المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حارش مارش...اضحك،واضحك،واضحك...لتبكي


بنت بريدة
22-12-01, 03:48 pm
حلو اخوي
والله يعطيك العافيه

الطيف
23-12-01, 01:05 am
حارش مارش… اضحك،واضحك،واضحك.. لتبكي!
لما نزل حيث غادرنا أبو الطيب المتنبي وهو يقول:...ولكنه ضحك كالبكا.
سوف تتذكر هذا وأنت تشاهد مسرحية(حارش مارش)التي أعدتها عشائر جوالة جامعة الملك سعود عام 1419هـ واستعارت لها خشبة الحياة في قرية نائية،لتعكس ثنائية الظلم حين تمارس افتراءتها على ثلاثية:الإنسان،والأرض،والحيوان..

كل ذلك من خلال قصة مباشرة في طرحها،بسيطة في معالجتها،تتناغم بوضوح مع بساطة وتلقائية الفلاحين وأجوائهم،واستجابت المسرحية للتصورات الذهنية لدى عامة الناس حين ربطت الظلم بسلطة العمدة وشيخ غفره،فجسدت نموذج القوة المقترنة بالجشع،معتمدة-إلى حد ما-على التناقضات اللفظية،لتكشف من خلالها النفاق العملي الذي يقف حاجزاً بين الإنسان،كما تملي عليه إنسانيته ومسؤولياته،وبين ذلك الكائن الإسفنجي الذي "نفشته" الشهوات،من تسلط وكبر وحب مال،كما لم تخل (حارش مارش) من عبارات ذات حدين،كقول شيخ الغفر لأحد اللصوص: "حرامي وأنا موجود!!" موحياً بأنه الأحق بهذه الدنيه قبل غيره،وإن كان ظاهر كلامه يدل على الإستغراب من تجرؤ اللص على فعلته في وجود العين الساهرة.

ابتدأ التكثيف المسرحي بسؤال العمدة شيخ غفره عن سير تسديد (الغلات) المفروضة ظلما على الفلاحين ، ليجيبه الأخير مبتدئاً بأم فلان وأم علان ..
منهياً بهمسة خبيثة تشي ب(أبي نعمة) الذي تجرأممتنعاً عن دفع الإتاوة متحصناً بثروته ، كقوة تؤهله لهذا الرفض .

هنا تؤكد المسرحية على آلية ممارسة الظلم الذي يقوى بالضعفاء ، وتظهر تأهب المتسلطين لإعدام أية محاولة (استقلال) قد تهددهم في أنفسهم أو مواقعهم ، وربما اختار كاتب النص اسم أبي نعمة للشخصية التي حاولت الوقوف في وجه العمده ؛ ليدلل على تفرده من بين فلاحي كفره بالخير الكثير وبالبصيره التي أهلته لاتخاذ موقفه حين نفذت الخطة بإحراق أرضه وزرعه . وفي هذه اللحظة بالذات يتصاعد التكثيف المسرحي في تناسب عكسي مع تصاعد صراخ الفلاحين كوسيلة يواجهون بها الحريق .

يتجاوز أبو نعمة سريعاً الجو الذي حاول العمدة وشيخ الغفر أن يلبدوا سماءه بالعزاء وعبارات المواساة ، فيطالب مع جماعة من الفلاحين بإحقاق الحق وكشف المجرمين ومعاقبتهم،فيبدأ شيخ الغفر بيابة عن عمدته بمساوماته التي يحشد لها كل عبارات التلطف والتهدئة والتودد دون أن يجدي ذلك نفعاً في إطفاء اللهيب الذي يصطلي به المظلوم حتى بعد إخماد حريق أرضه!
وعندما يبلغ السيل الزبى،يفطن الفلاحون إلى ضرورة تدخل جهة (حيادية) هي القضاء،وهنا تنكشف الستارة عن نموذج صارخ للعدالة الممسوخة،ويتكئ المشهد على مجموعة من الرموز التي انتقلت من إطار المجرد إلى المحسوس لكثرة ما استخدمت منها مثلاً:الميزان المائل،وشهادة الأعمى بما رأى،والأصم بما سمع،وبشكل عام،فقد ساعدت كل هذه الرموز على ترسيخ الصورة المشوهة للعدالة التي قبلت السلطة الظالمة بتحكيمها تلبية لمطالب الفلاحين!
هذه العدالة التي تحول حيثيات القضية وتختط لها مجرى آخر تسير فيه نزولاً عند رغبة المظلومين بأن (العدل لازم يأخذ مجراه)!

يحكم القاضي برفع الظلم عن الأرض بتسويرها،وبكشف الظلم عن الحيوانات بتزويجها،ويترك العسف والجور يتمطى بصلبه ويردف أعجازه وينوء بكلكله على أبي نعمة،الفلاح المكلف بدفع الغرامة المقررة لرفع الظلم عن الأرض والحيوان،فيما لا يملك دفعه عن نفسه!

وهكذا يترك الجوالة النهاية مفتوحة أمام استكانة خرساء من أبي نعمة الجاهر بالحق المدافع عنه،مما يوقعنا في حيرة وإرباك شديدين ونحن نبحث عن سبب هذا التحول والانكشاف.

أخيراً لابد من الإشارة إلى تمكن أسرة (حارش مارش) من الأدوات الكوميدية وتسخيرها لخدمة النص والنهوض بفكرته تمهيداً لإيصالها بكل سلاسة ويسر للمشاهدين،لتبقى هذه نقطة مضيئة تلمع في قبة الكوميديا الحالكة التي تقدمها المسرحية المذكورة.
.................................مجلة بث(1) زاوية قراءات............
أخوكم أبو عمر وليد العلي