المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم الأناشيد الإسلامية


عكس العكس
05-03-05, 03:11 pm
الأدلة الشرعية
في حكم
الأناشيد الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ،،،
فقد شاعت الأناشيد المسماة – خطأً وبهتاناً – إسلامية(1) بين المسلمين عموماً ، وشباب الاستقامة خصوصاً ، وامتلأت التسجيلات الإسلامية منها ، وكثر المنشدون المحسوبون على أهل الاستقامة والديانة ، بل صار من بينهم أئمة مساجد ومصلحون ، وازداد البلاء بما علم من فتنة الفتيات بأصوات هؤلاء الناعقين ، والتحدث بهم في المجالس والتجمعات بين العالمين ، ونشر هؤلاء المنشدين أرقام هواتفهم مع إنشادهم وأخشى أن ينشروا في المستقبل صورهم ، فلما كان هذا كله وزيادة كان لزاماً شيوع إنكارها بين مريدها ومبتغيها بالكلمة والكتابة حتى يظهر الحق فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة.
وقد جعلت هذا الرد فصولاً :
الفصل الأول / ما الأناشيد المعنية في هذا الرد ؟.
الفصل الثاني / شبهات المنشدين وردها .
الفصل الثالث / بعض فتاوى العلماء المعاصرين .

الفصل الأول / ما الأناشيد المعنية في هذا الرد ؟

ليست الأناشيد المصحوبة بالدف معنية بهذا الرد لوضوح حرمتها ، لأن الدفوف من جملة المعازف(2) ، والمعازف محرمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري . وروى ابن حزم في المحلى(3)وصححه "أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجواري في المدينة معهن الدفوف فيشققونها " .
وللأسف لقد انتشر هذا النوع من الأناشيد في التسجيلات الإسلامية ، وكثر استماع بعض شباب الاستقامة(4) لها ، وهم في استماعهم وطربهم مستحلون غير شاعرين بالحرمة
والإثم فصدق الرسول صلى الله عليه وسلم :" ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " .
وليس المعني بهذا الرد ـأيضاًـ تلك الأناشيد المتضمنة كلاماً محرماً كالإنشاد بالاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكون بدعية هذا النوع ظاهراً عند كثير من شباب الاستقامة .
وإنما المعني بهذا الرد الإنشاد المجرد المتخذ وسيلة لهداية الخلق ودعوتهم . ومعنى اتخاذها وسيلة دعوية أن المنشد يرجو الأجر بإنشاده لأنه يتسبب في جلب الشباب إلى أماكن تجمعات الخير ، وعدم إملالهم منها ، وأيضاً هو يريد جعل الأناشيد بديلاً من الغناء المحرم وهذه وسيلة دعوية لترك الغناء وهكذا ... وفي هذا الرد التدليل والنقل عن العلماء الراسخين بحرمة الأناشيد الإسلامية الشائعة – الآن – مطلقاً سواء اتخذت وسيلة دعوية أو لم تتخذ لأنها على ألحان الأغاني الماجنة فهل من مدكر ؟ .

الفصل الثاني / شبهات المنشدين وردها :

تتلخص شبهات المنشدين في ثلاث شبه :

الأولى / أنه ثبت عن الصحابة الإنشاد في مواطن مختلفة ، منها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – في قصة حفر الخندق قال : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بنا من النصب والجوع قال :
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، فسرنا ليلاً ، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك ؟
- قال – وكان عامر رجلاً شاعراً حداء – فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا … الحديث .
وروى الشيخان عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان معه غلام له أسود يقال له : أنجشة يحدو ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ويحك يا أنجشة ، رويدك سوقاً بالقوارير "
قالوا : فدلت هذه النصوص وغيرها على جواز الإنشاد ، وهل إنشادنا إلا هذا ؟! .

الثانية / أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا بدليل ، وهذه الأناشيد على هذا الأصل إلا بدليل ينقلها عنه ، وليس هناك دليل شرعي ناقل عن هذا الأصل ، وكل ما هو مباح فيجوز اتخاذه وسيلة من وسائل الدعوة ، فإن وسائل الدعوة غير توقيفية .

الثالثة/ أنه ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن عمر بن الخطاب مرّ بحسان وهو ينشد(1) في المسجد فلحظ إليه فقال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك .
وجه الدلالة / أن حساناً تعبد الله بإلقاء الشعر ، وفي بيت من بيوت الله ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم – يسمعه ولا ينكر ذلك .

جواب الشبهة الأولى / إن غاية ما تقرره الأدلة المذكورة في الشبهة الأولى أن الأناشيد من جملة المباحات ، وهذا لا نختلف فيه وليس هو مورد النزاع ، وإنما مورد النزاع في جعل الأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله(1). وهذا مما يجعلنا ننتقل إلى جواب الشبهة الثانية المتضمن جواباً على الشبهة الأولى .

جواب الشبهة الثانية / مبني على مقدمتين :
الأولى : أن البدع تدخل في وسائل العبادة كما تدخل في العبادة نفسها( كالدعوة إلى الله ) ، ومن الأدلة على ذلك ما رواه البخاري في قصة جمع المصحف وأن عمر بن الخطاب أشار على أبي بكر بالجمع ، فقال له أبو بكر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمثل هذا أجاب زيد بن ثابت أبا بكر الصديق لما عرض عليه جمع المصحف . ففي هذا دلالة واضحة على أن البدع تدخل في الوسائل كما تدخل في العبادة ذاتها ؛ وذلك أن جمع المصحف من الوسائل ، ومع ذلك احتجوا بعدم فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : لماذا –إذاً- جمعوا المصحف مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله عليه وسلم لم يفعله ؟ فيقال : لأن مقتضي ( أي: سبب ) الجمع وجد في زمان أبي بكر- رضي الله عنه - ولم يكن موجوداً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو حي بين أظهرهم فبوجوده لا يخشى ذهاب القرآن (2).
ومن الأدلة أيضاً : ما ثبت عند الدارمي وابن وضاح أن ابن مسعود أنكر على الذين كانوا يعدون تكبيرهم وتسبيحهم وتهليلهم بالحصى ، واحتج عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوا مع أن عدَّ التسبيح راجع للوسائل . وكن – أخي القارئ – على علم بأن كل ما روي في التسبيح بالحصى من حديث أو أثر فإنه لا يثبت كما بين ذلك العلامة الألباني – رحمه الله – (3)، والشيخ بكر أبو زيد - شفاه الله -(4) .

تنبيه / كثيراً ما تجوّز البدع وتستحسن باسم المصلحة ، قال ابن تيمية :والقول بالمصالح المرسلة يشرع من الدين ما لم يأذن به الله غالباً . وهي تشبه من بعض الوجوه مسألة
الاستحسان والتحسين العقلي والرأي ونحو ذلك – ثم قال – وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل الملك حسبوه منفعة أو مصلحة نافعاًَ وحقاً وصواباً ولم يكن كذلك ا.هـ (1)

الثانية : هل وسائل الدعوة توقيفية أم لا ؟ وجواب هذا راجع إلى معرفة الفرق بين المصالح المرسلة والبدع المحدثة .


وخلاصة ذلك أمران :

الأول / أن ينظر في هذا الأمر المراد إحداثه لكونه مصلحة ، هل المقتضي لفعله كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والمانع منتفياً ؟
أ/ فإن كان كذلك ففعل هذه المصلحة – المزعومة – بدعة إذ لو كانت خيراً لسبق القوم إليه فإنهم بالله أعلم وله أخشى وكل خير في اتباعهم فعلاً وتركاً .
ب/ أما لو كان المقتضي (أي: السبب المحوج ) غير موجود في عهدهم أو كان موجوداً لكن هناك مانع يمنع من اتخاذ هذه المصلحة فإنه لا يكون بدعة بل يكون مصلحة مرسلة ، وذلك مثل جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن المقتضي لفعله غير موجود إذ هو بين أظهرهم لا يخشى ذهابه ونسيانه أما بعد موته فخشي ذلك لأجل هذا جمع الصحابة الكرام القرآن .
ومن الأمثلة أيضاً : الأذان في مكبرات الصوت ، وتسجيل المحاضرات في الأشرطة السمعية ، وصلاة القيام في رمضان جماعة ، فكل هذه الأمور كان يوجد مانع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعلها . أما الأمران الأولان : فعدم إمكانه لعدم وجودها في زمانه ، أما الأمر الثالث : فإنه ترك الفعل خشية فرضه ، وبعد موته لم يكن ليفرض شيء لم يكن مفروضاً من قبل .
الثاني / إن كان المقتضي غير موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلَّم فيُنظر فيه هل الداعي له عندنا بعض ذنوب العباد ؟ فمثل هذا لا تُحَدثُ له ما قد يسميه صاحبه مصلحةً مرسلةً بل يؤمرون بالرجوع إلى دين الله والتمسك به ؛ إذ هذا المطلوب منهم فعله، والمطلوب من غيرهم دعوتهم إليه. ويمثل لهذا بتقديم الخطبة على الصلاة في العيدين لأجل حبس الناس لسماع الذكر فمثل هذا من البدع المحدثة لا من المصالح المرسلة . وإليك كلام الإمام المحقق ابن تيمية في بيان هذا الضابط قال ابن تيمية " والضابط في هذا – والله أعلم – أن يُقال : إن الناس لا يحدثون شيئاً إلا لأنهم يرونه مصلحةً إذ لو اعتقدوه مفسدةً لم يُحدثوه ، فإنه لا يدعوا إليه عقلٌ ولا دينٌ فما رآه الناس مصلحةً نظر في السبب المحوج إليه ، فإن كان السبب المحوج أمراً حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلَّم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلَّم لمعارضٍ زال بموته .
وأما ما لم يحدث سببٌ يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا يجوز الإحداث فكل أمرٍ يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم موجوداً لو كان مصلحةً ولم يُفعل يُعلم انه ليس بمصلحةٍ وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخلق ، فقد يكون مصلحة .
ثم هنا للفقهاء طريقان :
أحدهما : أن ذلك يفعل ما لم يُنه عنه وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة .
والثاني : أن ذلك لا يُفعل إن لم يُؤمر به وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة وهؤلاء ضربان :
منهم من لا يثبت الحكم ، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع ، أو فعله ، أو إقراره وهم نُفاة القياس. ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون فأما ما كان المقتضي لفعله موجوداً لو كان مصلحةً ، وهو مع هذا لم يشرعه ،فوضعه تغييرٌ لدين الله وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدِّين ، من الملوك والعلماء والعباد أو من زلَّ منهم باجتهاد ، كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلَّم وغير واحدٍ من الصحابة " إن أخوف ما أخاف عليكم زلَّة عالم ، وجدال منافقٍ بالقرآن ، وأئمةٌ مضلُّون " فمثال هذا القسم الأذان في العيدين ، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء ، أنكره المسلمون لأنه بدعةٌ ، فلو لم يكن كونه بدعةً دليلاً على كراهيته ، وإلا لقيل هذا ذكرٌ لله ودعاءٌ للخلق إلى عبادة الله ، فيدخل في العمومات .كقوله  اذكروا الله ذكراً كثيراً  وقوله تعالى  ومن أحسن قولاً ممن دعآ إلى الله وعمل صالحاً  -ثم قال -ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدع بتفريطٍ من الناس تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعةٌ واعتذر من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضُّون قبل سماع الخطبة ، وكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لا ينفضُّون حتى يسمعوا أو أكثرهم فيُقال له سببُ هذا تفريطك فإن النبي صلى الله عليه وسلَّم كان يخطبهم خطبةً يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم ، وأنت قصدك إقامة رياستك ، وإن قصدت صلاح دينهم ، فلا تعلمهم ما ينفعهم فهذه المعصية منك لا تُبيح لك إحداث معصيةٍ أخرى بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله وتتبع سنة نبيه وقد استقام الأمر وإن لم يستقم فلا يسألك الله إلا عن عملك لا عن عملهم وهذان المعنيان من فهمهما انحلَّ عنه كثيرٌ من شبهِ البدع الحادثة "ا.هـ(1)
وبعد هاتين المقدمتين يقال: إن اتخاذ الأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة بدعة لأن وسائل الدعوة فيما وجد مقتضاه عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه مع انتفاء المانع توقيفية بخلاف ما عدا ذلك .فهي بهذا محدثة داخلة في عموم ما أخرجه مسلم عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" فإن كل بدعة ضلالة " وما أخرجه الترمذي وصححه ابن عبد البر عن العرباض بن سارية أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" وكل محدثة بدعة " وما رواه الشيخان عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وما رواه الدارمي عن ابن مسعود أنه قال :" كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير وينشأ فيها الصغير تجري على الناس يتخذونها سنة إذا غيرت قيل : إنها غيرت السنة أو هذا منكر " وما روى الدارمي عن حسان بن عطية التابعي الجليل أنه قال :" ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع من سنتهم مثلها " وما روى اللالكائي عن سفيان الثوري أنه قال :" البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها " .
فإنه لو كان اتخاذ هذه الأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة خيراً لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أسرع الناس إليها إذ لا مانع يمنعهم من اتخاذها وهم أحرص على هداية الخلق كما قال تعالى في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " لا سيما والأناشيد معروفة عندهم - كما سبق -، قال ابن تيمية: وأما سماع القصائد لصلاح القلوب والاجتماع على ذلك إما نشيداً مجرداً(1) وإما مقروناً بالتغبير ونحوه مثل الضرب بالقضيب على الجلود حتى يطير الغبار ومثل التصفيق ونحوه فهذا السماع محدث في الإسلام بعد ذهاب القرون الثلاثة وقد كرهه أعيان الأئمة ولم يحضره أكابر المشائخ – ثم قال – فتبين أنه بدعة ولو كان للناس فيه منفعة لفعله القرون الثلاثة .
ولم يحضروه مثل ابن أدهم والفضيل ومعروف والسري وأبي سليمان الداراني والشيخ عبد القادر وغيرهم وكذلك أعيان المشائخ .ا.هـ(2)
فليتق الله امرؤ بتقدمه بين يدي رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما يزعمه خيراً ، أكانوا له جاهلين وأنت به عارف ؟ أم كانوا به عالمين وأنت لهداية الخلق منهم أحرص؟.

جواب الشبهة الثالثة /
إن الشعر الذي كان يلقيه حسان بن ثابت شعر يرد به على المشركين ، ويدافع به عن رسول رب العالمين كما ثبت في الصحيحين أن أبا سلمة بن عبد الرحمن "سمع حسان بن ثابت ينشد أبا هريرة : أنشدك الله هل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول : يا حسان أجب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اللهم أيده بروح القدس . قال أبو هريرة : نعم ". فأين الإنشاد ( الذي هو رفع الصوت بالشعر –كما سبق - ) بالرد على المشركين من شعر ملحن يقصد من ورائه هداية الضالين ، وإرشاد الغاوين ؟ ففعل حسان وإن كان فيه التعبد بالرد فإنه لا يصح أن يقاس عليه جعل الأناشيد وسيلة دعوية لأنهما متغايران ؛ لكون فعل حسان رداً على الكافرين وفعل هؤلاء جذباً للفاسقين ، ثم على فرض – جدلاً – التساوي بينهما فإن ترك الرسول صلى عليه وسلم وأصحابه لهذا العمل وهو المسمى بالسنة التركية مقدم على القياس بل ويحكم عليه بالفساد كما بين ذلك المحققون كابن تيمية وابن القيم (3).
قال الشاطبي : منها المنافحة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعن الإسلام وأهله ، ولذلك كان حسان بن ثابت –رضي الله عنه – قد نصب له منبر في المسجد ينشد عليه إذا وفدت الوفود ، حتى يقولوا : خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا ، ويقول له عليه السلام :" اهجهم وجبريل معك "، وهذا من باب الجهاد في سبيل الله ، فليس للفقراء(1) من فضله في غنائهم بالشعر قليل ولا كثير ا.هـ(2)

وبعد تفنيد هذه الشبه يتبين أن هذه الأناشيد محرمة تحريماً شديداً لما يلي :
1) أنها بدعة محدثة – كما سبق - .
2) أنها تصد الناس عن القرآن وذكر الله فمن اعتادها ثقل القرآن على قلبه، وهذا شيء ملحوظ ملموس ذكره كاف عن البرهنة عليه . قال الشافعي : خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يزعمون أنه يرقق القلوب يصدون به الناس عن القرآن " .
وهذه الأناشيد يزعم أصحابها أنها ترقق القلوب وصدوا بها الناس عن القرآن ، لا سيما أولئك الذين أقاموا المهرجانات الإنشادية، وجمعوا الناعقين من أماكن مختلفة ، وحاكوا في فعالهم المغنين الماجنين ، فيا إلهي ما أحلمك وأشد صبرك لمن زعم هذا الفعل إسلامياً وتدين به لك !!
أما الأناشيد المنتشرة -الآن - في التسجيلات الإسلامية فكثير منها تلحن تلحين الأغاني المنصوص على حرمتها(3) فهذه محرمة على كل حال لما فيها من التشبه بالحرام(4) والفساق ، فإذا اتخذت وسيلة دعوية زادت حرمتها حرمة ، فكيف إذا كان المنشدون مرداناً وفتيات وأصحاب أصوات فاتنة قد زادها أصحابها فتنة بالتمطيط والتمييع ؟ أم كيف إذا كان المنشد الناعق يخرج نفسه منشداً في أفلام مرئية متنقلاً بين الأزهار والأشجار والأحجار تشبهاً منه بالمغنيين الفاسقين الماجنين ؟ فما أشد الخيبة والعار إذا كان هذا كله يصدر من أناس ظاهرهم الهداية والاستقامة !! ألا تابوا وأنابوا ومن ربهم خافوا .




الفصل الثالث / بعض فتاوى أهل العلم المعاصرين :

قد تواترت فتاوى كثير من علماء العصر على تحريم هذه البدعة ، والتحذير منها . ومن هؤلاء العلماء :
1 - الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله -: قرر بدعيتها في كثير من مسجلاته الصوتية ،وفي كتابه تحريم آلات الطرب ص158.
2- الشيخ المجاهد حمود التويجري –رحمه الله – : له في ذلك رسالة بعنوان (إقامة الدليل في المنع من الأناشيد الملحنة والتمثيل) بين فيها كونها من البدع الصوفية .
3- الشيخ الفقيه العلامة الفهامة محمد بن صالح آل عثيمين – رحمه الله -: قال في فتاوى العقيدة ص651 : الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع مما ابتدعته الصوفية ولهذا ينبغي العدول عنه إلى مواعظ القرآن والسنة، اللهم إلا أن يكون في مواطن الحرب ليستعان به على الإقدام والجهاد في سبيل الله تعالى فهذا حسن . وإذا اجتمع معه الدف كان أبعد عن الصواب ا.هـ ولا تنس أن الشيخ في إنكاره على المدعو مساعد الراشد – كما سبق نقله- حرم ما كان على ألحان الأغاني ، ثم إن له كلاماً آخر جوز فيه بعض صور الأناشيد فليجمع مع كلامه هذا ثم يطبق على واقع الأناشيد الحالية .
4- سماحة المفتي العام الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ – حفظه الله – : فقد نص على بدعيتها في عدة فتاوى . راجع شريط أقوال العلماء في الأناشيد والتمثيل(1).
5- الشيخ العلامة صالح الفوزان – حفظه الله - : قرر في بحث له مفيد أنها بدعة صوفية محرمة (2).
6- شيخي الفاضل عبد الرحمن البراك – حفظه الله -: سمعته ينص على أنها بدعة صوفية .
7- الشيخ بكر أبو زيد – عافاه الله - : كما في حاشية كتابه تصحيح الدعاء ص311 .
8- فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله - : نص على حرمتها ، راجع شريط أقوال العلماء في الأناشيد والتمثيل .
9- شيخي عبد الله بن صالح العبيلان – حفظه الله – لما سألته عن حكمها أملى عليّ ما نصه: لا يخلو حكمها عن أحوال ثلاثة : الأولى : أن يكون على وجه التدين فهذا محرم ، لأنه من عمل النصارى في كنائسهم والرسول صلى الله عليه وسلم قال :" من تشبه بقوم فهو منهم ".
الثانية : أن يتخذ وسيلة للدعوة فهذا محرم أيضاً ، وذلك لأن وسائل الدعوة التي يتعبد الله بها لابد فيها من التوقيف .
الثالثة : أن لا تفعل على وجه التعبد فلا بأس من فعلها بشرط ألا تغلب على ما أمر به العبد من ذكر الله .


أبعدَ هذا هل لا يزال طائفة من الناس مصرين على استخدام الأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة ؟ هذا ما لا أرجوه .لأنه أقل ما يقال – لمن لم يقنع بهذا الكلام -: إنها من جملة الشبهات وطريقة أهل الإيمان تجنبها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان بن بشير :"ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام " . علماً أن كثيراً من هؤلاء العلماء كان كلامهم هذا عن الأناشيد قبل حدوث التطورات الجديدة فيها خلال هذه السنين المتأخرة وقبل توسع المنشدين –هداهم الله-حتى إن بعض الأناشيد صاحبها دف – نسأل الله السلامة – وإن للأناشيد مفاسد أخرى تركتها اختصاراً تجدها مذكورة في كتاب القول المفيد في حكم الأناشيد – جزى الله المؤلف خيراً -.
خلاصة البحث : إنّ الأناشيد إنْ كانت على ألحان الأغاني فهي محرمة مطلقاً – وهذا هو واقع أكثر الأناشيد اليوم – وإن لم تكن على ألحان الأغاني فإن المحرم منها ما جعل وسيلة دعوية فمن سمعها تسلية غير داخل في الإثم مع كون المنشد نفسه آثماً لأنه في الأصل لم ينشده إلا دعوة .
ختاماً :
فإني أدعو المنشدين ، والمستمعين لهذه الأناشيد ، والبائعين لها في التسجيلات أن يقلعوا عن هذا الفعل الوخيم ، وأن يستشعروا معصيتهم للرب العليم ؛ إذ هي أشد إثماً من الأغاني الماجنة .قال العلامة فضيلة الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: إن هذه الأشياء – أي الأغاني الماجنة – لا يجوز سماعها والاشتغال بها ، لكن ليس البديل منها أناشيد أخرى قد يكون استماعها أشد إثماً إذا عددناها دينية ، وسميناها إسلامية ، لأن هذا يعد ابتداعاً وتشريعاً لم يأذن الله به . والبديل الصحيح هو تسجيل القرآن الكريم والأحاديث النبوية والمحاضرات في الفقه والعقيدة والمواعظ النافعة . هذا هو البديل الصحيح ، لا أناشيد الصوفية وأشباههم ا.هـ(1)وما ذكره الشيخ حق لا مرية فيه فإن البدعة أشد من المعصية بالإجماع.
قال ابن تيمية " أهل البدع شرٌ من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع ا . هـ(2) ، وقال ابن القيم " بل ما أكثر من يتعبد الله بما حرمه الله عليه ، ويعتقد أنه طاعةٌ وقربةٌ ، وحاله في ذلك شرٌ من حال من يعتقد ذلك معصيةً وإثماً ، كأصحاب السماع الشعري الذي يتقربون به إلى الله تعالى ، ويظنون أنهم من أولياء الرحمن ، وهم في الحقيقة من أولياء الشيطان " ا . هـ (3) .
ثم إني أحذر من يخشى الله واليوم الآخر أن يسوغ لنفسه إعداد وبيع وسماع هذه الأناشيد البدعية بحجة أن هناك من يفتي بجوازها ، فإن الخلاف لم يكن ولن يكون دليلاً ترد به الأدلة بل إنه ضعيف مفتقر إلى الدليل كما قال تعالى :" وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله " والأدلة الشرعية الصحيحة على حرمة هذه الأناشيد قد أبرزت لك ، فبادر- مبتغي الجنان – هجرها استجابة لقول الله تعالى :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً " وإياك والرخص فإنه من تتبعها تزندق كما قاله إبراهيم التيمي– رحمه الله-(1).
ثم أنبه الأخوة الأفاضل إلى أن الأناشيد المتخذة وسيلة من وسائل الدعوة هي مما اشتهرت به جماعة الإخوان المسلمين (المعروفة) التي أسسها حسن البنا – رحمه الله – ذلكم المؤسس الذي جمع - وللأسف – بدعاً شتى كالبيعة على الطريقة الصوفية الحصفية (2) وشد الرحال إلى بعض القبور(3) وموالاة اليهود والنصارى بزعم أن الدين الإسلامي الحنيف لا يعاديهم ديناً وأنهم إخوان لنا وأن عداوتنا مع اليهود عداوة أرض فحسب(4)، وهو من دعاة القومية العربية(5) ومن دعاة التقريب مع الشيعة(6)وهو الذي بنى جماعته على قاعدة " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا" هذه القاعدة التي فندها علماء السنة الأجلاء كابن باز والألباني وابن عثيمين – رحمهم الله رحمة واسعة وجعل الفردوس الأعلى قرارهم –كما تجد ذلك في كتاب " زجر المتهاون بضرورة المعذرة والتعاون " .أكتب هذا والقلب يتقطع حسرة كيف يعظم ويلمع من جمع هذه المخالفات العظام عند أبناء التوحيد ؟ أم كيف لا يرد عليه ويشهر به حتى يكون جيل التوحيد والسنة على معرفة وحيطة ؟
وإن لمن الحرمان ومتابعة الشيطان أن ترى أناساً جعلوا ديدنهم الدفاع عن أمثال هذا المؤسس معاندة منهم لإخوانهم الناصحين ، أو تميعاً للبدع الهادمة للدين ، وكأن الحياة دائمة أبد الأبدين ، وإني لأستثني من لم يكن على دراية – وهم كثر – لكنهم إذا تبين لهم سارعوا بالبراءة منهم لبدعهم وزللهم تقديماً لمحبة الله على كل أحد وخوفاً من عذاب الله الأحد ، قال تعالى :" من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " وقال :" واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .

وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد العزيز بن ريس الريس
22 / 3 / 1422 هـ

الرمادي
07-03-05, 12:31 am
شكرا لك اخي عكس العكس على هذا البحث المتكامل


تقبل تحياتي ,,

بندر الحمر
12-03-05, 05:48 pm
جزاك الله ألف خير أخي عكس العكس

يعطيك العافيه تفصيل جميل للحكم

فلافل
13-03-05, 02:15 am
جزاكم الله خيراً

للفائدة..

قال العلامة عبدالعزيز ابن باز رحمه الله : الأناشيد الإسلامية تختلف فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير والتذكير بالخير وطاعة الله ورسوله والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء والاستعداد للأعداء ونحو ذلك فليس فيها شيء ، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي واختلاط النساء بالرجال أو تكشف عندهم أو أي فساد فلا يجوز استماعها اهـ

"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (3/437) .

و قال أيضا رحمه الله : الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار؛ إن كانت سليمة فهي سليمة ، و إن كانت فيها منكر فهي منكر ... و الحاصل أن البَتَّ فيها مطلقاً ليس بسديد ، بل يُنظر فيها ؛ فالأناشيد السليمة لا بأس بها ، والأناشيد التي فيها منكر أو دعوة إلى منكرٍ منكرةٌ

[ راجع هذه الفتوى في شريط أسئلة و أجوبة الجامع الكبير ، رقم : 90 / أ ]



أخوكم.......فلافل :)

صالح 493
16-04-05, 08:26 am
الاناشيد الاسلامية الحقيقية جميلة فعلا وتستحق الاهتمام ويلزم ان يحفظ الاطفال جميلها لان لها وقع فى اذهانهم وتحمسهم ايضا ويجب ابعاد الاطفال عن الاناشيد الغير هادفة والتى تتنافى مع ديننا وقيمنا وعاداتنا واخلاقنا والتوفيق للجميع

الوقاص
07-05-05, 01:03 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكرك اخي عكس العكس
كذلك الشيخ عبد الله بن جبرين قال الأصل الإباحة ما عد إذ خالطها ادوات اللهو

متفائل
07-05-05, 02:16 am
أخي عكس العكس .. متمنيآ لك التوفيق في كل أمرك ...

أما أمرالغناء الملتزم أوالأناشيد الإسلامية فقد حمل مالايحتمل من بعض أحبتنا بسبب توجهات فكرية بحتة _ ولعلك فهمت_ ومن جهة أخرى توجهات لها مصالح لاتتوافق مع الطرح الغالب على الفن الإسلامي الأصيل ..

ولست بصدد نقاش لهذا الأمر لكنني أدعو كل مسلم أن تكون نيته صادقة في البحث عن الحق بعيدآ عن مذكيات التوجه الفكري البحت !!!!!!

أحبتي : النشيد الإسلامي جانب تربوي هادف وليس عندي شك في حله.. وقد سألت الإمام ابن باز رحمه الله شخصيآ فأجاب بحله وأنه لايرى فيه بأسآ .. وغيره الكثيرمن العلماء ..
وأحيلكم إلى أشرطة قضايا فقهية معاصرة للدكتور علي بن حمزة العمري فقد بحث الأمر بالتفصيل ..

وفي الجانب الواقعي تكفيك إطلالة عالمية سريعة لتتعرف على الدور الكبير الذي يلعبه النشيد الإسلامي في سبيل غرس المعاني الجميلة في النفوس ..
وعجبي يطول من _ بعض القوم _ حينما تعالوا على الفن الملتزم وفي المقابل أراهم تقازموا في مقابل الغناء الهابط !!!!!
وليتهم حينما إستغلوا مناصبهم تجاه الإنشاد الهادف _ بسبب عدم موافقته لفكرهم _ أقول ليتهم أحسنوا صنعآ واستغلوا المنصب للحد من خطورة الغناء الماجن الذي يدعم بأموال وطنية معروفه !!!
ليتهم فعلوا !! لكنني أراهم وللأسف _ قد جبنوا_ !!!!! لأسباب يعرفها الكثير ...

أحبتي .. إن في الخاطر لحسرة على عقول باتت تراوح مكانها دون حراك !! وقد صار جل همها أن تبحث عن النشيد وحكمه ! , وعن الدف وشأنه ! , وعن خطورة الداعية الذي يحلق لحيته !!! , وعن قناة المجد وخطرها الكبير _ بزعمهم _ !!!

إننا بحاجة يابني قومي لرجال يمضون إلى حيث عالمية الإسلام بكل أفق واسع .. حاجتنا إلى دعاة ينظرون إلى الأمام بعين ترقب السماء الفسيح الذي يسع كل صاحب فكرة تنشد الدعم لمشروع الإسلام الكبير..

إننا بحاجة إلى وثبة جماعية لننفض من أجسادنا وعقولنا فكرة الحكر والوصاية على الإسلام !!!

إننا بحاجة إلى صدق الإنتماء للإسلام .. وللإسلام فقط.. بكل ماتحمله كلمة الإسلام من معاني ..

ولعل القارئ قد فهم ماأعني ؟

ولي عودة للتعليق أحبتي .