عرض مشاركة واحدة
قديم 23-04-07, 09:37 am   رقم المشاركة : 6
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(6)
حنت "ندى" جذعها، وإحدى يديها مرتكزة على طاولة العمل..- أين هذه الفردة اللعينة؟!
مالت أكثر وهي تتلمس الأرضية بيديها كلما أمكن، اصطادت يدها شيئاً، كانت إحداها...سمعت دقاً مزعجاً على طاولتها، فأخذت تتأفف بين انهماكها:- لو سمحتِ ....- لحظة، لحظة، لن أهرب من هنا، سأرى أين ذهبت فردتي أولاً!!
وفجأة أطلقت تنهيدة ارتياح طويلة وهي ترفع رأسها وعلى وجهها ابتسامة كبيرة، ويدها اليمنى حاملةً كعبها العالي بظفر..- أخيـــ ....و وأدت جملتها قبل أن تكتمل، غابت الابتسامة من على الشفتين، تطلعت إلى حذائها ذو الكعب العالي المرفوع وإلى الواقف أمامها عاقداً حاجبيه بإستهجان...
ألقت ما بيدها بخوف وهي تقف بسرعة، تلعثمت:- أ..أعتذر، لم أكن أعلم أنه..أنهُ أنت أستاذ.
وضع كفيه على طاولتها وهو يحدجها بغضب:- أهكذا تعاملون من يفد إليكم لحاجة؟!! تستصغرون خلق الله، وحين يأتي المدير ينقلب وجهكم ولسانكم وكأن على رؤوسكم الطير، أليس كذلك يا آنسة..
صمتت "ندى" وهي تسبُ نفسها ونعالها وذاك الواقف أمامها يزأر كوحش.
- ماذا بك؟! لم لا تردين، أتخالينني لا أعلم ما يدور في هذه الغرفة، أو بما تقولينه أنتِ وزميلاتك الموظفات عني..- أنا أنا..- أصمتي..
أطرقت "ندى" للأرض وهي تود لو أن الأرض تُشق فجأة وتبلعها، لا بد أنها "جميلة"، أجل و من غيرها تلك الجاسوسة الفتانة، انتظري علي و سأُريكِ؟!ضرب على طاولته فأجفلت وتبعثرت خواطرها المحمومة:- والآن خذي هذه الحسابات وراجعيها...وألقى الملف، تبعثرت بعض أوراقه على الطاولة، نظرت إليها بنقمة، وصوبت إليه نظرة تماثلها وفمها مقفل بشدة مانعةً إياه أن ينفتح وتنطلق كل أنواع الشتائم التي سمعتها في حياتها...
رفع حاجبيه وكأنهُ يقول بتحدٍ:- نعم؟!! ردي إن استطعتِ..
وتركها وبركان من الغضب يحتدُ بداخلها...جلست على كرسيها وهي تحاول أن ترتدي حذائها بلا شعور....
لكنها لم تجده، فعادت تبحث عنهُ من جديد!!!


جالسة هي في الصالة والتلفاز مفتوح، كانت ترى ولا ترى، تسمع ولا تسمع، وجهها شاحب وقد علتهُ صفرة...
ضمت الوسادة الصغيرة إلى حجرها، ثم قربتها إلى صدرها، ثم تركتها على الأريكة....
زفرت، وهي تضع يدها على جبينها، حرارة تشتعل بجسدها منذُ الأمس، وهمدان يلفها، يمنحها الخمول والتعب، كل شئ معطل إلا الخافقين، ينبض بجنون كطبول غجرية حارماً إياها من الراحة أو التنفس بحرية...
ساعة الصفر أقتربت، وحتفها بات قريباً ومؤكداً!!!
الانتظار متعب، مرهق للأعصاب، بل هو سفرٌ طويل هائم في تراتيل الزمن،،،
آلالامٌ قوية اجتاحت معدتها، قطعت أمعاءها، لا تدري كم مرة تقيأت هذا الصباح...
أغمضت عينيها بعجز فانحدرت دموعها سخية دون خجل، دون قيود، دون عيون متطفلة...
تركت لها العنان، لعلها ترتاح، تأخذ نفساً، فالساعات القادمة تبدو مخيفة، كئيبة...
آه، ما أصعب الانتظار!!!
ها هي تجلس هنا وكأنها على أهبة الاستعداد لتلاقيه، لتلاقي حتفها...
لا تريد أن تبدو أكثر ضعفاً، أكثر خوفاً، على الأقل ليس أمامهم، ليس أمامهُ هو خصوصاً!!!
وسمعت جرس الباب، لا بد أنهم قدموا، أمها اتصلت لخالها وقالوا سيأتون بعد قليل...
لم يحددوا الساعة بالضبط؟! يا له من بارع في تحطيم الأعصاب...
دق الجرس، وقريباً سيُفتح الباب وينخلع قلبها للأبد...
أحنت رأسها والدموع لا زالت تنزل بإستسلام، بضعف، جسدها لا تشعر به، فقط روحها التي تتعذّب، تتقلب بين شفا حفرة من الجحيم الأسود...
النبض بات خافتاً، ضعيفاً، والدماء في رأسها تضخ بقوة، بسرعة، تكادُ تسمعها، والعِرق، العِرق كأن أصابهُ مس، يضغط على بقاياها، يخنقها، يطوق رقبتها...لاح لها خالها وبجانبه "عمر"، لم تستطع أن تنظر لأياً منهما، دفنت وجهها في تلك الوسادة التي ألقتها منذُ قليل، وأجهشت بالبكاء بصوتٍ مرتفع...
شعرت بيدين على كتفيها، تربتان عليها، أتاها صوته مطمئناً أبوياً ذكرها بالغائب منذُ زمن، بيتمها الأول:
- لا تخافي يا ابنتي، ثقي برحمة الله...
لم ترفع رأسها لكنها قبضت على يده، ضغطت عليها بقوة دون أن تفلتها.- عمر، افتح الباب يا ابني..
اليدُ تزيد من ضغطها، والروحُ تفلت، تهيم على وجهها، تكادُ تلفظ آخر أنفاسها...
لطفك يا ربُّ لطفك...
الريحُ تحمل السلام والتحايا، والهودج، هودج الموت يفتح ذراعيه لها، يدعوها لتستقله وتلحق بالركاب...
ندّت من فمها صرخة ملتاعة بترتها فوراً...
اليد الآن ترتجف، خفت من قبضتها، ترى أين وصلت الروح الآن؟!!
هبت إليها والدتها تعانقها، لكنها لا تقبل، لا زالت تعانق وسادتها، ترفض أن تراه...
الصمت خيم حول المكان ما خلا الشجن الذي ينبعث من ذلك الرأس...
- أكلُّ هذا البكاء شوقاً لوالدتك؟! ما كان عليكِ إذن أن تفاريقها منذُ البداية.. ردد "حميد" ساخراً.
حدجه "عمر" بنظرة ة، لكن ذلك لم يمنعه من يبتسم ابتسامتهُ الصفراء القبيحة:- هيا لا بد أن نذهب الآن، فلنترك هذه المشاعر الجياشة بعد العودة للمنزل.- انتظر "غدير" لن تذهب إلى أي مكان. - ماذا تعني؟!- أعني أنها ستبقى هنا..- هه، وبأي حقٍ تبقيها هنا؟!- هذا بيتُ خالها..- وذاك منزل والدتها.. ألا تخافون ربكم، تريدون أن تحرموا هذه اليتيمة من أمها..لا حول ولا قوة إلا بالله...- وهي ترفض الذهاب إليه ما دمت أيها الحقير موجوداً هناك..عادت أوداجه لتنتفخ من جديد، وقد انمحى القناع المتزلف الذي كان يرتديه:- مالحقيرُ إلا أنت..
تقدم منهُ "عمر" لكن الأب أوقفه:- عمر، توقف، لا تنسى أنهُ ضيفٌ في بيتي، وزوج عمتك أولاً وأخيراً.
ثم التفت إلى هذا الأخير وهو يخاطبه:- لكن هذا لا يمنع أن ما يقولهُ ابني هو الذي سيحدث بالفعل...- يبدو أنك جننت أنت وابنك..- احترم نفسك أيها الدنيء.- اسمع، بل اسمعا كلاكما، ستأتي رغماً عنها وعن أنفيكما، وإن لم تدَعوها تأتي بهدوء معنا، فسنضطر أن نأخذها بالقوة، وتحملوا أنتم الشرطة والفضائح..
- بل اسمعني أنت، غدير لن تخرج من هنا، وافعل ما تريد، وبابُ بيتنا مفتوحٌ دوماً للشرطة وغيرها، لذا تهديدك هذا أكتبهُ في ورقة وألقه في ماء البحر...هيا تفضل، أخرج من هنا.
والتفت لأخته:- اعذريني يا أختي، أنتِ محشومة عن كل ما يحدث..سكتت الأم ولم تحر جواباً، وبقيت تتطلع لابنتها التي لا تفتأ أن تشهق بين الفينة والأخرى دون أن تفلت زمام وسادتها..
- هيا، هيا فلنخرج من هنا، بأس العائلة التي ناسبتها، ولكنكم لن تفرحوا كثيراً، بيننا وبينكم المحاكم، وسنرى كلام من الذي سيُلقى في البحر..
و دفع زوجته وهو يسب ويلعن، التقت بهم "ندى" في الطريق....ابتسمت لعمتها:- عمتي هنا؟! مرحباً كيف...- لا بارك اللهُ فيك ولا في والدك ولا في عمتك..سيري بسرعة أنتِ الأخرى، هيا...
تطلعت "ندى" إليه دهشة وقد عقد لسانها، وما أن ولجت بالداخل ورأت "غدير" بهذه الحالة، حتى هرولت إليها مسرعة وهي تتساءل:
- ماذا حدث؟! بالله عليكم أخبروني..التفت الأب لابنه دون أن يجيبها:- عمر، تعال معي المكتب..
وانطلق الرجلان معاً...- غدير....
أحاطتها بذراعيها، كان جسدها يرتجف، يدها متشنجتان، كلما حاولت أن تبعدها عن الوسادة المتشبثة بها، كانت تلهث والأصابع تنثني وتعود لتقبض عليها من جديد...
أخذت "ندى" تقرأ عليها ما تيسر من آية "الكرسي" والمعوذتين، حتى هدأت أنفاسها المتقطعة شيئاً فشيئاً....تراخت اليدين...- هيا، ارفعي رأسك..
الجسد يرتفع، ينوء بحمله، بدت عيناها صغيرتان حمراوان، أمسكتها "ندى" لتستند على الأريكة، لكن صوت الأب المنادي قطع عليها ذلك.- غدير يا ابنتي، تعالي هنا ، أريدك قليلاً..- أتستطيعين النهوض؟ سألتها ندى.
هزت "غدير" رأسها بإيجاب وهي تنهض بتعب، ساعدتها "ندى"، لكنها عادت لتأخذ الوسادة من جديد...
لا تدري، حسستها بالأمان!!!
- ادخلي يا ابنتي..دخلت "غدير" تسبقها "ندى".- أنا قلتُ غدير فقط وليس أنتِ.ابتسمت "ندى" ببلاهة لأبيها وهي ترد:- ربما تحتاجون لشيء.
صدّ الأب لغدير، كانت مطأطأةً رأسها وهي تمسح عينيها اللتان لا تتوقفان عن الذرف.
- ارفعي رأسكِ يا ابنتي، ما دمتِ معنا فأنتِ بأمان...
رفعت رأسها ببطء فاشتبكت بتلك العينين الخضراوين...
كان مكتفاً ذراعيه وقد استند على طاولة المكتب....
لكنهُ سرعان ما أشاح بوجهه لكأنهُ يتهرب من نظراتها!!!!
نقل الأب بصره بين الاثنين، تقدم منها فالتفتت إليه:- اسمعي يا ابنتي بعد الذي حدث اليوم لا بد أن نجد حلاً.
ردت عليه بتقطع وشهقاتها تخنقها:- كيف؟! سيأخذني معه، لن يقبل بأن أبقى هنا.- بل سيقبل رغماً عنه إذا نفذتِ ما قلته أو بالأحرى نفذتما ما سأقوله الآن..
تطلعت لخالها بخوف وقد بدا الشك يدبُّ في أعماقها خصوصاً بعد نظرات ذاك الواقف ليس ببعيد.أخذ نفساً طويلاً ثم أردف بهدوء:- تتزوجان أنتِ وعمر، وبالتالي تخرجين من وصاية الكل إلا زوجك.
الأصابع لا ترحم الوسادة القطنية، والمفاجأة أكبر من أن تُحتمل، أمسكت بتلابيب صاحبتها لعلها توقف رجفتها، تمنع نفسها من أن تهوي، من السقوط!!!
الضخ، الضخ يعود بقوة وهناك في الحنجرة، حشرجة، الصوت يودُ لو يغادر الجسد...هزت رأسها نفياً وهي تردد بصوت مبحوح :
- لا لا... لا لا أريد أن أتزوج...سأعود... سأعود إلى هناك من جديد.
تطلع لها بدهشة متسائلاً:- لماذا يا ابنتي، في زواجك نجاتك!!- لا أريد لأن.. لأن...واشتبكت بتلك العينين من جديد، فيهما قسوة وغضبٌ مفاجئ انعكس على لونهما فبات أخضراً قاتماً...
أخذت تتطلعُ إلى الأرضِ بحيرة، ماذا تقول بالضبط!!!
- لأن ماذا؟! سألها الخال بلين.
عادت لتنظر إليه، عيناهُ معلقتان على شفتيها تنتظران الإجابة...
ارتبكت أكثر، قربت الوسادة من صدرها كأنها في حالة دفاع عن النفس:- لأن لأن كلانا من مذهب مختلف...- وماذا في ذلك؟! سألها "عمر" بتصلب.
- أجل يا ابنتي، ماذا في ذلك، كلنا أولاد آدم وحواء، أبناء دين واحد..
- أأأ.. تعرف.. تعرف أنت يا خالي، نحنُ.. أنا، لدينا طواف النساء، أما أنتم فلا، فإذا لم يطف الزوج أكون..أقصد تكون محرمةً عليه..
أخذت شهيقاً طويلاً متقطعاً، ثم أردفت دون أن تنظر لأحدهم:- ثم الزواج ليس... ليس شيئاً بين اثنين فقط، سيكون هناك أطـ..أطفال، والأطفال دائماً يتبعون مذهب الأب عادةً، مثلما أنا تبعتُ مذهب والدي، وتبع أخي "مجيد" مذهب والده..
تطلع إليها "عمر" بدهشة وعلى وجهه علامات الاستفهام:
- والداك كانا أيضاً من مذهبين مختلفين، أفهميني إذن كيف تزوجا بالرغم من ذلك وأنجباكِ. وأكمل:- أما بالنسبة لمذهب الأطفال فأعتقد أن هذا الأمر سابق لأوانه..
صمتت دون أن تحر جواباً، وعادت أصابعها لتتشنج من جديد، تطلعت إلى "ندى" بحيرة كأنها تستعطفها، أن تفهمها، أن تساعدها وتقول شئ أي شئ، ولكن أنّى لها أن تفهم هي الأخرى..
لكنها لا بد أن ترفض أليس كذلك، لا بد لها أن تصمد وألا تضعف، لابد!!!
- أنا لا أريد أن أتزوج، لا أريد...أرجوكم.و تركت وسادتها لتهوي كي لا تهوي!! وغطت وجهها وهي تجهش بالبكاء.
- قلتُ لك يا أبي مثلها لا يستحق، لا فائدة منها أبداً..ثم وجه خطابه لها:- ليكن في معلومك أنني لم أرغب بالزواج منك لشخصكِ أنتِ، ولكن احتراماً لطلب والدي، لخالك الذي لم أشأ أن أراه يستعطفني لأتزوج فتاةً حمقاء مثلك.
- عمر!!!تنهد "عمر" وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم.
- أنا لدي فكرة.
نظر الجميع إلى "ندى" التي ارتبكت من تسلط العيون عليها وقالت بخفة لتلطف الجو:- يتزوج عمر وغدير على الورق كما في الأفلام..كل ما يهمنا هو ورقة الإثبات الذي سنواجه بها زوج أمها..أليس كذلك؟!!
صمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، حتى "غدير" أوقفت بكاءها.- فكرة لا بأس بها.. ردد الأب مفكراً وإن شابه ضيق.لكزت ندى صاحبتها وهي تخاطبها:- اقبلي، إنهُ على الورق فقط...
على الورق!!!كان ينظر لها تلك اللحظة، في عينيه حديثٌ طويل، فيه عتاب، برود، ظلمة!!!
عيناهُ تقولان الكثير، لكنهُ لم يتح لها الفرصة لأن تقرأ أكثر!!!
غلف وجهه بتعبيرٍ جامد، ولم يبدِ حماسه أو رفضه للموضوع، بل همهم موافقاً وكأن الأمر لا يعنيه...وافقت هي الأخرى...وهل لديها خيارٌ آخر!!! وشئ أفضل من لا شئ....
على الورق!!!!
لا تدري لم قلبها منقبضٌ هكذا...ربما وجهه الذي قسى فجأة...ربما عيناه!!!أجل..أجل عيناه هي السبب...
- أجهزا بسرعة كي نذهب للمحكمة بعد قليل، لا بد أن نغتنم كل دقيقة متاحة لنا قبل أن يتحرك ذلك المعتوه...ثم أردف الأب:- سأتصل بناصر ليكون شاهداً على العقد، والآن سأترككما لتتفاهمان..ندى تعالي معي.- لكن يا أبي... قالتها بإستعطاف.- هيا..
خلا المكان إلا منهما وبدا الصمتُ السيد الآمر في هذا الجو المشحون بالتوتر....
أحست بنظراته مصوبة عليها، أرادت أن تلحق بخالها و "ندى" وتهرب من أمامه...لا تدري ما الذي تشعر به الآن..ليتني لم ألقي الوسادة!! رددت في نفسها.
- هل أنتِ سعيدة الآن؟! أتاها صوته ساخراً بارداً.- ...................- هيا، أطلقي رصاصاتك، أبي ليس هنا..أخلعي رداء البراءة وقولي ما بجعبتك...- ...............- ما بك، لم لا تتكلمين؟! ألا تريدين أن تضيفي شيئاً آخر غير المذهب والأطفال أم أن جميع حججك قد نفذت!!!- ..................تحرك من مكانه فرفعت رأسها بخوف، مرّ بجانبها وما أن وصل للباب حتى قال شيئاً جعلها تلتفت إليه وهي تشهق!!!!!!

- أتعتقد أن زواجهما سينجح؟!غمغم "ناصر" بعبوس وهو مندمجٌ في القراءة:- اممم، ما فهمته من والدي أنهُ زواج صوري ليس إلا.- أعلم ذلك، ولكن الابتسامة لم تفارق وجه أخيك طيلة اليوم...
ابتسم "ناصر" وهو يذكر شكل أخيه الأكبر، ووجه "غدير" المرعوب التي ما فتأت أن أوقفت الإجراءات عدة مرات لولا إلحاح والده و"ندى".
- لا أدري، الله وحده يعلم ما إذا كان هذا الزواج سيستمر أم لا...- ونعم بالله.
وعاد ليكمل قراءته، أما هي فأخذت تتطلع لخيطِ نشز من فستانها، محاولةً قطعه..
لكنهُ كان أملساً والخيط قصير أصعب من أن يُقطع هكذا!!!ارتجفت أناماها لخاطرٍ مر عليها، خاطراً بات هاجساً بالنسبةِ لها..
تركت الخيط كما هو ونادت زوجها بصوتٍ هامس:- ناصر...
- نعم..تشجعت من ابتسامته الهادئة، اقتربت منه بإرتباك دون أن تنظر إليه مباشرةً:- ما رأيك، أن..أن نذهب للمستشفى. ترك ناصر الكتاب الذي بيده وهو يتطلع لها بتعجب:- لماذا؟- لـ..لإجراء فحص.
الدهشة تتسع في عينيه، لكنهُ سرعان ما فهمها، هو قد بدأ يلاحظ تلميحاتها لهذا الموضوع في الآونة الأخيرة.- لا داعي لذلك..لازلنا في البداية.- أعلم..لكن "ليلى" ابنة عـ...- أعرف، قلتها لي من قبل، ولكن ما شأننا والآخرين، هذا الأمر بيد الله، وخوفك هذا لا مبرر له، حتى الطبيب سيقول لكِ ذلك.
نكست رأسها بأسى وانكسار.... تنهد من مرآها...اقترب منها وهو يخاطبها بحنان:- لا تبتأسي يا عزيزتي، اسمعي سننتظر شهراً آخر، إذا لم يحدث شئ، سنراجع الطبيب، هل ارتحتي الآن؟!
رفعت رأسها وقد تهلل وجهها وبان الفرحُ في عينيها، تطلعت إليه بحبٍ كبير، حبٍ جارف....
يا رب احفظ لهم سعادتهم!!!


الخروج الآن لوحدها بات خطيراً، في المرة المقبلة ستأخذ معها "ندى" أينما أرادت شيئاً، فالدنيا الآن لا أمان لها، لا أمان لها إطلاقاً!!!!
- لماذا تنظر إليّ هكذا..- وكيف أنظر إليكِ؟!- لاأدري..لكن..المهم نظراتك لا تعجبني.- سأنظر كما يحلو لي، أتفهمين.
قالها بهدوء وهو يقترب منها شيئاً فشيئاً. تراجعت هي إلى الوراء بخوف حاولت أن تخفيه.أجابت بحزم:- لا أريد أن أفهم، وإذا كررتها سأضطر لأن أخبر خالي.
تطلع لها برهة بإستغراب ثم ضحك بقوة، سألها بإستهزاء:- ستخبرينه بماذا؟! أن زوجك ينظر إليكِ!!!!!- أنت لست زوجي...ألا تفهم. صاحت بحدة.
قبض على يدها وقد تلاشت تباشير الضحك من وجهه:- بل زوجك رغماً عنكِ والورقة تؤكد ذلك.
حاولت أن تنزع تلك الأصابع القابضة على ذراعها ولكن دون جدوى.
صاحت بتقطع وقد خُطفت أنفاسها:- قلتها بنفسك "على الورق" الورقة فقط من تجمع بيننا، لا شئ أكثر.
قرب وجهه من وجهها، حتى كادت أن ترى انعكاس صورتها في عينيه، رد بهدوء، بصوتٍ واطئ:- هذا ما تتمنينه أنتِ أليس كذلك؟! لكن الوضع لن يبقى هكذا للأبد.
أنفاسه تحرق خديها، الاحمرار يتصاعد ليعمّ رقبتها، رمشت عينيها مراراً وتكراراً لعلّ الصورة تتضح، وبعد جهد أطلق سراحها فجأة..
ترنحت إلى الخلف وصدرها يعلو ويهبط من حدة الانفعالات التي اجتاحتها تلك اللحظة.
سألته بتقطع وهي تحاول أن تمسك بجمام نفسها:- ماذا..ماذا تقصد؟!!لم يجب واكتفى بالنظر إليها من جديد ولكن ببرود.صاحت في وجهه:- طلقني، أتسمع، طلقني.
قهقهته الجافة ترتفع، تتصاعد ولا تلبث أن تهوي، لكن أين؟!!
في أعماقها هي..هي وحدها...نطق متشدقاً:- وهل تزوجتك يا صغيرتي حتى أطلقك...
وقفت مشدوهة من عبارته للحظات، وكأن الزمن تجمد، كل شئ توقف، إلا صداه.وحين فاقت من بهتانها، واستيقظت من خيالاتها، أخذت تنادي عليه...
لكنه كان قد سار عنها إلى غرفته، خياله تلاشى بين الأزقة، ضربت الأرض بقدميها لعلّ الدق يخفف دقات قلبها المرتاعة.....
القادم يبدو مخيفاً، غامضاً، مليئاً بالشوك، وقد بدأت أزهار الياسمين تبزغ من بين الحشائش!!!!!
ماذا لدينا غير الاستسلام
وغير عزف نغمةِ السلامالحربُ طالت بيننا حبيبتي
وآن أن أنام أو تناميعودي إلى طفولةٍ مُحتاجةٍ
للنوم في الهدوء والظلام


(7)
استندت على الباب مغمضةً عينيها بقوة، الأصوات ترتفع وتعلو، وصوت صراخه يصمُّ الآذان....
عادت لتتحسس إكرة الباب كالعمياء لتستوثق من أنهُ قد قُفل بإحكام..- كيف زوجتهما هكذا؟! هذا الزواج باطل..- أبطله أنت إذا استطعت...
الحروف لا تُسمع الآن بوضوح، همهمة غير مفهومة هي التي طغت حول المكان، حيثُ اجتمع الرجال وأشباه الرجال!!!
أخيراً هدئت الجلبة، ربما خرج، لكن لا، ها هو صوته القبيح يعود من جديد:- إن كنتُ قد قلتُ ذلك فمن خوفي أنا وأمها عليها ليس إلا، مسكينة لقد تركتها في البيت تبكي، ابنتها الوحيدة ولا تحضر عقد قرانها، لذا كان علي أن أتأكد...
ثم التفت إلى "عمر" وهو يبتسم له ابتسامته الصفراء اللزجة:- مباركٌ عليك يا "عمر" عرفت أن تختار، انتبه لها!!!!
أيها الحقير!!!
أرادت أن تصيغ السمع أكثر، أن تعرف ما رد عليه هذا الأخير، لكن صدى صوته لم يصل إليها بعد...
تنهدت وهي تسمعُ الأبواب تُصفق...
لقد انتهى كابوس!!
و بدأ كابوسٌ من نوعٍ آخر، أتراها تتخلصُ منه هو الآخر؟!!
ستحاول وبشتى الطرق، ولن تعدم أي وسيلة لذلك..
سمعت طرقاً خافتاً على الباب فاعتدلت في وقفتها، تساءلت:- من؟- هذا أنا.- ماذا تُريد؟!- أريد أن أحادثك قليلاً.- قل، أنا أسمعك.- افتحي الباب، ليس لائقاً أن أقف هكذا.- ندى ليست هنا، و لن أفتح، أسمعت، لذا قل وخلصني.
صرّ على أسنانه، وهو يردّ عليها بصوتٍ كظيم:- افتحي الباب وإلا كسرته على رأسك الفارغ.- ما الفارغ إلا أنت، وإن كنت تجرؤ اكسره، سيأتي خالي وسيكسر رأسك...
- أخفتيني أنتِ بخالك..أم نسيتي أنهُ أبي أيضاً، ثم يا "حبوبة" أبي خرج هو الآخر..صمتت وهي تسمع صوت تنفسه ال، مرت ثواني قبل أن ترد بخوف:- أنت تكذب، خالي لن يتركني مع...مع مثلك!!صاح بإستنكارٍ أفزعها:- مثلي؟!!
ثم أردف بغضب:- حسابنا ليس الآن يا "غدير" سأجعلك تدفعين ثمن كل كلمة، كل عنادٍ عاندتيني إياه، كل شئ والأيامُ بيننا، أقسم بذلك.
ضربت الباب بقبضتها لعلها توقف الارتجاف الذي سرى في جسدها:- طلقني ... طلقني، لا أريدُ أي شئ يربطني بك، أتسمع..- هذا أبعدُ إليكِ من طيل السحاب...
وصفق هو الآخر باب غرفته المجاورة....
طلقني...أخذت ترددها بهمس، وهي تنزلق لتصل إلى الأرض، إلى أدنى بقعة....وضعت رأسها في حجرها و بكت بصمت....
ولكن من قال أن المصائب لا تأتي فُرادى؟!
غديـــــر..ماذا أقولُ لكِ؟!!
لا تعليق!!!







رد مع اقتباس