المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لفضيلة الشيخ/ سلمان..الجزء الأول


خيال
29-09-01, 04:14 am
رؤية حول أحداث أمريكا

فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
28/6/1422هـ

يكثر التساؤل هذه الأيام حول ما حدث في نيويورك وواشنطن، وهذه كلمات أحببت فيها بيان الرأي حول بعض ملابسات الحدث، وهي في جزء منها اجتهادٌ قابلٌ للنظر والمراجعة .

أولاً: الحديث عنها من الجانب الواقعي بوصفه أمراً قد حدث وقدِّر ووقع ولا سبيل إلى ردِّه، فهو مولود فاسد خرج من رحم الغطرسة والظلم والاستخفاف بكرامة الشعوب ، وثمرة مرة لشجرة غرسها الأمريكان فقد نجحت أمريكا نجاحاً باهراً في صنع الأعداء وتوسيع دائرة الناقمين عليها، وهذا واضح في هذا الحدث، فإن إصبع الاتهام ظلت تدور في فضاء واسع من المتهمين.
ولم يعد المرشحون للانتقام من أمريكا محصورين في طائفة أو شعب ، فالياباني و الفيتنامي و العربي لهم ترات ، بل الأوروبيون الذين بدؤا يحسون بالاضطهاد الأمريكي مرشحون أيضاً، ولذا فإن مظاهراتهم ضد مؤتمرات التجارة العالمية مظهر من مظاهر العداء.
والمسلمون على تباعد ديارهم نالوا حظاً وافراً من هذا البغي الأمريكي، وما يجري في فلسطين هو نوع من الذبح الأمريكي بسكين يهودية.
وبهذا لم تدع أمريكا لأحد فرصة إلا أن يكرهها و يمقتها، ولذا فليس عجباً أن يتساءل الأمريكي : لماذا هو بالذات المرشح الأول لعمليات الإرهاب ؟ولماذا هو المنادى دائماً للعودة إلى وطنه تحسباً من أعمال إرهابية؟
وسيجد الأمريكيون أنفسهم بحاجة إلى وقفة شجاعة تخلصهم من مسلسل الذعر المنتظر، بإصلاح سياستهم في العالم، كما وقف "نيكسون" قبل موقفاً شجاعاً بإعلان الانسحاب من فيتنام بعد أن كادت أمريكا تغرق في ذلك المستنقع ، فأنقذ شعبه وبلاده من نتائج حرب خاسرة .
وإن الأمريكيين بحاجة إلى مثل هذا الموقف لإصلاح السياسة الأمريكية وتخليصها من مسلسل عداوات الشعوب .
إن نتائج الظلم لا يمكن ضبط حساباتها ، ولا تقدير ردود أفعالها ، وذلك أن ردود فعل المقهورين و المظلومين كشظايا القنابل الانشطارية تطيش في كل اتجاه، وتصيب من غير تصويب .
إن ردود أفعال المظلومين و الموتورين لا يمكن التحكم في مداها ولا اتجاهها ، وإنها تطيش متجاوزة حدود المشروع والمعقول،مخترقة قوانين الأديان والأعراف.
وتكفر أول ما تكفر بالقانون الذي لم يوفر لها الحماية أولاً؛ فلذا لن يصبح حامياً لأعدائها. وهذا ما نراه في بعض العمليات التي تنطلق متجاوزة حدود الدين والقانون ومصلحة المنفذ ذاتها وحياته.
ولذا فإن العلاج الأول والحقيقي هو نزع فتيل الظلم الذي يشحن النفوس بالكراهية و المقت ، ويعمي البصائر والأبصار عن تدبر عواقب الأمور ، والنظر في مشروعيتها أو نتائجها.
وإن ( أحرص الناس على حياة) سيظلون في حيرة عند التعامل مع من يلغي حياته من حساب الأرباح ، ويسجل نفسه كأول رقم في قائمة الضحايا.
ثم إن القدرة على إلحاق الأذى والضرر تظل متاحة في كل الظروف، وربما بطريقة أبشع وأعنف، ومن المصلحة ألا نسمح بالتداعيات وردود الأفعال لأن تتكرر، فلا يصلح أن يكون هذا الحدث بداية لسلسة من الأحداث الدامية المشابهة، باعتبار أن القرار الغربي خضع لردود الفعل دون وعي أو بصيرة.
إن عدداً قليلاً من الناس دون أن يملكوا كبير شيء يقدرون على إلحاق الضرر إذا لم يكن لديهم وازع أخلاقي ذاتي .
وإن حماية المدنيين أمر عسير جداً، خاصة في وقت تداخلت فيه المصالح وتشابكت، وانتشرت الأسلحة حتى ربما أصبحت بعض الجماعات تملك أسلحة الدمار الشامل، كما يشاع في بعض التقارير.
ولـذ ا فإعادة النظر في أسلوب التعامل مع قضايا الشعوب أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى .
إن هذا الحدث صاحبه تَأَثُّر له ما يبرره، وإن كنا نلاحظ أن حشد التعاطف والتحالف تم بصورة مبالغ فيها،وأن مجاملة أمريكا كانت ظاهرة في كثير من ردود الفعل .
فليس هذا الحدث الوحيد، ولكن هناك أحداث لا تقل شناعة جرت في عصرنا هذا وكنا نحن جميعاً شهودها.
فمن ينسى مشاهد الذبح في صبرا وَ شاتيلا والتي تستمطر دموع الصخر ، ومن الذي نسي أحداث "سربنتسا" في اليوم الذي انسحبت فيه القوات الدولية ودخل الصرب فقتلوا نحو عشرة آلاف من المدنيين و ركموهم في القبور الجماعية.
ومن الذي ينسى أحداث " رواندا" يوم سبحت جثث القتلى العزل في البحيرة وذهبت طعاماً للتماسيح .
أما "هيروشيما" وَ " ناجازاكي" وَ "فيتنام" فقد أصبحت تاريخاً من التاريخ! وقتلاها بمئات الألاف وبسلاح أمريكي.
فلماذا لم تحظ تلك المآسي بحظها الحقيقي من الاهتمام؟ ، ولماذا تُختار لنا الأحداث التي ينبغي أن نهتم بها أكثر ؟ والأحداث التي ينبغي أن ننساها؟
لقد دمرت الحرب العالمية وروعت،وحصدت ملايين البشر ، ولكن الحدث الذي لايزال يُذكر ويُشهر ويُناح عليه هو محرقة اليهود، وكأن الحدث - لو صح- المأساة الوحيدة.
وهانحن اليوم نرى هذا الحدث يُبْرَز وكأنه المظهر الوحيد للإرهاب ، وكأن الإرهاب لا يكون إرهاباً إلا إذا كان في هذا الاتجاه.
إننا نعجب ونحن نسمع صيحات التهديد بالانتقام المدمر، ونحن نرى سفاحي صبرا وَ شاتيلا قد صاروا قادة دول ! وكل ما فعلته المحكمة الدولية هو حفظ القضية.
وسفاحوا البوسنة يحاكمون محاكمة باردة بطيئة، ربما تنقرض الأجيال ولم تصدر فيها الأحكام.
ومنذ أحد عشر شهراً والمجزرة مستمرة في فلسطين، يصل إلى اليهود الدعم الأمريكي غير المحدود ، ويصل الفلسطينيين النصح الأمريكي (بضبط النفس) وقد جاء دور الفلسطينيين ليهدوا النصيحة ذاتها للأمريكيين.
وإذا صح أن كل أزمة هي فرصة في الوقت ذاته، فهذا يصدق على أمريكا اليوم ، فهي أمام فرصة لمراجعة سياساتها الخارجية ، وأن تقف وقفةًً صادقة مع نفسها، باعتبارها شريكاً أساساً في العملية .
وأمريكا اليوم أمام اختبار لجدية دعاواها في العدل والحرية ، في التصرف الذي سيفرزه هذا الحدث .. فإذا ما استهدفت المدنيين الأبرياء الذين لم يشاركوا ولم يعلموا ولم يرشحوا ؛ لأنهم في بلد غير ديمقراطي - حسب التسمية والمعايير الغربية - فهي تعطي مبرراً جديداً لاستهداف المدنيين في البلدان الديمقراطية التي يشارك الأفراد فيها باختيار قياداتهم.
إن الولايات المتحدة ستخطئ خطأً تاريخياً إذا أفلحت من جديد في حشد عداوة المسلمين لها ضمن آلية معالجة هذا الحدث، وإذا أخذت البريء بذنب المتهم، أو اعتبرت ثقافة المسلمين وعقيدتهم ومناهج تعليمهم وطرائق حياتهم مسؤولة عن هذا الاتجاه .
إن الولايات المتحدة وهي تطرح شعارات الحرية وحقوق الإنسان وغيرها تمارسها بصورة انتقائية مصلحية ولا تتعامل معها كقيمة جوهرية حقيقية .
وفي مناطق عديدة في العالم من الصين إلى تركيا إلى الجزائر إلى الشيشان إلى فلسطين تبدو المسألة للمواطن الإسلامي في غاية الوضوح، أن ثمة انحيازاً صارخاً ، وانتقائية مفرطة.
وأمريكا الآن أمام اختبار عسير في تطبيق مبادئ العدالة وحفظ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب .. والتزام المعايير التي تدعو إليها ، وليس من المعقول أن تطرح مصادر القرار فكرة: هل أنت معي أو ضدي ؟ هناك خيارات أوسع من هذا، وهناك في النهاية أسلوب ممارسة الاختلاف معك أو مع غيرك .
لقد جاء هذا الحدث آية كاشفة أن القوة البشرية مهما عظمت فهي محدودة ، وأن العلم وإن اتسع فهو قاصر .
فمن كان يظن أن هذه الدولة بصواريخها العابرة ، وبوارجها الماخرة، وقوتها الضاربة، تؤخذ بغتة بمثل هذه الضربة ، فإذا بها أمامها كأي دولة نامية لاحول لها ولاقوة.
من كان يظن أن نظام الاستخبارات الدقيق الذي صُوِّر للناس على أنه يرصد تحركاتهم وهمساتهم في غرف النوم تبقى فيه هذه الفجوة الواسعة التي تدخل منها طائرات مفخخة.
إنها شواهد على أن قدرة البشر محدودة، وعلمهم قاصر ، وأن مظاهر القوة لا تعني التناهي ولا الإحاطة ، ولكن غرور البشر يجهل هذه الحقيقة وتُسكِرُهُ نشوة القوة، فيقول: (من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) وحينها تأتي أحداث تكشف للمغرورين بقوتهم وعلمهم ما فيها من قصور (فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ).
إن الحدث يكشف للقوى العالمية المتنفذة أن اعتماد الحلول الأمنية لا يحقق الهدف وحده، ما لم يكن مصحوباً بدرجة عالية من الواقعية الحوارية ، والتنفيس ، وتفهم وجهات نظر الآخرين وخصوصياتهم والاستماع الجيد إليهم .

ALI 9
29-09-01, 06:45 am
جزاك الله خير


المطـــــــــــــــــــنون