عرض مشاركة واحدة
قديم 23-04-07, 10:07 am   رقم المشاركة : 14
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

(13)

ومد هذه الكلمة بتفكير، فأخذت تتلفت حولها وما أن صدت للأمام حتى رأتهُ قادماً باتجاهها...
ابتسمت له بارتياح لكنها سرعان ما وأدت ابتسامتها...
كانت عيناهُ تشتعلان وقد بدا وجهه مظلم، منطفأ، ومسحة من الإجرام تلوحُ في حناياه وهو ينقل بصرهُ بينهما...
تراجعت إلى الخلف بفزع وهي تهزُّ رأسها نافيةً كي لا يفسر ما يراهُ خطأ...
ها هو يقترب بثبات، بقوة...
أخذ صدرها يعلو ويهبط وشفتاها ترتجفان، وأفلتت من فمها صرخة ذعر:- كللكن الصرخة اختنقت قبل أن يتردد صداها!!!!
أحاط خصرها بذراعه وهو يشدها إليه بقوة، نظر إلى الواقف أمامه وهو يسأله بجمود:
- نعم!!- لا...لا شئ يا أخي.
وابتعد الرجل وهو يغمغم معتذراً...
أما هي فبقيت جامدة في وقفتها تطالع الفراغ بعينين لا تريان وذراعه لا تزال تطوقها...
صرّ على أسنانه، وبصوتٍ كظيم همس:
- سيري أمامي فوراً وبهدوء.
وأفلتها بإزدراء دون أن تنبس ببنت شفه، دون أن تتحرك، بصرها ينظر للبعيد، إلى الأمام، إلى لا شئ!!!
وانتبهت لأصابع يدها التي أخذت ترتجف دون توقف....
روحها معلقة بين جنبيها، فوق فوهة زجاجة مهشمة، وقدماها ثقيلتان لا تتزحزان ولا تستجيبان لنداءه المتكرر لها....
أخذت تطالعه وتطالع يديها لكأنه تستفهمه وتستفهمهما معاً عمّا حدث!!!
تُرى ماذا حدث؟!
عاد ليدمدم وهو يسحبها من ذراعها بفظاظة....
هوى قلبها، ماج تحت الأقدام الثقيلة وانزوى هناك في زاوية مظلمة، غير مرئية...
لازالت عاجزة عن الحراك لوحدها، عن النطق، فقط زخات الدماء التي تنبض في عروقها بقوة، بسرعة شلت باقي الحواس...
ووجدت نفسها داخل السيارة دون أن تشعر، ها هي تسمع هدير محركها ينطلق....
الهدير يعلو، يطغى على الأسماع، والأشياء تتماهى أمام عينيها، تبدو صغيرة، صغيرة جداً، كتلك النقط المتوهجة التي نراها على قمم الموج قُبيل الغروب...وأدار مقود السيارة حول "الدوار" فجأة فارتطم كتفها بالباب، أمسكته بيدها الأخرى وهي تغمض عينيها بتعب...
الدموع تنساب حارة، دفينة على الوجنتين، ها هي تصل لأسفل الذقن وتتجمع بتؤدة...
"ليت الطريق إلى المنزل بعيداً، بعيداً". رددت في نفسها.
الصمتُ قاتل، مخيف، ملئٌ بالرعود والمطر!!!
الكلام أفضل، أفضل بكثير، تحدث وقل شيئاً، أي شئ...
والتفتت إليه في نصفِ التفاتة ويدها تقبض على صدغها...
بدت عضلات وجهه مشدودة وفمه مزموم، وعيناه، إنها لا ترى عيناه!! بهما تستشفان حالته، بماذا يفكر الآن؟!!
عضت على نواجذها لتمنع صرخة ارتياع انطلقت من الداخل، إنها تخافه، تخافه أحياناً!!!تشابكت أناملها معاً في عقدة، كتلك العقدة التي تعتمل بصدرها تلك اللحظة، أخذت تنظر بزيغ إلى النافذة والعقدة تكبر وتكبر لتصبح بحجم كرة الثلج....
لم تستطع الصبر أكثر، الصمت أصعب من أن يُحتمل، وقد بانت معالم شقتهما عن كثب..
نادتهُ بإرتجاف، بصوتٍ لا يكادُ يُسمع:- عمر!!
- صه، أصمتي.انخلع قلبها، إنه يأبى أن يعود ليستقر، لا يلبث أن يتردى، يهوي إلى الأعماق، حيثُ لا تدري!!بكت بصوتٍ متقطع، بصوتٍ مسموع علّها تنفس عما بداخلها أو ربما لتستعطفهُ منذُ الآن!!!
ولكن لا حياة لمن تنادي، أليس كذلك؟!
توقف الهدير وتوقفت السيارة وتوقف خافقها هو الآخر!!!
أمسكت بمقبض الباب لكأنها تسميت في منعه من أن يُفتح، لكن يدها أوهن من أن تمنع أو تحتج...
نظرت بعجز إلى الباب المفتوح وإلى ذاك الواقف أمامها بعينيه الداكنتين!!
وسارت دون أن تنتبه لخطواتها، بدا الطريق وعراً أو ربما خالياً من الوجود أو ربما كانت هي بلا قدمين!!
وما أن ولج إلى الداخل حتى تجمدت هي عند الباب لكنهُ قبض على يدها رغم صياحها.
صرخ وهو يدنو من وجهها وهي تحاول الابتعاد:
- من هذا، تكلمي؟!
- لا أحد، لا أعرفه، لا أعرفه. ردت بجنون.
وأجهشت بالبكاء لكنهُ لم يرحمها ولم يرحم دموعها، هزها بعنف لتنظر إليه من جديد:
- بكاءك لن يجدي نفعاً معي لذا أتركي ألاعيبك بعيداً عني وخاطبيني جيداً وإلا حطمتك..
- يدي.. يدي تؤلمني. صاحت بألم.
- لم تري شيئاً بعد يا غدير!!
توسلته بصوتٍ ضعيف من بين شهقاتها:
- لا أعرفه أقسمُ لك، لقد سقط منديلي وناولني إياه.
نظر إليها بإستهزاء وعلى فمه ابتسامة قاسية:
- يا للشهامة، ولم أنتِ دون بقية النساء؟!
- لم يكن هناك أحدٌ غيري. ردت بإندفاع.
- وبالطبع لم تشاءا أن تضيعا هذه الفرصة الثمينة أيتها ال.....
- كلا، أرجوك لا تقلها، أنا لستُ هكذا، لستُ هكذا.
وأخذت تنتحبُ بين يديه بحرقة وهي تردد بصوتٍ مبحوح.
أتاها صوته بارداً، بعيداً، بلون الرماد...
- تريدين أن أصدقك بعد الذي رأيتهُ بأمّ عيني!!
- قلتُ لك لم أفعل شيئاً، هو من أتى و...
وصرخ في وجهها فخانتها قدماها:
- ماذا؟! كنتِ تريدنني أن أتأخر أكثر، أن أنتظركما حتى تنهيان أحاديثكم الحقيرة!!
- قلتُ لك لا أعرفه، صدقني.
وارتمت تحت قدميه وهي تمرغ وجهها ودموعها في يده بلا توقف...
ومرّ زمنٌ طويل سادهُ أنينها المتقطع، كساهُ بثوبه، بلونهـ بترابه، بزمهريره!!!حدجها من علو وهو يخاطبها ببرود:
- تريدين أن أصدقكِ؟
- أجل، أجل. رددت بإستعطاف.
- إذن وافقي..
- أوافق على ماذا؟! سألتهُ بلهفة.
- لا أخالك ساذجة لهذه الدرجة!!
ورمقها بنظرة ما فأخذت تطالعه بإستفهام وقد نسيت ألمها...
بقيت تنظر إليه هكذا لبرهة حسبتها دهراً دون أن تتغير تعابير وجهه...
و لكن سرعان ما أن تغيرت تعابير وجهها هي بإمتقاع...
ابتعدت عنه لا إرادياً بفزع وهي تتمسك بظهر الأريكة:
- كلا، أنا، أنا...
وطأطأت رأسها للأرض ودموعها تتساقط بغزارة دون أن تحر جواباً.
- لقد صدق ظني إذن!!رفعت بصرها إليه بإرتياع وأناملها على شفتيها المرتعشتين تمنعاها من الصراخ.
"ماذا!!"
- تحافظين على نفسك من أجله أليس كذلك؟!!







رد مع اقتباس