عرض مشاركة واحدة
قديم 23-04-07, 09:16 am   رقم المشاركة : 2
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

عادت إلى واقعها ونظرت إلى الشاب...
من هذا وماذا يقول هذا المجنون؟!!
غيرت مسارها وسارت بسرعة في طريقٍ آخر لا يؤدي إلى المنزل، كانت تمسكُ الكيس بيدها السليمة، لا تدري أسيبقى لها عظمٌ سليم هذا اليوم!!!
عاد الشاب ليلاحقها، خافت فأوقفت سيارة أجرة..
"أين أذهب يا ربي..ليس لدي مكان أختبئُ فيه، أين أذهب، كل الطرق مسدودة..."
بلى، يوجد، هو هو، أجل سأذهب إليه...
أعطت السائق العنوان، ثم أغمضت عينيها بقوة وهي تتنهد...لطالما كان يزورهم على أيام حياة والدها، تسترق من وجهه نظرات الحنان والشفقة، يحضر لها دمى وقطع الشوكلاته بعد أن يمط وجنتيها المكتنزتين بقوة، غاب الآن وغارت وجنتاها فقد منعه "حميد" من أن يلامس عتبة بيتهم حتى!! وكان ذلك منذُ خمس سنوات، آخر عهدهم به وبأبيها....
نقدت السائق 500 فلس ثمن السجائر التي أوصاها "مجيد" بها...
"لو قُطعت يدي الأخرى ما اشتريتُ له هذا السم"..
سارت تترنح في مشيتها، وقفت أمام سورهم، فقد عاشت هناك لمدة عام قبل أن تتزوج أمها مرةً أخرى، كانت أياماً جميلة حقاً..
أُعيد ترميم البيت وأعيد طلاءه، بدى كبيراً وجميلاً، أشياء كثيرة تتغير في لمح البصر..
دقت الجرس، انتظرت كثيراً حتى فُتح، ظهرت خادمة أندونيسية في وجهها، خاطبتها بتعب:
- بابا "محمد" موجود؟
هزت الخادمة رأسها بإيجاب ولكن دون أن تسمح لها بالدخول.
- بابا "محمد" في المزرعة هناك. وأشارت بيدها للقطعة الخضراء الملاصقة للبيت.
شكرتها وهي تجرُّ نفسها وتجرُّ الكيس معها، مضى وقتٌ طويل، لا بد أن الثور الموجود في بيتهم قد أظهر قرنيه!!
سارت الخادمة أمامها، كانوا قد أقتربوا...
تناهى إلى مسمعها ضحكات تخرج من القلب صافية، من القلب إلى القلب..
"أيوجد في هذا العالم شئ يُضحك؟!!"..
أحست بالغيرة، بالحسد ربما، هؤلاء يتجرعون من الحياة حلوها، عذوبتها، أما هي فتتجرع العلقم، العلقم فقط..
رائحة الشواء تملأ المكان، لم تتناول شيئاً منذُ الصباح، معدتها تصارع الجوع، تتلوى، لا بد أن الغشاء المخاطي المبطن لمعدتها قد انقلب على عقبيه!!!
- إلى متى سأظل انتظر لبس الفستان، أريد أن ينبهر الجميع بجمالي.
ضحك الجميع على تعليقها، لكنها أكملت:
- حراام، ناصر أصغر منك وتزوج، عمرك 28 عاماً ولا زلت عازباً...
ابتسم "عمر" في وجه شقيقته الصغيرة، لقد أخذت دور الأم مبكراً بعد وفاة والدتهم.
- يا حبيبتي، ما لي والزواج؟! يكفيني صداعك، أنتن تجلبن الهم للرجل مبكراً، لا يوجد شئ أحلى من العزوبية..
التفت "ناصر" لزوجته وهو يغمز:
- صدقت في هذا، ليتني سمعتُ نصيحتك هذه من قبل.
ضربته زوجته على كتفه وهي تضحك والجميع يضحك معهم.
- اشتقت للعزوبية؟! لولاي ما عرفت أن تربط خيط حذائك.
وتظاهرت بالغضب فذهب ليراضيها.
- انظروا "أشار عمر" انظروا كيف يذل الرجل نفسه هكذا بعد الزواج.
وضعت "ندى" يدها على خصرها وهي تهزُّ نفسها:
- نحنُ ملح الحياة بدوننا لا تساوون شيئاً.
صفر الجميع لكلامها فشعرت بالخجل، أحاطها والدها بذراعيه وهو يثني على كلامها:
- صدقتِ..
وشرد قليلاً يتذكر ملح حياته التي ذهبت، حياته بدونها أصبحت لا طعم لها..
أحسّ الجميع به، فحاولوا أن يغيروا الموضوع، لا زال يذكرها، لم ينسها بعد رغم مرور عامين....
- بل قولي نحنُ شرٌّ لا بد منه. ردّ ناصر.
ضحك الجميع وندى تنظر لهم بغيظ.جاءت الخادمة الأندونيسية لتخبره عن الزائرة، كانت واقفة على مسافة بعيدة، لم يلاحظوها.
- من هذه؟
أشار لها بيده كي تقترب، ترددت في خطاها، لقد جنَّ الليل والثور في البيت لا شك يُعربد وقد شحذ قرنيه..
صمت الجميع يرقبون الزائرة الغريبة، زاد ترددها، أرادت أن تعود إلى حيثُ كانت، لا تريد أن تتطفل على الآخرين....
بانت ملامحها، شهق الأب وقد اتسعت عيناه:
- غــ..غ..غدير، معقول؟!
ابتسمت، ازدادت ابتسامتها اتساعاً، لقد عرفها...
هرعت إليه تحضنه، تتعلق برقبته كما أيام الطفولة وهي تبكي والجميع ذاهل..أسقطت الكيس الذي بيدها، لايهم، ينكسر البيض، يتسرب الحليب، المهم أنها وجدته، وجدت ذلك الحضن الدافئ، صدرٌ تستند عليه، يحسسها بالأمان ولو بشكلٍ مؤقت!!!
- خاااالي ..... خااالي.كان جسدها يهتز مع شهقاتها، خمسُ سنواتٍ لم ترهُ فيها، خمسُ سنواتٍ عمرٌ طويل أليس كذلك؟!
زادت من تطويقها لرقبته، بالرغم من شعورها بالألم في يدها، لا تريد أن تفلته، لا تريد أن تترك هذا الصدر حتى لو قطعت يدها!!!
قربت شفتها المتورمة من أذنيه لتهمس بإرتجاف:
- سيـ ...ذ..ب..ح..ني.
أبعدها عن صدره، مسكها من كتفيها وهو يقول والدموع تملأ عينيه:
- ماذا تقولين يا ابنتي؟
لكنها أنقضت عليه مرةً أخرى، تمسكت بصدره...
أرجوك حسسني بالأمان...
عادت لتهمس، لم تكن تقوى على الكلام، تخاف أن يسمعها ذلك الثور، تتخيل أطياف شكله المجنونة.
- سيـ ...ذ..ب..ح..ني.
- ماذا تقولين يا ابنتي، لا أفهم؟!
صرخت، لم تتمالك أن تكتم أكثر، صرخت بقوة، بأقصى ما تستطيع، إنها لا تلبث إلا أن تُشبع ساديته، ربما سيهدأ في منزله الآن!!
- سيذبحنيييييييييييييييييييي.
الليلُ يزدادُ حلكة، تشعر بنفسها خفيفة، تُحلق في ثناياه، تدورُ مع نسيمه، تشتمه، انزلقت ببطء من ذلك الجسد، ببطءٍ شديد وصورة ذلك الثورُ المعربد تطوفُ أمام عينيها...







رد مع اقتباس