عرض مشاركة واحدة
قديم 23-04-07, 09:35 am   رقم المشاركة : 5
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

5)
عيناك للبعيدِ تنظران
لذا فأنت لم ولن ترانيأنا القريبُ منك تلك محنتي
ومحنتي أساسها أمرانفأولاً أرى خطايا سيدي
وثانياً أمنحها غفراني(العتيبة)

واقفة هي وخمارها يتطاير، تواجه الريح وتحدق في ذلك القرص كعادتها، لعلها تنجح مرة واحدة وتطول فترة تحديقها!! ولم لا؟! سرت في جسدها رعدة بفعل نسيم الهواء، التفتت لندى التي كانت تقفز، ضحكت في سرها من منظرها، أحياناً تخالها فتاة خارج هذا الزمن....- انظري يا "غدير"، شهاب، شهاب...- هذا شهاب؟! خلتهُ دخان طائرة!! تساءلت بتعجب.- كلا، كلا أنا أعرفهُ، هيا تمني.. صاحت بإنفعال.- أتمنى ماذا؟!- تمني أي شئ، ولكن بسرعة قبل أن يختفي...
تطلعت حينها إلى ندى، كانت قد أغمضت عينيها و مسّت بأناملها شفتيها كأنها تهمهم بشئٍ ما..صدت "غدير" للشهاب، تتبّع خياله الذي يذوي بخفوت وتتلاشى ذراته كلما ابتعد..تتمنى أمنية؟!
أيُّ أمنية!! إنها لا تعرف أيها تختار، أن ترتاح من "حميد" أو تعود لمقاعد الدراسة من جديد، أو.....
الوقتُ ضيق والشهاب يأفل مودعاً، يمنحُ الناظرين أماني، منهم من لحق ومنهم لا بد أن يقطع تذكرة القطار الثانية، إنها مسألة وقت فقط...الوقت؟!!
عادت لتتطلع لصاحبتها، إنها تكاد تحزر ما تمنتهُ منذُ لحظات..أن ينقلوها إلى شركة أخرى، أو يقيلوا مديرها الذي لا تفتأ أن تذكر اسمه بكره...
تناهى إلى مسمعهما صوتٌ رجالي ينادي...- ندى، والدي يريدك أسفل...
استدارت هذه الأخيرة لأخيها، مطت شفتيها وهي تسأله:- لماذا؟!- اذهبي وانظري ما الأمر..هزت كتفيها بإستسلام، ثم خاطبت "غدير":- أستنزلين معي؟هزت هذه الأخيرة رأسها نفياً، وبقيت تتابع ذلك الخيط الأبيض الرفيع.....
أين سيصل؟!!
تقدم بمحاذاتها، قطع وجوده حالة السكينة التي كانت تعيشها منذُ لحظات...
ما تراه الآن يبدو هلامياً، سراباً!!!
نظر إلى حيثُ تتطلع، وقال بصوتٍ ساهم:- أتؤمنين مثلها بهذه الترهات؟!لم تجب فوراً، بقيت صامتة ثم قالت بهدوء:- أن تؤمن بشيءٍ ما ليس بترهات..- أنتن الفتياتِ هكذا دوماً رؤوسكن فارغة.- قد أقولُ الشئ نفسه عنكم..
التفت إليها فاشتبكت بتلك العينين الخضراوين، في عينيه بريق وفي عينيها تحدي أشم..بقيا هكذا لبضع دقائق، لكن سرعان ما أشاحت "غدير" وجهها بإرتباك وقد علا وجنتيها حمرةً خفيفة...
ابتسم مغيراً الموضوع:- كيف هي يدك الآن؟!تطلعت إلى ذراعها الذي فُكت جبيرتها منذُ يومين...- بخير..- غداً تكملين شهراً هنا..- وغداً أذهب هناك.. قالتها بهمس.- أخائفة أنتِ؟ سألها بحنان.هربت من عينيه وهي تطأطأ رأسها للأرض...خائفة؟!!!إنها تكادُ تموتُ رعباً، لياليها الأخيرة كانت كابوساً، صورته المخيفة سلبت عينيها الكرى، وبات الليلُ طويلاً طويلاً، و أينما قلبت رأسها على وسادتها الخالية ، لاح لها طيفه مهدداً...
يا رب لطفك، لطفك فقط....النسيم يهوي يرتع بحرية مع تقلبات الجو، ولم يتبقى من الشهاب شئ، ها هو نقطة صغيرة تجثو بهدوء، وتتماهى مع السحاب...
لم تشعر إلا بوقع أصابعٍ ثقيلة تمسكُ يدها، تطلعت إلى كفها المرتجف الذي احتواهُ بين كفه الكبير...بدت ذاهلة وهي تنقل بصرها بين يده و سحنته التي كانت هادئة...سكنت هي لبرهة وإن كان الذهول لازال عالقاً بمحياها الذي شحب فجأة....وما أن ضغط على يدها مهدئاً حتى انتبهت لنفسها، وعادت تنظر إلى يده...وكأنها فاقت من ذهولها، فنزعت يدها من يده بحدة وتراجعت إلى الوراء وهي تحدجهُ بنظرةٍ ما...
قالت بصوت بعيد، تعدى حنجرتها ومرّ خاطفاً على أوتار أحبالها الصوتية، ولكن هذا الخطف كان كافياً ليهزه، ليبعثره، ليجعل هذه الخيوط متشابكة فتتكوم بشكلِ عقدة....
أيمكن الفكاك منها؟!!
صدى الصوت يتردد، رغم بعده، رغم لحنه المتكسر، رغم تشابك أوتاره!!!
- تظنني سهلة، تستطيعُ خداعي..رفع حاجبيه متسائلاً ثم أجاب بجفاف:- عقلك يقفز بكِ إلى البعيد جداً..- كلكم متساوون، كلكم...
قاطعها وهو يجيبها بخشونة ساخرة:- عزيزتي لا تتوهمي بنفسك الشئ الكثير..نظرت إليه بحقد، وقد تداعت النظرة الخجولة التي كست عينيها منذُ قليل...- أتعلم، أنا أكرهك أكرهك، أكرهكم جميعاً..
تطلع إليها من رأسها إلى أخمص قدميها وكأنه يحدج ذبابة، ثم قال ببرود:
- أنتِ لا تستحقين الشفقة أبداً..- لم أطلب شفقتك.. صرخت بوجهه بغضب.- انتظري.. صاح وهو يقف أمامها معترضاً.- ابتعد عن وجهي. - خاطبيني باحترام، لا تنسي أنتِ ضيفة في بيتي. وأشار بأصبعه إلى الأرض مهدداً.- حسناً، سأترك لك بيتك، ليس غداً بل اليوم والآن..- أيُّ لسانٍ تملكين؟!- قلتُ لك ألف مرة، لا تحادثني...
- اسمعي، لم يولد بعد من يملي علي طريقة حديثي، وإن كنتُ متساهلاً معك في أشياء فهذا لأني لا أريد أن أضع عقلي بعقل طفلة لم تتعدى الثامنة عشر، معقدة وحمقاء....
- أتقيس العقل بالعمر؟! أنا لستُ بطفلة أتفهم...أنت لم تعش مثلي، لم ترى ما رأيتهُ أنا، أنا لستُ بطفلة لأني لم أعش الطفولة حتى...لست من تكسر ألعابك، لست أنت من يقول لك أخوك الصغير: أنت حشرة أنت لا شئ.. لست أنت من يضرب في اليوم عشرات المرات، لست أنت عندما حرقت ثــ....
وتوقفت عن الحديث فجأة وكأنها انتبهت لسيل كلماتها، وضعت أناملها المرتجفة على شفتيها، وعيناها تزدادُ اتساعاً، والرعب يغطي القسمات، يسري في حنايا الوجه كالتيار...الصور تتزاحم، تومض وتنطفئ، وذيل الشريط قد بدأ يتزحلق، يفلت من رباطه الذي ربط فيه يوماً ما بإحكام..اقترب منها وهو يسألها متلهفاً:- أنتِ ماذا؟! اكملي...هزت رأسها نفياً وهي تبتعد للوراء ببطء..- لا، لا، لم يحدث شئ، لم يحدث شئ، صح؟!!كررتها بذهول وهي تضم يديها لصدرها لعلها توقف خفقانها المجنون...
- غدير، ماذا بكِ؟! سألها بقلق.عادت لتهز رأسها من جديد وقد بدأت الدموع تطفو في عينيها السوداوين...- أريد أن أعود..أعود لغرفتي..أرجوك.
تأملها للحظات وهي تطأطأ رأسها محاولةً أن تخفي الندى...الريح، لازالت تعبث، تجولُ المكان بخفة، ولم يبقى من الشهاب إلا ذرة، حاملةً آخر الأماني...
ابتعد عن الباب الذي كان حاجباً إياه بقامته الطويلة...مرت بسرعة بجانبه، وأخذت تعدو من على السلم...راقبها إلى أن اختفى طيفها تماماً...
تنهد "عمر" وعاد يتصفح وجه السماء، كتف ذراعيه وبقى هكذا زمناً مفكراً....
ثم انصرف............الحزنُ لا يزالُ لي مُعلّماً
تسمعهُ أذناي إن تكلمتراهُ في سود الليالي أذني
إن ضحك الحبيبُ أو تألمالحزنُ أعطاني حبيبي أحرفي
وأحرفي كانت إليك سلم







رد مع اقتباس