رجله بقلق...ما بالها لا تكف عن الرنين ولا تُجيب حين يتصل!!!ووصل بسرعة حيثُ أفواج من النسوة يزدلفن من ذلك الصرح الكبير ذي القبة الخضراء...عجيبة تلك القبة بنصلها الفولاذي الصاعد للسماء في خشوع، وقد تدلى منها هلال صغير بدا كثغر طفلٍ يبتسم على استحياء..و عاد يتطلع في الوجوه التي تعترضه علّه يلمحها في ذلك الزحام...وميزها رغم سمرة الليل، بعودها النحيل، بخمارها الذي تجعل طرفه يتدلى على جانب وجهها وتزيحه كل حين دون شعور....ضغط على بوق السيارة عدة مرات ليُعلمها بقدومه، فالتفتت إليه برهةً خاطفة ثم عادت لتخاطب تلك الفتاة الواقفة بجانبها...و لمَ هذه الضجة التي افتعلتها، وهذا الرنين ما دامت الآنسة لم تُكمل أحاديثها بعد؟!و ابتسم بتهكم، كم هي مكشوفة تلك الصغيرة، تُحاول أن تستفزه، تعانده، ولكن...على هامان يا فرعون!!عاد صوت البوق ليرتفع فصافحت "غدير" الفتاة ثم توجهت للسيارة حاملةً في يدها بعض الأشياء...ودخلت دون أن تنظر إليه أو تنبس حتى ببنت شفة...تطلع إليها وهو يرفع حاجبيه بتساؤل مصطنع، ثم هزّ رأسه وأدار محرك السيارة من جديد...وانتشرت رائحة الورد لتضوع المكان بطيبها، لتمنحها شيئاً من العذوبة، شيئاً من الجمال...وأدارت إحداها بين يديها بشرود وهي تنظر لأوراقها التي لم تتفتح بعد..
وامتدت يد لتختطفها من بين يديها، حينها فقط دارت إليه..
- شكراً!!
- هذه ليست لك. ردت بحدة.
- حقاً!! لا تنطلي علي حركاتكن!!وقرّب الزهرة من أنفه وهو يشمها بعمق، فشعرت بالغيظ، تصرفاته في الآونة الأخيرة تكادُ تُصيبها بالجنون!!- انتبه، للورد أشواك!! علقت بسخرية.
- ما دامت من يدك، فأنا لا أُبالي بشيء.. قالها بحرارة و عيناه تشعان دفئاً غريباً..صدت للنافذة و قد عاد الإضطراب ليعتمل صدرها من جديد...
لمَ هذا الكلام؟!
لم تفتأ تقول لي ذلك؟!
ألست مسافراً إليها؟!
ألن تتركني وتذهب إليها؟!
أم قطعتين في الجيبِ أفضل؟!
كاذب، غشاش آخر!!!و كادت تصرخ في وجهه بذلك لولا أن توقفت السيارة، وشكرت ربها أنها توقفت و أمسكت أعصابها التي باتت تنفلت لأدنى كلمة وبدون سببٍ ....وتركت باب السيارة مفتوحاً فناداها:- على رُسلك!! انتظري..ولم تتوقف وأكملت طريقها مباشرة إلى غرفتها وهي تصفق الباب خلفها وتوصده بالمزلاج..
وسمعت دق الباب بعد وصولها بدقائق..- من؟!
- من تعتقدين في رأيك؟!
- ماذا تريد؟!
- خذي لقد نسيتِ أشياءك؟!
- أيُّ أشياء؟!
وانتبهت أنها عادت بيدين خاويتي الوفاض، ولامت نفسها على إهمالها وسرحانها، أيُّ زلةٍ سيحملها إياها الآن؟!وفتحت الباب قليلاً وقد عم الاحمرار وجهها وعنقها:
- تفضلي..وسحبتها من يده دون أن تترك له مجالاً ليضيف المزيد...
سمعته يغمغم بالخارج فعادت لتفتح الباب:- انتظر..
- ماذا؟!
- خذ.وتطلع إلى الشمعة البيضاء الممدودة إليه بتساؤل:- ما هذا؟!
- شمعة..
- أعرف، ولكن لمَ، ماذا أفعلُ بها؟!
- أطلب أمنية و احتفظ بها، وإذا تحققت أعطني "المكتوب"..تطلع إليها بشك وهو يقول:- أليست سحراً أو شيئاً من هذا القبيل؟!وحدجته بنظرة نارية فأخذ يبرر مازحاً:- أقصد ربما لكي تمنعيني من السفر!!- سفرك أو عدمه لا يهمني بشيء!!وصفقت الباب في وجهه بغضب...ماذا يظنُ نفسه؟!لم يذكرني برحيله كل حين...
ألا يعلم بأنهُ يقتلني حينها ألف مرة..لماذا يا "عمر" لماذا؟!!

طافت "شيماء" حول الفناء الخارجي وهي تسمع جلبةً خفيفة....وجدت عاملان آسيويان يحملان علباً كبيرة و "وليد" ينهرهما ليحملوها بالشكل الصحيح..."ألم يقل أن الأجهزة وصلت منذُ أسابيع!!!"...تساءلت في نفسها.وانزوت قليلاً كي لا تكون في مرمى البصر وأخذت تتابع عملية النقل بإهتمام....
- هيا أحملوا معكم العلب الفارغة والأكياس للخارج!! أمرهم بعجرفة.وانصرف العاملان وخرج هو على أثرهم دالفاً من الباب الاحتياطي...
وبعد أن استوثقت من انصراف الجميع، سارت بفضول نحو المخزن الكبير الذي أحتله بهدف تحويله إلى مختبر لتجاربه!!!وأطلت من بين قضبان النافذة لكنّ الشبك المعدني الناعم كان يعوق الرؤية بوضوح، فتنهدت بإستسلام..وأرادت أن تعود من حيث أتت لكن عيناها سقطتا فوراً على إكرة الباب...وأدارته دون أن تتوقع شيئاً، ولكن يا لدهشتها فقد كان الباب غير مقفلاً!!وهزت كتفيها وهي تفتحه شيئاً فشيئاً....كان المكان مليئاً فعلاً بالأجهزة المفتوحة فعلاً و أخرى لازالت في علبها تنتظر المشرط...وتوقف بصرها حول جهاز X-Rays يقابله سرير صغير قد تناثرت أدوات لم تعرفها حوله...وولجت للداخل تفحص كل ما تصادفه بتمعن، خاصة تلك الملفات المركونة على أحد الرفوف بعناية..وأخذت تتصفحها بتعجب وهي تحاول أن تقرأ ما فيها بصعوبة، إذ كان الخط متشابكاً على عادة الأطباء...- ما هذا!! سميرة، سميحة؟!!وجلست على حافة السرير بعد أن أبعدت الأدوات بحذر وعيناها تحاولان أن تفك الطلاسم المكتوبة كما سمتها!!!أيأتي له مرضى؟! ولكن أين ومتى؟!ربما كانت ملفات قديمة منذُ أيام دراسته بالخارج!!و مطت شفتيها بلا مبالاة وهي تعيدها لمكانها...وألقت نظرةً أخيرة للمكان لتتأكد من أن كل شيء في محله ثم أغلقت الباب خلفها بخفوت...
وسارت في الممر دون أن تنتبه لتلك العينان اللتان لاحظتها منذُ أن وصلت بإنتصار!!!!

- هيه أنت!!
- .................
- يا عديم الضمير، يا عدو الإنسانية!!
- ماذا تريدين؟! صرخ بغضب.
- أريد أن آكل، أنا جائعة، كم مرة قلتُ لك ذلك؟!!- وماذا أفعلُ لكِ؟!
- أريدُ "بيتزا"، اشتر لي "بيتزا"... وضربت منضدتها بكلتا يديها وهي تصيح.
- وهل تريدينني أن أخرج من العمل كي أشتري لسيادتك بيتزا؟!
- أنا قلتُ لك اخرج؟! ألم تسمع بإختراع اسمه "هاتف"؟!وزفرت وهي تقول بصوت منخفض لا يُسمع:"غباء، لا أدري بدوني كيف كانت ستسير الشركة!!"...ورفع سماعة الهاتف بإستسلام فصاحت بعجل:- انتظر، لم تسألني ماذا أريد؟!وأردفت دون أن تتيح له الفرصة ليسأل:- أريدُ بيتزا، ليس من المعجنات الموجودة هنا، بل إما من "سيزر" أو "بيتزا هت"..
- .................
- بالخضار ، وبدون "المرتديلا"!!!
- ...............
ورفعت أصبعها في الهواء بتحذير:- حجم كبير لو سمحت ، ولكن انتبه سآكلها لوحدي، إذا كنت تريد اشتر لك أخرى، أنا لا أحب أن يشاركني أحد في طعامي!!!- حجم كبير؟! لن تستطيعي قطعاً أكلها..
- بل أستطيع.. ردت بثقة.وسألها بريبة:- أرأيتها من قبل، أتعرفين كيف يكون حجمها؟!وشعرت بالإهانة من تساؤلاته، فعاد لتضرب الطاولة بغضب:
- تخالني جئتُ من البادية!! ليكن في علمك أنا كل أسبوع أذهب للمطعم والسينما، خصوصاً السينما، أذهب لها كل ليلة ، كل ليللللللللللللللللللللة!!!وأخذت تصيح بصوتٍ عالٍ، والمدير ينظر لها بإستغراب..ووقفت فجأة من مكانها وكأنها تذكرت شيئاً و هي لاتزال ترمقه بنظرة عدائية:- أيعجبك هذا؟! لقد فورت دمي الآن، خلاياي العصبية احترقت بسببك ، اشتر لي عصير برتقال..- !!!!!!!!!!!!!!- و احضر لي ....- ماذا تريدين أيضاً؟! سلطة خضار؟! خبز بالثوم؟! سألها بحنق.- اممممم، لم أكن لأقول هذا، أنا لا أحب أن أثقل على أحد!! ولكن إذا كنت تشتهيها فلا بأس!!وعادت لتسترخي في مقعدها وعلى شفتيها ابتسامة عريضة تترقب وصول البيتزا...
توقفت أمام باب غرفته وهي تطالع بألم تلك الحقيبة الكبيرة الموضوعة على السرير...كان يتحرك بحماس وهو ينقل ثيابه داخلها، وتوقف فجأة وكأنهُ انتبه للتو من وجودها الذي ناهز النصف ساعة ربما!!- لم أنتِ واقفة هكذا، تعالي وساعديني!!!و لم ينتظر إجابتها، سرعان ما سحبها للداخل...و بقيت جامدة بلا حراك وهي تمسك دمعتها خشية أن تغدر بها غيلةً أمامه...كانت تتقطع من الداخل، وصرخة مرة في حلقها لا تلبث أن تحتج، وهي تكافح لكبح جماحها كي لا تنطلق...أما تشعر بنزيفي يا هذا؟!!وعاد الألم ليعتصرها بقوة دون أن تجد له منفذاً لتنّفس عنه...
أخذت تطالعه بيأس، بعذاب، لكنهُ لا يرفع رأسه، لم يعد يرى أحداً إلا نفسه...
لقد نسي كل شيء، كل شيء و أولهم أنتِ يا "غدير"!!!وأفاقت على صوته...- لم تسأليني متى سأعود؟! سألها بلوم.- فالتبقى طوال عمرك هناك، لا يهمني.. ردت بصوتٍ متهدج.- سأسافر لأسبوعان فقط، أتخالينها تكفي؟!!!بل يكفي ما تفعله بي، يكفي...
- ألا تعلمين أين وضعت ربطات العنق خاصتي؟!
- في جهنم...وانفجر ضاحكاً وهو يبحث في أدراج خزانته:- خسارة، كانت غالية الثمن، سأشتري لي في الصباح أخرى جديدة..ثم أردف وهو يتأملها بإهتمام:
- جهزي لنفسك حقيبةً صغيرة كي تبقي في بيت والدي لحين عودتي.
- لن أجهز أي شيء ولن أذهب لمكان. صاحت بغضب.
- ستبقين في الشقة لوحدك؟!
- لا شأن لك بي حتى لو مُت، أتفهم؟!وغطت وجهها بكفيها وهي تبكي بمرارة...ولم تشعر إلا بيدين تطبقان على كفيها بحنان، ضمهما إلى يديه وهو يضغط عليهما برقة:- إياكِ أن تقولي هذا مرةً أخرى، ألا تعلمين بدونك أضيع..
- ها أنت ستسافر بدوني و... صمتت من الألم.
- بودي أن آخذك، لكنكِ لا تنفعين!! أتقبلين أن تكوني شاهدة على العقد؟!!وسحبت يدها منه ولم تشعر إلا بها تمتد في صفعة على خده..تطلع لها مصدوماً وهي يمسكها من معصمها بقوة ، لكنها لم تخف ولم تجفل، كانت تستمد من جرحها النازف شجاعة، تجعلها تواجه اليوم وغداً وبعد سنين!!
- أيتها المتوحشة!!
- لا يهمني رأيك بي، أريدك أن تطلقني قبل أن تسافر، لا أريد البقاء معك بعد اليوم، أتسمع؟!
- لم أكن أعلم أن فراقي سيؤثر عليكِ بهذه الدرجة!!!وفي حركة لم تتوقعها منه تلك اللحظة، رفع يدها التي صفعته إلى شفتيه وقبلها!!!و فجرت تلك الحركة البراكين الكامنة بداخلها، زلزلتها من الأعماق، زادتها ألماً، ضاعفت لوعتها....سحبت يدها منه وهي تصيح في وجهه:- أنا أكرهك، أكرهك، ارحل، لا أريد أن أراك ..
وهرعت لغرفتها تبكي نفسها، خيبتها، وذاك الذاهب في الغد ...
- كليها كلها والآن!!
- سأحمل البقية إلى المنزل. قالت بإستعطاف.
- كلا، بل الآن. ردّ بحزم.
- معدتي ستنفجر، لا أستطيع..
- أنتِ من قلتِ تريدينها بهذا الحجم، تحملي نتيجة طمعك.
- إذا كان على ثمنها أيها البخيل فسأدفع لك.. صاحت.
- لا أريد ثمنها، وستأكلينها رغماً عنك.
- لن أفعل.
- بل ستفعلين.
- لن أفعل وأرني كيف سترغمني.
- تتحدينني؟!
- وأتحدى من هو أكبرُ منك!!
- إذاً لن تخرجي من هنا، وستباتين الليلة في المكتب!!و تطلعت إليه بخوف لأول مرة، أجاد هو فيما يقوله!!- أنت لا تعني هذا، أليس كذلك؟! سألته بإضطراب.
- أنا لا أمزح أبداً.
- أبي..أبي سيتصل إذا تأخرت، وأخوتي سيأتون وسيحطمون رأسك..وسحب حقيبتها الموضوعة على الطاولة..
- ماذا تفعل بحقيبتي، ألا تخجل من نفسك؟!وأخرج هاتفها المحمول دون أن يعبأ بإستنكارها:- الهاتف وقفلته، أريني كيف سيتصل بك أهلك؟!و ازدردت ريقها الجاف وهي ترمش عينيها بسرعة...أخذت تردد بتقطع:
- إن...إن شاء الله، سآ...سآكلها، فقط لا تُغضب نفسك!!وأمسكت القطعة الخامسة وهي تشعر بالغثيان، وقبل أن تفتح فمها، خاطبته بتوسل:
- تفضل، كل معي، لذيذة، لا تُقاوم!!!وأمسكت معدتها بتعب وهي تنظر لوجهه الجامد...وكادت الدموع تطفر من عينيها وهي تمضغ قطعاً صغيرة وتتوقف كل حين...- ماذا تنتظرين؟!
- لا أستطيع، سأتقيأ..
- لا مانع تقيأي ثم أكملي البقية!!!وأسقطت القطعة وهي تضع يدها على فمها وتنثني إلى أسفل..- هيا، كفي عن التمثيل!! صاح بقسوة.
ردت بصوتٍ محتقن:
- سأموت، إن لبدنك عليك حق!!- ما شاء الله وتعرفين الأحاديث النبوية؟!
- أتخالني كافرة؟! صاحت فيه بإستنكار وقد نسيت ألم معدتها.ودقّ الطاولة بأنامله بتهديد:
- ستأخريني وتأخرين نفسك...ورفعت رأسها بعد أن قرصت خديها بقوة، أسبلت عينيها وهي تقول بوهن:- لا أستطيع، معدتي لا تحتمل، رشاقتي هي سبب تعاستي، ما ذنبي أنا؟!!ورفعت صوتها بتباكٍ وهي تفرك عينيها دون أن تنظر إليه...- ابكي حتى الغد، ستأكلين يعني ستأكلين..- ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء يا عديم الرحمة!! صاحت من بين دموعها الشحيحة.- إلى متى سأنتظر؟! صرخ بنفاذ صبر.أمسكت القطعة بإحدى يديها بإستسلام واليد الأخرى تمسح وجهها...وبقيت تنظر لها بتقزز والغثيان يكاد يُصيبها بدوار، وقربتها من فمها، وما كادت تفعل حتى انثنت من جديد وهي تصيح من الألم..- بطني يؤلمني، سأموت...ثم رفعت رأسها بصعوبة وهي تخاطب ملامحه التي باتت أكثر جموداً:- لن آكلها، لن آكلها أسمعت، تريد أن تحبسني، لا يهمني، لن آكل شيء.ووضعت رأسها على الطاولة و بكت...وسمعته يبتعد ويعود أدراجه، ثم قال بصوتٍ رخيم:
- أتمنى أن تكوني قد استفدتِ من درس اليوم وهو: لا للطمع!!!
- .....................
- موعدنا في الغد بإذن الله مع درس جديد أيتها التلميذة النجيبة!!
- ...................- يمكنك أن تعودي إلى البيت الآن!!!واستقامت في جلستها تلك وهي تنظر له بشزر:
- ليتني أقرأ خبر وفاتك في الجريدة أيها المجرم!!
- .....................
- سأخبر الجميع عنك، سأخبرهم كلهم عن أعمالك السوداء مثلك!!! رددت بصوتٍ مبحوح.
- ......................
- لن أعود إلى هنا، لن أعمل معك وإن كان على الشهادة فخذها، لا أريدها، أفضل أن أنسحب من الجامعة بأكملها ولا أبقى معك دقيقة يا شبيه هتلر، أيها الظالم النازي!!وسحبت حقيبتها ونعليها وخرجت بدموعها ودعواتها عليه!!!

هبّت من نومها مذعورة....تلفتت حولها وصدرها يعلو و يهبط في اضطراب...فلم تلقى إلا الظلام الدامس يكتنفها، يحيطها من كل جانب...غرزت أصابعها في شعرها الأسود علها توقف الأفكار المستعرة بجنون في ذهنها...كان كابوساً، ما رأتهُ كان كابوساً...عمر لن يسافر، لن يسافر، ولن يُحضر معه تلك الشقراء!!!أمسكت جبينها الملتهب بين راحتيها، كان مبللاً!!من أين جاء كل هذا الماء؟!!!أبعدت الغطاء عنها بوهن و توجهت إلى الحمام لتغسل وجهها...المرآة...
ما أقساها!!!عيناها تبدوان حمراوتان كأنهما لم تذوقا النوم منذُ شهور...و الوجه شاحب، فقد بريقه، سرقتهُ الأيام!!تخلل الماء البارد بين أصابعها وهي ترشح وجهها ببطء لعلها تُزيح شيئاً من عياءه، من همومه، من كوابيسه الذي تلاحقه في كل مكان...لم يتبقَ من الأيام إلا غداً، غداً فقط!!!واحد، اثنان، ثلاثة، أربع، خمسة...
ما أسهل العد!!وما أقسى الحياة!!!وسمعت صوتاً خافتاً يهمس في أذنيها بكلمات:دعي الأيام تمر هكذا ولا تُبالي، ماذا ستجنين أكثر؟!!ماذا بإمكانك أن تفعليه أو تقدميه؟!!لا شيء..إذن اصمتي، اصمتي وكفي عن البكاء والأنين...لطالما كنتِ وحيدة، لطالما تركوكِ وحيدة، لمَ العويل إذن؟!لأنهُ "عمر"..."عمر"!!!
أصص ما هذا الكلام؟! ما هذه النبرة الضعيفة، لم أعهدك هكذا من قبل يا "غدير"!!!"عمر" أهذا من رفضته في البداية، من حاربتي لئلا يتم بينكما الزواج؟!!
ما بينكما انتهى، كان لا بدُ أن ينتهي منذُ زمن، لأن ليس بينكما أي شيء أصلاً!!لكنني، لكنني.....ماذا؟! عدنا للنبرة الضعيفة...
في كلتا الحالتين أنتِ خاسرة، في كلتا الحالتين ستخسرينه!!!تدثري جيداً يا "غدير" وانسي!!انسي "عمر، انسيه....الأفكار تكاد تعصف بها، تزلزلها ، تهدم كل الحواجز الذي بنتها منذُ سنين طويلة....لم يتبقى شيء على الغد...ها قد اختلطت خيوط الفجر بنجوم الظلام...ها قد تشابكتا، اتحدتا معاً في رقصة سرمدية...
أتراهُ سيسافر؟!
أتراها ستتكلم؟!
أم أن الفجر سيبقى هكذا في حالة احتضار؟!انتظروا الغد بمفاجآته!!!.
.
.
.
يستمتع بنحيب قلبي
بين مقلتيه ..
ألا يرى الروح ترفف بعشقه
ولكن القدر بقضائه كان أقوى بحكمه ..
لما يستحل الموت البطيء لي
و أمام عينيه ؟
أين حبه الذي
قدمه لي ذات مساء ؟
ألأني رفضته
يريني خناجر انتقامه
و الابتسامة تعلو محياه ..
أوااااااااه أي قلبٍ
تحمل
و حب تقصد ؟
احتملت ثورة الحب
بين جنبات قلبي المكسور
و أنت تتهادين أمامي
حلالا
و أنت حرام علي براضكـ
وبعد هذا تعتبين !!ليتك تتركين العناد جانبا
و تحتملين هموم قلب معنى
هام به عشقا لا حبا ..
و تعتبين !!
كفي
براءة يقطر منها شهد
الخيانه
و أنا الأسير
برضاي ..
ذاك الاسير الذي كبلته قيود جنوني بك
ذات لحظهـ
و مازلت مجنونـ ـكـ ..
و تعتبين !!
لكل شي حد و طاقهـ
و أنت استنزفت كل حدودي و طاقاتي
معكـ
فلم العتب ؟!
بأخرى حللها الشرع لي
كحلالك الذي صيرته حراما
بحبك الخائن ؟؟!ستعلم ذات مساء
من هو الخائن ؟
و لما الصمت المكفن بثوب الموت ؟؟(ملاحظة: جميع الخواطر الرائعة بقلم المبدعة الزين)لا يستطيعُ الليلُ أن يرهبني
أو عن مدى عينيكِ أن يحجبنيبيني وبين الليل يا حبيبتي
بدرٌ إلى عليائهِ قد قربنيورغم أن البدر غاب لم يغِب
صبرُ انتظارٍ آهٌ كم أتعبني!!







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:42 am   رقم المشاركة : 23
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

18)
تلكأت "ندى" عند باب الشركة وهي تضع أصبعها في فمها بتوتر...
أأدخل أم لا؟! ماذا سيقول عني عندما يراني قد عدت!!
سيقول رغماً عن أنفها عادت وسيبدأ في التشمت والسخرية مني...
تعرفونه حقود، يغار مني لأني أفضل منه!!!
ثم سيصرخ في وجهي أمام "أشجان" و "جميلة" و سيشير لي بإصبعه لأتوجه إلى مكتبه وكأني نعجة من نعاجه الهاربه!!!
كلا، ثم كلا، أنا "ندى"، تعرفون من هي "ندى"؟!! هيبتي وكرامتي هي أغلى شيء عندي!!
سأعود لمنزلي وأنام خيراً لي من رؤية وجهه السمج، وسأمر على المستشفى في طريقي وآخذ لي عذراً من هناك، تعرفون معدتي لاتزال تؤلمني منذُ البارحة بسبب المجرم!!
وابتعدت عن مدخل الشركة وهي سارحة في أفكارها تلك، ولفت انتباهها صوت بائع جرائد يُدلل على بضائعته المتنقلة..
حرفت مسارها عن موقف السيارات واتجهت ناحيته...- اعطني صحيفة "الأيام"..
- تفضل "مدام"!!
- "مدام"؟! أنا مدام يا قليل الأدب!!وسحبت منهُ الجريدة وهي تنظر له بشزر، تطلع لها "الآسيوي" بخوف دون أن يدري فيمَ أخطأ!!
وقلبت الجريدة بسرعة حتى وصلت إلى صفحة "الوفيات"!!
مررت عينيها بسرعة على الأسماء ثم زفرت بصوتٍ مرتفع، وخاطبت العامل بإستفهام:- كم سعرها؟!
"كل الجرائد بنفس السعر!!"
- 200 فلس.
- ماذا؟! لا أريدها، صفحاتها مجعدة، لا بد أن كثيرين قرأوها بالمجان قبلي!!
- أنت أول نفر قرأها دون أن يدفع!!
- لا تكثر الكلام "بابو".. وطالعته بتهديد وهي تُردف:
- أنا يسفر أنت بلادك إذا عصّب.
- ماما، أنا عندي جنسية "بحريني"، أنا مثل أنت "سيم سيم"!!وشهقت "ندى" وهي تضرب على صدرها:
- أخذت الجنسية "بابو"؟!
- يس مدام، و اسمي أصبح "محمد"، انظر..وأخرج لها بطاقته المدنية فقرأتها عن كثب وهي تهزُّ رأسها أسفاً...
زمن!!!
ومطت شفتيها وهي تردد بصوت خافت:
- الآن أنا و "بابو" بحرينيين!! كيف تركب هذه؟!هزت رأسها بلا مبالاة ثم أخذت تطالع عناوين الكتب المعروضة...
مغامرات اللص الظريف "أرسين لوبين" – أشياء لا تنسى – فنون الطبخ و ...."كيف تُسقطينه في شباكك!!"..وسحبتهُ على الفور وهي تتصفحه باهتمام شديد...
- مدام، ادفع أولاً قبل أن يقرأ..
- سأدفع، سأدفع، انتظر قليلاً، ولا تقل لي مدام وإلا صفعتك!!
و تراقصت ابتسامة شيطانية على شفتيها وهي تتخيل أشياء!!!
التفتت للبائع وهي تسأله بلطف:- أيمكنني أن أستعيره "بابو"، سأعيدهُ لك في الغد كما هو!!!- لا ماما، غير ممكن.
و هبت في وجهه صارخة:- وكم ثمنه؟!
- 3 دنانير. ردّ بخوف.
وأخرجت محفظتها من حقيبتها الصغيرة وهي تخاطبه:
- أنت بحريني الآن صح؟!
- يس ماما. أجاب بفخر.
- أما سمعت بالقانون الجديد؟!- لا ماما.
- إذا اشترى بحريني من بائع بحريني لا بد أن يخفضه ديناراً كاملاً!!!- !!!!!!!!!!!!!!!- خذ، هذان ديناران ولا تجادلني وإلا!!
وضربت على جبهتها بخفة:
- نسيت، لديه جنسية!!وسارت عن البائع المذهول وهي تنظر للكتاب بحماس، و نشاطٌ كبير يدبُّ بداخلها..- اليوم، موعدنا اليوم!!!وابتسمت بشيطنة...
- يتجاهلني
يعنفني
بصمته
بنظراته
و شيء ما يلف سكون عبراتي
هل أحبه؟!!
هل يعقل أني أتلمس ملامح وجوده
في قلبي
و برودة اللحظة تجتاح أطرافي
و تلك النار تستعر في جوفي
و أنا مثل ما أنا
ذهول و هذيان
يلفني
و أتدثر ببقايا همسه
هل يعقل؟!!
أني وقعت في قاع الردى
و كل ما يلفني هنا ظلام
و هيام
إلى متى؟!!
أتأبط الكتمان
و ألوذ بالحرمان
عن ظل و حنان
إلى متى؟!!
أسير في بوتقة الجنون
أنا و الطعون
و قلب خائف مجروح
مازلت أهذي
و أهذي
و كل أوراقي مكشوفةترى متى ينار لي درب المدى
دون دمع على خد الأسى
و دون ألم يتردد مع الصدى
وحدي
أنا
من غيرك من أكون؟!!(بقلم المبدعة: دمعة الأيام)
و انسابت دمعة شفافة امتزجت مع الحبر الأسود، تماهت معه، و أخفت معالم حروفه...
مدت أناملها النحيلة لتمسحها و تُصلح ما يمكن إصلاحه...
لكن قطرة أخرى عنيدة سقطت فانهمرت البقية كرذاذ المطر في مواسم الصيف...
أول الغيث قطرة، أليس كذلك؟!أغلقت دفترها قبل أن يجرفه السيل، ففيه الماضي و بدونه لا ماضي لها!!!وأجالت ببصرها حول الفراغ بسكينة تناقض تلك النار المستعرة في جوفها...بدا لها المكان مظلماً رغم أن شمس الأصيل كانت شاخصة بشموخ في قلب السماء..لا أحد هنا، لا أحد...
فقط أنا والسكون..
والظلام!!!
وسمت صوت ضحكة مخنوقة فالتفتت بسرعة نحو الستارة بخوف..
ضغطت بشدة على مرفقيها وهي ترتعد..
وعلت الضحكات أكثر، ارتفعت..
همست لنفسها بصوتٍ مرتجف:
كلا، كلا، أنا لا أسمعُ شيئاً...
هذا صوت الريح..
أنا أتخيل..
إنها كوابيس، أضغاث أحلام...نحنُ لازلنا في الليل، أليس كذلك؟!وأنّت بصوتٍ متقطع وهي تضع يدها على فمها..
عمر، أين أنت؟!
لا تتركني، لا تذهب....
و دفنت نفسها في وسادتها لعل الأصوات تبعد أو تخفت قليلاً!!!
يا ليت!!!
قلبت صفحات المجلة بملل...
الحيارة رتيبة، مملة، خانقة، لا جديد فيها..
لو أكملت تعليمها لربما شغلت نفسها قليلاً..ولكن مجموعها في الثانوية العامة لا يؤهلها لدخول الجامعة، وحتى لو أهلّها فلن تذهب، إنها تكره الدراسة ولا تطيق لها صبراً!!!
ماذا عن العمل؟!
ومن سيقبلها بشهادتها البسيطة!! الدنيا كدرجات السلم، متى ارتقيت رقتك درجة حتى توصلك للقمة، ومتى ما دنوت ألقتك أسفل سافلين، و في كلتا الحالتين أنت ساقط!!
ستسقط من علو أو دنو، هكذا هي الحياة!!!لو كان لديها شيئاً آخر يشغلها، شيئاً آخر!!!وتجسد ذلك الشيء على صفحات المجلة!!!أخذت تطالع صور الأطفال بشوق ولهفة وهي تمرر أصابعها على شعرهم، أعينهم الصغيرة، وتتخيل أنها تقرص تلك الخدود الممتلئة كالندى!!!
وابتسمت بألم وهي تضمُّ الصور إلى صدرها بقوة حتى تجعدت صفحاتها...وانفتح الباب فجأة:
- عزيزتي ســ .....
وسكت وهو يطالعها بتساؤل لكنها سرعان ما أغلقت المجلة و مسحت عينيها وهي تصطنع المرح:
- ماذا تريد؟!
وحدجها بنظرة متفحصة لطالما سبرت غورها...
- ما بك؟!
- لاشيء، ليس بي شيء.
وعادت لتبتسم ولكن دون حياة، تقدم و تناول المجلة من يدها رغم اعتراضها ولم يتصفح كثيراً، كانت الورقة المجعدة واضحة للعيان....
رفع بصره إليها فاضطربت في وقفتها وكأنها ارتكبت اثماً..
تنهد وهو يضع المجلة على المنضدة...خاطبها بعتب:
- ألن تكفي عن التفكير بهذا الموضوع، ارحمي نفسك..ردت بصوتٍ غائم:
- لا أستطيع، ليس بيدي يا "ناصر"..
أجلسها وهو يشدّ على يديها بمواساة...
نظرت إليه بحزن وهي تردف:
- ربما لن أنجب طفلاً أبداً، ربما كنتُ عاقراً..
- صه ما هذا الكلام يا "شيماء"!!
- هذا ما يتهامس به الجميع في وجودي، لو رأيتهن كيف يتغامزن وهن يبتسمن بشماتة..
- لا تبالي بما يقلنه، كلام الناس لا يهمني البتة، لا يهمني أحدٌ سواكِ...
- لكنك تريد أطفالاً، أنت قلت لي ذلك منذُ بداية زواجنا..
- ....................
- أرأيت؟! ردت بألم.
- هذه أمنيات كل رجل مقبل على الزواج!!
- وأنا لا أستطيع تحقيق هذه الأمنية..
- كفي عن هذا الكلام، ليس بكِ شيئاً، السببُ ليس منكِ، اصبري حتى يأذن الله..
- ربما لن تصبر أنت، وستفعل كما يفعل بقية الرجال وتتزوج من تنجب لك!!!- أنا لستُ متخلفاً، ولو عرضوا علي نساء العالم بأجمعهن ما اخترتُ غيرك...و تطلعت إليه...عيناهُ صادقتان، تنطقان بالحب، بالوفاء...
"أي زوجٍ رائعٍ أنت يا ناصر...
أأستحقك فعلاً؟!!"..وابتسمت في وجهه وهي تغير الموضوع:
- لم تقل لي ماذا كنت تريد؟!
- ماذا كنتُ أريد!!! فعلاً ماذا كنتُ أريد؟!وأخذ يهمهم بتفكير ثم قال فجأة وكأنهُ تذكر:
- أجل، كنتُ أريد أن أقول لكِ ....و ابتسم بهدوء وهو ينظر لها بعمق.
- ماذا؟!
- أني أحبك..وكانت دعواها أن:"يا رب احفظه لي"....
ابتسمت "ندى" ابتسامةً شيطانية وهي تُذكّر نفسها بالخطوات التي حفظتها عن ظهر قلب منذُ الصباح...
حملت الكيس الكبير بيدها وكادت تدفع الباب بقدمها كعادتها لكنها أمسكت ووبخت نفسها على هذا التصرف بشدة!!
"انتبهي!!"







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:44 am   رقم المشاركة : 24
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

و طرقت الباب برقة وهي تنعّم صوتها :
- أأدخل أستاذ؟!
وخُيّل إليها أن الرد تأخر أكثر من المعتاد!!وأخيراً أتاها الصوت الجامد:
- تفضلي..فتحت الباب دون أن تنظر لجهةٍ محددة وجلست على مقعدها المعتاد في نهاية الزاوية..فتشت في حقيبتها سريعاً وأخرجت ورقة قربتها من أنفها لتتأكد من بقاء رائحة عطر "كوكو شانيل" فيها ونهضت على الفور..
وتمهلت في خطاها وهي تمشي على استحياء حتى وصلت إليه:
- أستاذ هذا عذر غيابي لهذا الصباح، و قد أعطاني إياهُ الطبيب ليومٍ كامل بعد تناولي لبيتزا مسمومة البارحة!!! ومع ذلك قررتُ أن آتي رغم مرضي لأني لا أحتمل الفراق عنك، أقصد فراق العمل!!
- ............................
- لا تنسى أن تشمّ العذر بعد أن تقرأه!!!
وقرصت خديها ليُحمّرا وهو يطالعها مبهوتاً فحدجته بنظرة مسبلة وسارت عنه..و جلست على كرسيها وأخذت تعبث بالكيس الكبير...أمسكت مزهرية زجاجية شفافة ووضعتها على الطاولة بصوتٍ مسموع فالتفت المدير وفي وجهه تساؤل لكنه سرعان ما هز رأسه باستخفاف وأكمل عمله...أخرجت باقة كبيرة من الورد الأحمر المخملي، فكّت رباطها والابتسامة الشيطانية تتراقص على شفتيها...صفت الأزهار بعناية داخل المزهرية الزجاجية وهي تطالع المدير بطرف عينيها بخبث..عدت للعشرة في سرها ثم نهضت من جديد...
سحبت زهرة ندية العود ووضعتها خلفها وهي تقترب من طاولة المدير، أحنت رأسها فجأة وهي تدسُ أنفها في الورقة التي بين يديه...وأجفل من وجودها أمامه هكذا لكنها نظرت إليه وهي ترمش عينيها ببراءة ووضعت الزهرة الحمراء أمامه واستدارت!!!أخذ يحدق في الشيء الذي وضعته بذهول ثم التفت إليها فلم يرى إلا الملف يغطي وجهها تماماً!!!!!
أزاحت "ندى" الملف قليلاً بعد بُرهة فوجدته يعود للكتابة وهو يحكُ شعره!!!!وكادت تصرخ من الفرح:"هذه أول إشارة، لقد نجح الطعم لأستاذ "كمبيوتر" بدأ يحك شعره وهو يفكر بي، ولكن...
ماذا لو كان في شعره قمل!!!!!!"ولوت فمها بتقزز...
"لا بد أن أتأكد، سأحاول من جديد".. خاطبت نفسها بتصميم.ونهضت ساحبةً معها زهرةً أخرى فرفع بصره إليها في نفس اللحظة فغضت وهي تلقي بالوردة بسرعة من بعيد وتفرّ إلى مكتبها...وحجبت وجهها بوجل وحين أزاحته رأته يرصدها فوضعت يدها على فمها قبل أن تصرخ وأدارت كرسيها لتقابل الحائط!!!ومرت 10 دقائق تقريباً وهي تنظر للحائط الأصم حتى كلّت عيناها، تلمست خلفها بيديها وسحبت لها ورقة..." لو كان اً لصرخ علي، ثم السكوت علامة الرضا، أليس كذلك؟!وعادت لوضعها الطبيعي مختبئة كالعادة، فتحت إحدى عينيها...
كان قد توقف عن الكتابة وبقي ينظر للزهرتين بتمعن...
وتهللت و أمسكت نفسها عن القفز وسط المكان..
وسمعت صوته الهادر يناديها دون أن يُبعد ناظريه عن الورد:- تعالي إلى هنا يا آنسة..
"إنهُ يناديني، سيعترف لي، لقد سقط في الشباك أخيراً!!!وهرعت إليه من فورها حتى كادت تتعثر!!!!تطلع إليها من رأسها لأخمص قدميها ثم سأل بجفاف:- أيمكنكِ أن تخبريني ماذا ترمين من وراء هذه التصرفات الخرقاء؟!
- ...................
- ألن تعقلي أبداً؟!
- .................
وصرخ بغضبٍ ثائر:
- خذي هذه الورود وانصرفي لعملك...وشعرت بأن أحداً سكب على رأسها ماءاً بارداً..."أهذا ما ناداني من أجله!!"...تطلعت إليه بإنفعال وهي ترفع أصبعها أمام عينيه:- أنا لا آخذُ شيئاً من غريب!! ماذا أقول لو سألني والدي عن مصدرها؟! أأقول له أنك أعطيتني هذه الورود الحمراء!!! أتريده أن يعلقني من النافذة!!وتطلع إليها بدهشة لكنها لم تبالِ وتابعت:
- كف عن حركات المراهقين هذه، هذا عيب يا أستاذ، عيب أتسمع، عمرك في الثلاثين وتحضر لصغيرة مثلي، سريعة التأثر وروداً!!!وفغر فاهه والدهشة تتسع....- وأيُّ لون؟! لوناً أحمراً، أتعرف عمّا يعبر هذا اللون؟!
- !!!!!!!!!
- لم لا تقلها مباشرة بدلاً من اللف والدوران!!
- أقولُ لكِ ماذا أيتها المجنونة؟! صاح بغضب.
- وكيف لي أن أعرف ما يدور في ذهنك الخبيث!! تحضر لي وروداً حمراء وتكتب لي رسائل معطرة تضعها في ملفي، ماذا تسمي كل هذا؟!!
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!و زفرت وهي ترفع كتفيها بإستنكار:
- لا أدري متى سأسلم من المعاكسات التي لا تنتهي، أينما أسير، أينما أتواجد تلاحقونني!!!
- ........................
- و بعد هذا الاكتشاف الذي اكتشفته عنك، تبين لي أنه لا يصلح بنا أن نبقى معاً في مكانٍ واحد، أنا أخافُ على نفسي!!واحتقن وجهه فبدا داكناً وهو يصرخ بغضبٍ مكتوم:- ابتعدي عني قبل أن أخنقكِ!!
- لا تصرخ علي، وليكن في علمك بعد كلامك هذا وتصرفات المراهقين التي فعلتها قد سقطت من عيني، لذا لا تتعب نفسك فلن أقبل الزواج بك!!! وضرب بقبضته على الطاولة فركضت إلى كرسيها بخوف..- مجنونة، مجنونة!!!
- أنا أسمعك!! ردت بتهديد.
وعقدت ذراعيها بغيظ وهي تدمدم:"مؤلف كاذب، كيف تسقطينه في شباكك!!!ألقيه في البحر!!أين ستُفلت مني يا "بابو"!!"
ربما رحل، رحل ولم يحفل بي البتة، كم كان متلهفاً للذهاب و كأنهُ سيلقى الجنة!!!
كلهم يرحلون، يرحلون تباعاً...
الأب يرحل، الأمُ ترحل، والزوج يرحل!!!تركني هنا وحيدة مع الظلام، مع السكون، مع الوحشة...يا لقسوته، يا لظلمه، ويا لحرقة قلبي!!!تركني وذهب، من لي بعد اليوم، من؟!وتهاوت على كرسيها بوهن تحاول أن تلملم شعثها، أجزاءها المبعثرة، روحها المنفلتة من جسدها، الهائمة بلا هُدى...وسمعت طرقاً خافتاً على الباب فرفعت رأسها بضعف...
وتراءى لها أن الباب يُفتح وأنهُ واقفٌ الآن أمامها يطالعها بثبات...
تلمست جبينها بأناملها المرتجفة بإعياء...
أنها تحلم، تتخيل، باتت تسمع وترى أشياء غير موجودة أصلاً في الآونة الأخيرة!!لا بد أني جننتُ، ها أنا أهذي به من جديد..."عمر" سافر ، منذُ الغروب، لا بل منذُ زمن..
سلب روحي و رحل...
لم يعد يُريدني، أنا لا أنفع!!و طفرت الدموع من عينيها بحرارة وهي تطالع الخيال الواقف بصمت..رفقاً بي رفقاً، أنا لا أحتمل...
يكفيني سأصاب بالجنون..وكادت تصرخ، لكن صوتها اختنق، احتبس، ضاع في جوفها، تسرب كما تسربت الأيام الخمسة من بين يديها في غفلةٍ منها...أجبني أأنت أنت أم أنك وهم، سراب؟!
ألازلت هنا؟!
ما بالك صامت، تنظر إليّ هكذا، لا بدّ أن بي شيئاً، لا بد أني فقدتُ رشدي؟!لا تسألني من أنا؟!
أنا لا أعرفُ نفسي، بتُّ لا أعرفها إطلاقاً...
لستُ غدير، لستُ هي، ولكن بالله عليك قبل هذا أخبرني، أجبني:
ألازلت هنا؟!وانفجرت في البكاء بهستيرية وقد بلغ منها السيلُ الزبى...
بلغ أقصاه، وهي لم تعد تحتمل، إنها أوهن من أن تحتمل المزيد...
وبدا لها أن الخيال يتململ في وقفته بتوتر...- غدير!! ناداها بصوتٍ هامس.النبضات تضعف والحواس تتلاشى، تتبدد، و الجسد الواهن لا يتوقف عن الارتجاف..رفعت بصرها إليه وهي تنظر له كالحلم، دون تصديق!!و نطقت أخيراً بصوت مبحوح، خافِت، عُيل من كثرة البكاء:- أما زلت هنا، لمَ لم ترحل؟!
- ..................
ورفعت أصبعاً باتجاه الباب سرعان ما تقهقر وانثنى وهي تردف:
- اذهب، إنهم يستعجلونك، ربما تنتظرك بنفسها في المطار!!!
- .........................- لمَ تنظر إليّ هكذا، أنا لا أبكي لأجلك، بل أبكي أمي، أمي مريضة، ستذهب هي الأخرى، ستموت، أنا أعرفها جسدها لا يتحمل المرض!!
وتهدج صوتها وهي تقبض على صدغها بإختناق:
- ليس لي أحد، من أحبهم لا بد أن يذهبوا، يتركوني ويذهبون...
وضاع الصوت من جديد وصدرها يعلو و يهبط بإضطراب..
ورفعت رأسها بسرعة وكأنها استوعبت شيئاً ما للتو، صاحت فيه بحدة:
- إلا أنت، أنا أكرهك، أكره أن أراك حتى..
- وأنا أعشقك أيتها العنيدة، أعشقك حتى الموت.
- اخرس، لا تقل لي هذا الكلام.. - وأنتِ أيضاً وبنفس القدر ، أليس كذلك يا غدير ؟!وضعت يديها على أذنيها وهي تصيح بقوة:
- ارحل من هنا..
- كيف أرحل دون أن أودعك!!
وتقدم منها فصرخت بجنون وهي تتراجع عن كرسيها:
- لا تقترب مني أبداً، أنت تفقدني أعصابي..
- لن أقترب ولكن مدي يدكِ إلي ، صافحيني ربما تكون المرة الأخيرة!!!
و ضمت يديها خلفها وهي تستمر في التراجع دون شعور، بلا حواس!!!الأخيرة؟!
أقال الأخيرة؟!
أسمعتموه؟!!
لن يعود إلى هنا!!!
سيبقى هناك!!رحماك يا رب، رحماك...جثت على الأرض قبل أن تهوي وهي تمسك بحافة السرير، قدماها أوهن من أن تحملاها، أوهن من أن تحمل ذلك القلب المعذب...
اقترب منها و وضع يده على كتفها بقلق :
- هل أنتِ بخير؟!أجابت بصوتٍ ضعيف، غائب عن الوجود:
- لن أسامحك ما حييت..وضمها إليه بقوة حتى تلاشت أنفاسها وهو يهمس في أذنها:
- سأشتاقُ لكِ كثيراً...و حاول أن يبعدها، لكن أصابعها كانت متشبثة بقميصه...
وأراد إزاحة تلك الأنامل القابضة عليه، فانتبهت وصاحت بإرتياع:
- كلا، لا تتركني، لا تسافر أرجوك..- لا بد لي من ذلك!!ردت بإندفاع وهي تنتحب:
- سأفعل أي شيء تريده، أي شيء..- أي شيء؟! ونظرت إليه بعينيها اللتان بدتا كمحيط لا متناهي من الدموع..
ارتمت على صدره من جديد وهي تصيح بيأس:
- أجل أي..شيء..
وانخرطت في بكاءٍ مرير...ربت على ظهرها برفق وهو يفكر بشرود..- اسمعي، لا أستطيع التراجع الآن، سأسافر وأنهي أموري ثم أعود...رفعت رأسها بسرعة:
- ماذا؟!
- هدئي من روعك لا بد أن أمهّد لهم، لا بد من التبرير فأنا أعرف الرجل جيداً، كلانا نعملُ معاً!!
- أنا لا يهمني ذلك، اتصل واعتذر له. وأخذت تصيح.
- إنهُ ينتظرني الآن في المطار.
- أنت تكذب علي..
- أنا لا أكذب أقسمُ بالله، ولكن لا بُد من إنهاء بعض الأمور!!- ..........................
- لقد أقسمت!!!
- ..........................
- سآتي بسرعة حين تسنح لي الفرصة، صدقيني..مسحت عينيها وهي تخاطبه:
- عدني أنك ستعود لوحدك!!
- أعدك..
- وأنك لن تتزوج أبداً..
- أعدك..وابتسم في وجهها فأطرقت وجهها بإضطراب..
ثم أمسكها من ذراعها وهو يُنهضها من على الأرض:
- هيا، لم يتبق شيء على موعد الرحلة، أين حقيبتك؟! لقد تأخرت!! واتجهت لخزانتها لتحمل معها بعض الأشياء لمنزل خالها ريثما يعود...
في أي هاويةٍ أسير!!لا يهم، لا شيء يهم من بعده...المهم أنهُ سيعود، قال لي سيعود، لن يتزوج، لن يتزوج أتسمعون!!ماذا أريدُ أكثر من هذا !!!ولكن !!!
.
.
.
كم أنتَ محتاجٌ إلى رجوعي
لكي تذوق نعمة الهجوعِفمذ رحلتُ عنك أنت لم تنم
كالساهرِ المعتلِّ والموجوعِوأنتَ معك كل ما تحتاجهُ
وما لديّ ما يسدُّ جوعي







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:51 am   رقم المشاركة : 25
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(19)

رفعت بصرها نحو السقف وهي تتابع حركة المروحة الرتيبة.....
لقد مرّ أسبوعٌ كامل منذُ أن سافر و اتصل خلالها 4 مرات...
في المرةِ الأولى لم تكن موجودة أما في المرات الثلاث فلم تدرِ ما كانت تقول له!!
كانت تبقى صامتة معظم الوقت وهي تستمع له وكأن قد أُسقط في يدها!!
وحين يهم بوداعها وإغلاق السماعة تكاد تصرخ: انتظر!!
لكن لسانها يخونها من جديد وترد بصوتٍ خافت: مع السلامة...
وتعنف نفسها بعد ذلك طوال الوقت وهي تشعر بالندم..أنها لم تعتد بعد، لازالت خائفة، خائفة من القادم...
وتنهدت بعمق وهي تنظر ليديها المتشابكتين في حيره...
"سأخبره، لا بد أن أخبره قبل كل شيء...ولكن ماذا أقول له!!
ربما لن يصدقني..
لن يصدقني؟!!
"عمر" سيصدقني، أليس كذلك؟!
أنا لم أفعل شيئاً، لا شيء...
سأخبره على الهاتف عندما يتصل، لا أستطيع مواجهته، لا أستطيع...
أجل سأخبره و ليحدث ما يحدث!!
عمر لن يتركني، لن يتخلى عني، عمر يحبني، هو قال لي ذلك"..
و شدت الدثار حولها بإحكام لعلها تُبعد تلك الهواجس التي تنتابها وتؤرق مرقدها كل حين...يا رب لطفك، لطفك فقط...
- كلا، كلا، لا تقلق، الأمور تسير على ما يُرام!!
وأخذ يضحك بأريحية وهو ينقل سماعة هاتفه الجوال لأذنه اليُسرى:- سأعود قريباً، بعد شهرين ربما، أجل..
و انخفضت حدة الصوت في موجة أشبه بالهمس الخافت!!
كانت تحتسي عصير البرتقال المفضل لديها وهي تُصيغ السمع لحديثه بفضول...
أغلق هاتفه وهو يجر كرسياً و يخطف شطيرة موضوعة على الطبق....
- عذراً إن أزعجتك، صباح الخير!!
- صباح النور. تمتمت.
- كيف حالك وحال ناصر؟! سألها بصوتٍ عادي.
- نحنُ بخير، الحمد لله...
وصمت كلاهما صمتاً ظاهرياً ثم نطقت بعد دقائق:
- سترجع إلى السويد؟
- أجل.
- ومتى ستعود؟!
- بعد أن أتخرج، لم يتبق إلا عام واحد كما تعرفين. وابتسم بهدوء.
- اها. ردت بشرود.
وأردفت:- بالتوفيق إن شاء الله.ووضعت كوبها على الطاولة وقبل أن تهم بالإنصراف التفتت نحوه:
- "وليد" أيمكن أن.....
- ماذا؟! تفضلي. سأل باهتمام.
تطلعت إليه بصمت لمدة ليست بقصيرة ثم هزت رأسها ببطء وهي ترد:- آه، لاشيء، لاشيء، شكراً على كل حال.و توارت عن الأنظار...
وبقي هو على مقعده يلتهم شطيرته بنهم، سحب كأسها وسكب له عصيراً!!!
تمتم بصوتٍ منخفض:- مسكينة أنتِ يا "شيماء"!!وارتشفه و ابتسامة ثقة كبيرة تعلو شفتيه...ثم أخرج سجارته ونفث دخانها بإرتياح...
- ألا تفهمين العربية حين أكلمك؟!
- ..............................
- هيا انهضي.. صرخ بغضب.
- لن أنهض، ولن أتحرك شبراً من هذا المكان، أتسمع!!!ووضعت يدها أسفل ذقنها من جديد وهي تنظر له بتحدي..
صاح بنفاذ صبر:
- هذه المرأة سيدة أعمال!!
- سيدة أعمال أم رئيسة التنظيفات!! أنا لا يهمني، ما يهمني أنها امرأة وأنا لا أستطيع ترككما لوحدكما، ضميري لا يسمح لي بذلك!!!
- كفي عن هذه الترهات واغربي عن وجهي في الحال و إلا..
- وإلا ماذا؟!
- سأنادي حارس الأمن الواقف في الخارج مع الكلب!!وما أن ذكر لفظة "الكلب" حتى أصابها الفزع فاعتدلت في جلستها مذعورة وهي تحاول أن تتمالك نفسها...
خاطبته بتباكٍ:
- أنا أعرف، لم تقتنيه إلا لتُخيفني، لكنني لا أخاف، نحنُ نربي في بيتنا القطط و الكلاب وحتى الأفاعي!!!
- .........................
- ثم ماذا سيُضيرك لو بقيت هنا ها؟!! أريد أن أتعلم، أنا لم أرى في حياتي سيدة أعمال من قبل..
- يكفي ثرثرة..
ودقّ سطح مكتبها بتهديد...
- سأنصرف الآن ليس خوفاً من تهديدك، ولكن لأن، لأن، أجل لأن أسعد لحظات حياتي تلك التي لا أراك فيها!!
أجابها بقسوة لاذعة:- ويستحسن لو تغادري المكان برّمته و تعودي لمنزلك فلستُ محتاجاً لخدماتك النفيسة هذا اليوم!!وخرجت وهي تجمع أغراضها بغضب...
"يطردني من أجلها وأنا توسلتهُ البارحة كي أعود للبيت بحجة مرض والدي ولم يسمح لي"...وجلست على مكتبها القديم والغيظ يفتتها...وسمعت وقع خطواتٍ ثابتة لكعبٍ عالٍ فالتفتت إلى الباب و بقيت تحملق فيه!!كانت امرأة في عقدها الثالث تسبقها رائحة العود النفاذة، كستنائية الشعر، خمرية البشرة وإن لم يخفي لونها ذلك المكياج الصارخ الموضوع بإتقان...
اقتربت منها المرأة برشاقة وهي تُبعد خصلات شعرها الطويلة إلى الوراء...
خاطبتها بتكبر:
- أين مديرك؟!
"لم تلقي عليّ السلام حتى!!"..
- في الداخل.. ردت مبهورة الأنفاس.
و ولجت إلى حيثُ أشارت لها..
وما هي إلا ثانية حتى ضربت "ندى" على صدرها وهي تخاطب نفسها:
- هذا المحروم إن رآها فلن ينظر في وجهي بعد اليوم!!!
"لا بد أن أفعل شيئاً، لا بد من الهجوم على العدو!!"
ولم تستطع الجلوس على الكرسي، أخذت تدور حول المكان لمدة ربع ساعة دون أن تهتدي لشيء وتوقفت فجأة..
هرولت إلى المطبخ الداخلي وأعدت كوبا "نسكافيه" بدون سكر!!
طرقت الباب بخفة قبل أن تسمع الإذن بالدخول وعلى فمها ابتسامة حقودة...
أخذ المدير يطالعها مصدوماً من وجودها حتى الآن وبدا على وجهه التوجس!!
- أحضرتُ لكما "نسكافيه" ليبلل حلقكما الذي لاشك جف من كثرة الكلام!!
و وضعت "الصينية" على الطاولة و استدارت نحو المرأة...نظرت إليها و هي تصيح بإعجاب:
- واو شعرك رائع، صبغتهُ رائعة، في أي صالونٍ صبغته؟!وأخذت تمسح عليه والمرأة تطالعها بخوف..- ما بالكِ لا تُجيبين يا جدتي، أنتِ في عمر جدتي صح؟! أراهن أن عمرك في الستين لكنها عمليات التجميل !!ثم مطت شفتيها بعبوس وهي تخاطبها:
- ثم كيف تخرجين أمام الملأ بدون حجاب، هذا عيب، حرام، ألا تعلمين أن كل شعرة شيطانة يا شيطانة!!
وشدت شعرها بقوة فصرخت المرأة من الألم..
- آسفة، آسفة لم أقصد. وتراجعت وهي تضع يدها على فمها ببراءة.
- اخرجي من هنا. صرخ المدير بغضب.ثم التفت للسيدة وهو يعتذر:
- أعتذر منكِ سيدتي، لكن هذه الفتاة ليست طبيعية تماماً!!
- وما دامت كذلك لم لاتزال تعمل لديك، شيء غير معقول إطلاقاً!!
قالت ذلك وهي تُعيد ترتيب شعرها بضيق.
- أعتذر لكِ سيدتي من جديد..
وسكتت المرأة على مضض، ثم التفت إلى "ندى" وهو ينظر لها بشزر..زمت فمها بغضب مماثل وهي تحدجه بحقد، وخرجت وهي تصفق الباب..
"أنا غير طبيعية!! و يقول هذا أمام تلك المتعجرفة!!
وعادت لتجلس على مكتبها وهي تضربه بقبضتيها...ومرت ساعة كاملة وهي على هذه الحالة وأخيراً انفتح باب المكتب الرئيسي وقبل أن يلوح أحدهما اختبأت أسفل طاولتها..
- سعدتُ بلقائك سيدتي.
- هذا من دواعي سروري، سنكون على اتصال دائم مع شركتكم.
- وأنا من جهتي سأباشر بالعقد منذُ اليوم..
- إلى اللقاء إذن..
- إلى اللقاء."ألن ينتهيا من أحاديثهما السخيفة؟!! ماذا جرى له اليوم مدير الغفلة!!"وسمعت صوت كعبها يتهادى على الأرض مبتعدة فهبت من مكانها واقفة..
- لحظة. هتفت "ندى"..
أجفلت المرأة وجمدت في مكانها.
- سيدتي، سيدتي، أعتذرُ عما بدر مني. قالتها وهي تنكس رأسها بإنكسار.
- .................
- أرجوكِ سامحيني. وسحبت يدها لتقبلها.
- يكفي، سامحتك.
- فعلاً!!
- أجل.
- أيمكنني أن أسألكِ سؤالاً بحق الصداقة التي جمعتنا اليوم؟!!
تنهدت المرأة بإستسلام:- تفضلي..
- الظلال الذي في عينيكِ جميلٌ جداً، أتعلميني طريقته؟!!و ابتسمت المرأة بخيلاء وهي تُجيب:
- هذا ظلال "السموكي"، ولستُ من وضعته بل أخصائية تجميل خاصة بي..
- حقاً؟! أهذا ما يسمونه "سموكي"، لا أصدق، يا لحسن حظي، أريني..ووضعت أصابعها على الفور على جفني المرأة بعشوائية وهي تمسحهما والمرأة تصرخ...
وانفتح الباب فجأة على وجل و أطل المدير بقلق:
- ماذا يجري؟!
- غبار دخل في أذني أقصد عيني سيدة الأعمال!!! لقد تأخرت عن البيت، مع السلامة وخذها للطبيب...
وجرت بإرتياع للباب الخارجي وما أن لامسها الهواء حتى انفجرت ضاحكة وهي تحمد الله أن غداً الخميس..- سينسى، بعد يومان سينسى!!

أأخبرها هذا المساء، أم أُبقي الأمر مفاجأة!!
كلا، لن أخبرها، أريدُ أن أرى الفرحة الممزوجة بالدهشة جلية في عينيها السوداوين عندما تراني...
معشوقتي الصغيرة تخالني سافرت لأتزوج!!
أتزوج!!
تكفيني هي بجنونها وعنادها لأعزف عن نساء العالم برّمته وأنتظرها هي!!
كثيراً ما وددتُ خنقها بيدي هاتين لكنني أُحجم!! وكيف لي أن أخنق قلبي؟!
كيف سأعيش حينها؟!!
أعلم بأني آذيتك كثيراً يا صغيرتي، صدقيني رغماً عني، ولكن أقسم بأن أعوضك عمّا فات و سأنسى الماضي وكل شيء من أجلك وحدك، و من أجل أن أراكِ سعيدةً تضحكين...
كيف تغلل حبها هكذا إلى روحي، ومنذُ متى؟!
لا أدري، حقيقةً لا أدري...
ربما منذُ أن رأيتها أول مرة و قد أُغمي عليها، أو حين سكنت معنا في البيت فسكن معها قلبي، أو ربما حين تزوجتها وأفقدتني عقلي أو ربما كان حبي لها منذُ الأزل!!أجل، منذُ الأزل...إني لأجزم بأني أحبها حباً قديماً، حباً مُعتقاً، حباً يذكرني دوماً بلحظات الصبا، حين أرتع في الطُرقات في مواسم المطر لأتنسم عبق التراب، عبق الندى، عبق تلك اللحظات العجيبة...
أيُّ رجلٍ عاشق صيرتني يا "غدير"!!
وتخالينني بعدها سأتزوج؟!!
إنه العمل، وكم كرهت العمل لحظتها طالما سيبعدني عنكِ...
وابتسم وهو يعقد ذراعيه خلف رأسه....
لا أعلم كيف صدقتني حينها، ربما كانت الغيرة من أطاشت صوابها...
ولكن لم يبق الشيء الكثير...
لم يتبق إلا الغد، الغدُ فقط من يفصل بيننا!!سأتصلُ لها هذا المساء ولكن لن أخبرها، أعدكم بذلك...أريدُ أن أسمع صوتها، كم اشتقتُ لها كثيراً، كثيراً..
- ماذا تصنعين؟!
- بسبوسة أعددتها بنفسي!! أجابت بفخر.
- بسبوسة!!
- أجل.
- تبدو لذيذة.
- انتظري، لا تلمسي شيئاً!
- لماذا؟!
- لازالت ساخنة..
- أريدُ أن أتذوق فقط.
- ابتعدي إذن، أنا سأقطعُ لكِ.
وأمسكت "ندى" السكين وهي تنظر لبسبوستها بإعتزاز وقطعت قطعة..
- هذه صغيرة جداً!!
- أخافُ عليكِ من السمنة!
وقضمت "غدير" القطعة بتؤدة وهي تستطعمها وما هي إلا دقيقة حتى ألقتها وهي تضع يدها على فمها بغثيان..
- طعمها كالبيض الفاسد!!
- ماذا؟!
و أخذت "ندى" قطعة وقربتها من أنفها ثم صاحت بإستنكار:
- رائحتها عادية أنتِ تتوهمين، تأكدي...
وما أن قربتها من "غدير" من جديد حتى انتابت تلك الأخيرة نوبة غثيان حادة، جرت من فورها إلى المغسلة..
اتجهت لها "ندى" بفزع وهي تضع يدها على كتفها وتهزها بخوف:
- ماذا بك؟! لم أضع شيئاً غريباً في الأكل، أقسمُ لكِ..
صاحت بتقطع وهي تمسك معدتها بقوة:
- آه، ابعدي يدكِ، رائحتها.......
و عاودتها النوبة أعنف من ذي قبل و "ندى" تنظر إليها بعينين مذعورتين وهي تتراجع إلى الوراء...
وأخذت "غدير" تتنفس بعمق وهي ترشح وجهها بالماء، وتمالكت نفسها بعد مرور دقائق ثقيلة والتفتت لتلك الأخيرة معتذرة:
- يبدو أنني متعبة قليلاً، سأذهب لأرتاح، آسفة..
وأرادت "ندى" أن تساعدها على السير لكنها أمسكت خشية أن تتقيأ من جديد..
وبقيت تتابعها بقلق حتى غاب خيالها في الغرفة...
رمشت عينيها مراراً وتكراراً وهي تتذكر ما وضعته في الخلطة من محتويات..
" طحين، سكر، زبدة، حليب، بيض"
بيض!!!
كان طازجاً، صدقوني، أنا كسرته بنفسي و الخادمة فعلت كل شيء!!"
وعادت إلى المطبخ و تناولت قطعة وهي تتمتم بتعجب:
- ليس بها شيء، إنها طيبة المذاق!!
وتوقفت في الصالة وهي تنظر للغرفة المغلقة بتفكير...
و فجأة شهقت بصوتٍ مرتفع وكأن الإلهام هبط عليها:
- غدير حامل؟!!
وما أن فاقت من صدمة الاكتشاف حتى صاحت بفرح:
- سأصبح عمة، سأصبح عمة أخيراً..
وأخذت ترقص جدلةً حول المكان دون أن تنتبه لتلك الواقفة من بعيد...
تلك التي كانت تتمزق، تتفتت كورقة خريفية أفلتت من غصنها اليابس...
هزت "شيماء" رأسها ببطء و هي تعتصر الألم من قلبها عصراً..
"حامل!! غدير حامل!!"
وأصابتها هذه الجملة بشظية أدمتها، جعلتها تنزف، تتقرح من الداخل، الجرج يُنكأ ببطء و قوة والألم يشتد، يعصف بكيانها، ويهزها حتى الأعماق!!
ها هي العبارة ترنُّ في أذنيها من جديد بوقعٍ غريب، وتخترق الصدر مباشرة، إلى هناك، بين الضلوع!!
وهرعت للسلم بجنون وقلبها يترنح بين ضلوعها، الوجود أسود، مظلم لا أمل فيه...
أوصدت الباب خلفها و التفتت لذاك الجالس بهدوء و بيده كتاب..
أخذت تهدأ نفسها الثائرة دون جدوى ثم نطقت بهيجان:- زوجة أخيك حامل.
رفع رأسه لوجهها ال بتساؤل:
- من؟!
- ومن غيرها؟! غدير.. صاحت بحسرة.
- آه، مبروك. و صمت بحيرة.
- أهذا ما لديك فقط؟! مبروك!!
- ماذا تريدين مني أن أقول!!
- أنا لا أريدك أن تقول شيئاً، أريدك أن تتحرك كباقي خلق الله!! صرخت بإنفعال.نهض على قدميه وهو يُلقي بالكتاب على الأرض بنفاذ صبر:
- فعلتُ لكِ كل شيء، لم نترك طبيباً إلا وذهبنا إليه، ماذا تريدين أكثر!!
- فلنسافر، لنتعالج في الخارج..
- نتعالج!! أأصبتِ بالجنون، لم نكمل عام ولا حتى نصف عام على زواجنا ونسافر لنتعالج!!!
- غدير و عمر لم يمر على زواجهما سوى شهر واحد و ها هي ستُرزق بطفلٍ قبلي..
و أفلت الصمام من يدها، أجهشت بالبكاء بمرارة وغصاتها تتلاحق...وبقي واقفاً بتردد وهو يتطلعُ لها...
- شيماء... ناداها بألم.
صاحت من بين دموعها:
- اخرج من هنا، أنت لا فائدة منك، لن تحس بي أبداً، أبداً..
وخرج من الغرفة والحزن يعصف به...
أيّ حالةٍ وصلت إليها زوجته!!
أكلُ هذا من أجل طفل!!
أنا لا يهمني الأطفال، أنا يهمني أنتِ، أنتِ فقط لكنكِ لا تفهمين..."زوجة أخي حامل!!"
ليوفقهما الله، ماذا تريدين مني أن أفعل!!
أن أشتمهما، أن أحقد عليهما لأنهما سينجبان ونحنُ لا؟!!
ماذا تريدين مني بالله عليكِ أخبريني!!
تريدين أن نسافر؟!
ومن أين لي المال لأسافر وحتى لو وجدت، فسأطرد من عملي طرداً نهائياً من كثرة الإجازات التي آخذها من أجل البقاء معك، كي لا تبقي وحيدة، كي لا تفكرين!!! أأنا لا أحسُّ بك؟!
أرجوكِ أرحميني لقد تعبت، كفي عن التحدث عن الأطفال، بتُّ أكره سيرتهم!!وتطلع إلى السماء بحزن وهو يتساءل:
لم الحياة هكذا كظلمة هذا الليل و لكن بلا نجوم!!
بلا نجوم؟!!

خرجت من غرفتها مسرعة و هي تسمع صوت الهاتف يرن بتواصل و قد عاودها النشاط بعد أن غفت قليلاً وأراحت جسدها المتعب...لا بد أنه هو، لقد حفظت مواعيد اتصالاته جيداً، في الساعة الثانية عشر تماماً!!
وخفق قلبها بشدة لذكراه، وقفت ليس ببعيدٍ عن "ندى" وهي تنصت بخجل لحوارهما...
- أهلاً أهلاً، كيف حالك الآن؟!
- كم مرة سألتني هذا السؤال؟!
- أريدُ أن أطمئن على صحتك ليس إلا!!
وزفر وهو يسألها بنفاذ صبر:
- أين غدير؟!
- من "غدير"؟!
- زوجتي..
- ومتى تزوجت!! سألتهُ بإستنكار.
- ندى، سأصفعك..
- كيف؟! ستخرج لي من سلك الهاتف!!وضحكت بأريحية و "غدير" تشير لها بأن تعطيها سماعة الهاتف لكنها لم تبالي..
- سأعطيك إياها ولكن بشرط!!
تنهد بإستسلام:
- وما هو شرطك؟!
- تشتري لي هدية، هدية محترمة تناسب مقامي المرموق في العائلة والأوساط الإجتماعية المعروفة، تعرفني أنا...
- كفي عن الثرثرة وناديها وإلا قسماً عدتُ هذا المساء و ذبحتك..
- حسناً، حسناً، لا تغضب، أعوذُ بالله..
- إلى متى سأنتظر؟!
- ستأتي الآن لا تقلق، تعرفها بطيئة الحركة، ليست في مثل رشاقتي!!
و نظرت لها "غدير" بتوعد فمدت لها لسانها بلؤم ثم صاحت بسرعة وكأنها تذكرت شيئاً ما:
- ذكرتني، نسيت أن أخبرك!!
- ماذا؟!
- لن تصدق..
- ماذا؟! كرر بنفاذ صبر.
- مبروك، زوجتك حامل!!!!
.
.
.
.و بالكلام أفقدُ السلامَ، أليس كذلك؟!!
الغد، ما أقرب الغد...
و ما أقسى ما يحمل!!!<<<< يتبـــــــــــــــعلم يبق لي سيدتي إلاهُ
وذا أنا أدعوه: يا اللهُكان الحبيبُ والياً لخافقي
وخافقي هو الذي ولاهُوحين ضاع ما خلت يدي
إلا من القيد الذي خلاّهُ!!







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:57 am   رقم المشاركة : 26
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(20)
- آلو، آلو!!
- ..................
- لقد انقطع الخط!! يبدو أن المفاجأة ألجمت لسانه!!!!وتهاوت "غدير" على الكرسي الذي بجوارها وهي تحملق في المكان بعينين فارغتين من كل شيء...
من كل شيء!!
التفتت لها "ندى" وهي تمط شفتيها و تُردف بلا مبالاة:
- لا تقلقي سيعاود الاتصال من جديد، كان متهلفاً للحديثِ معكِ..
"ماذا تقول هذه؟!"
و رفعت رأسها إليها وهي تنظر لها دون تصديق، خاطبتها بصوتٍ خافت يرتجف:
- لم قلتِ له ذلك؟!
- ماذا؟!
- لم قلتِ لهُ أني حامل، لم فعلتِ ذلك بي؟! سألتها بلوعة.
- لكنكِ كذلك. أجابت بتردد.
- أنا لستُ حاملاً!! صرخت بإختناق.
- لقد رأيتكِ تتقيأين عندما........
قاطعتها وهي تقبض على صدغها و تهز رأسها بألم:
- رائحة البيض لا أطيقه، يُثير فيّ الغثيان منذُ الصغر!!
- حسناً، لابأس، كان سوء تفاهم ليس إلا. علقت "ندى" بإضطراب.
- سوء تفاهم!! تقولين سوء تفاهم؟!! رددت بذهول.- عمر لن يغضب، سأقول له أن الحمل كاذب، لا تفعلي بنفسكِ هكذا..
- عن أي حملٍ كاذب تتكلمين، ، عمر سيطلقني، سيتركني بسببكِ أنتِ..
- كلا، عمر لن يتركك لخطأ تافه كهذا، أنتِ تبالغين. ردت بتهدج.
- أنتِ لا تفهمين شيئاً، لا تفهمين. وغطت وجهها بكفيها وهي تشهق بالبكاء...
جثت "ندى" بجانبها و هي تشدها من ثيابها:
- قولي لي ماذا أفعل، سأفعل أي شيء.
رفعت "غدير" رأسها بضعف و نظرت لها بتوسل:
- اتصلي له، أخبريه، قولي له أنكِ تمزحين..
هرعت "ندى" للهاتف وهي تعيد الضغط على الأزرار عدة مرات...
وبقيت على هذه الحالة عدة دقائق، ردت بصوتٍ خافت وهي تتطلع إلى "غدير" بإرتباك:
- لا يُجيب، لا بد أنها الخطوط ....وخيم الصمت حول المكان.....كانت تنقل بصرها بشرود بين ندى و يدها وسماعة الهاتف !!!وتمهلت عند سماعة الهاتف طويلاً....خاطبتها بصوتٍ أثيري كالحلم و هي تضم يديها إلى صدرها:
- كنتُ سأخبره وكان سيصدقني...
- ..............................
- هو يعرف بأني أحبه و لا أحبُّ غيره...
- .............................
- لقد اشتريتُ له هدية، قميص أخضر بلون عينيه!!! كنتُ سأسأله من أين اكتسب هذا اللون بعد أن يعود...
- ولكن ليس بعد الآن أليس كذلك؟! ليس بعد الآن.. و نظرت إلى "ندى" وكأنها انتبهت للتو من وجودها، صاحت بألم:- كلهُ بسببك، أنتِ السبب..وانسابت دموعها وهي تراها تغرق من جديد في نوبة من البكاء المرير...يا نجوم السماء ابقي يقظة...لا ترحلي، لا تأفلي كي لا يحلّ الصباح!!

لم تنم البارحة، لقد أبى الكرى إلا أن يحرمها النوم و راحة البال...
تقلبت على فراشها وهي تحاول أن تتجنب ذلك الضوء المضطرب المنبعث من قنديل الصباح...لم ينم البارحة هو الآخر، نهض منذُ بزوغ الفجر!!
لا يهم، لا شيء يهم!!!
و أزاحت الدثار عنها بضيق وتوجهت للمرآة..
عيناها متورمتان من كثرة البكاء، من شدة الألم، من تلك الغصة التي لا تفتأ أن تُضيّق عليها الخناق وتلاحقها كظلها كما تلاحقها عبارة:
"غدير، حامل!!"...أأنا حقودة؟!
أجيبوني!!أتخالوني أغار منها وأحقد؟!
ما بالكم تنظرون لي بشك!!!
قولوها أمامي و كفوا عن التحدث خلفي بهمس!!أجل، أجل، أنا غيورة، حقودة، قولوا عني ما شئتم، فقد تعبت، مللت، ضاق صدري!!وهذا الزوج البارد!!لا آخذ منه إلا الكلام، إلا الوعود السقيمة...اصبري، اصبري، اصبري!!!!!
لقد تعبتُ من الصبر!!
ماذا سيضيره لو سافرنا؟! ماذا سيخسر؟!
لم يحطم آمالي، لم لا يفهمني هذا الرجل؟!!
ألا يعلم؟!! قريباً ستمر الشهور التسعة كلمح البصر، وستُرزق هي بطفل..أتعرفون ما معنى "طفل"؟!
ذلك المخلوق الصغير ذي العينين الصغيرتين، ذلك الذي سينطق لها:
ماما!!
حينها سأجن أتفهمون؟!كلا، كلا أنتم لا تفهمون، لا تفهموني...أريدُ أن أصبح أماً، أريدُ أن أصبح أماً...
و دفعت الأشياء الموضوعة أمام المرآة بعنف، تحطمت، تكسرت وتبعثرت كروحها الممزقة في كل مكان وعادت لتجهش بالبكاء...
مقفل!! هاتفه مقفل منذُ البارحة...
لم لا ترد!!
ردّ علي، أرجوك...لا تتركني هكذا أخافُ منك...صمتك يُرعبني، أرجوك تكلم، قل شيئاً، لكن لا تسكت، لا تعذبني هكذا..الخطوط هي السبب، إنها كما قالت "ندى" متشابكة!! أنت لست اً مني...أليس كذلك يا "عمر"، اجبني، لم لا ترد علي!!
يا لقسوة قلبك، أهنتُ عليك بهذه البساطة!!و سمعت ضجة فالتفتت نحو الباب بوجل...أطلت "ندى" وهي تلهث:
- "عمر" عاد..
- كلا. صرخت بإرتياع.
وصمتت برهة لتلتقط أنفاسها ثم أضافت:
- لا تقلقي، لا يبدو عليه الغضب أبداً، ألم أقل لكِ..
- لا أريد أن أذهب، لا أريد أن أراه.
وانزوت للبعيد بخوف....
اقتربت منها "ندى" حتى أصبحت بمحاذاتها:
- ماذا سيقولون؟! زوجك عائد للتو من سفره وأنتِ هنا مختبئة؟!
- إنهُ لم يعد إلا لأنه يخالني كما قلتِ.. ردت بخوف.







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 10:58 am   رقم المشاركة : 27
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

- سأخبره بإلتباسي في الموضوع، اطمأني.
- متى؟! سألتها وهي ترفع رأسها بتلهف.
- عندما يكون لوحده، لا تخافي لن أعدم وسيلةً هذا اليوم..
تطلعت لها بيأس وهي تصيح:
- سأبقى هنا، قولي له أني مريضة، لستُ هنا، قولي له أي شيء..
وأخذت تبكي بصمت وهي تدفن رأسها في حجرها...
- لم تعقدين الأمور وهي بسيطة، أنا لا أفهمك!!
- .......................
- هيا انهضي معي، كل شيء سيحل بإذن الله..
رفعت رأسها ببطء وهي تنظر لها بألم..
"سيُحل؟!!"
- هيا اغسلي وجهك قبل أن يأتي إلى هنا ويراك بهذه الحالة..
و ساعدتها "ندى" على النهوض...
غسلت وجهها لكنها لم تستطع أن تمسح معالم الخوف المرتسمة على وجهها الشاحب....وسارت بتعثر و هي تختبأ خلفها...
كانوا جميعهم هناك، فلا غرو فاليوم جمعة...
"وليد" جالس و بيده سجارته التي لم يشعلها بعد و بجانبه "ناصر" عاقداً ذراعيه خلف رأسه وقد بدا عليه أنهُ لم ينم منذُ عام أو ربما خُيل لها ذلك!!
وتوسط الأب المقعد الكبير عدا "شيماء" التي كانت واقفة تحدجها بنظرة غريبة لم تعتدها من قبل...
إلا هو!!!
لم يلتفت لها منذُ أن وطأت بقدمها الصالة...
لم ترى وجهه..لم يلتفت؟! أو ربما هي لم تجرؤ على النظر إليه!!!
- سلمت على الكل، ونسيت زوجتك؟! خاطبه الأب.ورفع رأسهُ حينها نحوها فالتقت بعينيه الخضراوين....
فيهما وحشة، سكون، جمود...
ومدّ يد ليصافحها، كانت يدها ترتجف من نظرته الجامدة، تلك التي تُخفي خلفها خبايا نفسه العميقة...
ضغط على يدها بشدة وهو يطالعها بثبات فسحبتها بسرعة وهي تنظر بزيغ إلى "ندى"!!
وعادوا إلى أحاديثهم من جديد، كان يبدو مندمجاً معهم، مرحاً، لا يكف عن التعليق!!!و خاطب الجميع وهو يشير إليها:- لابد أن نترككم الآن أنا متعب وأريد أن أرتاح.
ردت بسرعة:
- كلا، كلا، الشقة لا بد مليئة بالغبار الآن، ستأتي "ندى" معي و ستنظفها..
ونظرت "غدير" إلى تلك الأخيرة بإستعطاف.
- أجل سآتي معكم.
- ولم "ندى"، ألا أنفع؟! سألها ببرود.
- أنت متعب، ارتح ونحنُ سنفعل كل شيء. تابعت شقيقته.
- بل هي من يجب أن ترتاح، أليست بحامل؟!
قالتها "شيماء" بمرارة وهي تنظر مباشرة لناصر....نهض هذا الأخير معتذراً من المكان برمته وهو يتمتم بكلمات.
- لم لم يخبرني أحد من قبل؟! سأل الأب بعتب.
- لست أنت فقط يا أبي، تصور أنا زوجها و آخر من يعلم!! علق "عمر".
وضحك الجميع وهو معهم!!!- على العموم مبروك يا ابنتي.وسكنت سكون الريح لحظة المغيب....الكلمات تعبر أذنيها بتثاقل، بتقهقر والهدير يعلو بداخلها بصمت وهي عاجزة عن الرد، عن الصياح:"كفوا عن هذا الحديث!! ماذا تفعلون بي؟!!"ارتعشت شفتاها وهي تهزُّ رأسها له، فابتسم بقسوة وهو يخاطبها بثبات:- هيا يا عزيزتي لقد تأخرنا، لو تعلمين كم أرهقتني هذه الرحلة!!!
ثم التفت لأبيه:
- نستودعكم الله..وأُسقط في يدها!!!
و شيعت "ندى" وفي عينيها لوم، عتاب:
"لم تفعلي شيئاً، لقد كذبتِ علي"...

لحقته حتى الفناء الخارجي وهي تناديه:
- وليد..وتوقف فجأة وهو يستدير لها بتساؤل:
- نعم!!
- بشأن الفحوص التي أعطيتك إياها...
- ماذا بها؟!
- قلت لي أنك ستلقي عليها نظرة..
- آها، أجل، أجل..
- وما رأيك؟!
- تعرفيني لا أثق بفحوص المستشفيات هنا، لا بد أن أستخدم أجهزتي الخاصة.
- أنا ليس لدي مانع البتة.
- وناصر؟!
- سيأتي أيضاً. ردت بشرود.أشعل سيجارته ونفث دخانها أمامها وهو يجيب بهدوء:
- الآن أنا مشغول، لدي موعد مع بعض العملاء..
- ومتى تكون فارغاً؟!
- يمكنك أن تمري عليّ بالليل فهذا أنسب وقت بالنسبة لي.
- بالليل؟!
- أجل، إذا شئتِ. رد بلامبالاة.واستدار إلى معمله وقبل أن يدخل سحق السجارة بقدمه!!!وبقيت واقفة تنظر بيأس لكل شيء، كل شيء...
طفرت الدموع من عينيها وهي تمسحها بإرتجاف، كان أقل حركة أو صوت يصدر من السيارة يجعلها تصرخ وهي تشهق بصوتٍ كتوم...
الخوف منه يشلها، يشل تفكيرها، يشل حواسها المتلاشية...
وتوقفت السيارة فتوقف قلبها عن النبض، نظرت إليه بإرتياع وهي تنكمش في مكانها..
- انهضي، ماذا تنتظرين؟! قال بجمود.
نطقت بتقطع:
- عمر أنا....
- بهدوء انزلي لو سمحتِ، لا نريدُ فضائح في الطريق!!
وبعينين مغشيتان تابعته وهو يتجه للصندوق الخلفي ليُخرج حقائبه...
صدّت لحقيبتها الصغيرة و أخذت تتأملها لبرهة و دون شعور أخرجت مفتاح الشقة خاصتها...التفت لها وهي تخرج لكنهُ أكمل إنزال الحقائب بهدوء..أوصدت باب غرفتها خلفها و هي تستند عليه و صدرها يعلو و يهبط بخوف...
مرت الدقائق بطيئة، ثقيلة بثوانيها التي يبدو أن العطب أصابها فلم تتزحزح من فلكها الدوّار...
وسمعت خطواته الثابتة تقترب فالتصقت بالباب وضربات قلبها تدق بعنف..
- غدير، افتحي الباب.. نادى بتهديد.
- اسمعني أولاً. صاحت بترجي.
- ماذا لديكِ من مزيد لتقولينه؟!!
- أنا لستُ حاملاً، أقسمُ بالعظيم، ألا تثقُ بي!!
- أثقُ بك؟!! تقولين لي ليلة زفافك أنكِ تحبين رجلاً، و بالأمس فقط يقولون لي أنكِ حامل!! كيفُ أثقُ بكِ بعد ذلك بالله عليكِ؟!
- لا، أنت لا تفهم أنا...
- أين كنتِ حين اتصلتُ بك أول مرة منذُ سفري ها؟!
- لقد ذهبتُ لــ.......وصمتت...
"لأشتري لك قميصاً بدلاً من ذاك الذي ألقيته بعد أن سكبتُ عليه الماء!!"- تحملتك كثيراً، أكثر مما تسمح به طاقتي، تحملتُ رفضك، جرحك لكرامتي و صبرت لكن إلا كرامتي يا "غدير"، إلا هذه... و صرخ بغضب.- كرامتك لم تُدنس، لقد حافظتُ عليها في غيابك كما في وجودك، لمَ لا تصدقني؟!أكمل وهو يصمُّ أذنيه:
- وعن أي غبارٍ في الشقة تتحدثين، إنها تبدو لامعة تماماً كما لو نُظفت بالأمس!!- لا ماذا تقول؟! صاحت بإرتياع.
- وتمثيلية الحب والدموع ليلة سفري، وأرجوك لا ترحل!!! تريدين أن تبرئي ساحتك أم تريدين إيقاعي كي أتشبث بك ولا أتركك؟!!
- أنا...
"أحبك بصدق".. واغرورقت عيناها بالدموع.
- أنتِ مخطئة يا عزيزتي، واهمة حتى النخاع، أنتِ لم تعودي شيئاُ بالنسبة لي، وكما رفعتكِ عالياً، أُلقي بكِ أسفل سافلين في اللحظة ذاتها...وضرب بقبضته على الباب بقوة فهوت على الأرض، و ليس وحدها من سقط، فقد هوى قلبها وانجرح في سويدائه...
ما أقسى الكلمات.....
- لن تفتحي الباب إذن؟!
وبكت بصوتٍ منخفض.- سأخرج قليلاً ثم أعود و ستفتحينه عن طيب خاطر، أليس كذلك يا "غدير"؟!
- كلا "عمر"، أرجوك.. صاحت بذل.
- أليس كذلك يا "غدير"؟! صرخ بشراسة.
- عمــــــــــــر!!
وأخذت تنتحب بمرارة وهي تركع على الأرض....
أأذهب إليه أم لا؟!"ناصر" لم يعد بعد، لم يبالي بي، خرج من الظهيرة ولم يتصل حتى!!
ثم لم أنا مترددة!! سأجري فحوصاً ليس إلا، هو طبيب وأنا بمثابة المريضة!!!
ثم أنا امرأة متزوجة و أعرف حدودي جيداً وهو يعرف ذلك، ولا تنسوا أني زوجة أخيه....ولكن...لا أدري لم لا أشعر بالراحة معه!!
إن به شيئاً غريباً، ربما تلك النظرة في عينيه، أو ابتسامته الغامضة...كلا، هذه تخاريف، لا بد أنني أتوهم، ثم كان يبدو غير متحمساً عندما طلبت منه إعادة إجراء الفحوص...وزفرت وهي تتحرك في غرفتها بضيق..."ناصر" ليس معي، والوقتُ ليل ....قولوا لي، أرشدوني:أأذهب إليه أم لا؟!
رفعت رأسها بضعف وهي تطالع المكان...
أين هي الآن؟! وفي أيَّ يوم وأي ساعة؟!
وأمسكت رأسها وهي تشعر بألم فظيع يدبُّ في أوصالها...
أنهضت نفسها بصعوبة و هي تتلمس مفتاح الإنارة لعلها تضيء شيئاً من عتمة المكان..
وتغلغل النور الخافت إلى أعماقها فذكرته!!
أصاغت السمع لعلها تجد له أثراً، أتراهُ لازال هنا، ألازال يقظاً؟!!
لم لا تصدقني يا "عمر"، لم لا تسمعني...
وانسابت دمعة حارة من عينيها الذابلتان وهي تُسند نفسها بالباب...
بقائي هنا جنون، سيقتلني بلا شك...
لابد أن أخرج من هنا حتى يهدأ، حتى يعرف الحقيقة..
ولكن إلى أين؟!
إلى أمي؟!
سيكون زوجها هناك...
أأذهب إلى خالي؟!
سيعود "عمر" ويُعيدني من جديد، كلا، كلا، خالي سيقف بجانبي ويحميني....
مِن من؟! من عمر!!
أجل، ليس وهو بهذه الحالة، يبدو مخيفاً...
وسحبت خمارها وهي تُطفئ نور غرفتها من جديد..
ماذا لو كان بالخارج ينتظرني؟!
وهمت بخلع خمارها لكنها أحجمت في اللحظة الأخيرة..
"لا بد أن أغامر، في كلتا الحالتين أنا هالكة لا محالة"...
- يا رب ساعدني. رددت بحرارة.
وأمسكت إكرة الباب بيدٍ ترتعش..
فتحت الباب ببطء، ببطءٍ شديد ويدها الأخرى تمسك بالمفتاح الذي كاد ينزلق من رجفة أصابعها..
الصمت والظلام مخيمان حول المكان فاسترقت النظر لغرفته، كانت موصدة...تحركت على أطراف أصابعها وهي تتلفت حولها كل حين و فجأة تعثرت بثنية السجادة فندت من فمها صيحة مبتورة...
وتخيلته يأتي ويراها وقد سمع صوتها فخفق قلبها بزيغ وهي تحاول النهوض لكن دون جدوى..
يا لغدر الحواس!!
وأنّت بصوتٍ منخفض و هي ترى خياله يتراءى لها قادماً من المطبخ..
هذا ليس هو، إنهُ ليس "عمر"، ليس هو أسمعتم!!كان ممسكاً في يده كوب ماء وهو يتأملها بعبوس، ازدرده في جرعة واحدة ثم وضعه على الطاولة التي تتوسط الصالة الكبيرة...
تقدم منها دون أن يرفع بصره عنها وهي تزداد انكماشاً، مدّ يده إليها فرفعت يدها نحو صدغها بذعر وهي تهز رأسها و تتحاشى النظر في وجهه..
أحنى جذعه وأمسكها من كتفيها بقوة لينهضها وهي تستميت بالابتعاد...
- تريدين أن تهربي؟! سألها بسخرية.
ولوى ذراعها وهو يجذبها نحوه فصرخت من الألم...
- أين كنتِ ستفرين؟! إليه؟!!
- إلى بيت خالي أقسمُ لك بالله. ردت بإرتجاف.
- مشكلتكِ أنكِ لا تجيدين الكذب، ومن كان سيوصلك إلى هناك؟!
- كنتُ سأتصل لندى، ذراعي تؤلمني، ارحمني أرجوك.. وأخذت تنتحب بصوتٍ مرتفع.
- لم تري شيئاً بعد!!
وأفلتها بإزدراء فترنحت وهي تمسك يدها بوهن...
بكت بصوتٍ متقطع:
- إذا كنت لا تثق بي طلقني.
- أطلقك وبهذه السهولة!! يا لوقاحتك!!
- ماذا؟! ستضربني؟! سألت بجزع.
وتطلع إلى شفتيها المرتعشتين ثم ردّ بقسوة لاذعة:
- في هذه أنتِ مخطئة، عظامك الرقيقة غالية علي!! أم نسيتِ أني دفعتُ فيكِ مهراً غالياً!!- .............................
وشدها من شعرها وهو يجذبها إليه فارتفع صوت بكاءها وهي تحاول التملص منه..
قال بصوتٍ كظيم:
- كان عليكِ أن تخافي وتفكري ألف مرة قبل أن تفعلي ما فعلتِه..
- أنا لم أفعل شيئاً أقسمُ لك.. صاحت بلوعة من بين دموعها.
- كل هذا ولم تفعلي شيئاً بعد؟!
- سأخبرك بكل شيئ، فقط اصبر علي قليلاً..
- اصبر عليكِ؟! وماذا كنتُ أفعل طوال الوقت!!! وصرخ في وجهها فانتفضت في مكانها.- أنت لا تعرف أنا.....
- أصص. وضع أصبعه على فمه وهو يُكمل بصوتٍ واطئ:
- لا أريد أن أسمع صوتك، اذهبي إلى الغرفة الآن..
هزت رأسها بجنون كأنها تفرُّ من الجحيم...
وما كانت إلا خطوة حتى قبض على عنقها فصرخت من جديد.... - أين تذهبين يا صغيرتي، ليس إلى هنا، بل هناك!!وتطلعت إلى حيثُ أشار بيده...وجمت حركتها، توقفت صرختها، لم يُسمع إلا صوت أنفاسها المتلاحقة...نظرت إليه برعب، وقد بدا وجهها شاحباً مائلاً للبياض..
صاحت بصوتٍ مبحوح:
- عمر، لا، أرجوك..
- أتظنينني مغفلاً؟!- أنا لم أفعل شيئاً، لم أفعل شيئاً. رددت بجنون.
- لا بد أن أتأكد.
- كلاااااااااا.
- بل نعم..و جرها من ذراعها بقسوة، تلك التي كانت تتشبث بإستماتة بقدميه، بأي شيء وإن كانت قشة في الهواء!!!الروح تُنازع، تكاد تُفلت من الجسد، ذلك الجسد المضمخ بالجراحات...
جروح الجسد أم جروح الذاكرة؟!!واخترق الفضاء صرخة مبحوحة اختزنت في جوفها الأمس واليوم والماضي!!!كلا، كلا لم تكن صرخة، بل حشرجة، أجل، حشرجة إنسان ذبيح، سُلبت روحه ليس اليوم، بل منذُ سنين، حين كان بريئاً وعيناهُ مغمضتان...حين كانت طفلة بجديلتين تتراقصان وهي تقفز لأعلى وتضحك....
تضحك!!!
لمَ، لمَ، لمَ؟!!ولكن أنى للفراشات أن تعي أن لهيب الشمع يؤذيها!!!انتهى!!!!.
.
.
.
.
.
.أترى النجوم بعرسك ما تراقصت جباهها
وإنما غطت وجهها ناحبةً للمصابأترى الشمس ما تشعشعت أنوارها
وإنما رسمت دموعاً وإضطرابما بال الشموع في عرسك لم تضيء
ما بال دمك صار حنةً للترابا!!
ماذا أريدُ منكِ؟ لستُ أدري
فلستِ غير الهمّ فوق صدريورغم هذا لا يزال خافقي
يراكِ في ظلمائه كبدرِحاولتُ نسيانك إلا أنني
أعتبرُ النسيان كفعلِ غدرِ







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 11:00 am   رقم المشاركة : 28
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(21)
وانتفضت في مكانها وهي تحاول أن تبعد الأيدي التي تريد الإمساك بها...
- كلاااااااااااااااااااااا، ابعدوه، أنا لا أريده، لا أريده. صرخت بهستيرية.
- اهدئي يا ابنتي، "عمر" ليس هنا.
- أبي لم يكن هنا، أنا لا أحب اللعب، لا أحبه..
- اذهبي ونادي الممرضة، بسرعة.. صاح بابنته بجزع.
وأحمل معولي لأحرث في ثرى الأيام...
لأنبش الماضي وأبحث عن حاضري..
أين الزهور، أين الجذور، أين البذور؟!
أين أنا وأين التراب!!
سأبني محرابي بنفسي وأهيل التراب على لحدي...
وألقي بنفسي هناك في الحفرة، في القاع حيث لا أحد، لا أحد على الإطلاق...
دعوني..
أتركوني..
أو..
دثروني!!
ها هو السراب قادمٌ إلي
يريد أن يحتوينييمتصني
فأظل أنا دون بذور دون جذور بلا أزهار...
وانسابت دمعة حارة من عينيها المغمضتين بقوة والممرضة تسحب الإبرة المغروزة من ذراعها...
وقبل أن تستدر خاطبت الشخصان الموجودان بالغرفة:
- المريضة بحاجة للراحة أرجوكم، الإنفعال ليس جيداً لها فالزموا الهدوء..
وابتعدت بخطواتها الجامدة وهي تُغلق الباب خلفها بخفوت...
دفنت "ندى" رأسها في حُجرها وهي تشدُّ على الغطاء...
خاطبتها بصوتٍ هامس:
- سامحيني، سامحيني يا "غدير"..
وأشاحت تلك الأخيرة بوجهها للجانب الآخر بصمت وعيناها لا تتوقفان عن الذرف...
وتقدم الأب قليلاً فكفت "ندى" عن الكلام، قال بصوتٍ خافت كأنهُ يخاطب نفسه:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، لو أعلم فقط ماذا حدث!!
ثم أردف لابنته:
- هيا معي، دعيها ترتاح.
- كلا، سأبقى ربما تحتاج لشيء. ردت بتهدج.
- أنتِ لن تبقي صامتة و لن تلبث أن تنفعل كما حدث منذُ ساعات.
- أعدك سأبقى ساكنة...
تنهد الأب بأسى وهو يُلقي عليها نظرة أخيرة..
لازال وجهها شاحباً وآثار الدموع تلمعُ في أطراف أهدابها المسبلة و قد اتخذت لها مجراً متعرجاً على خديها، وشفتاها لا تكفان عن التحرك لكأنها تود أن تقول شيئاً لأحد لكنها لا تلبث أن تصمت...
وشيعها وابنته وهو يوصيها فهزت الأخيرة رأسها أن اطمأن...
يطمأن!!!

اخرسوا لا أريد أن أسمع كلمة، أي كلمة!!تلك الحقيرة، تلك الساقطة، تلك كانت زوجتي!!
زوجتي أنا!!!
قسماً لن أبقيها حية، سأقتلها، فنائها بيدي هاتين...و غرز أصابعه في شعره وهو منكسٌ رأسه للأرض...بدت الأرضية البيضاء مظلمة في عينيه..
كم توسلتني، كم تشبثت بقدمي وهي تنتحب و تقسم لي بأغلظ الأيمان بأن أتركها وستخبرني بكل شيء....
و كدتُ أنا المغفل أن أرضخ لها وأستمر في العيش في الظلمة، في الضلال!!
لكنني لم أقبل، لم أزد إلا إمعاناً في إذلالها، الغضب كان يعميني، يُعمي بصيرتي و يصمُّ أذناي، كلا، لم يكن الغضب فقط بل كان الخوف!!أجل خفت أن تصدمني، أن تقول لي من جديد أنها تحب رجلاً كما فعلت أول مرة، أن تؤكد لي ذلك بعد أن حاولت تناسيه، وأنا لا أتحمل جرحاً آخر، لا أتحمل طعنةً أخرى في القلب!!و ليتني عشتُ في الوهم الأول، ليتني لم أعرف، وليت الطنعة رضت بأن تستقر في القلب وحده، كانت في شرفي، كرامتي أنا!!وانهارت...انهارت كالمجنونة....
لكن لا شيء يشفع لها عندي، أين ستفلت مني، أنا قاتلها لا محالة!!ولاحت له قدمان تنتصبان أمامه، ولأنه يعرفهما جيداً فلم يرفع رأسه..
وخيم الصمت بينهما لكن "عمر" قطعه وهو يتساءل بسخرية قاسية:
- كيف حالها؟!
"أما زالت حية؟!"
- بخير. ردّ بإقتضاب.ثم زفر وهو يخاطبه بغضبٍ كامن احتدّ في صدره:
- تركتها أمانة لديك ووعدتني بأن تضعها في عينيك وهذا مآلها!!
- ......................
- لا أدري كيف انقلب حالكما فجأة!!
- ......................
- هي لا تتكلم وأنت لا تتكلم، بالله عليك كيف ستُحل مشكلتكما!!
- ....................
وتطلع له الأب بنفاذ صبر وهو يردف:
- اسمع هي مصرة على الطلاق الآن، ليس على فمها إلا هذه الكلمة، الفتاة ترتعد من مجرد ذكر اسمك، وإن استمرت في ذلك فسأضطر إلى الوقوف بجانبها..
- ......................- أجل، صحتها أهم شيء بالنسبة لي، لن أعذب هذه اليتيمة بسببك حتى وإن كنت ابني.
نهض "عمر" من مقعده بتثاقل وهو يرد ببرود:
- اعذرني يا أبي أطيعك في كل شيء إلا هذا، طلاق ولن أطلقها، و قل لها ذلك..
"ليس الآن يا غدير، ليس الآن!!"
و أكمل طريقه منصرفاً وما أن وصل خارج المستشفى حتى استند على سيارته بتعب!!
- كيف أصبحت الآن؟!
- ...................
- الحمد لله، اتصلي بي بين الفينة والأخرى لتطمأنينا..
وأغلق "ناصر" هاتفه وهو يلتفت لزوجته الراقدة في فراشها...
تنهد وهو يخاطبها بوجوم:
- مسكينة هذه الفتاة، المصائب تلاحقها أينما كانت..وأتاه صوت "شيماء" ضعيفاً لا يكاد يُسمع:
- ماذا بها؟! متعبة في حملها!!
- إنها ليست حاملاً البتة، لقد أكدت لي "ندى" ذلك...
- ليست حاملاً؟!
ولم تسمع بقية ما قاله، أغمضت عينيها بألم وهي تحاول أن تشد الدثار علّها تصمُّ آذانها، أو ربما لتحجب صوراً لا تفتأ أن تطفو أمام عينيها اللتان لم تذوقا النوم أبداً، أبداً!!
و انتابتها رجفة فلم تستطع أن تُكمل الشد...
اقترب منها "ناصر" وهو يُدني لها الدثار:
- ماذا بكِ؟! أأنتِ مريضة؟!
وخفت الصوت أكثر من ذي قبل:
- أنا لستُ مريضة، ليس بي شيء..
ووضع يده على جبينها وهو يقول بخوف:
- أنتِ في طور حمى!!
وسرعان ما أبعدت يده بنفور:
- قلتُ لك ليس بي شيء.. ودفنت وجهها في الوسادة لتخبئ نفسها..
لكن الأيام لا تخبئ أحداً، لا تخبئه البتة!!
"كان كابوساً، أنا متأكدة".. رددت في نفسها بأنفاسٍ محمومة.
- تريدين أن أذهب بكِ إلى الطبيب؟! عاد ليسألها بقلق.
- لا أريد أن أرى طبيباً، أنا أكرههم، أكرههم كلهم، اتركني لوحدي الآن أرجوك..
و أنّت بصمت وهو يطالعها بوجل..
مسح على شعرها برفق فحركت رأسها بضيق:
- كيف أتركك وأنتِ بهذه الحالة؟!
- سأنام وأكون بخير...
و غطاها جيداً وهو يتنهد، وقبل أن ينصرف أطفأ المصابيح...."البارحة لم يحدث شيء، لم يحدث شيء، أليس كذلك؟!
لم يحدث شيء"...
وانتابتها الغصة فرفعت أناملها المرتجفة إلى شفتيها لتمنع شهقتها المكتومة...

- يمكنك أن تنصرفي الآن إذا شئتِ، لم يتبق على انتهاء الدوام إلا ربع ساعة..
- كلا، شكراً، سأُكمل هذا أولاً.. ردت "ندى" بخفوت.و تطلع لها بتمعن و هي منهمكة في الكتابة...
لقد تغيرت كثيراً، باتت أكثر هدوءاً و أكثر شروداً!!!
لم تعد تعانده كالسابق، بل أصبحت تبادر للعمل قبل أن يطلب منها ذلك..
وهذه النظرة الحزينة التي تعلو عينيها بين الفين والآخرة، ما سببها يا تُرى!!
كيف تغيرت هكذا؟!!
وعاد لعمله هو الآخر، لكن رنين الجوال المتصل قطعه..
والتفت إليها بتساؤل..
كان القلم يهتزُّ بين يديها و موسيقى هاتفها لا تتوقف، لكأنها مصرة على أن يسكتها أحدهم، لكن يبدو أن صاحبته لا ترضى بذلك!!
وتوقف الهاتف عن رنينه بعد إلحاح فأفلتت القلم و كأنها أزاحت حِملاً كان ينوء على صدرها..
ورفعت بصرها بلا شعور فالتقت بعيناه...
كان ينظر لها بحيرة...
- عودي إلى منزلك إن كنتِ متعبة..
وهزت رأسها نافية ببطء..
- الساعة الآن التاسعة تماماً!!
- لم أنهي ما بيدي بعد.. عللت بتباكِ.
- أنهيه في الغد، لا مشكلة.
- لا أريـد أن أعود الآن أرجوك.. توسلته بغصة.
وعادت لتهز رأسها وهي تُردف بإختناق:
- إنها لا تتوقف عن البكاء أبداً، تتظاهر بالنوم لكني أسمعها..
- ..................
- أنا لم أكن أقصد، صدقني، لم أكن أقصد أن أفسد حياتهما..
- .............
- والآن سيتطلقان بسببي، بسببي أنا..
وأجهشت بالبكاء و هي تضع رأسها على الطاولة....
و بقي في حيرته لدقائق عديدة دون أن يعي شيئاً مما تقول..
و نهض أخيراً من مقعده بعد أن أخرج شيئاً من درج المكتب..
تقدم منها ووضعه على الطاولة:
- خذي هذا مفتاح احتياطي للباب الخارجي للقسم، ابقي هنا متى انتهيتِ و إن كنتُ أفضل أن ترجعي لمنزلك فالوقت متأخر بعض الشيء...رفعت رأسها فرأته يبتسم له ابتسامةً صغيرة مطمئنة فنظرت له بإمتنان، و لكن سرعان ما كسا وجهه بتعابير جامدة قبل أن يقول مودعاً:
- مع السلامة، وانتبهي لنفسك..
- ماذا تفعل؟!
- كما ترى، أجمعُ أغراضي.. ردّ "وليد" بهدوء.
- ستسافر؟!
- أجل، قريباً، لا بد أن أستعد للعام الجديد، تعلم لم يبقى شيء على التخرج.
وابتسم في وجهه ثم عاد ليغلق إحدى العلب باللاصق...
- "وليد" أريد أن أستشيرك بشأن زوجتي..
وتوقف حينها عن الحركة وانمحت ابتسامته عن شفتيه:
- ماذا بها؟! سأل بقلق.
- موضوع الحمل قد أثر عليها بشكلٍ كبير، حالتها النفسية تتردى في إزدياد.
- وماذا تريد مني بالضبط؟! سأله و هو يُكمل اللصق.
- أريدُ منك النصيحة..
- انتظرا، فليس بكما شيء كما ذكرت لي من قبل..
- أنا لستُ مستعجلاً البتة، لكنها هي، وأنا أخافُ عليها من كثرة التفكير..
- قل لها في العجلة الندامة!! وابتسم بتهكم.
- والحل؟!
- بإمكاني أن أُعطيك أسماء بعض الأطباء الجيدين!!
ثم تابع بلا مبالاة:
- و إذا أردتما أن تخضعا لفحوصاتي من جديد، فليس لديّ مانع!!
ومرر "ناصر" يده على جبهته بتعب وهو يعلق بشرود:
- أجل، من أجلها...
- كانت جالسة على الأرض...
عيناها تطالعان السقف بإنكسار و هي تتمتم بصوتٍ خافت كأنها تخاطب نفسها...
و صدت لتنظر للأرضية و هي تحرك أصبعها على شكل دائرة استماتت في إغلاقها لكن دون جدوى!!
وولجت "ندى" إلى الداخل بعد أن طرقت الباب عدة مرات كي لا تجفل....
جلست إلى جانبها كعادتها و هي تبعد خصلات شعرها المتناثرة بإهمال عن وجهها..
كفت "غدير" عن الرسم و عادت لتطالعها بتلك العينين...
فيهما ذاك التساؤل القديم، ذاك السؤال الذي لم تجد له إجابة حتى الآن...
أشاحت "ندى" وجهها بضيق دون أن تحر جواباً...
وتحركت شفتيها بإرتعاش وهي تسألها:
- ألم يقل له خالي؟!
- بلى قال له... أجابت بعد طول صمت.
- وماذا أجاب؟!
- ........................
و وضعت يدها على كتفها وهي تهزها بضعف:
- لن يطلقني؟! سألتها بإرتجاف.- اهدئي يا "غدير" كل شيء سيحل بإذن الله.. ردت بتباكٍ.
- أنتِ لا تفهمين، "عمر" سيقتلني، سيقتلني..كررت بإنفعال.
- "عمر" يحبك و...
قاطعتها وهي تهزُّ رأسها ببطء:
- لكن لا، سيطلقني، المحكمة الجعفرية ستطلقني رغماً عنه، أليس كذلك؟!- زواجنا تم في المحكمة السنية!! و إن كنتِ لا تعرفين، لا بد أن تقدمي طلبكِ هناك وأنتِ شيعية المذهب لن يطلقوك ولا حتى في أحلامك!!
و تدفق الصوت بارداً، قاسياً، قد تطاير منهُ الشرر...
التفتت "ندى" لأخيها بوجل...كان واقفاً عند الباب وهو عاقدٌ ذراعيه وفي عينيه نظرة غامضة، سحيقة، لا قرار لها...
أنهضت نفسها من على الأرض و هي تخاطبه بتوسل:
- "عمر" أرجوك...
- أريد أن أتحدث معها لوحدنا لو سمحتِ..
- لا تعاتبها، إنها لازالت مريضة..
- اخرجي من الغرفة الآن..
- أنا السبب، أنا من أخطأ و ليس هي.
- قلتُ لكِ اخرجي وأغلقي الباب خلفك.. صرخ بغضب.و تطلعت إليها بغصة...
كانت تنظر للحائط بإستسلام، بهدوء وكأنها فقدت الأمل في أن تعيش...
كل شيء تعطل فيها عدا صدرها الذي كان يعلو و يهبط بسرعة...
هرعت "ندى" من الغرفة ودموعها تسبقها..
"كيف أصبحت قاسياً هكذا يا "عمر"، كيف؟!!"
وأُغلق الباب...
سمعت خطواته تقترب منها فأغمضت عينيها بقوة وهي تعصرهما عصراً..وأحست بظله يسقط عليها من علو و يقف ساكناً فيوقف بقايا أنفاسها المتلاشية عن الوجود...
و ما هي إلا برهة حتى شعرت بأصابعه تلامس كتفها فاهتزّ جسدها بعنف..
علّق بصوتٍ ساخر:
- لا تخافي، لن أوسخ يدي بقذرة مثلك..
- ..................
و استمر في سخريته:
- كيف حالكِ الآن؟! يقولون أنكِ مريضة؟!
- ....................
- ممَ يا ترى؟! لا تقولي لي أنكِ صُدمتِ مثلي بالإكتشاف العظيم!!
وانقلبت سحنته فجأة و تقلص فمه في غضبٍ هادر و أردف بصوتٍ مكبوت:
- بودي أن أعرف و أتمنى لو تتكرمي علي بالإجابة علّكِ تشفين غليلي ولو قليلاً..
- ......................
- أكان ذلك قبل أن آخذك أم بعده؟!
و أخذت تأن بصوتٍ خافت وهي تحاول أن تبتعد عنه لكن هيهات..
- وسؤال آخر لكِ يا سيدتي، وأريد الإجابة على كليهما مرةً واحدة لو تفضلتِ، كي تكون الضربة واحدة هنا ...
و ضرب على قلبه بقوة وهو يردف:
- قاضية، لا أريدها على جرعاتٍ أبداً...
نظرت إليه بألم و هي تنشج بالبكاء...
- أكان ذلك من تحبينه؟!
أسندت رأسها على حافة السرير و روحها تكاد تزهق..
ولم يمهلها لتلتقط أنفاسها، لتستوعب وطأ أسئلته، ما خلفته من دمار...أمسكها من كتفيها وهو يجبرها على النظر في وجهه..
- أجيبيني يا ابنة عمتي، أيتها الزوجة المصون!! صاح بمرارة.
و تحركت شفتيها بإرتعاش وهي تهمس بصوتٍ مبحوح، بصوتٍ متقطع، لا يكاد يُسمع:
- لا تعذب نفسك و تعذبني أرجوك..
وغاب صوتها، انقطع وهو يُفلتها بإزدراء..- ومن قال لكِ أنّي أتعذب، أنتِ لا شيء بالنسبة لي، أنتِ مجرد ساقطة، قذرة، حقيرة.. صاح بغضب.
وانسابت دموعها بحرارة و ظهرها يكاد ينفصم من شدة انحناءها...
الطعنات تتوالى، تتغلغل إلى الروح، وتصرعه أرضاً بلا هوادة...
- ألن تجيبي؟!
- ..................
- أنتِ لا تريدين أن أفعل شيئاً يؤذيكِ أليس كذلك؟!
واهتزّ كتفاها بشدة وهي تبكي بصوتٍ مخنوق...
- ألن تجيبي؟! صرخ بصوتٍ عال و هو يشدها من شعرها...
رفعت رأسها إليه وهي تشهق:
- اقتلني إن كان يريحك هذا، لكن لا تعذبني أرجوك..
- أتصدقين كنتُ سأرتكب فيكِ جريمة لكني اكتشفت أنكِ لا تستحقين..
- ....................
- و كان بإمكاني أن أفضحك لكني لم أفعل، اسأليني لم؟!
- ......................
- اسأليني لمَ؟! صاح في وجهها.
- لمَ، لم، لم؟! كررت خلفه بهستيرية.
- ليس من أجلك البتة، فأنتِ أحقر من أن أتستر عليها، بل من أجل والدي، من أجل اسمه الذي طالما كان نظيفاً يا نظيفة!!
الروح تُستنزف، لم يبقى على خروجها شيء، الكلمات كنصل السكين بل أحدُّ سناً، والجرح، الجرح أعمق من أن يتصدع...أردف ببطء وهو ينظر لها بثبات:- أتعرفين ماذا نفعل بالزوجات الخائنات؟!ورفعت يدها المرتجفة بجانب فمها و هي تهز رأسها بذعر، لكنه سرعان ما أمسكها من معصمها بعنف.... - قلتُ لكِ أنتِ أقذر من أن أمسّك. علق بإزدراء.
وأخذ يعبث بأصبعها البنصر حيثُ استقرّ خاتم الزواج!!
طالعته بهلع وهو يحرك الخاتم إلى أعلى ببطء ثم يُعيده إلى مكانه...- أتعلمين لقد فكرتُ جيداً، وقلت لن أستفيد شيئاً بإبقاءك على ذمتي، لن أجني إلا تلويث سمعتي، و ما دام الكل ينالك فما المشكلة!!- ......................
وشدها نحوه و هو يهمس في أذنيها:- عزيزتي، أنتِ طالــــــــــــــــــق..
.
.
.
.
.
.
.
.
.عذّب كما تشاء لن أصيحا
ولا تُطع في رحمةٍ نصيحلا تخش من قطع لساني سيدي
فما به كنتُ أنا الفصيحأنا الذي اخترتك لي زنزانةً
وعفتُ هذا العالم الفسيحا!!







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 11:05 am   رقم المشاركة : 29
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

22)
لا بأس، لا بأس!!!
رددت بهمس و هي تضع يدها على عمود السرير و تُنهض نفسها التي ترنو للأرض كل حين...كل شيء انتهى الآن، لم يعد هنالك مزيد من الخوف، من الألم، من الضياع...
و جلست على فراشها و هي تمسح أنفها و تزيح شعرها المبلل عن وجهها بأناملها المرتجفة...لقد كان لكِ ما شئته أخيراً...
ها أنتِ حرة، طليقة، مُطلقة!!!
ليذهب، كان سيذهب في كل الأحوال، كنتُ أعرف ذلك..
ولقد حاولت بشتى الطرق أن أعجل ذهابه، لكنهُ لم يستمع لي لا قبلاً و لا الآن...
لا بأس قلتُ لكم لا بأس...
ما عاد ينفع الكلام الآن، هذا أفضل له، أنا لا فائدة مني، لا فائدة أبداً!!
لقد نفذ الغدير، ماج وارتحل في القاع، لم يبقى منه إلا بقعةً ضحلة كسراب الظمآن...
غداً سينسى كل شيء و ينساني..
من أجله، لا بد أن ينساني، لا بد...
أما أنا فسأُخفي ذكراه في قلبي، سأدسه بين وجيبي، لن أريه أحداً أبداً...
لا ضرر من ألا أنساه، أليس كذلك؟!
لم يقولوا هذا حراماً، ليس مثل اللعب البتة صدقوني!!أنا لم أشأ أن أجرحك، جرحك يعذبني، يُلقيني في جهنم!!
تخالني لا أفهمك، لا أفهم عيناك، أنا أراك شخصك كله خلالهما..
عيناك التي لن تجيب عن سؤالي عنهما أبداً!!!
العذاب كل العذاب ينضح منهما، لكنني لم أشأ ذلك...
ليس بيدي يا "عمر"، ليس بيدي...
لكنك لم تفهمني يوماً ولم تسمعني...
اذهب و لا تعد هنا مجدداً...
أنساني وأكرهني بكل جوارحك، بلا حدود و سأظل أحبك أنا حتى النهاية يا "عمر"، حتى النهاية...لا أريد العودة إليك أبداً، أريد أن أبقى لوحدي، لوحدي فقط...
تعبت من الشك، من الغيرة، من ذكريات الأمس..
في البعيد أحبك أفضل، دائماً أفضل بكثير..
و لا أجد في قربك إلا الخوف...
أخافك حين ترفع يدك و حين تمدها إلي لتضمني إلى صدرك!!!
أحبه و أخافه!!
أيُّ مفارقةٍ عجيبة تلك التي أعيشها!!
لا بأس قلتُ لكم لا بأس..
لا محلّ لي الآن هنا ما دام يحمل أثرك...
ما دمت يوماً كنت تقطن في الغرفة بجواري!!!
ألم أقل لك أنا "غدير" و أنت "عمر"...
وقد عجز التاريخ أن يقربهما، فكيف أنا و أنت بنو البشر؟!!
انساني يا "عمر" انساني...
حتى لو اضطررت أن أجعلك تكرهني كالموت، لا بد من ذلك، من أجلك وحدك...
كي تعيش أيها المُحب الأحمق!!
كل شيء انتهى، إذن كل شيء على ما يُرام، أليس كذلك؟!
و سمعت ضجة في الخارج فالتفتت نحو الباب...
كانت واقفة هناك و هي تمسح دموعها الحارة بإنسياب...
ابتسمت ابتسامةً صغيرة في وجهها و هي تقول:
- كل شيء حُلّ الآن!!- إنه يتجادل في الخارج مع والدي الآن، يقول أنه سيسافر..
- لا بأس فليتزوج..
- سيسافر ولم يقل ستزوج!!
- سيان، كل شيء سيان.. ردت بصوتٍ لا روح فيه.و تعالت الضجة، وسمعت صوت الأب يهدر بقوة:
- أجننت؟! يبدو أنك فقدت عقلك!!
- صدقني لم أكن عاقلاً كاليوم..
- لمَ الآن؟! ألم تكن رافضاً من قبل..
- كنتُ أنتظرها تتعافى، خفتُ أن تنتكس من جديد!! صاح بسخرية.
"أو ربما لأحفر صورتها في عيني قبل الرحيل، تلك الخائنة"..
- لمَ يا ابني فعلت ذلك، لمَ تعجلت، كنتُ أمني النفس بأن تتصالحا.. علق بحزنٍ مرير.
- هذا لصالحها، صدقني ستشكرني على ذلك..
"لأنها لو بقيت على ذمتي ما كانت لتعيش أكثر من دقائق!!"..
وقبل أن يستدر قال و كأنه تذكر شيئاً:
- وخذها مني نصيحة يا والدي، لا تدعها تخرج بمفردها أبداً، عيال الحرام كثيرون!!
وسمعت صوت شيء يتحطم على الأرض...
قالت بضعف و جسدها يهتز بصمت:
- أغلقي الباب أرجوكِ، أريدُ أن أنام، لم أنم منذُ سنين!!
- ماذا تقول؟؟! صاحت فيه دون تصديق.
- أهذا ما كنتِ تريدينه؟! وأمسك يدها ليهدئها لكنها سرعان ما سحبتها و هي تصرخ فيه بعصبية.
- أنت جبان، نذل، حقير!!
- أجننتي؟! صاح فيها وهو يهزها بقوة لتثيب إلى رشدها..و هدأت قليلاً و هي تطالعه و كأنها انتبهت له و لنفسها للمرة الأولى..
رفعت يديها إلى صدغها و هي تنظر له بغصة وشفتاها ترتعشان:
- أنت السبب، أنت السبب..
- ماذا فعلتُ لكِ؟ سألها "ناصر" بيأس.
- تركتني لوحدي ولم تعد...
و أردفت "شيماء" بتقطع:
- لماذا فعلت بي ذلك؟!
واهتزّ جسدها و هي تنشج بخفوت...
تطلع لها بحيرة دون أن يفقه شيئاً...
ماذا جرى لها؟!
أكل هذا من أجل طفل؟!
ستفقد عقلها من أجل طفل!!
- قولي لي ماذا تريدين بالضبط، فقط لا تعذبيني و تعذبي نفسك أرجوكِ.. خاطبها بتوسل.
هزت رأسها و هي تتراجع للوراء:
- لا أريد شيئاً، لم أعد أريدُ شيئاً، لا شيء..
- أأنتِ متأكدة؟! ألا تريدين أن تراجعي الطبيب؟!و تشنجت حواسها و هي تحرك أصبعها في الهواء نافيةً و تصرخ بهستيرية:- لا تذكر لي اسمهم، كلهم شياطين، كل الأطباء شياطين، أنا أكرههم كلهم..وغطت وجهها و هي تلقي بنفسها على أقرب مقعد و تبكي بصوتٍ مرتفع...
خرج "ناصر" من الغرفة من فوره..
شظاياها تنغرز في قلبه، تُحيله إلى رماد...







رد مع اقتباس
قديم 23-04-07, 11:14 am   رقم المشاركة : 30
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

منظرها أفظع من أن يتحمله، و صوتها، صوتها في الليل حين تهذي يقطعه، يُحيل لياليه إلى كوابيس سرمدية..
أيُّ زوجةٍ تعسة صيرتها...
أكلُّ هذا من أجل طفل!!
- أنتِ تعلمين أن فترة تدريبك ستنقضي الأسبوع القادم...
صمتت دون أن تحر جواباً..
- أ..يمكنك أن تعودي منذُ الغد إلى مكتبك القديم مع زميلاتك.
رفعت رأسها بسرعة وهي تسأله بإندفاع:- لماذا؟!ردَّ ببطء:- لم يعد هناك مبرر لبقائك فلقد أجدتِ العمل..
- لكنني أريد أن أبقى... معك!! ردت بهمس.
صمت و هو ينظر لها لمدة طويلة و هي منكسة رأسها، ثم قال بصوتٍ خالٍ من أي تعبير:
- الأفضل أن تعودي..
- هل أخطأتُ في شيء، هل ضايقتك!!
- ليس الموضوع هكذا يا آنسة...
- ماذا إذن؟!
- لم يتبقَ إلا أسبوع فقط!!
- وماذا يضيرك لو أتممت هذا الأسبوع معك!!
تنهد بضيق مغيراً وجهة الحديث:
- ألم تكوني تلحين علي بأن أُعيدك إلى مكانك..
- هذا كان قبلاً، قبل أن أعرفك، أما الآن فلا، أنا.....
- اسمعي، هذا الكلام السخيف لا أريد أن تكرريه، للأسف ظننتكِ كبرتِ و عقلتي لكنكِ لن تتغيري أبداً..
- إذا كان العقل سيبعدني عنك فأنا لا أريده!! صاحت.- ألم تسمعي بمصطلح "الاستغناء عن الخدمات"، أنا أستغني عن خدماتك مشكوراً. أجاب بقسوة.
ثم أردف بصوتٍ أكثر حدة:
- لا فائدة من بقائك، أتفهمين!!وعاد ليجلس على مكتبه بتثاقل دون أن ينظر ناحيتها...
نظرت إليه بعينيها الدامعتين خاطبته بعتاب دون أن يلتفت:
- جعلتني أعتادُ عليك ثم تريد أن تبعدني!!
- ..................- أنا أكرهك، أكرهك، أتمنى ألا أراك أبداً...وخرجت من المكتب و هي تمسح دموعها تاركةً حاجياتها تشهد على التذكار الأخير!!!
هبّت من نومها مذعورة و هي تتلفت يمنةً و يسرة بإرتياع...
مررت أناملها المرتجفة حول جبينها الذي يتصفد عرقاً وقد أخذ خافقها ينبض في عروقها بعنف..
تطلعت إلى "ناصر"، كان مغمضاً عينيه بقوة وقد تغضن جبينه..
مسّت كتفيه وهي تناديه بأنفاس متقطعة:
- نا..صر..نـ..اصر.
عاد جبينه ليتجعد أكثر و لم ينبس ببنت شفة..
- نا..صر إنه ينتظرني..
- عمن تتكلمين؟! سألها بتعاسة.
- الشيطان، ألا تعرفه!! صاحت بإستنكار و هي تقبض على عنقها بخوف.
- ......................
- إنهُ يقف خلف الباب. همست له بخفوت وشفتاها ترتجفان.
- لا يوجد أحد، كم مرة تأكدتُ لكِ من ذلك!! صاح بيأس.
- أصص اخرس كي لا يسمعك، أتريده أن يأتي إليك أنت الآخر!!ولم يحتمل أكثر، فزَّ من مرقده و هو يضع يده على جبهتها..
- أنتي محمومة، حرارتك في ازدياد..
صاحت بلوعة وهي تهز رأسها:
- إإإياك، إإياك أن تشرب شيئاً، يجعلونك تنام!!
- انهضي لا بد أن أذهب بك إلى الطبيب.
وصرخت صرخةً عالية و هي تقاومه بهستيرية:
- لااااااا، طبيب لا.و أفلت يدها و هو يمرر بصره بألم بين آثار خدوش أظافرها و بينها...
أخذت تطالعه هي الأخرى بعينين ذابلتين و هي تهزُّ رأسها...- أنا لم أقصد..
- لا عليكِ. رد بلطف و هو يبتسم ابتسامةً باهتة.
غرزت أصابعها و هي تمسك حفنة من شعرها بقسوة...
- كل هذا منه، من الشيطان!!
- ..................
- لكنني لن أجعله ينتصر، عندما أراه سأقتله!! صاحت.ثم أردفت و هي تضع أصابعها على فمها كأنها ستخبره بسر كي لا يسمعه أحد:
- لا تخبر أحداً، لا تخبرهم..
- ..................
- ما بالك تنظر إلي هكذا، أنت لا تصدقني!!
- ........................
- تخاله كابوساً، أتخالهُ هكذا؟! سألته بلهفة.وشدت على قميصه وهي تصيح فيه بإصرار:
- أليس كذلك، قُل لي..
وغرقت في نوبة من البكاء الهستيري..
وضع يده على رأسها المدفون في الفراش بشرود..سأجهز أوراقي لنسافر، لا يهم إن فصلوني، لا يُهم إن طُردت...
كل شيء لا يهم عداكِ أنتِ....

وضعت يدها أمام وجهها لتحجب عنها نور الشمس الساطع في قلب السماء...
وجدت الباب مفتوحاً على غير العادة و ولجت إلى الداخل...
انتابتها رعدة، ليس من الجو، فهو أقيظ من أن يرسل رعدةً إلى جسدها النحيل، ولكن من تلك الرياح التي تصدرُ صوتاً كالعواء كل حين!!
أمسكت بالعلبة بتؤدة و هي تتفقد المكان بشجاعة..
ماذا سأخسر بعد؟!!
لاشيء!!
و تنهدت بعمق و هي تطرق الأماكن، كل الأماكن و كان آخرها غرفتها...الغرفة خاوية، ليس منها فقط، بل خاوية من عروشها، من كل شيء!!!أتراهم رحلوا!! تركوا المكان!!كلا، كلا، مستحيل، كانت ستخبرني، أمي لن تتركني، لن تتركني هي الأخرى...وأرادت أن تفتح فمها لتنادي عليها، لتزلزل أركان هذا البيت المتهدم، لكن صوتها اختنق، احتبس في حنجرتها، هي لم تعتد يوماً أن ترفع صوتها في هذا المكان...و سقطت العلبة من يدها، تدحرجت على الأرض و تبعثر ما فيها و هي تسير كالخيال....
تراخت ركبتاها و استمرت في السير على الرمال حافية القدمين دون أن تشعر بلسعتها...
بدت غائبة عن الوجود و هي تتلفت حولها بضياع...
و تنفست الصعداء و هي تلمحها تنشر الغسيل على الحبل في الجانب الخلفي...
هناك حيثُ رأته يدخن سيجارته...
هناك حيثُ ابتدأت الشرارة الأولى و انقلبت حياتها!!
هرعت إليها و هي تطوقها من الخلف بلهفة، وأحست برعدتها تسري في جسدها كالتيار...
مدت الأم يدها ووضعتها على يدها الصغيرة دون أن تلتفت، لربما لتتأكد من هويتها، أو كي لا تفيق من حلم نسجهُ خيالها المتعب..
- أمي..نادتها بصوتٍ متهدج.
واستدارت لها دون أن تفلت يدها من قبضتها و هي تنظر لها دون تصديق..
مررت أنامل يدها الأخرى على وجهها النحيل لتتحسسه...
أهذه أنتِ فعلاً؟!!
و ضمتها إلى صدرها و قلبها يخفق بإضطراب، كأنفاسها اللامنتظمة، المنفلتة من حنجرة الزمن...- سامحيني يا ابنتي، سامحيني.. قالت بغصة.
- لم يكن هذا ذنبك.
أبعدتها عنها و هي تقول بعزم الأمومة:
- سأذهب إليه وأخبره.
- لا فائدة يا أمي، إنهُ لن يسمع..
- سيسمعني أنا، رغماً عنه سيسمع، ما كان عليكِ أبداً أن تسكتي، كان عليكِ أن تخبريني و تخبريه..
- أقولُ لكِ لا فائدة، لقد سافر و لن يعود..
- لا يهم، سأنتظره ولو بعد مائة عام..
- لا جدوى يا أمي، لقد طلقني..
ودفنت رأسها في صدرها من جديد و هي تبكي بصمت...
- طلقكِ!! رددت بذهول.
- قلتُ له لم أفعل شيئاً لكنهُ لم يصدقني..
- طلقكِ!! كررت و هي تطالع وجه ابنتها بألم.
- أأنا قذرة يا أمي؟! سألتها بصوتٍ مبحوح.صاحت بإرتياع و الغصات في جوفها تتلاحق:
- إياكِ أن تقولي هذا، أنتِ ابنتي، أنا من ربيتك بيدي هاتين، أنتِ أطهر مخلوقة على الأرض..
- إذن لم يعاقبني هكذا؟! أنا أحبه يا أمي..و خنقتها الغصة و هي تعضُّ على شفتيها لتمنع شهقتها..
ثم أردفت بنشيج:
- أنا لا حظ لي، لا حظ لي..
ارتفع صدر الأم بإجهاد و هي تشعر بوخزات قوية في قلبها، في سويدائه...
ابعدتها عنها مرةً أخرى لعلها تلتقط أنفاسها..
صاحت بإختناق:
- أنا من أفسدتُ حياتك، أنا السبب...
- كلا، أنتِ لا ذنب لكِ.
- أنا أمك و كان علي أن أعرف..
ولطمت وجهها بعنف و هي تتراجع للوراء:
- أيُّ أمٍ أنا!! أنا لا أستحق..
- كلا أمي، لا تجعليني أندم بأني أخبرتك..وأبعدت يديها عن وجهها و كادت تتهاوى لكنها أمسكتها في اللحظة الأخيرة..
- ادخلي لترتاحي، أنتِ متعبة..
- لا بد أن أنشر الثياب. ردت بأنفاس متهدجة.
- أنا سأنشرها بدلاً عنكِ..ابتسمت في وجهها بوهن فأضاء، علقت بصوتٍ حالم:
- لا تتعبي نفسك، إنها ثياب لا يرتديها أحد..
رفعت "غدير" بصرها نحو قطع الملابس، كلها ملابسه!!
- "مجيد" أُلقي في السجن..
وعاد وجهها ليتقلص ببطء و هي تضع كفها ناحية قلبها بألم:
- لقد حطم زجاجة على أحدهم، و الصبي في حالة خطر..
و سمعتا صوت صفيرٍ عالٍ يقترب منهما قطع عليهما الحوار، التفتت "غدير" بسرعة ناحيته..
- أهلاً، أهلاً، كيف حالُ عروستنا الصغيرة!!
- ...................
- اممممم لا بأس بك وإن نحفتِ قليلاً!! ألا يطعمونكِ هناك؟!
- ..............
- إن شئتِ أن تعودي هنا فلا مانع، أمك الآن تشعر بالوحدة، كثيرٌ أن تفقد ابنها وابنتها في نفس الوقت، ألا ترين ذلك؟!
- ......................
ثم تقدم منها و هو يحني رأسه بخبث:
- وكيف حال زوجك؟!
رمقته بنظرة احتقار، كرهٍ عميق، بعمق جوف الأرض:
- لا تذكر زوجي على لسانك أيها القذر..
تقلص وجهه فجأة منصدماً من جرأتها، ثم ما لبث أن لانت ملامحه و هو ينطق بتشدقٍ ساخر:
- أين كان لسانُ القطةِ مختبأ طوال الوقت؟!
- لو تعلم كم تثير رؤيتك في نفسي الغثيان أيها الحقير..شددت على الكلمة الأخيرة.
و رأته يهم برفع يده فابتعدت و هي تصيح بتهديد:
- إن مددت يدك ستندم، لا حق لك علي الآن فأنا...متزوجة!!
تطلع إليها بحقد و هو يردف بصوتٍ مصرور:
- أنتِ محقة، لكن ماذا عن هذه؟!
وصفع الأم الذاهلة عن الجميع صفعةً قوية أطاحتها على الأرض...
و دلف!!تراخت ركبتاها فركعت على الأرض بجوارها...
- أمي، أمي.. هزتها من كتفيها وهي تناديها بصوتٍ مبحوح.
- ...............
- قومي معي، انهضي...
فتحت عينيها بضعف و هي تتمتم:
- لا... أقدر يا ابنتي..
- أتؤلمك كثيراً؟! سألتها بلهفة و هي تمرر أناملها على خدها المتغضن .
- كلا يا ابنتي. وابتسمت بوهن.
- سامحيني، سامحيني. خاطبتها بغصة.
و سكتت...
رفعت أصبعها إلى فمها و هي تخاطبها بعتابٍ قديم، بعمر السنواتِ الخوالي...
- أماه، لا يجدي السكوت، ألم تقولي ذلك؟!
اهتزّ جسدها بعنف و هي تردف بتقطع:
- أمي أتذكرين بدلة والدي، بدلته الرمادية، لا شك تذكرينها..
- ...................
- أراد "حميد" أن يرتديها، سمعته يسألكِ عنها..
ومسحت ما بين أنفها وهي تكمل:- وسكتِ كعادتك، لكنني لم أرضى، لم أكن لأقبل بأن يرتدي ذاك الحقير شيئاً به رائحة والدي، مثله يلوثها أليس كذلك؟!
- ........................
- أنا من سرقتها، أنا من أخذتها من خزانة غرفتك..
- ....................
- لقد ضربك حينها، كنتِ تعلمين أني من أخذتها و سكتِ...
- ......................
- من منا من يسكت ها؟! صاحت فيها بعتاب.
وأجهشت بالبكاء وهي تنشيج بصوتٍ متقطع كنشيج الميازيب في مواسم المطر...
وبقيت هكذا على صدرها وهي تغرقها بدموعها....
رفعت عينيها الذاويتين وهي تتطلع لها بألم، خاطبتها بهمس:
- لا تذهبي أرجوكِ، لا تتركني..
- .....................
- لا تذهبي قبل أن تسامحيني، لا تذهبي.
- ....................
وأفاقت من يأسها وصاحت وهي تهزها من جديد بقوة..
- من سيبقى لي من بعدك، أأتيتم مرة أخرى، ألا تخشين الله؟!!ثم قالت فجأة وكأنها تذكرت شيئاً:
- لقد جلبتُ لكِ وشاحاً، لقد صنعتهُ بنفسي، تعرفيني لطالما تفوقت في حصة "الكروشيه"..
- .................
- أتريدين أن تريه؟! لحظة، لحظة انتظريني..و هرعت من مكانها على عجل و هي تجري حيثُ ألقت العلبة، أخذت تفتش عنها بعينين لا تريان حتى وجدتها....و تعثرت في جريها فسقطت على الأرض، لكنها تحاملت على نفسها حتى وصلت إليها:
- انظري إليه يا أماه، أليس جميلاً، لونه أخضر كلون عينيه!!
- .........................
- لا تنظري إلي هكذا بعينكِ المفتوحتين، أعلم بأني كاذبة، أنا لا أستطيع نسيانه، لا أحتمل البعد عنه...
- ........................
- اصبري سأضعهُ عليكِ، ستصغرين عشرة أعوام كما كان أبي يقول لكِ ذلك...و رفعت رأسها و هي تحاول تثبيته بإصرار رغم اهتزاز يدها...
- أرأيتِ كم تبدين جميلة..
- ...................
ثم أحاطت وجهها بيديها المرتجفتين وهي تخاطبها بصوتٍ خافت:
- أقلتِ لكِ من قبل أني أحبك، أنا أحبك يا أمي، أحبكِ كثيراً...
- .........................
- أعلم بأنكِ ة مني، أنا أعلم بأني ابنة عاقة، لكنني سأتغير أقسمُ لكِ بذلك...
- ........................
- سأعمل وأُعيلك بنفسي و سنعيش سوياً، قدر الابنة كقدر أمها، كلانا ليس له حظ في هذه الدنيا، لذا لا بد أن نكون معاً...
- ......................
- ألا يعجبك كلامي، ما بالكِ تسكتين؟!
وضمتها إلى صدرها بقوة وهي تنتحب بصمت...
- غداً ستستيقظين أليس كذلك؟!
- .....................
عادت لتهزها بقوة وهي تصيح فيها:
- لا تموتي الآن، امسحي على شعري أولاً...
- ...................
ثم اقتربت منها و صرخت بهستيرية:
- امسحي عليه، هكذا يفعلون باليتامى أولاً..
- .........................- أمااااااااااااااااااااه..وشهقت شهقةً قوية كادت أن تخرج معها روحها....الرياح في الخارج لازالت تعوي ربما لتصمّ الآذان عن صرختها.....انتظروني في الجزء ما قبل الأخير....تحياااتي لكم...لاأناام...انظرُ للوراء رغم أنفي
و كيف أنكرُ الهوى و أنفي!!جربتُ أن أنساكِ يا حبيبتي
و صبًّت لي الأيامُ كلّ صنفِفلم يُطع قلبي فهل أسحقهُ
بكلّ ما في قبضتي من عُنفِ!!







رد مع اقتباس
إضافة رد
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 03:48 pm.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة