الموضوع: قصص وعبررر
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-10-18, 04:57 pm   رقم المشاركة : 106
رباب
مشرف عام
 
الصورة الرمزية رباب






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : رباب غير متواجد حالياً

عندما كنت رضيعا بعد ثلاثة أشهر من ولادتي ، ذهب والدي ووالدتي وانا في حضنها لزيارة أهل والدتي حيث يسكنون في قرية تبعد عنا 200 كم ، وفي منتصف الطريق حدث الحادث المشؤوم الذي توفي فيه والدي وأصيبت والدتي بشلل رباعي كامل لايتحرك منها شي سوى لسانها وعيناها ، أما أنا فلم يصبني اي شي أبدا وكأني لم أكن في هذا الحادث .
بالنسبة لي فقد قررت العائلة أن يتكفل بي جدتي وجدي أهل أمي فقد كان أعمامي و عماتي يريدون أدنى فرصه للتخلص من هذا العمل الشاق بالنسبة لهم ، وفاز بكفالة اليتيم عجوز وكهل لايملكون الا قوت يومهم يعيشون على الضمان الاجتماعي الذي كان لايأتي الا بعد اثنا عشر شهرا من الجوع والفقر ، أما أمي فقد أدخلت المستشفى وبقيت فيه لمدة عامين كاملين حتى أمر الأطباء جدي أن يخرجها من المستشفى فلا يوجد هنالك أمل في علاجها .
جاء جدي بأمي إلى المنزل ، كنت أخاف منها كثيرا ولا أجلس في غرفتها إلا بوجود جدتي التي كنت أعتقد أنها امي ، ولكن مع الوقت بدأت أفهم وأتعود عليها حتى تعلقت بها تعلقا شديدا . أصبح الأمر صعبا جدا على جدتي كبيرة السن حيث ترعى طفلا وترعى امرأة عاجزة معاقه ، فجزاها الله عنا خير الجزاء .
تأخر جدي في تسجيلي في المدرسه فقد كان يريدني أن أساعده وأن أتعلم معه أمور الفلاحه والزراعة ، ولكن بعد إلحاح متواصل من أمي انضممت إلى المدرسه وكان عمري ذلك الحين 9 سنين .
توفي جدي وأنا في الصف الثاني الابتدائي ، أصبحت إعانة الضمان الاجتماعي أقل ، وزادت احتياجاتنا ، ولكن رحمة ربي ورزقه لاينقطع ، مرت السنين وجاء اليوم الكئيب في حياتنا عندما كنت في الصف الأول متوسط انتهى اليوم الدراسي وعدت إلى المنزل ، في العاده تستقبلني رائحة طعام جدتي ، أما هذا اليوم فلم اشم أو اسمع شيئا إلا نداء امي وهي تقول وتردد ( امي وينك ، امي وينك ؟ ... ) أتيت مسرعا إلى والدتي وقلت ماذا بكم ؟ فردت علي أن جدتي دخلت المطبخ ولم تخرج ولا ترد على النداء ! ، ذهبت إلى المطبخ فوجدتها على الأرض قد فارقت الحياة ، من بعد هذا اليوم شعرت بمدى الصعوبة التي كانت تعيشها جدتي في التعامل مع والدتي ، لقد كان أمرا صعبا جدا ، جسد انسان على السرير لايتحرك إلا اللسان والعينان ، انت تطعم وانت تغسل ، انت تلبس ، وانت تنظف .
قمت بالتحدث مع إحدى الجارات وهي " إمرأة فقيرة وأم أيتام " بأن تقوم بتغسيل أمي وتنظيفها وتلبيسها وذلك مرتين في اليوم على أن أعطيها مبلغا من المال نهاية كل شهر ، فوافقت وأقسمت على ان يكون عملها لوجه الله وبدون مقابل مالي ، فجزاها الله كل خير وكتب بذلك لها الجنه . أصبحت مهمتي انا أن اطعمها وأسقيها وأن انفذ ماتطلبه مني . اصحو من النوم عند صلاة الفجر أصلي وأحضر لها الإفطار ، أطعمها وأذهب الى المدرسه .
طلبت من مدير المدرسه أن يسمح لي كل يوم ان أخرج وأطمئن على والدتي في الفسحه .
من المواقف المحزنه التي حصلت حينما آتي لها في وقت الفسحه : في بعض المرات حينما ادخل مع باب المنزل تشكر الله وتحمده بأني أتيت وتقول باللهجة العاميه ( جابك الله ، تعال حك يدي ) أو ( أقتل الذبابه ازعجتني ) أو ( أسقني ماء ) ، فكنت اقول لها : سأترك المدرسه لأجل الاهتمام بك أكثر ، وترد علي بغضب وبعدم الموافقه فكانت تحمسني بأني سأتوظف في أحسن المجالات وأني سآتي لها بخادمة و ممرضه يساعدانها في أمور حياتها .
أكملت المرحلة المتوسطه وكذلك الثانويه ، وهنا بدأت الأمور الدراسيه تصعب علي ، حيث تبعد عنا اقرب جامعة مسافة 200 كم ، فكان الأمر صعبا جدا أن ألتحق بالجامعة ووضع امي لايسمح بذلك ، قمت بإخبار أحد المعلمين المقربين لي فالثانوي بالأمر ، فأشار علي أن أقدم بأوراق أمي على الإسكان الخيري الواقع في نفس المدينه التي بها الجامعه ، قدمت الاوراق ولله الحمد استلمت المنزل في خلال شهرين ، انتقلنا إلى المنزل الجديد والتحقت بالجامعة ، أما عن وضع والدتي فقد قمت بالاتفاق مع خادمة من الجنسيه الافريقيه جزاها الله خير للقيام بأمورها .
بذلت جهدي في الجامعه وتخصصت في تخصص جيد وكان هدفي أن اتوظف وأن اجعل امي تعيش حياتها في أفضل حال ، تخرجت من الجامعه بإمتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، عدت إلى المنزل بعد أن استلمت وثيقة التخرج وبشرت امي بذلك " ووالله لم أرى امي سعيده من قبل إلا في هذا اليوم " ، انتهى اليوم وخلدنا إلى النوم ، نامت امي ونمت انا ، صحيت انا ولم تصحو امي ..
يوم التاسع من شهر ربيع الثاني عام 1430 من الهجره انتقلت إلى الرفيق الأعلى حيث يوجد ابي و جدي و جدتي ، بقيت انا على هذه الأرض وجميعهم تحت ترابها ، تمنيت حينها لو كنت أنا الذي توفي في ذلك الحادث المشؤوم ، ربما عاش والدي ووالدتي حياتهم وأنجبوا غيري ومن هم أفضل مني ، كان بالإمكان أن تصبح حياتهم جميلة جدا ، كانت هذه الوساوس باقية في ذهني لعدة أشهر .
في يوم من أيام رمضان أشار علي بعض الاصدقاء أن أرافقهم إلى مكة لأداء العمره ، وقفت امام الكعبه وطلبت من الله أن يشرح صدري وأن يرشدني ويوجهني للخير ، نمت ليلتها واستيقظت فجرا وكنت أشعر براحة لايعلمها إلا الله ، قررت أن أتوظف في إحدى الشركات ، وأن أكمل طريق الدراسة ، فأتممت الماجستير وكذلك الدكتوراة ، قدمت لي الشركات العروض فكنت محتارا بسبب العروض الكثيرة ، فأخترت عرضا لإحدى الشركات براتب جيد جدا ؛ قمت ببناء بيت لي ، وتزوجت وأنجبت طفله اسميتها على اسم والدتي ولله الحمد ، بنيت مسجدا في قريتنا القديمه ، وتدرجت في أعلى المناصب من شركة إلى أخرى ، وأنا الآن " مديرا لإحدى الشركات الكبرى في المملكة العربية السعودية "

أسأل الله أن يغفر لوالدي ووالدتي وجدي و جدتي وأن يغفر لكل من وقف معي وكل من ساعدني بمال أو نصيحه أو خدمه .

رسالتي للجميع : لاتدع الظروف إعاقة لك عن الإنجاز ، بل اجعلها دافعا لتنجز المزيد والمزيد من التقدم 🌹







التوقيع

غدًا ‏أوجاعنا تخبو ‏ويمحى لمحها فينا،

غدًا ‏أسقامنا تُبرى‏ وبالجنّات تعلينا

غدًا. ‏ نرتاح لن نشقى ‏سننسى كل ماضينا


آخر تعديل رباب يوم 29-10-18 في 08:58 pm.
رد مع اقتباس